أرامل الحرب اليمنية.. ماذا بعد عودة خاتم الزواج في تابوت؟
١٨ أغسطس ٢٠١٨
تحصد الحرب المستعرة نارها في اليمن منذ سنوات الأخضر واليابس وحيوات مئات آلاف العوائل. تبقى النساء من أرامل الحرب من بين الفئات الأكثر تضرراً في مجتمع تقليدي ينظر للمرأة على أنها "ضلع قاصر".
إعلان
لم يكن أمام اليمنية، أمان، وهي أم لطفلين، في الـ20 من عمرها، سوى الرضوخ للضغوط الاجتماعية بالزواج من شقيق زوجها، الذي قُتل خلال الحرب المستمرة في البلاد، منذ أكثر من سنوات، وخلفت أعداداً كبيرة من الأرامل اللاتي فقدن أزواجهن، ليواجهن مصائرهن في ظروف مأساوية في الغالب. وتُجبر البعض من أولئك الأرامل، على الزواج من أقارب المتوفين أو يقفن في وجه الضغوط ويبدأن حياة جديدة، تختلف باختلاف الأسر أو الأعمار وغيرها من الاعتبارات.
تنحدر أمان، من إحدى ضواحي صنعاء الشرقية وتفيد لـDW عربية، أنها تزوجت وما يزال عمرها 14 عاماً، إلا أن زوجها التحق بجبهات الحرب بين مسلحي جماعة الحوثيين المعروفين بـ"أنصار الله" والقوات الموالية للحكومة المعترف بها دولياً، في مديرية "نِهم" شرق صنعاء. وبينما ولدت زوجته طفلتها الثانية في العام 2016، عاد عبدالله إلى أسرته جريحاً، وبعد أن تعافى حاولت أمان إقناعه، ألا يذهب مجدداً إلى "الجبهة" وأن يبقى لها ولطفليها، إلا أنه أصر على الذهاب.
"الاستعاضة" بشقيق الزوج
تواصل أمان حديثها ودموعها تنهمر، أنه "لم يعد إلينا إلا في الصندوق، فتحتُ الصندوق لرؤيته وتوديعه (ميتاً) لكنني لم أر سوى يده التي عليها خاتم زواجنا"، وعقب ذلك، قضت أمان شهور "العِدة" (الفترة الشرعية بعد وفاة الزوج أو الطلاق التي يجب على المرأة انتظارها قبل الزواج من جديد)، في منزل أهلها، قبل أن يأتي إليها والد زوجها القتيل، يضعها أمام خيار الزواج بشقيقه للحفاظ على طفليها أو أن يأخذ طفليها، وهو ما دفعها للقبول بالزواج بشقيقه، حتى لا تفارق طفليها.
يعد زواج "الأرملة"، المرأة التي تفقد زوجها بالحرب، من شقيق زوجها أو أحد أقاربه، أحد أكثر الخيارات التي تدعمها العادات والتقاليد والضغوط الاجتماعية، بمناطق متفرقة باليمن في إطار ما يُعرف بـ"الاستعاضة"، وهو ما حصل مع أمان، ومثلها خديجة، البالغة من العمر 35 عاماً، وهي أم لأربعة أطفال، إذ لم يكن أمامها من خيارٍ للبقاء مع أطفالها في منزل زوجها الذي قضى بغارة جوية سوى الارتباط بشقيقه زوجاً جديداً، ومع كونه خياراً يتم تحت الضغوط الاجتماعية بالغالب، فإنه بالنسبة لأخريات، قد لا يكون هناك من أسرة القتيل، من يتزوجها، إذا ما كان الخيار الأقل مرارة، في مرحلة ما بعد رحيل الزوج.
العيش مع الأمل
وبالرغم من ذلك، لا يعد الزواج بشقيق أو قريب الزوج القتيل/المتوفي، أمراً لا مفر منه دائماً، فعلى عكس أمان وخديجة، ما تزال "فاطمة" تقاوم الضغوطات والقيود المجتمعية، بعد نحو عام ونصف على مقتل زوجها أحمد، بغارة جوية، استهدفت أحد المواقع العسكرية الخاضعة للحوثيين. وتعتقد فاطمة، البالغة من العمر 30 عاماً، أن زوجها قد لا يكون قُتل بالضرورة، إذ لم تستطع التعرف على جثته عندما أُحضرت للدفن، حيث ملامح وجهه كانت قد اختفت.
ما يزال الأمل يراود فاطمة بأن زوجها قد يعود، والسبب في ذلك، كما تروي لـDW عربية، هو قصص يتم تناقلها، عن صديقة لها، تُدعى "خلود"، عاد زوجها بعد عامين على أنباء مقتله، إذ اتضح أنه كان أسيراً، ليفُاجأ سكان القرية التي تقطنها غرب صنعاء بعودته بينما كانت زوجته على وشك الزواج بآخر، وهو ما يمنح فاطمة الأمل، بينما تعمل على "ماكينة خياطة" للملابس لتوفير ما يطعم أطفالها الثلاثة، إلى جانب تسملها معونة غذائية ومبلغاً مالياً لا يتجاوز 20 ألف ريال (بحدود 80 دولار)، من إحدى الجمعيات، كل ثلاثة أشهر.
بين بيع الرياحين وحمل السلاح
تتعدد مصائر الأرامل اللاتي يقتل أزواجهن في الحرب، من الزواج بآخر (كشقيق القتيل) أو سواه، وبين مواصلة الحياة بظروف صعبة، دون شريك، وخصوصاً بالنسبة لأولئك، اللاتي صار لديهن عدد من الأطفال، يتحولن إلى معيلات لرعايتهم، كما هو حال بلقيس (تتحفظ عن تقديم هويتها الكاملة بسبب الحساسيات المجتمعية)، في الإفلات من القيود المجتمعية. فبعد عامين على مقتل زوجها في إحدى جبهات الحرب الداخلية، انتقلت بلقيس، بصحبة أطفالها الخمسة، من الريف إلى العاصمة صنعاء، حيث تعمل في بيع نبات الرياحين، ذات الرائحة العطرية، والذي يستخدم بشكل واسع في المناسبات الاجتماعية، وتقول لـDW عربية، إنها تبيع حزمة الرياحين الواحدة بنحو 700 ريال، بعد أن اتفقت مع صديقات لها في القرية قبل سفرها تزويدها بكميات الرياحين أسبوعياً لبيعها في الأسواق.
إلى جانب ذلك، دخلت الأرامل، على خط التجنيد، وهو الأمر الذي طرأ في سنوات الحرب الأخيرة، على الرغم من محدوديته، حيث نظمت القوات الحكومية في تعز استعراضاً لنساء يحملن السلاح أكثر من مرة، ومثلها استعراضات مسلحة لمواليات للحوثيين ظهرن يحملن الأسلحة وتلقين دورات في استخدام الأسلحة، وهي الاستعراضات التي كشفت الخطابات المترافقة معها، عن دخول "زوجات الشهداء"، ضمن المجندات. ويُسند إليهن، في الغالب، مهام في جهاز الشرطة أو واجبات تنظيمية غير علنية.
صفية مهدي
في اليمن ...حفلات الزفاف تتحول إلى بيوت عزاء
دخلت الحرب في اليمن عامها الرابع في ظل تطورات دراماتيكية عسكرية وإنسانية أدت إلى أسوأ كارثة في العالم حسب توصيف منظمات دولية عديدة، حتى حفلات الزفاف تتحول إلى بيت عزاء، فلا مكان للفرح في "اليمن السعيد".
صورة من: Getty Images/AFP
التهاني تتحول إلى تعازي في حجة
حفلات الزفاف لا تسلم بدورها من آثار الحرب. ففي محافظة حجة قتل الاثنين (23 أبريل/ نيسان) ما لا يقل عن 20 مدنياً عقب قصف خيمة زفاف في محافظة حجة. القصف أكده البنتاغون وأدانته الأمم المتحدة مطالبة بإجراء تحقيق "سريع وشفاف"، بينما نسب المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران الذين يسيطرون على المحافظة حيث وقع الاعتداء، الغارات إلى التحالف العسكري بقيادة السعودية.
صورة من: Reuters
السعودية: نحرص على تطبيق قواعد الاشتباك
رد السعودية شمل تصريحاً أن القوات المشتركة للتحالف تتابع "باهتمام ما تمّ تداوله في وسائل الإعلام مؤكدة على حرص قيادة التحالف على تبني وتطبيق قواعد الاشتباك بما في ذلك "افتراض أن كل شخص في اليمن هو شخص مدني إلى أن يثبت العكس بشكل قاطع".
صورة من: Reuters
131 قتيلا من المدعويين
حفل زفاف آخر تحول إلى بيت عزاء، وذلك في 28 أيلول/ سبتمبر 2015 في المخا، ما أسفر عن مقتل 131 من المدعويين. القصف نسب إلى التحالف الذي نفى ذلك أيضاً، حسب الأمم المتحدة. توالي الهجمات في اليمن دفع بالمنظمات الدولية إلى توقيع اتفاقيات لم تنجح في إعادة الهدنة إلى البلد، وكانت الأمم المتحدة قد وقعت سبعة اتفاقات هدنة فشلت هي الأخرى في تحقيق هدفها.
صورة من: picture alliance/abaca
أكبركارثة إنسانية
تدخل الحرب اليمنية عامها الرابع بعد أن حصدت أرواح 10 آلاف يمني. الأمم المتحدة تصنف ما يجري في هذا البلد على أنه أسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم حاليا: 22,2 مليون شخص في حاجة إلى مساعدات إنسانية ملحة و8,4 ملايين شخص مهددين بخطر المجاعة، فيما يعاني نحو مليون يمني من وباء الكوليرا. وأضعف الضحايا هم بالطبع الأطفال.
صورة من: Reuters/A. Zeyad
التحالف العربي في "اللائحة السوداء"
سبق لمنظمة هيومن رايتس ووتش في سبتمبر/ أيلول 2017، أن اتهمت التحالف العربي بشن خمس غارات جوية أدت إلى مقتل 39 مدنيا بينهم 266 طفلا. كما صنفت الأمم المتحدة التحالف العربي ضمن "قائمة العار"، ووجهت في تقرير صدر لها عام 2016 اتهامات إلى التحالف بقيادة السعودية نددت فيها بقتل الأطفال وتشويههم وهدم المدارس والمستشفيات. كما وجهت المنظمة اتهامات مشابهة للحكومة اليمنية والحوثيين وتنظيم القاعدة.
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Arhab
"جرائم حرب"
من جهتها، اعتبرت منظمة العفو الدولية في عام 2016 أن ما يجري دمار و "جرائم حرب". وحسب الأمم المتحدة فإن غارة جوية للتحالف على مجلس عزاء في صنعاء، بتاريخ 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، أودت بحياة 140 شخصا وأكثر من 500 جريح. وفي مارس/ آذار 2016 تم تشكيل "الحزام الأمني" الذي يضم ضباطا وعسكريين يمنيين من قبل حكومة الرئيس هادي. بالمقابل شكل الحوثيون في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 حكومة "إنقاذ وطني".
صورة من: AFP/Getty Images
سقوط صنعاء
انطلقت الشرارة الأولى للأزمة اليمنية عام 2011، لكن الحرب لم تبدأ حتى سيطر الحوثيين على مؤسسات أمنية وحكومية ومنشآت هامة في صنعاء عام 2014. كما سقطت العاصمة في أيديهم وبدأت حرب ماتزال مستمرة حتى الساعة. الحرب اليمنية بدأت باحتجاجات ضد حكومة عبد ربه منصور هادي للمطالبة بتنازلات، وكان الحوثيون أول من أطلقها أواسط عام 2014.
صورة من: AFP/Getty Images/M. Huwais
"حزم" ومن بعده "أمل"
بعد طلب هادي التدخل عسكريا لحماية اليمن وشعبه من "عدوان المليشيات الحوثية"، أطلقت السعودية في عام 2015 عملية "عاصفة الحزم"، التي ساهم فيها أكثر من عشر دول عربية. تدخل السعودية ضد الحوثيين تُرجم بشن غارات جوية استهدفت مواقع الحوثيين وحلفائهم، وتمكن حلفاء السعوديين فيما بعد من استعادة العديد من المناطق كمضيق باب المندب. لكن المنظمات الدولية نددت بالأوضاع المزرية، ليتغير اسم الحملة إلى "إعادة الأمل".
صورة من: Getty Images/Afp/F. Nureldine
تشكيل "المجلس الانتقالي الجنوبي"
في 11مايو/ أيار 2017، أعلن عيدروس الزبيدي عن تشكيل "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الذي يدعو إلى إقامة "دولة ذات سيادة في الجنوب"، لكن الرئيس هادي رفض المجلس باعتباره مخالفاً للمرجعيات القانونية على المستوى المحلي والدولي أيضا. وحظي مجلس الزبيدي، الذي تمت إقالته من منصب محافظ بعدن، بدعم إماراتي. كما أن قوات التحالف العربي أنهت علاقتها بقطر مما أجبرها على سحب قواتها الجوية في نفس العام.
صورة من: Reuters/F. Salman
حملة دولية لمقاطعة الإمارات
المطالبة بفتح تحقيق شامل في حالات الإخفاء القسري والجرائم التي ترتكبها الإمارات في جنوب اليمن، كان الهدف من "الحملة الدولية لمقاطعة الإمارات". فقد تم توقيع العريضة بتاريخ 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2017، وطالبت فيها أوروبا ونقابات العمال ومنظمات حقوقية باتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهاء الحرب في اليمن، وإيقاف سيل القتل والدمار في صفوف المدنيين الناتج عن أعمال العنف التي يشنها التحالف العربي.
صورة من: Migua
الرياض في قلب المواجهة
أطلق الحوثيون صاروخا بالستيا في اتجاه الرياض، يوم 4 نونبر/ تشرين الثاني 2017، لكن القوات السعودية اعترضته فوق مطار العاصمة الدولي ولم تسقط منه إلا شظايا. واتهمت السعودية حينها إيران بشن "عدوان عسكري مباشر"، إلا أن طهران رفضت هذه "الاتهامات غير المسؤولة". بعدها أغلقت قيادة التحالف العربي جميع المنافذ في اليمن مما جعل الحوثيين يهددون بضرب السعودية والإمارات ردا على تشديد الحصار.
صورة من: Reuters
الإقامة الجبرية لمنصور هادي
من أبرز الأحداث في 2017؛ منع السعودية للرئيس اليمني هادي وابنيه ووزراء وعسكرين يمنيين من العودة إلى بلادهم، حسب وكالة أسوشيتد برس الأميركية بتاريخ 7 نوفمبر/تشرين الثاني، . ونقلت الوكالة عن مسؤولين يمنيين أن المنع السعودي جاء منذ أشهر وأرجعوا ذلك إلى "العداء المرير بين هادى والإمارات العربية المتحدة التي تشكل جزءا من التحالف وتهيمن على جنوب اليمن".
صورة من: picture-alliance/dpa/AP Photo//H.Mohammed
عبد الله صالح في عداد "المقتولين"
شهدت الأزمة اليمنية في نهاية تشرين الثاني/نوفمبر تطورا في صنعاء حيث وقعت معارك عنيفة بين الحوثيين وقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح. وفي الرابع من كانون الاول/ديسمبر2017، قُتل علي عبدالله صالح على أيدي الحوثيين، بعد أن كان حليفهم طوال فترة النزاع. وجاء قتله بعد إعلانه عن استعداده لـ"فتح صفحة جديدة" مع السعودية. وكان الحوثيون قد اتهموه في 23 آب/اغسطس 2017 بـ"الغدر". إعداد/ مريم مغريش، و.ب