أحكام سجن قاسية على ناشطات - إلى أين تسير "رؤية" بن سلمان؟
٤ سبتمبر ٢٠٢٢
شهدت الأسابيع الماضية بداية حقبة مظلمة جديدة لناشطات حقوق النساء في السعودية؛ فبعد الحكم على سلمى الشهاب بالسجن لـ34 عاما، قضت محكمة جزائية في الرياض بمعاقبة نورة القحطاني بالسجن لمدة 45 عاما.
إعلان
بعد أن قضت محكمة سعودية في 9 أغسطس/ آب، بسجن سلمى الشهاب لمدة 34 عامًا، أصدرت المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض بعدها في نفس الشهر حكمها على نورة بنت سعيد القحطاني بالسجن لمدة 45 عامًا.
تتشابه القضيتان في العديد من النواحي - حيث تمت إدانة كلتا المرأتين بموجب قانون مكافحة الإرهاب وقانون مكافحة الجرائم الإلكترونية، بسبب إبداء الإعجاب أو إعادة تغريد مقالات على وسائل التواصل الاجتماعي، من تلك التي تدعم حقوق الإنسان وحقوق المرأة، رغم أن أياً من السيدتين لم تكن معروفة للرأي العام.
وعلى غرار الحكم على سلمى الشهاب، يدين الحكم القحطاني بـ"انتهاك النظام العام" و"استخدام شبكة الإنترنت لتمزيق النسيج الاجتماعي (السعودي)"، كما ورد في مستندات المحكمة، التي تم تحليلها من قبل "منظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن".
تأسست المنظمة، التي تتخذ من واشنطن مقرا لها، في فبراير/ شباط 2018 من قبل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قُتل وقُطّعت أوصاله بعد نصف عام من تأسيسها في القنصلية السعودية في إسطنبول.
اغتيال خاشقجي أثار عاصفة من الاحتجاجات الدولية ضد السعودية، وما تبع ذلك من إهمال الحلفاء التقليديين مثل الولايات المتحدة وأوروبا لولي العهد الأمير محمد بن سلمان. وهكذا بقيت السعودية معزولة بسبب سجلها في مجال حقوق الإنسان حتى 2022.
فقط بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا والنقص المتوقع في النفط، عاد الدفء إلى العلاقات مع السعودية، وحظيت الدولة الغنية بالنفط بترحيب الحلفاء الغربيين مرة أخرى هذا الصيف، حيث زار الرئيس الأمريكي جو بايدن المملكة والتقى بمحمد بن سلمان. كما سافر الأخير إلى عدة عواصم أوروبية.
"لقد اختارت القيادة السعودية أن تُظهر للولايات المتحدة والغرب عمومًا أن لديها نفوذاً كبيراً حاليا، وأنها في موقف قوي بحيث يمكنها المضي قدمًا في نهج شديد القسوة لفرض القانون، ولن تأخذ في عين الاعتبار أي طلب غربي بهذا الشأن"، تقول سينزيا بيانكو، الباحثة الزائرة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، في حديثها لـDW.
يتفق مع هذا الرأي عبد الله العودة، مدير قسم منطقة الخليج في "منظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن". ويقول في بيان: "من المستحيل عدم الربط بين لقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع الرئيس بايدن الشهر الماضي في جدة من جهة، وتصاعد الهجمات القمعية ضد كل من يجرؤ على انتقاد ولي العهد أو الحكومة السعودية بسبب الانتهاكات الموثقة".
وهو ما تؤكده أيضا لينا الهذلول، شقيقة الناشطة المعروفة لجين الهذلول، والتي تعمل الآن مديرة للاتصالات والمراقبة في منظمة قسط لحقوق الإنسان، ومقرها لندن. وتقول لينا الهذلول في حوار مع DW: إن "العقوبة القياسية الجديدة بحق نورة بنت سعيد القحطاني هي رسالة واضحة من محمد بن سلمان توضح أنه لن يتراجع عن قمعه، وسيزيد من وحشيته تجاه أي شخص يجرؤ على التعبير". وهي مقتنعة بأن الهدف النهائي لولي العهد هو "قيادة المملكة العربية السعودية بمجتمع مكمّم الأفواه وخائف".
تبني الإصلاحات مع استثناءات
ولكن يجب القول إن السنوات الخمس الماضية، أي منذ تسلم ولي العهد محمد بن سلمان، البالغ من العمر 36 عامًا، مقاليد الحكم عمليًا في البلاد، خضعت السعودية لإصلاح اقتصادي وإعادة هيكلة في إطار ما يعرف بـ"رؤية 2030''، والتي تضمنت أيضًا منح المرأة المزيد من الحقوق.
فمثلا ألغي نظام الوصاية التقليدي، مما يعني حصول المرأة السعودية على حق العيش بمفردها، والتسجيل للطلاق أو الزواج دون موافقة ولي الأمر. كما صار يسمح لها بقيادة السيارة والانضمام إلى الجيش وتعزز دورها في سوق العمل. وبات لها الحق في السفر إلى الخارج وأداء مناسك الحج والعمرة بدون محرم.
ولكن الباحثة سينزيا بيانكو تلاحظ هنا أن "إصلاحات التحرر الاجتماعي والاقتصادي التي تبناها محمد بن سلمان كانت تركز دائمًا وبشكل حصري على التحرر الاقتصادي والمجتمعي. بينما يزداد الوضع سوءًا فيما يتعلق بالحريات السياسية والمدنية".
في غضون ذلك، أضيف هذا الأسبوع مثال ثالث إلى سلسلة الانتكاسات الأخيرة لحقوق المرأة في السعودية. ففي مقطع فيديو، انتشر على نطاق واسع تحت هاشتاغ #يتيمات_خميس_مشيط، يقوم رجال شرطة ومسؤولون أمنيون بضرب فتيات بقبضات أيديهم وبأحزمة جلدية وعصي خشبية. كما يقوم أحد المشاركين بجر امرأة تصرخ من شعرها عبر الفناء الخلفي لدار للأيتام في خميس مشيط، الواقعة على بعد حوالي 880 كيلومترًا جنوب غرب الرياض.
تحرك حقوقي دولي
وبينما لم يتم تأكيد التوقيت الدقيق للفيديو ولا خلفيته، أفادت وسائل إعلام عربية مختلفة أن الفتيات سبق وأن انتقدن الظروف المعيشية في دار الأيتام.
ولكن عقب الاحتجاجات التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب الفيديو، دعا أمير المنطقة تركي بن طلال بن عبد العزيز إلى فتح تحقيق شامل في الحادث و"إحالة القضية إلى السلطة المختصة".
في المقابل، وعلى أمل زيادة الاهتمام الذي قد يؤدي إلى ضغوط دولية على السعودية، وقّعت حوالي 30 منظمة حقوقية دولية على رسالة مفتوحة بشأن الناشطة المعتقلة سلمى الشهاب. وتقول الرسالة: "على عكس خطاب السلطات بشأن حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة والإصلاحات القانونية، فإن المحركين الحقيقيين باتجاه الإصلاح - أي النشطاء المطالبون بالحقوق الأساسية - لا يزالون مستهدفين بلا رحمة ويتم إسكاتهم".
وإذا كان من الممكن تحديث الرسالة الآن في بداية سبتمبر/ أيلول، فمن المؤكد أنها ستشمل أيضًا الضرب الوحشي للنساء في دار الأيتام، والحكم القاسي الجديد الذي صدر بحق نورة بنت سعيد القحطاني.
الكاتبة: جينيفير هوليس
في صور: رغم الإصلاحات في السعودية.. أصحاب رأي خلف القضبان
فاجأت السعودية العالم بخبر إلغاء عقوبة الجلد في قضايا التعزير وعقوبة الإعدام بحق القصر. لكن هل ستنعكس هذه الإصلاحات على أرض الواقع؟ وماذا عن سجناء الرأي الحاليين؟
صورة من: Getty Images/M. Ingram
إلغاء عقوبة الإعدام بحق القاصرين
بعد عدة ساعات على قرار إلغاء عقوبة الجلد في قضايا التعزير، أعلنت السعودية أيضاً إلغاء حكم الإعدام بحكم المدانين القصّر واستبداله بالسجن مدة لا تزيد عن عشر سنوات في منشأة احتجاز للأحداث. وجاءت هذه القرارات لتساعد "على صياغة قانون للعقوبات أكثر عصرية" بحسب ما تناقلته وسائل إعلامية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/A. Nabil
محاولة للتجميل بعد مقتل خاشقجي؟
جاء ترحيب الحقوقيون ومنظمات حقوق الإنسان بهذه القرارات بشكل حذر، حيث اعتبر غيدو شتاينبيرغ من مؤسسة العلوم والسياسة (SWP) ببرلين أن هذه القرارات صحيحة، ولكنها لا تعبر بالضرورة عن إتجاه إصلاحي في السعودية وقال: "إنها محاولة لتلميع صورة الدولة". وكانت سمعة المملكة على الساحة الدولية تراجعت بشدة بعد قضية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/L. Pitarakis
محاولة لكسب الغرب
ويرى غيدو شتاينبيرغ أن السعودية تهتم بشكل خاص بسمعتها في الولايات المتحدة الأمريكية والغرب، إلا أن ولي العهد محمد بن سلمان مازال يحكم بقبضة من حديد. فالإصلاحات التي قام بها صاحبتها إجراءات قمعية لكل معارضة داخلية. ولم تسلم العائلة المالكة نفسها من هذه الإجراءات.
صورة من: Reuters/Courtesy of Saudi Royal Court/B. Algaloud
شخصيات بارزة رهن الإعتقال
وطالت الإجراءات القمعية في السعودية أيضاً أفراد بارزين من العائلة المالكة، حيث شهدت أواخر شهر مارس/آذار حملة جديدة من الإعتقالات شملت إبن عم محمد بن سلمان وولي العهد السابق محمد بن نايف (يسار الصورة) بتهمة "الخيانة وتدبير انقلاب". وبحسب شتاينبرغ فإن هذه رسالة للجميع بأن أي معارضة سياسية لن يتم التسامح معها.
صورة من: picture-alliance/abaca
رسالة للعائلة المالكة
كما قام ولي العهد السعودي بإبعاد أي منافس محتمل له من العائلة المالكة عن طريق حملات توقيف بحق أفراد من العائلة ومنهم متعب بن عبد الله، وهو رئيس الحرس الوطني السعودي السابق. ويقول شتاينبيرغ: "يريد محمد بن سلمان إرسال إشارة للعائلة أن المملكة لديها حاكم جديد، وانهم يستطيعون الحفاظ على إمتيازاتهم بشرط عدم إظهار أي معارضة".
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Yalcin
الأميرة السجينة بسمة بن سعود
يعرف عن الأميرة بسمة بنت سعود أنها ناشطة في مجال حقوق الإنسان ومعارضة للممارسات القمعية ضد المرأة في السعودية. في عام 2019 إختفت الأميرة دون أثر، لتظهر منذ فترة قصيرة بنداء استغاثة اطلقته عن طريق خطاب طالبت فيه بإطلاق صراحها. وكتبت الأميرة البالغة من العمر 56 عاماً أنه يتم احتجازها دون موافقتها وبدون سند قانوني في سجن الحاير السعودي.
صورة من: Getty Images/M. Ingram
الناشطة لجين الهذلول
قبل إطلاق سراحها في شباط/ فبراير 2021 تعرضت الناشطة السعودية في مجال حقوق المرأة للسجن ثلاث سنوات بتهم من أبرزها "التآمر" مع جهات أجنبية. وبحسب تصريحات أختها لينا، فقد تعرضت لجين للتعذيب والتحرش الجنسي خلال الحبس. وقالت عائلة لجين أنها تلقت خلال السجن عرضاً بإطلاق سراحها بشرط قيامها بنفي التعرض للتعذيب.
صورة من: Getty Images/AFP/Facebook/Loujain al-Hathloul
محاولة للإلهاء
يرى مراقبون أن قرارات إلغاء عقوبتي الجلد والإعدام جاءت كمحاولة لإلهاء الناس عن خبر وفاة الناشط الحقوقي عبد الله الحامد (يسار الصورة) في السجن. وكان الحامد توفي منذ أيام قليلة بسبب جلطة دماغية لم يتلق بعدها العناية الطبية الكافية بحسب ما تناقلته التقارير الإعلامية. ومازال الناشطان الحقوقيان وليد أبو الخير ومحمد فهد القحطاني (يمين الصورة) في السجن بسبب نشاطهما السياسي.
صورة من: picture-alliance/dpa/right livelihood award
رائف بدوي
يُعد رائف بدوي أحد أكثر معتقلي الرأي شهرة في السعودية. وكان المدون والناشط الحقوقي أُعتقل في عام 2013 بتهمة "إهانة الإسلام" وحُكم عليه بألف جلدة وبالسجن عشر سنوات. وتسبب تنفيذ حكم الجلد عليه علناً في إثارة انتقادات دولية واسعة للسعودية. يقول شتاينبرغ أن رد الفعل هذا قد يكون سبباً في إلغاء عقوبة الجلد، ولكنه ينبه:" ليس معنى ذلك أنه سيتم إطلاق سراحه الآن".
صورة من: picture-alliance/dpa/empics/Canadian Press/P. Chiasson
سمر بدوي
تقبع سمر بدوي، أخت رائف بدوي، ايضاً في السجن منذ 2018، ومعها نسيمة السادة، وهما من الناشطات في مجال حقوق الإنسان في المملكة. وكانت السلطات شنت في 2018 حملة إعتقالات على مجموعة من الناشطات، تم بعدها الإفراج عن بعضهن مثل أمل الحربي وميساء الماعن، بينما تنتظر الأخريات، مثل سمر ونسيمة، البت في قضيتهن.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Wiklund
سلمان العودة
يعد الداعية سلمان العودة أحد الدعاة الدينيين السلفيين المعتدلين والمعروفين على الساحة، وهو قريب من جماعة الإخوان المسلمين التي تحظرها السلطات السعودية. يعرف عن العودة انتقاده للسياسات الداخلية والخارجية للمملكة، وفي 2017 حُكم عليه بعقوبة الإعدام، إلا أن الحكم لم ينفذ حتى اليوم.
صورة من: Creative Commons
علي محمد النمر
بعد إلغاء عقوبة الإعدام بحق القُصر تتجه الأنظار لعلي محمد النمر الذي أعتقل وهو في السابعة عشرة من عمره بسبب مشاركته في مظاهرات تطالب بالإصلاح وإطلاق صراح سجناء الرأي في 2012. وكان عمه نمر النمر أحد الدعاة الشيعة البارزين في السعودية. ويتوقع خبير شئون الشرق الأوسط غيدو شتاينبرغ أن حكم الإعدام لن ينفذ بحق علي محمد النمر، لكنه سيبقى في السجن.