هل تضمن آلية دولة القانون الأوروبية حماية الديمقراطية؟
٤ فبراير ٢٠٢١
منذ سنوات يدور نقاش في الاتحاد الأوروبي حول كيفية وقف التطورات المناهضة للديمقراطية في الدول الأعضاء. فهل آلية دولة القانون الجديدة وسيلة ناجعة ومناسبة لضمان ذلك؟
إعلان
طوال شهور أثار ما يُسمى آلية دولة القانون للاتحاد الأوروبي النقاش والجدل لدى الرأي العام الأوروبي، وخلاف الفيتو مع بولندا والمجر سبب أزمة داخل الاتحاد الأوروبي. وبعد جدل حاد دخلت آلية دولة القانون حيز التنفيذ مطلع هذا العام. ويراد من خلال هذه الآلية تغيير كل شيء داخل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لضمان الشفافية والديمقراطية ودولة القانون. وهذه القاعدة من شأنها تمكين الاتحاد الأوروبي من معاقبة دول أعضاء إذا ما ابتعدت عن القيم الأساسية للاتحاد الأوروبي ومبادئ دولة القانون. ويدور جدل حاد منذ عقد من الزمن حول هذا النوع من إمكانيات المعاقبة داخل الاتحاد الأوروبي. وقد تجلى هذا التوجه أولا في عملية إعادة البناء غير الديمقراطية التي أطلقها رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوربان عام 2010 وفي عام 2015 جاءت سياسة حزب "القانون والعدالة" الذي يقود الحكومة البولندية في هذا الاتجاه أيضا. وكلا البلدين يدعوهما الاتحاد الأوروبي ومنذ سنوات للالتزام بمبادئ دولة القانون بدون جدوى، لأن إمكانيات العقاب إلى حد الآن فشلت جميعها.
من دولة القانون إلى آلية مكافحة الفساد
وآلية دولة القانون من شأنها وضع حد لهذا الأمر، لكن هل بمقدورها فعلا تحقيق ذلك؟ وهل هي ذات فاعلية قانونية بعد دخولها حيز التنفيذ مطلع هذا العام وهل يمكن تطبيقها؟ وهذا هو موقف المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي.لكن بولندا والمجر تتمسكان بأن تقوم المحكمة الأوروبية العليا بالتحقق من الآلية وتطبيقها بعد صدور حكمها. وهذا قد يطول لمدة سنة أو اثنتين. والقاعدة التي دخلت الآن حيز التنفيذ جاءت بمبادرة من البرلمان الأوروبي عام 2018. وفي الأصل كان الكثير من البرلمانيين يفكرون في آلية أوسع تمكن من معاقبة العديد من الخرقات لمبادئ دولة القانون في الاتحاد الأوروبي. لكن في يوليو/ تموز 2020 توصل البرلمان والمفوضية والدول الأعضاء إلى حل وسط: الآلية تم اختصارها في إطار الخروقات المتصلة بالأموال الأوروبية.
ويرى خبراء كثيرون أنه ومن خلال ذلك، قد تم تحويل الأمر من آلية لدولة القانون إلى آلية لمكافحة الفساد، و"للأسف هذا هو الواقع"، يقول خبير القانون الدستوري المجري المعروف غابور هاالماي، الأستاذ بجامعة فلورنسا، ويضيف لـ DW "وحقيقة أن يبقى الاتحاد الأوروبي عاجزا، في حالة المجر ومنذ عشر سنوات وفي حالة بولندا منذ خمس سنوات، عن معاقبة خروقات جسيمة لمبادئ دولة القانون، لا تتغير مع الآلية الجديدة". وحتى نائبة رئيس البرلمان الأوروبي، السياسية الألمانية كاتارينا بارلي غير سعيدة بحل الوسط هذا، وعبرت عن ذلك لـ DW بقولها "للأسف يجب القول بأن حكومتي بولندا وهنغاريا نجحتا في الانتقاص من الآلية".
وإلى جانب العراقيل التي وضعها معارضو الآلية هناك أيضا مبدأ "الغالبية المؤهلة" أي يجب أن تكون موافقة غالبية معينة في المجلس الأوروبي، الذي يتكون من رؤساء دول وحكومات أعضاء الاتحاد الأوروبي، على فرض عقوبات على أحد الأعضاء. وعمليا هذه الأغلبية تعني موافقة 15 عضوا من أصل 27 دولة وتمثل 65 في المائة على الأقل من مجموع سكان الاتحاد الأوروبي. وفي الأصل كان العكس مبرمجا وهو أن يتم وقف العقوبات بغالبية المجلس فقط. وكاتارينا بارلي تفيد أنه لا يمكن تقليص الآلية لتشمل قضايا مكافحة الفساد فقط، بل يمكن تطبيقها على نحو أوسع.
تحقيق من قبل المحكمة الأوروبية العليا
وبما أن حق المبادرة للإجراءات العقابية يكون في يد المفوضية الأوروبية فقط، فإن الكثير يبقى رهنا بإرادتها السياسية، كما تفيد بارلي. وفي هذه النقطة تبقى متشككة، إذ إلى حد الآن ظلت المفوضية متحفظة تجاه بولندا وهنغاريا.
وشعرت بارلي بثقة في موقفها المتشكك حين لم تعارض المفوضية الأوروبية في ديسمبر/ كانون الأول إعلان زعماء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي الذي يوصي بالتحقق من الآلية من جانب المحكمة الأوروبية العليا تطبيقها بطلب من الدول الاعضاء. وهذه الإمكانية تريد بولندا وهنغاريا استغلالها.
خيبة أمل الحقوقيين
وتنفي متحدثة باسم المفوضية الأوروبية في ردها على سؤال لـ DW صحة عدم إمكانية تطبيق آلية دولة القانون إلا بعد التحقق منها من قبل المحكمة الأوروبية العليا، وتقول إن "المفوضية تعكف على وضع ترتيبات لتطبيق القاعدة"، وتضيف أن "القاعدة ستُطبق ابتداء من يناير/ كانون الثاني 2021 ولا يحصل فقدان (إهمال) أي حالة".
وبغض النظر عن هذا يعبر خبراء وحقوقيون منذ الآن عن خيبة أملهم. فالآلية "خطوة إلى الأمام"، كما تقول مارتا باردافي، الرئيسة المشتركة للجنة هلسنكي المجرية، إحدى أهم المنظمات الحقوقية في هنغاريا. "لكن القاعدة تبقى وسيلة غير مرحب بها لحماية دولة القانون. ونتيجة الجدل الطويل لا يمكن لأحد أن يكون مسرورا بها".
وموقف أشد انتقادا جاء من خبير القانون الدستوري غابور هالماي، الذي أوضح أن الخاسرين الكبار في الجدل حول آلية دولة القانون هم الذين كانوا يأملون في وقف إجراءات القضاء على الديمقراطية ودولة القانون في بولندا وهنغاريا بمساعدة الاتحاد الأوروبي، ويقول "يجب عليهم الآن الاعتراف بأنه لا يمكن أن يعولوا على مساعدة بروكسل".
كينو فيرزيك/ م.أ.م
الاتحاد الأوروبي - عقود من التقدم والإخفاقات منذ اللبنة الأولى
فيما يلي المحطات الكبرى للاتحاد الأوروبي منذ تأسيس الكتلة الأوروبية وترسيخ بنائها من خطة لتحقيق التكامل بانتاج الفحم لاتحاد عابر للقوميات ومرورا ببريكسيت وأحداث منطقة اليورو وأزمة اللاجئين ووصولا إلى صعود المتطرفين.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/V. Ghirda
في التاسع من أيار/ مايو 1950...
... وضع وزير الخارجية الفرنسي روبير شومان أول حجر في البناء الأوروبي عندما اقترح على ألمانيا بعد خمس سنوات فقط على استسلامها في الحرب العالمية الثانية، تحقيق تكامل في الإنتاج الفرنسي الألماني للفحم والفولاذ في اطار منظمة مفتوحة لكل دول أوروبا. وقعت اتفاقية باريس التي نصت على إنشاء "مجموعة الفحم والفولاذ" بعد عام من ذلك فولدت أوروبا "الدول الست" (ألمانيا وبلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا).
صورة من: picture-alliance/dpa
في 25 آذار/ مارس 1957...
... وقعت الدول الست المعاهدة التأسيسية لأوروبا السياسية والاقتصادية. وقد أسست المجموعة الاقتصادية الأوروبية، السوق المشتركة القائمة على التنقل الحر مع إلغاء الحواجز الجمركية بين الدول الأعضاء. أما المؤسسات ومنها المفوضية والجمعية البرلمانية الأوروبية فلم تُنشأ إلا مطلع 1958.
صورة من: picture-alliance/AP Images
في كانون الثاني/ يناير 1973...
...انضمت بريطانيا والدنمارك وإيرلندا إلى السوق الأوروبية المشتركة، تلتها اليونان (1981) وإسبانيا والبرتغال (1986) والنمسا وفنلندا والسويد (1995). شكلت معاهدة ماستريخت الوثيقة التأسيسية الثانية للبناء الأوروبي ووقعت في السابع من شباط/ فبراير 1992. وهي تنص على الانتقال إلى عملة واحدة وتنشئ اتحاداً أوروبياً.
صورة من: picture-alliance/AP Images
اعتبارا من كانون الثاني/ يناير 1993...
... أصبحت السوق الواحدة واقعاً مع حرية تبادل البضائع والخدمات والأشخاص ورؤوس الأموال. وانتظر الأوروبيون حتى آذار/مارس 1995 ليتمكنوا من السفر بلا مراقبة على الحدود.
صورة من: picture-alliance/blickwinkel/McPHOTO
في الأول كانون الثاني/ يناير2002...
... دخل اليورو الحياة اليومية لنحو 300 مليون أوروبي. وفيما تنازلت معظم دول الاتحاد عن عملاتها الوطنية، اختارت الدنمارك وبريطانيا والسويد فقط الإبقاء على عملاتها.
صورة من: picture-alliance/D. Kalker
أيار/ مايو 2004
وبعد أن كان الأمر أقرب إلى حلم عند سقوط جدار برلين في 1989، جرى توسيع الاتحاد ليضم دولا من شرق أوروبا تدريجياً. قد انضمت عشر دول جديدة إلى الاتحاد الأوروبي في أيار/ مايو 2004 هي بولندا والجمهورية التشيكية والمجر وسلوفاكيا وليتوانيا ولاتفيا واستونيا وسلوفينيا ومالطا وقبرص. وفي 2007 انضمت بلغاريا ورومانيا إلى الاتحاد ثم كرواتيا عام 2013.
صورة من: picture-alliance/dpa
في ربيع 2005...
... دفع رفض الناخبين الفرنسيين والهولنديين للدستور الأوروبي، بالاتحاد الأوروبي إلى أزمة مؤسساتية. ولم يخرج منها إلا باتفاقية لشبونة التي كان يفترض أن تسمح بعمل مؤسسات أوروبا الموسعة بشكل أفضل وتمت المصادقة عليها بصعوبة في 2009.
صورة من: EC AV Service
أزمة مالية خانقة
في السنة نفسها، أعلنت اليونان عن ارتفاع كبير في العجز في ميزانيتها في أول مؤشر إلى أزمة مالية واسعة. طلبت اليونان ثم إيرلندا وإسبانيا والبرتغال وقبرص مساعدة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي اللذين طالبا بإجراءات تقشفية. أدت أزمة الديون هذه إلى سقوط رؤساء حكومات أوروبية الواحد تلو الآخر وعززت الشكوك في الوحدة الأوروبية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/D. Ochoa de Olza
أزمة اللاجئين
وما أن خرجت من هذه الأزمة المالية حتى واجهت أوروبا اخطر أزمة هجرة منذ 1945 مع تدفق مئات الآلاف من اللاجئين. واخفق الاتحاد الأوروبي في وضع خطة عمل مشتركة.
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Hoppe
بريكسيت
جاءت بعد ذلك أزمة بريكسيت التي وجهت ضربة إلى اتحاد اضعفه صعود الشعبوية والتشكيك في جدوى الوحدة الأوروبية. وبعد حملة تركزت على الهجرة والاقتصاد، صوت نحو 17.4 مليون بريطاني (51.9 بالمئة من الناخبين) في 23 حزيران/ يونيو 2016 مع خروج المملكة المتحدة من الاتحاد.
صورة من: picture-alliance/abaca/D. Prezat
لكن ...
... بعد ثلاث سنوات على الاستفتاء، لم يتم تطبيق بريكسيت الذي كان مقررا في 29 آذار/ مارس 2019. وقد وافقت الدول الـ27 الأخرى الأعضاء على إرجاء الموعد إلى 31 تشرين الأول/ أكتوبر لإعطاء وقت للطبقة السياسية البريطانية للاتفاق على طريقة الانسحاب.
صورة من: picture-alliance/D. Cliff
إتمام "بريكست" في دورة 2019 حتى 2024
لكن "يوم الخروج"، جاء لاحقا. فأخيرا وقع برلمان المملكة المتحدة على اتفاق "البريكست"، الذي أعيد التفاوض عليه، ليتم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي رسميًا في الساعة 23:00 بتوقيت غرينتش من يوم 31 يناير/ يناير 2020، وهو يقابل الساعة "00:00: من يوم أول فبراير/ شباط 2020 بتوقيت وسط أوروبا). وتبقى بريطانيا العظمى هي الدولة الوحيدة ذات السيادة التي غادرت الاتحاد الأوروبي حتى الآن.
صورة من: Getty Images/AFP/T. Akmen
دعم واضح لأوكرانيا ضد الغزو الروسي
تعرض الاتحاد الأوروبي لاختبار شديد، حينما اندلع قتال لم يحدث له مثيل في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. فقد بدأت روسيا هجوما غير مسبوق على أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط 2022. وبكل حزم ووضوح وقف الأوروبيون، باستثناء المجر، في وجه الغزو الروسي. وبدأوا خطوات عملية لدعم أوكرانيا ومن بينها فرض عقوبات صارمة على روسيا وتخصيص مساعدات بعشرات مليارات اليورو من أجل دعم أوكرانيا للصمود.
صورة من: Virginia Mayo/AP
"قطر غيت" تهز البرلمان الأوروبي
في ديسمبر 2022، تم سجن اليونانية إيفا كايلي، نائبة رئيسة البرلمان الأوروبي، احتياطياً في بروكسل في إطار تحقيق قضائي بشبهات فساد في البرلمان الأوروبي، يُعتقد أنّها مرتبطة بقطر والمغرب، تتعلق بمبالغ كبيرة قد تكون دفعتها قطر لمشرعين أوروبيين للتأثير في قرارات المؤسسة الأوروبية الرئيسية. وتم اطلاق سراح كايلي بعد عدة أشهر. وعرفت القضية باسم "قطر غيت"، ونفت قطر والمغرب أيّ علاقة لهما بهذه القضية.
صورة من: Twitter/Ministry of Labour/REUTERS
أول قانون في العالم للذكاء الاصطناعي
في مارس/ آذار 2024، أقر البرلمان الأوروبي "قانون الذكاء الاصطناعي"، كأول قانون شامل للذكاء الاصطناعي بالعالم. ويريد الاتحاد الأوروبي من خلاله تنظيم الذكاء الاصطناعي (AI) لتطوير واستخدام هذه التكنولوجيا والحماية من مخاطرها. ووافق وزراء الاتحاد الأوروبي بشكل نهائي على القانون في مايو/ أيار. ومن بنوده وجوب وضع علامة على المحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي مثل الصور أو الصوت أو النص.
صورة من: Christian Ohde/CHROMORANGE/picture alliance
إقرار قوانين اللجوء الجديدة بعد سنوات من التفاوض
بعد نحو عقد من الجدل حولها، أقرّ الاتحاد الأوروبي في مايو/ أيار 2024 خطة لإصلاح تاريخي لسياساته المتعلقة بالهجرة واللجوء من أجل السيطرة على الحدود لوقف الهجرة غير النظامية. وتتألف خطة الإصلاح من 10 تشريعات، دعمتها أغلبية كبيرة بالاتحاد. ومن المتوقع أن تدخل حيز التنفيذ في 2026 بعد أن تحدّد المفوضية الأوروبية كيفية تطبيقها. وجاءت الموافقة قبل شهر من الانتخابات الأوروبية، رغم ذلك صعد اليمين المتطرف.
صورة من: DesignIt/Zoonar/picture alliance
زلزال الانتخابات الأوربية 9 يونيو/ حزيران 2024
في انتخابات الدورة التشريعية الجديدة للبرلمان الأوروبي 2024-2029، حدث زلزال سياسي بصعود غير مسبوق في تاريخ الاتحاد لقوى اليمين المتطرف والقوميين، الذين حصلوا على أكثر من 140 مقعدا من إجمالي 720 مقعداً. وفي ألمانيا مثلا حل حزب البديل الشعبوي (الصورة لرئيسي الحزب شروبالا وفايدل) كثاني أكبر قوة، بعد حزبي الاتحاد المسيحي المحافظ، متفوقا على الحزب الاشتراكي الديمقراطي، أقدم حزب سياسي في ألمانيا.