أتاك" ـ طريق طويل من أجل تحقيق المستحيل"
مع بدء التحضيرات لقمم الدول الصناعية الكبرى في كل عام تبدأ المؤسسات والمنظمات المناهضة للعولمة بالتحضير لمظاهرات عارمة تجوب شوارع الدولة المستضيفة للقمة. وتعتبر منظمة "أتاك" من أهم هذه المنظمات القائمة على رأس الاحتجاجات، حيث أنها وفي كل مرة تستطيع حشد مئات آلاف من المواطنين للمشاركة في هذه التظاهرات. وبعد أن كانت الدول الصناعية الكبرى تلاحق أعضاء هذه المنظمة، أصبحت تتماشى هذه الأيام مع بعض مطالبها. وتحلى أعضاؤها بجرأة لا مثيل لها في أوساط الحركات الشبابية الكلاسيكية، كما أن لديهم أهدافا واضحة أهمها اجبار الأغنياء دفع المزيد من الضرائب لصالح الفقراء وإعفاء الدول الفقيرة من ديونها. كما أن نضالهم لا يقتصر على رفع الأعلام دون جدوى، كما تفعل الكثير من الحركات الاحتجاجية. علاوة على ذلك يوجد لديهم قدرة ومعرفة تامة بطريقة كتابة البيانات الصحفية وكذلك ترغيب المتبرعين في دفع الأموال دون تردد وخاصة عندما يطلب المتبرعون فواتير لتقديمها للجهات الضرائبية. ترى هل "أتاك مؤسسة محترفة تستطيع كسب رضا وسائل الإعلام على المدى البعيد، أم أنها تقدم مجرد نجاحات مؤقتة؟
ما هي أتاك ATTAC
كلمة "أتاك" هي اختصار لاسم "جمعية التحكم في تصريف وتشغيل الأموال لصالح الشعوب" (Assocaition pour une Taxation des Transactions financières pour l’Aide aux Citoyens ). وتجدر الإشارة إلى أن هذه المنظمة تنشط في اطار الفعاليات التي تنظم ضد عولمة الاقتصاد، كما أنها تعتبر من أشد المنتقدين لمنظمة التجارة العالمية (WTO) التي تعمل على تحرير وخصخصة المؤسسات العامة. وتناضل "أتاك" أيضا من أجل إدخال سياسة فرض ضرائب على التجارة بالعملات وعلى تدفق الأموال العالمية. وتسعى المنظمة إلى جانب ذلك كله إلى وقف نظام السوق الحر الأمريكي (FTAA). وانطلقت "أتاك" في فرنسا عام 1998 كجزء من "حركة مناهضة للعولمة"، وتضم اليوم تحت لوائها أكثر من 90 ألف عضو من جميع أنحاء العالم، يعيش في ألمانيا 10 آلاف منهم. وتنشط هذه المنظمة غالبا في أوروبا.
"أتاك" بين التطور والواقع
يعتبر المحلل السياسي ديتر روخت (Dieter Rucht) "أن وسائل الإعلام هي التي أعطت "أتاك" هذا الزخم والدعم وخاصة بعد أحداث جينوا في جنوب إيطاليا عام 2001، حيث قتل أحد المتظاهرين المناهضين لقمة الثماني في ذلك الوقت." ويضيف الخبير في الحركات الاجتماعية الحديثة أن هذه الحركة "تعود في الوقت الحالي إلى حجمها الطبيعي والحقيقي." وكانت تصرفات الشرطة الإيطالية آنذاك قد رفعت من درجة التعاطف مع "أتاك" وأثارت بذلك موجة جديدة من الاحتجاجات ضد العولمة في العالم، إضافة إلى تصويرها كحركة الشهداء نظرا لمقتل أحد المتظاهرين. ومنذ ذلك الوقت بدأت اجتماعات قمة الثماني تعقد في أماكن منعزلة وصعبة الوصول بالنسبة للمتظاهرين، واتخذت الشرطة تدابير تخفف من حدة الصدام بدلا من تصعيد المواجهة، الأمر الذي يعني تراجع فرص المواجهة المباشرة مع أعضاء المنظمة. ولذا يعتبر أحد مؤسسي المنظمة بيتر فال (Peter Wahl) بأن هذا الأمر ليس بالضرورة سلبيا، مضيفا "بأن الاستراحة التي أخذناها ساعدتنا من أجل توطيد وتوثيق أعمالنا ونشاطاتنا." ويضيف بأنه سواء اهتمت وسائل الإعلام بعمل "أتاك" أم لا، فإن المنظمة تعمل وتقوى من وراء الكواليس.
نجاح من وراء الكواليس
أتى عمل منظمة "أتاك" المتواصل ثماره في هذا العام حيث تم بالفعل في قمة الثماني التي عقدت في اسكتلندا إلغاء جزء كبير من ديون الدول الفقيرة من قبل الدول الصناعية الكبرى. لكن المحلل السياسي روخت يعتبر "أن هذا النجاح جاء لأن توني بلير، راعي القمة في هذا العام، ونظرا لمشاركة بلاده في حرب الخليج ودعمه المباشر لها، أراد كسب رضى الشارع الانجليزي والعالم بذلك"، الا انه اعترف بأهمية المنظمة حينما قال: "لولا الحركات والمنظمات المناهضة مثل "أتاك" لما كان هذا النجاح بهذه السرعة." ولا بد لهذه لمنظمات من الحذر في المستقبل حتى لا تخلط الأوراق مع بعضها البعض، لأنه ومنذ انطلاقتها لا تعتبر نفسها منظمة غير حكومية (NGO) أو "حركة ضغط" ولكنها ترى نفسها بأنها "شبكة عمل"، وهي ترحب بجميع التوجهات والحركات التي ترغب بالعمل معها سواء كانت مؤسسات كنسية أو شعبية أو حتى حركات مستقلة، والمهم في ذلك أن تشارك هذه الحركات "تاك في مبادئها ومواقفها وتدعم أهدافها. ويذكر الخبير في شؤون الحركات الشعبية، ديتر روخت أن هناك أمثلة كثيرة على ذلك، حيث أن "أتاك" تقحم نفسها في كثير من الأمور، "فهي تهتم اليوم بسياسات الطاقة والمياه، إضافة إلى التهرب من دفع الضرائب، الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى جعلها كمتجر لجميع البضائع.
يعارض عضو منظمة "أتاك" بيتر فال الأقوال القائلة: "سنتنازل عن كل شئ حتى نكون مميزين." ويضيف "بأن الحركات السياسية تسعى للوصول إلى الحكم، لكن الأمر مختلف بالنسبة لنا، مشيرا الى أن عمل المنظمة يمكن أن ينتهي في حال تحققت أهدافها"، لكن المشوار ما زال طويلا على حد قول فال.
تقرير: زاهي علاوي