أبعد من قرداحي.. كيف يؤدي لبنان ثمن التوتر السعودي-الإيراني؟
٣٠ أكتوبر ٢٠٢١
ما يجري بين لبنان والسعودية لا يعود فقط لتصريحات جورج قرداحي ولا لوقف الرياض منذ مدة استيراد الخضر والفواكه من لبنان بسبب "تهريب المخدرات"، بل كذلك بسبب تنافس قديم-جديد بين السعودية وإيران على النفوذ في لبنان.
وزير الإعلام جورج قرداحي في قلب أزمة إقليميةصورة من: Dalati & Nohra/picture alliance/dpa
إعلان
تتخطى الأزمة الدبلوماسية بين الرياض وبيروت تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي حول الحرب في اليمن، لتعكس وفق محللين، صراعاً سعودياً إيرانياً يدفع ثمنه مجدداً لبنان الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية.
وتدعم القوتان الإقليميتان منذ عقود قوى سياسية محلية متخاصمة، لكن دعم السعودية الحليفة التقليدية للبنان، تراجع تدريجياً خلال السنوات الماضية، على خلفية تعاظم دور حزب الله، القوة العسكرية والسياسية الأبرز المدعومة من طهران. وحملت الرياض على المسؤولين اللبنانيين، خصوصاً حلفاءها لا سيما رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، بسبب عدم تصديهم لهذا الدور.
ويقول الباحث والأستاذ الجامعي كريم بيطار لوكالة فرانس برس "لا علاقة تذكر للتصعيد الأخير بما قاله وزير الإعلام قبل شهر من توليه منصبه. لكن أعتقد أن الأمر يتعلّق بشدّ الحبال السعودي الإيراني المستمر خلال السنوات القليلة الماضية".
ويضيف "أعتقد أن قرداحي شكّل ذريعة لأمر كان في طور الإعداد لفترة طويلة وهو يرتبط بحقيقة أن لبنان ما زال إحدى ساحات القتال الأربع أو الخمس بين إيران والسعودية" الى جانب العراق واليمن وسوريا والبحرين.
قرداحي و"المخدرات" أفاضا الكأس
وأثارت تصريحات أدلى بها قرداحي في مقابلة تلفزيونية تم بثّها الإثنين، بعد تصويرها قبل شهر تقريباً من تشكيل الحكومة، غضباً سعودياً. ووصف قرداحي فيها حرب اليمن بأنّها "عبثية". وقال إنّ المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران "يدافعون عن أنفسهم" في وجه "اعتداء خارجي".
ورغم مسارعة الحكومة اللبنانية الى رفض تصريحات قرداحي وتأكيدها أنه "لا يعبر عن موقف الحكومة إطلاقا"، استدعت السعودية والإمارات سفيري لبنان لديهما للاحتجاج، ثم استدعت الرياض والمنامة سفيريهما من بيروت وطلبتا من سفيري لبنان المغادرة مع وقف السعودية للواردت من لبنان. وسارت الكويت اليوم السبت على خطاهما.
ودعت مجموعة من رؤساء وزراء لبنان السابقين جورج قرداحي للاستقالة، وقالوا في بيان إن آراء قرداحي "ضربة للعلاقات الأخوية والمصالح العربية المشتركة التي تربط لبنان بالدول العربية، وتحديدا مع دول مجلس التعاون الخليجي".
وبررت الكويت قرارها كذلك بـ"عدم اتخاذ حكومة الجمهورية اللبنانية الإجراءات الكفيلة لردع عمليات التهريب المستمرة والمتزايدة لآفة المخدرات الى الكويت وباقي دول مجلس التعاون".
وفي الأيام الماضية، أعلنت السعودية عن عدة عمليات صد مهرّبي المخدرات تمكّنت خلالها من مصادرة آلاف من حبوب الكبتاغون المخبئة داخل فواكه مستوردة.
وكانت السعودية علقت في نيسان/ابريل الماضي استيراد الفواكه والخضار من لبنان، أو السماح بمرورها على أراضيها، بعد ضبط الجمارك أكثر من 5,3 ملايين حبة كبتاغون مُخبأة ضمن شحنة من الرمان.
توتر خفي بين لبنان والسعودية
وتشهد العلاقة السياسية بين لبنان والسعودية فتوراً منذ سنوات، على خلفية تعاظم دور حزب الله، الذي تعتبره الرياض منظمة "إرهابية" تنفذ سياسة إيران خصمها الإقليمي الأبرز.
وفي بيانها الجمعة، اعتبرت الخارجية السعودية أن "سيطرة حزب الله الإرهابي على قرار الدولة اللبنانية جعل من لبنان ساحة ومنطلقاً لتنفيذ مشاريع دول لا تضمر الخير للبنان وشعبه".صورة من: ruskpp/imago images
ويأتي تصعيد السعودية تجاه لبنان، على وقع مباحثات منذ أشهر مع إيران، تهدف إلى تطبيع علاقتهما المقطوعة منذ أكثر من خمس سنوات وتخفيف حدة المواجهة بينهما في الشرق الأوسط.
والقوتان الإقليميتان على طرفي نقيض في معظم الملفّات الاقليمية خصوصا النزاع في اليمن حيث تقود الرياض تحالفاً عسكرياً داعماً للحكومة، وتدعم طهران المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد.
وصعّد الحوثيون هجماتهم مؤخراً للسيطرة على مدينة مآرب الاستراتيجية القريبة من الحدود السعودية.
لبنان يؤدي الفاتورة؟
ويقول بيطار "يبدو أن السعوديين يمارسون ضغوطاً متزايدة على حلفائهم في لبنان (..) من أجل اتخاذ موقف أكثر صرامة تجاه حزب الله، وهو ما يدفع للتساؤل عما إذا كان ثمة محاولة في خضم المفاوضات بين السعوديين والإيرانيين للضغط على لبنان من أجل موازنة التنازلات المقدمة في اليمن".
ويضيف "عندما يتقاتل فيلان فإن العشب هو من يعاني. ولبنان مجدداً يشكل العشب الذي يعاني كلما اشتدت حدّة الحروب بالوكالة".
ومن شأن التصعيد أن ينعكس وفق محللين سلباً على لبنان في هذه المرحلة الحرجة، وفي وقت كانت الحكومة تتطلع فيه إلى اعادة ترتيب علاقاتها مع دول الخليج خصوصاً السعودية وتعوّل على دعمها المالي في المرحلة المقبلة، فيما تغرق البلاد في أزمة اقتصادية صنّفها البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850.
ويفاقم التصعيد السعودي، ما لم ينجح لبنان في احتوائه، التحديات الشاخصة أمام الحكومة التي أبصرت النور بعد عام من فراغ نجم عن انقسامات سياسية حادة، والمعطلة جلساتها أساساً منذ أسابيع جراء اعتراض حزب الله على مسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت المروع ومطالبته بتنحي المحقق العدلي.
وكتب الباحث مايكل يونغ مدير تحرير في مركز مالكوم كير- كارنيغي للشرق الأوسط، تعليقاً على مطالبات باستقالة حكومة ميقاتي على تويتر "يحتاج لبنان إلى حكومة، ولا يكسب شيئاً بإطلاق النار على قدمه، بينما يجد نفسه في خضم صدام إقليمي".
وأضاف "بما أن السعوديين يعتبرون لبنان ورقة إيرانية، فإنهم يشعرون أنه من المنطقي التصرف تجاه البلد بهذه الطريقة". لكنّ "المشكلة أنه من خلال عزل لبنان، سيضمنون فقط تشديد إيران ووكلائها المحليين سيطرتهم على لبنان".
ويهدّد اصطفاف قوى سياسية الى جانب قرداحي، خصوصاً حزب الله لناحية عدم استقالته، مصير الحكومة التي دعا رئيسها الجمعة وزير الإعلام إلى "تقدير المصلحة الوطنية واتخاذ القرار المناسب لإعادة إصلاح علاقات لبنان العربية".
ع.ا/ع.ش (أ ف ب)
لبنان 100 عام.. من طوائف الجبل إلى دولة على شفا الانهيار
لبنان.. بلد صغير المساحة، لكنه يختزل على مدار قرن من إعلان قيامه أحداثاً كبيرة جعلته صورة مصغرة عما جرى في العالم العربي من خيبات متواصلة. يحتضن تاريخه كل شيء: العنف والصلح، الحرب والسلم، الرخاء والشدة، الوطنية والتبعية.
صورة من: Getty Images/AFP/J. Eid
فتنة جبل لبنان
سكنت عدة طوائف في المناطق المعروفة حالياً بلبنان، خاصة منطقة جبل لبنان. لكن الطوائف الأبرز كانت ستة: الموارنة والأرثودوكس والكاثوليك، وفي الجانب الآخر الدروز والسنة والشيعة. بقي الجبل تحت سيطرة العثمانيين، لكنه شهد توترات طائفية خطيرة خاصة المجازر بين الدروز والموارنة عام 1860. تدخلت قوى أوروبية في المنطقة خاصة منها فرنسا، وشهد جبل لبنان بضغط أوروبي قيام نظام "المتصرفية" الذي عزّز الوجود الماروني.
صورة من: picture-alliance/Design Pics
قيام لبنان الكبير
بعد هزيمة العثمانيين في الحرب العالمية الأولى، استطاعت فرنسا فرض انتدابها على لبنان بعد توسيعه ليضم البقاع وولاية بيروت فضلاً عن ترسيم الحدود مع سوريا. ويقول جوزيف باحوط في مقال على كارنيغي إن فرنسا هدفت إلى خلق وطن شبه قومي للمسيحيين في الشرق الأوسط، لكن الطوائف المسلمة رفضت بشدة الوضع الجديد. أعلن لبنان استقلاله عام 1943 على يد الرئيس بشارة الخوري، لكن جلاء القوات الفرنسية لم يتم إلّا عام 1946.
صورة من: picture-alliance/United Archives/TopFoto
الميثاق الوطني
شهد إعلان استقلال لبنان ما عُرف بالميثاق الوطني الذي منح رئاسة الدولة للموارنة ورئاسة الوزراء للسنة ورئاسة مجلس النواب للشيعة. وكان هدف الميثاق تسهيل الاستقلال حتى لا يطلب المسيحيون حماية فرنسا ولا يطالب المسلمون بالوحدة مع سوريا. لم يُكتب الميثاق لكنه بقي مطبقاً في البلاد منذ ذلك الحين، ويرى متتبعون أنه سبب المشاكل الطائفية في البلاد بما أنه هو من أسس لنظام المحاصصة.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Hamzeh
إنهاء حكم شمعون
تحوّلت بيروت إلى مدينة تجمع الكل منذ سنوات الاستقلال، لكن اندلاع النزاع العربي-الإسرائيلى ألقى بظلاله على بلد يصارع لخلق هويته. استقبلت بيروت آلاف اللاجئين الفلسطينيين كما استقبلت مهاجرين عرب وشهدت نمواً اقتصادياً لكن في الآن ذاته ركزت قوى عربية متصارعة نفوذها داخل المدينة منذ ذلك الحين. غير أن أبرز حدث شهدته بيروت في الخمسينيات كان الانتفاضة ضد الرئيس كميل شمعون الذي كان له علاقات قوية مع الغرب.
صورة من: Imago Images/United Archives International
العصر الشهابي
من بين أكثر رؤساء لبنان احتراما هو فؤاد شهاب الذي حكم البلاد منذ 1958 إلى 1964 ورفض التمديد له رغم شعبيته الطاغية. تحقق في عهد شهاب الكثير من الاستقرار في البلد رغم الانتقادات الموجهة له بتقوية دور المخابرات بعد محاولة الانقلاب. جاء بعده شارل حلو الذي حاول اتباع النهج الشهابي بعدم تفضيل أيّ طرف سياسي على آخر، لكن البلد شهد في عهده عدة مشاكل اقتصادية، ما مهد الباب لسليمان إفرنجية ليخلفه.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Tödt
الحرب الأهلية تندلع
شهد لبنان توقيع اتفاق القاهرة عام 1969 بين الفصائل الفلسطينية في مخيمات اللاجئين وبين الدولة اللبنانية حتى لا تتكرر مناوشات بين الطرفين، وبموجبه تم الاعتراف بالوجود الفلسطيني المسلح في لبنان. وقف اليسار اللبناني مع الفلسطينيين، في حين رفضهم اليمين المشكل أساساً من منظمات مارونية. ومع تعاظم النفوذ الفلسطيني تعددت الاحتكاكات مع القوى اليمينية، لتندلع رسمياً الحرب الأهلية في أبريل/ نيسان 1975.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Raouf
بيروت تشتعل
قُسمت بيروت إلى شرقية تحت سيطرة القوات اليمينية وغربية للفلسطينيين والقوات اليسارية. زاد التناحر الطائفي بين المسلمين والمسيحيين من الحرب خاصة مع وجود اختلالات اجتماعية بينهم. زاد التدخل السوري من سعير الحرب، وكذلك فعلت إسرائيل عندما اجتاحت لبنان عام 1982 وحاصرت بيروت الغربية ما أدى إلى جلاء المسلحين الفلسطينيين، لكن الحرب لم تنته، ووقعت بعد ذلك مواجهات حتى داخل الأطراف التي كانت متحالفة.
صورة من: Ziad Saab
حزب الله يخرج منتصرًا
انتهت الحرب رسميا عام 1991 سنتين بعد توقيع اتفاق الطائف. شهدت الحرب مجازر مروعة كالكرنتينا والدامور وصبرا وشاتيلا، ووثقت الكاميرات مشاهد مرعبة كما جرى في حصار بيروت وحرب المخيمات. تقوّت لاحقا التنظيمات الشيعية، وخصوصا حزب الله المرتبط بإيران، وبقي التنظيم محافظًا على سلاحه بعد حلّ كل الميلشيات، فتراجع نفوذ التنظيمات المسلحة اليمينية واليسارية والفلسطينية، كما ضمنت سوريا استمرار حضورها في البلد.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Amro
الاغتيالات تستمر
استقر لبنان نسبيا في التسعينيات، لكن سنوات الألفية شهدت مواجهات مسلحة بين حزب الله وإسرائيل في صيف 2006، لكن الهزة الأعنف كانت اغتيال رفيق الحريري، رئيس الوزراء السابق الذي ساهم في إعمار لبنان. كانت من نتائج الاغتيال خروج القوات السورية نتيجة ما عُرف بـ "ثورة الأرز". شهد البلد في تلك السنوات استمرار الاغتيالات السياسية التي وجهت فيها الاتهامات لدمشق كاغتيال الشيوعي جورج حاوي والصحفي سمير قصير.
صورة من: picture-alliance/dpa/N. Mounzer
حراك لبنان
لأول مرة في تاريخ البلاد، يخرج مئات الآلاف من اللبنانيين عام 2019 رفضاً لنظام المحاصصة الطائفية، مطالبين برحيل الطبقة السياسية ككل. جاءت الاحتجاجات في ظل استمرار ترّدي الوضع الاقتصادي وارتفاع نسب الفساد، ما أدى إلى استقالة حكومة سعد الحريري، وتشكيل حكومة حسان دياب التي استقالت بدورها بعد انفجار مرفأ بيروت الذي أودى بحياة ما يناهز مئتي قتيل. تقرير: إسماعيل عزام