دعوات للأكل لادماج للاجئين في ألمانيا
١٧ يوليو ٢٠١٦حصلت زابينه كولومبيتيس على خمسين شجرة زيتون هدية من فتحي، وهو أب سوري لاجئ، للتعبير عن الشكر والامتنان لها على الوقت الجميل الذي قضاه معها برفقة أسرته خلال وجبة عشاء في اليوم الثاني من أعياد الميلاد. كان اللقاء بمثابة بذرة لصداقة تنمو يوما بعد يوم إلى حدود الآن. في هذا الصدد تقول زابينه: "أمضينا وقتا ممتعا في تلك الليلة...وحكى لنا فتحي وزوجته قصة نزوحهم وأطلعونا على صور من وطنهم الأم". وبسبب الحرب في سوريا اضطرت العائلة إلى ترك منزلها الكبير، وأرضا زراعية فيها 750 شجرة زيتون. "قلت لفتحي حلمي ان تكون لي أشجار زيتون، فقال لي سأعطيك خمسين شجرة زيتون من ملكيتي الخاصة"، تضيف زابينه.
وجبة عشاء بداية لصداقة متينة
عندما تروي زابينه القصة يرتجف صوتها فرحاً إلى اليوم، رغم مرور حوالي عام ونصف على اللقاء مع فتحي وعائلته. وبعد أسبوع على العشاء الأول عند زابينه وعائلتها، بادر فتحي وزوجته وابنهما بدعوة زابينه وعائلتها إلى مخيم للاجئين الذي يقيمون فيه، وقدموا لهم أطباقا سورية تقليدية. وفي الوقت الحالي تلتقي العائلتان أسبوعيا تقريبا ويتواصل أفراد العائلتين فيما بينهم بالهاتف بانتظام.
وعندما تسمع ماريا إلشيفا مثل هذه القصص فهي تعرف قيمة المبادرة التي سهرت عليها في العام الماضي. فقد أسست في مدينة بون مبادرة تحمل شعار "أدعوك للأكل". ومنذ شهر يوليو/ تموز 2015 وهي تقوم بدور الوساطة عبر موقع على الانترنت وفيسبوك بين الناس الذين يعيشون في ألمانيا (ألمان ومهاجرين)، وبين الأشخاص الذين دخلوا إلى ألمانيا مؤخرا، لتناول وجبة العشاء.
"البداية دائماً صعبة"
"أنا لا أفرق بين اللاجئين وبين المهاجرين الآخرين، لأن الجميع اعترضته صعوبات في البداية". تقول ماريا إلشيفا (34 عاما) من أصول بلغارية. فهي تعرف جيدا عما تتحدث. فقبل 16 عاماً هاجرت من بلغاريا من أجل الدراسة. وتشرح تجربتها قائلة: "لم أكن أتحدث اللغة الألمانية، ولم يكن لي أصدقاء، ولم تكن عندي أية فكرة كيف سأنجح في التأقلم". وحاليا تعمل إلشيفا كصحفية لدى مؤسسة الدويتشه فيله (DW)، وتكتب بالألمانية وبطلاقة. "في السنوات الأولى وجدت صعوبة كبيرة في ربط العلاقات مع الناس رغم أنني كنت أذهب إلى الجامعة وأستمع للمحاضرات".
ولما دُعيت في أحد الأيام لتناول وجبة العشاء مع أسرة ألمانية التقت الألمان ولاحظت أن "الألمان ليسوا باردي العواطف" كما يتم تصويرهم. ففي السابق كان لماريا إلشيفا أحكام مستبقة تجاه الآخرين. "عندما يكون الآخرون غرباء، أعتقد أن كل واحد منا تكون له أحكام مسبقة على الآخر".
هدف المبادرة تسهيل التعارف بين المهاجرين والألمان
وبهدف تسهيل الأمور في البداية أمام الأشخاص الذين جاؤوا مؤخرا إلى ألمانيا أسست مبادرة "أدعوك للأكل". ولا تقتصر المبادرة على مساعدة اللاجئين فقط بل تشمل السكان المحليين لفهم الجانب الآخر. واستغلت إلشيفا عطلة الأمومة لإطلاق هذه المبادرة، وكانت تقتدي بمشاريع مماثلة أطلقت في هامبورغ، وكولونيا، والسويد، وأيضا في استراليا.
بعد مرور فترة وجيزة على إنشاء صفحة خاصة بالمبادرة على موقع فيسبوك بدأت في ألمانيا ما يطلق عليه الكثيرون "أزمة اللاجئين". فحينها تدفق مئات الآلاف من الناس إلى ألمانيا قادمين من سوريا. وكان مشروع "أدعوك" خطوة صحيحة لمساعدتهم. إذ أن "80 بالمئة من الضيوف كانوا لاجئين، ولكن مهاجرين آخرين على سبيل المثال من بيرو، وأسبانيا، وصربيا، وفرنسا وأوكرانيا وروسيا عبروا عن اهتمامهم". كما توضح إلشيفا التي تضيف مبتسمة: "لقد كانت هناك حاجة لمثل هذه المبادرات".
إقبال كبير رغم تراجع عدد اللاجئين
ورغم تراجع عدد اللاجئين المتدفقين على ألمانيا، إلا أن الإقبال على المبادرة لا يزال كبيراً. وبما أن معظم الضيوف لا يتحدثون الألمانية بطلاقة ولا يستطيعون الوصول إلى الصفحة الخاصة بالمبادرة على الإنترنيت، تتولى إلشيفا مهمة العثور على اللاجئين المهمتين بالمشروع. وتتلقى الصحفية دعما من مدرسة تعليم البالغين بمدينة بون، ومدرسي اللغة الألمانية الذين يتحدثون مع طلابهم حول المشروع.
وهكذا أصبح اللاجئ السوري فتحي وزوجته أعضاء في مبادرة "أدعوك للأكل"، وهو ما يعتبره المهندس الكهربائي وزوجته مصدر فخر لهما، لأنهما الوحيدان من بين زملائهم في دورات اللغة الألمانية الذين أصبح لهم أصدقاء ألمان. كل ذلك كان بفضل وجبة عشاء، وربما ساعدت أشجار الزيتون التي أهداها لمضيفتهم في فتح المجال أمام تلك الصداقة.