"أحداث سبها نتيجة لأداء الحكومة وليس تفككا في الكيان الليبي"
٣١ مارس ٢٠١٢ أعلن عبد الرحيم الكيب رئيس الحكومة الانتقالية في ليبيا عن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في سبها التي تشهد نزاعا مسلحا بين قبائل المنطقة. وحسب حصيلة رسمية فإن القتال المتفجر منذ أسبوع أسفر عن 147 قتيلا و395 جريحا.
وتتباين القراءات لخلفيات هذا النزاع، وفي حوار مع DW الباحث في العلوم السياسية والناشط السياسي الليبي المقيم في ألمانيا، علي القبيشي، يرى ان النزاع المسلح في سبها يؤشر إلى ضعف الحكومة المركزية مقابل بروز سطوة الجماعات المحلية والقبلية.
DW عربية: ما تفسيرك لاستئناف القتال في سبها رغم اعلان وقف اطلاق النار في مرات عديدة؟
على القبيشي: الوضع بطبيعة الحال مأساوي، والغائب الأكبر هو الحكومة الليبية، ويجب علينا أن لا نغفل، بأن ليبيا تمر بمرحلة تحوّل نحو الديمقراطية، ويأتي ذلك بعد مرحلة صراع مسلح، فكان من الطبيعي بأن يفرز انهيار نظام القذافي بهذه الصورة، أحداث ما بعد التحرير وهي المرحلة الصعبة، إذ أن الجهود كانت موحدة من أجل إسقاط ذلك النظام، بعد ذلك شاهدنا ظهور صراعات مسلحة، وهو تطور يحدث عادة عند سقوط أنظمة ديكتاتورية، ونظام القذافي لا يشكل استثناءا عن تلك القاعدة. لكن ما هو غير منطقي، هو الأداء السيء للحكومة الانتقالية في معالجة الصراعات.
هل يعني اخفاق الحكومة في احتواء هذه الأزمة، فشلها في إدارة الأمور داخل البلاد؟
يتفق معظم الليبيين بأن الأداء الحالي للحكومة الانتقالية لا يتناسب وحجم التحديات التي تواجه الدولة في مثل هاته الفترة الحرجة من تاريخ البلاد. فلا يمكن أن تنفجر مثل هذه الصراعات ويتم التعامل معها بطريقة كالتي شاهدناها. نحن سمعنا عن محاولات للصلح، وهي جهود يشكر عليها كل من كان وراءها. ولكن لليبيا حكومة، وهي المسؤولة أولا وأخيرا عن التعامل بجدية مع هذه الأحداث، وإثبات أن أبناء ليبيا التي تخوض مرحلة مخاض في مشروعها الديمقراطي، قادرون على التعامل بصرامة مع قضايا من هذا الحجم. وهذا ما نفتقده حاليا في طريقة معالجة الحكومة الليبية الانتقالية للأزمة.
وما هي جوانب القصورالمسجلة في أداء الحكومة حسب رأيك؟
هناك تقصير في معالجة جانبين من الأزمة، الأول سياسي والثاني إعلامي. فإلى غاية اللحظة لم توضح الحكومة الليبية للجميع، سواء من الليبيين أو غيرهم، حقيقة الأزمة في الجنوب وفي سبها تحديدا، وهل هو صراع قبلي كما يدعي البعض، أم أن هناك بالفعل تدخل خارجي، وإذا كان كذلك فمن هي تلك الأطراف الخارجية. كان من المفترض أن يكون الأداء الإعلامي أكثر نشاطا ودقة وحذرا مما ظهر عليه. وكان على الحكومة توضيح الصورة لكل الليبيين، ليروا مدى فعالية أدائها، حتى لا يتم تأويل ذلك بطريقة مخالفة للواقع.
أما من الناحية السياسية، فكان يتوجب على الحكومة فرض هيبتها على الجميع، ليعرف جميع الليبيين أنها المناطة بمعالجة الأمور. ففي مرحلة التحرير كنا نتحدث عن ثوار يقاتلون كتائب الطاغية، أما الآن فيجب أن لا يبقى ثوار لهذه المدينة أو تلك، بل يجب على الحكومة بسط سيطرتها، وليعرف الجميع أن الدولة الليبية ممثلة في وزارة الداخلية ووزارة الدفاع، هي من يتولى المسؤولية.
حسب تصريحات زعيم قبيلة التبو عيسى عبد المجيد فإن الصراع في سبها، يرقى إلى مستوى"تطهير عرقي" تقوم به المليشيات العربية في حق قبائل تبو؟ فإلى أي مدى ينطبق هذا الوصف على ما يحدث فعليا على أرض الواقع؟
أعتقد أن هناك مبالغة كبيرة وكبيرة جدا في هذا الوصف. لا يمكننا الحديث عن تطهير عرقي داخل ليبيا في مرحلة ما بعد القذافي. نحن قاتلنا ضد القذافي ليسود العدل والديموقراطية ولبناء دولة مؤسسات. إن الجنوب لا يختلف في هذا الإطار عن باقي المناطق الليبية، فالليبيون مزيج واحد مهما اختلفت لغاتهم من عربية أو أمازيغية أو أعراقنا. كليبي ومتخصص في القضايا السياسية، أحتج بشدة على أداء الحكومة، لكنني أرفض في الوقت ذاته تصريحات السيد عيسى حين وصف الأحداث بأنها تطهير عرقي، نحن نسيج واحد، وما يجمعنا أكثر مما يفرقنا.
فأين تكمن أسباب النزاع المسلح إذا، هل لذلك علاقة برغبة قبائل تبو في الانفصال، بينما يريد الثوار بسط سيطرتهم على المنطقة، أم أن هناك أطراف ثالثة كما ورد في بعض التحليلات من مصلحتها تأجيج المواجهات المسلحة في منطقة الجنوب؟
حقيقة أنا لم أسمع من أي جهة من قبائل تبو، رغبة تلك القبائل في الانفصال، علما أن وحدة ليبيا هي نقطة إجماع لدى الليبيين برمتهم، وهي لم تطرح بالمرة للنقاش، وذلك حتى في أسوء الفترات التي مر بها الليبيون أثناء حربهم ضد القذافي، فآنذاك رفض الليبيون حتى مجرد التفكير في تقسيم ليبيا.
لكن تقارير اعلامية نقلت تهديد زعيم قبائل التبو بالإنفصال، وإذا ما أدخلنا ذلك في سياق إعلان سابق لبرقة كإقليم فيدرالي مستقل، فهل سنجد ليبيا على مشارف تفكك سياسي؟
لا أتفق أبدا مع هذا الطرح. علينا أولا النظر إلى أولئك الذي يتحدثون عن الانفصال وعن الجهات التي يمثلونها، وعن عدد الليبيين الذين يتحدثون عنهم. علينا أن نعرف أولا من الذي فوض السيد عيسى للتحدث بإسم قبائل التبو، فالحديث بإسم قبيلة معينة يتطلب التعامل معه بحذر شديد وليس بهذه الصورة.
أجرى الحوار: وفاق بنكيران
مراجعة: منصف السليمي