آفاق عملية السلام بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة
تستعد إسرائيل اليوم الاثنين لإخلاء أخر مستوطنات قطاع غزة لتكمل بذلك إجلاء سريعا يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي اريل شارون انه يهدف لإنهاء 38 عاما من الاحتلال. ودخلت القوات الإسرائيلية اليوم أخر المستوطنات اليهودية في قطاع غزة لإستكمال إخلاء جميع الجيوب الاستيطانية.
وفي كلمة إلى وحدات الجيش التي تقوم بعملية الإخلاء شكر رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون جنوده على ما وصفه بأنه "شيئا بالغ الصعوبة" بالنسبة للسكان وبالنسبة للجنود "لكنه ضروري لدولة إسرائيل".
إخلاء لمستوطنات في الضفة الغربية
وفقا لخطة "فك الارتباط" سيتم إخلاء 4 مستوطنات بالضفة الغربية. ويعد المتطرفون المعارضون للتخلي عن الأرض المحتلة لمواجهة أخيرة في الضفة. ويأمل معارضو الانسحاب في جعل ذلك الانسحاب يبدو صادما بدرجة تزيد من صعوبة مجرد النظر في التخلي عن مزيد من مستوطنات الضفة الغربية. وقد سارع مستوطنون إسرائيليون تعهدوا بمقاومة الإخلاء إلى تحويل بعض الجيوب المقرر إخلاؤها الى قلاع حصينة في محاولة أخيرة للتصدي لخطة شارون. ويخشى المسؤولون الامنيون من ان يبدي 2000 من غلاة القوميين الذين وفدوا إلى المستوطنات في الضفة الغربية المقرر إخلاؤها وتحصنوا فيهما مقاومة أشرس وربما يتخللها عنف مع بدء تنفيذ الإخلاء. ويعتقد البعض من المحللين ان التخلي عن الضفة الغربية يعتبر بالنسبة لليهود الدينيين أكثر إيلاما من التخلي عن غزة حيث الروابط الدينية اقل. فمستوطنتا سانور وحوميس تطلان على واد تقول التوراة ان أشقاء النبي يوسف باعوه فيه في سوق النخاسة.
الانسحاب قرار سياسي
المخاوف من ان عملية الإخلاء للمستوطنات اليهودية في قطاع غرة تبددت إلى حد كبير. فرغم المقاومة الشديدة إلا ان المستوطنين قد رضخوا في الأخير للأمر الواقع. كما ان الرأي العام الإسرائيلي بدأ يتقبل الأمر ولم يكن رد الفعل بتلك الصورة التي كانت متوقعة والتي راهن عليها المتطرفون وجزء من اليمين الإسرائيلي. ويبدو ان الإرادة السياسية للحكومة الإسرائيلية كانت أقوى من المراهنات السياسية ومن تهديدات المستوطنين والمتطرفين في عرقلة خطة الانسحاب.
ويشير المحلل السياسي الفلسطيني هشام عبد الله، في مقابلة تليفونية مع موقعنا، إلى أن عملية الإخلاء تمت بالفعل بشكل سلس وهو ما يعني أن المخاوف التي كانت الحكومة الإسرائيلية تسوقها لا يبدو أنها موجودة، معللا ذلك بان الكثير من المستوطنين رضخوا للأمر الواقع و قبلوا طواعية بإخلاء المستوطنات. ويضيف عبد الله بان "العملية في الأول والأخير سياسية". وهو يعتبر ان الإخلاء "عملية تكتيكية" لمواجهة ضغوط دولية ولخلق أمر واقع ويصف الانسحاب بأنه انسحابا غير كاملا ومن طرف واحد. وكان الدكتور راينر بيرنشتاين، الباحث في العلوم السياسية والشؤون اليهودية، قد اعتبر في مقابلة مع موقعنا ان شارون قد لجأ إلى سياسة "نهاية موجعة للألم بدلا من الم بلا نهاية". وهو لا يعتقد ان شارون بهذه الخطوة قد وضع فعلا نهاية للألم.
إخلاء مستوطنات وتوسيع أخرى!
الانسحاب الإسرائيلي من بعض المستوطنات يرافقه في الوقت نفسه خطة لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية. فقد نقل عن رئيس الوزراء الإسرائيلي اريل شارون نيته عن توسيع المستوطنات اليهودية بالضفة الغربية معتبرا ان لكل حكومة إسرائيلية "أهمية استراتيجية في مناطق معينة" بصرف النظر عما إذا كانت يسارية أو يمينية أو ائتلافية. ويعتقد على نطاق واسع ان الضرورات الأمنية هي التي تقف وراء الانسحاب الإسرائيلي من غزة ومن بعض المستوطنات في الضفة. فهذه المستوطنات ليست أكثر من جيوب معزولة وسط محيط سكاني فلسطيني كبير. وهو ما يكلف الحكومة الإسرائيلية الكثير في الحفاظ على امن هذه البؤر الاستيطانية. كما ان الانسحاب من غزة لا يعدو ان يكون إعادة انتشار من داخل القطاع إلى أطرافة.
وعملية السلام تراوح مكانها
يعتقد المحللون السياسيون ان الانسحاب من غزة ومن بعض المستوطنات في الضفة الغربية لن يضيف شيئا الى عملية السلام المتعثرة. فهذه الخطوة كانت قرارا إسرائيليا منفردا ومن طرف واحد. ولم يأت في إطار أي من الاتفاقات الدولية بما فيها خارطة الطريق. إذ انه لم يتم في هذا الصدد سوى تنسيق امني. الفلسطينيون رحبوا بطبيعة الحال بالانسحاب إلا أنهم يعتبرونه منقوصا ولا يلبي طموحاتهم في إقامة دولة فلسطينية وفقا للاتفاقات الدولية. وقد اعتبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس الانسحاب من غزة بأنه "مرحلة أولى" مشيرا إلى انه لا يزال "هناك مراحل كثيرة أمامنا" معربا عن أمله بالوصول إلى الحل النهائي الذي تكون فيه الضفة الغربية خالية من أي استيطان وعن وجود حل للاجئين. وفي مقابلة مع رويتر وصف عباس الانسحاب الإسرائيلي بأنه "حدث مهم" معتبرا ذلك "تصحيح إسرائيل لأوضاع كانت خاطئه".
من ناحيته يربط اريل شارون العودة إلى تنفيذ خارطة الطريق بالشروط التي كان قد توقف الحوار بسببها. فهو ان كان قد اعتبر ان الخطوة التالية التي تلحق إخلاء المستوطنات هي العودة إلى خطة خارطة الطريق إلا انه ربط ذلك بشرط "نجاح السلطة الفلسطينية في وقف العنف والتحريض وتفكيك سلاح الفصائل والقيام بإصلاحات جذرية".
د: عبده جميل المخلافي