أحداث السويداء ـ عجز أم تساهل السلطات مع العنف ضد الأقليات؟
١٦ يوليو ٢٠٢٥
أفادت تقارير إعلامية بتجدد الاشتباكات في السويداءالسورية اليوم الأربعاء (16 يوليو/تموز 2025) مما أدى إلى انهيار وقف لإطلاق النار بعد ساعات فقط من إعلانه من قبل وزير الدفاع السوري مرهف أبو كسرة وقف إطلاق النار.
ومع ذلك تختلف الروايات حول الوضع الحالي ولا يمكن التحقق من المعلومات بشكل مستقل. وكانت قوات الجيش قد دخلت المدينة الواقعة على بعد حوالي 100 كيلومتر جنوب دمشق من أجل إنهاء أعمال العنف التي اندلعت يوم الأحد بين الدروز والبدو السنة. وحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان الذي يتخذ من لندن مقرا له، فقد قُتل أكثر من 200 شخص وأصيب العديد من الأشخاص منذ يوم الأحد. وحسب المرصد فقد تعرض شاب درزي للضرب والسرقة من قبل أفراد من الطائفة البدوية السنية على الطريق السريع بين دمشق والسويداء قبل أيام قليلة. وردا على ذلك قام مقاتلون دروز بدورهم باختطاف أشخاص من البدو وعندها تصاعدت أعمال العنف وتدخلت قوات من الجيش والأمن السوري.
وأفاد الصحفي أيمن جواد التميمي وهو صحفي متخصص في الشأن السوري والعراقي أن الدروز قاوموا في البداية القوات الحكومية السورية، لكنهم سلموا أسلحتهم بعد ذلك. وبعد ظهر يوم الثلاثاء أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات من وزارتي الدفاع والداخلية والمقاتلين المتحالفين معهما أعدمت 19 مدنيا من الأقلية الدرزية في مدينة السويداء عاصمة محافظة السويداء الجنوبية يوم الثلاثاء.
كما استهدف الجيش الإسرائيلي في الأيام الأخيرة قوات الحكومة السورية في عدة مناسبات. وحسب بيان مشترك لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس فإن إسرائيل أرادت منع الحكومة السورية من إلحاق الضرر بالأقلية الدرزية.
وقال الجيش الإسرائيلي اليوم إنه قصف مدخل مجمع وزارة الدفاع السورية في دمشق مؤكدا أن هدفه هو حماية الأقلية الدرزية من القوات الحكومية. وهذا هو اليوم الثالث على التوالي الذي تشن فيه إسرائيل غارات جوية على سوريا.
ما بين تضارب المصالح والإجرام
وتقول بينته شيلر، الخبيرة في الشأن السوري في مؤسسة هاينريش بول إن الصدام الأخير في السويداء يرجع على ما يبدو في المقام الأول إلى تضارب المصالح بين مختلف المجموعات السكانية. "في سوريا لا ترى العديد من المجموعات أن مخاوفها أو حقوقها تؤخذ بعين الاعتبار بشكل كافٍ. وفيما يتعلق بالمجموعات الأخرى، فإنهم يشعرون أنه يتم استغلالهم مما يؤدي بعد ذلك إلى العنف". في السويداء تتمثل المشاكل الرئيسية في النزاعات حول إثبات الذات والتوزيع ولكن أيضا الجريمة العنيفة المرتبطة بتهريب المخدرات التي ازدهرت هنا في السابق.
ومع ذلك غالبا ما تلعب الدوافع الدينية دورا أيضا. ففي مايو الماضي وقعت اشتباكات عنيفة بين الدروز والإسلامويين المتطرفين في جرمانا جنوب شرق دمشق . وكانت هذه الأخيرة تابعة جزئيا على الأقل للحكومة. ويبدو أن هذه القوى المتطرفة لم تكن تريد التسامح مع الدروز غير المسلمين في سوريا.
هل القوات الحكومية مخترقة من قبل متطرفين؟
هذا الدافع يجعل الصراع قريبا من الاشتباكات العنيفة التي وقعت بين العلويين والمقاتلين الجهاديين في مارس من هذا العام والتي يبدو أنها كانت مدعومة أيضا من قبل عناصر من القوات الحكومية. وقد قُتل أكثر من 1300 شخص في هذا الصراع. وتنحدر عائلة الأسد أيضا من صفوف العلويين. وينظر العديد من السوريين إلى العلويين على أنهم من مؤيدي النظام المخلوع.
واندلع الصراع بسبب هجمات شنها أنصار الأسد المتشددين على القوات الحكومية. وتصاعدت الاشتباكات وارتكبت فظائع ضد المدنيين العلويين غير المتورطين. وفي تحقيق نشرته وكالة رويترز للأنباء في نهاية يونيو ، تتبعت الوكالة مجموعة من القيادات وصلت على ما يبدو إلى وزارة الدفاع في دمشق. وجاء في البحث أن "المهاجمين الموالين للحكومة غالبا ما قاموا بنهب وتخريب منازل الضحايا أو حرقها".
صحيح أن الحكومة في دمشق ليست كلها متعاطفة مع الجهاديين "فهي ببساطة ذات تعددية"، كما يقول أندريه بانك، الخبير في الشأن السوري في معهد غيغا لدراسات الشرق الأوسط ومقره هامبورغ في مقابلة مع DW. ولكن عليك أن "تسأل نفسك كيف يفترض أن تستمر الأمور إذا لم تسيطر الحكومة على الجهات العنيفة المحلية وبعض قواتها". وماذا يعني ذلك بالنسبة للبلاد إذا كانت أجزاء من الحكومة تتغاضى عن العنف أو حتى تدعو إليه؟ "في هذه الحالة من المرجح أن تستمر الاشتباكات الضخمة بين الطوائف".
الشرع تحت الضغط
ويبقى أن نرى ما إذا كان الزعيم السياسي الحالي للبلاد، أحمد الشرع قادرا على منع العنف بين مواطنيه في المستقبل. فبعد أن رفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العقوبات التي فرضتها بلاده على سوريا في بداية شهر يوليو، من المرجح أن يكون للشرع مصلحة أكبر في تطوير علاقة جيدة مع الدول الغربية. وهذه الأخيرة بدورها لديها توقعات كبيرة فيما يتعلق بحماية الأقليات في البلاد.
ونظرا لأن الشرع بالكاد قادر على تحقيق ذلك فقد أظهر تفجير انتحاري استهدف مشاركين في قداس مسيحي بدمشق في نهاية شهر يونيو مدى هذا العجز. وحسب التقارير فقد قُتل في الهجوم 25 شخصا. ومنذ ذلك الحين يطالب المسيحيون في سوريا حكومتهم ببذل جهود أكبر لحمايتهم. وأوضح بعضهم في حديث مع DW أنهم يفكرون في مغادرة البلاد إذا لم يتحقق ذلك.
اتهام: غياب الإرادة في كشف الحقيقة
تُحمّل وزارة الداخلية السورية تنظيم "داعش" الإرهابي مسؤولية الهجوم. لكن لا شيء مؤكد حتى الآن، كما تقول بينته شيلر. "تم ذكر أسماء أخرى أيضا في النقاش العام"، مثل اسم جماعة مسلحة تضم في صفوفها أيضا أعضاء سابقين من هيئة تحرير الشام. وكان الشرع قبل سقوط الأسد زعيما لهيئة تحرير الشام. وتقول شيلر: "بالنسبة له سيكون من الأسهل بالطبع تحميل داعش مسؤولية الهجوم".
كما أن تصرّف الحكومة السورية بعد الفظائع التي ارتُكبت بحق العلويين يدفع الكثير من السوريين إلى الشك وفقدان الثقة. فقد وعدت الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق لكنها لم تقدّم حتى الآن أي نتائج. وتقول بينته شيلر: "لدى كثيرين انطباع بأن الحكومة تفتقر إلى الجدية أو حتى إلى الإرادة في كشف الحقيقة".
حكومة تعاني من نقص التمويل
في الوقت نفسه تقول شيلر وبانك إن سوريا تعاني ببساطة من نقص في الموارد المالية. فالحكومة مطالبة بأداء مهام عديدة، من صياغة قانون انتخابي جديد، مرورا بإعادة بناء جهاز الدولة ووصولا إلى إنشاء بيروقراطية فيدرالية.
وهذا يجهد الحكومة التي يتعيّن عليها أيضا أن تأخذ بعين الاعتبار مصالح أقلية أخرى: الأكراد في شمال البلاد الذين يريدون البقاء ضمن الدولة السورية، لكنهم يطالبون في الوقت نفسه بحكم ذاتي واسع النطاق. وهم يخوضون في الوقت نفسه معارك مع الجيش التركي الذي يتواجد في شمال سوريا منذ سنوات. ويبدو أن حكومة الشرع ستضطر للتعامل مع هذا الصراع أيضا لفترة أطول.
أعده للعربية: م.أ.م (تحرير: ع.ج.م)