اختار الرئيس التركي روسيا أول محطة خارجية له عقب الانقلاب الفاشل. ولقاء أردوغان مع بوتين ينهي فترة جمود في العلاقات بين البلدين نتجت عن إسقاط تركيا لطائرة روسية مقاتلة. بيد أن وتيرة التقارب بينهما فاجأت الخبراء.
إعلان
استمر البرود في العلاقة بين روسيا وتركيا حوالي سبعة أشهر، أما الدفء الذي حل عليها فعمره بالكاد ستة أسابيع. وعندما يتوجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الثلاثاء (التاسع من أغسطس/ آب 2016) إلى روسيا ويلتقي مع "صديقه" فلاديمير بوتين، سيقوم الاثنان بعملية تحول بمقدار 180 درجة. وبالنسبة لأردوغان، فستكون هذه نهاية لمرحلة صعبة مرّ بها "السلطان"، وستكون النهاية تحديدا، في موطن بوتين، مدينة سانت بطرسبرغ.
بدأ التنازل في أواخر يونيو/ حزيران حين أرسل أردوغان رسالة إلى بوتين، أعرب فيها عن أسفه لقيام سلاح الجو التركي بإسقاط مقاتلة روسية من طراز "سوخوي 24" على الحدود التركية السورية في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2015. كما اعتذر أردوغان أيضا لأسر الضحايا.
إسقاط الطائرة، الذي نتج عنه مقتل طيار روسي كان على متنها، أدى إلى برود لم يسبق له مثيل في العلاقات بين بوتين وأردوغان، اللذين كان حتى ذلك الوقت شريكين حميمين. وردَّت روسيا عبر جملة من الخطوات من بينها فرض حظر على واردات الغذاء التركية وإلغاء جميع الرحلات الجوية (تشارتر) لقضاء العطلات في تركيا، والتي تحظى بشعبية لدى ملايين الروس. وإضافة إلى ذلك، جمدت موسكو مشروعين رئيسيين هما: بناء خط أنابيب الغاز عبر البحر الأسود ومحطة للطاقة النووية. والآن سيقرر بوتين وأردوغان شخصيا مصير هذه المشاريع.
دعم روسي بعد الانقلاب الفاشل
التقارب يثير الدهشة أكثر عند النظر إلى الطريقة التي تعامل بها الجانبان مع بعضهما البعض حتى قبل وقت قصير. فقد أكد أردوغان بعد إسقاط المقاتلة الروسية أن بلاده لن تتسامح مع أية انتهاكات للحدود. وفي الأسابيع التي سبقت ذلك احتجت أنقرة مرارا وتكرارا بأن مقاتلات روسية انتهكت المجال الجوي التركي عند الحدود مع سوريا. وفي الغرب، تزايد القلق من احتمال وقوع نزاع عسكري بين روسيا وتركيا العضو بحلف شمال الأطلسي.
ووصف بوتين إسقاط الطائرة بأنه "طعنة في الظهر". ووجه إهانة للقيادة التركية في خطاب ألقاه في أوائل ديسمبر/ كانون الأول عام 2015 عندما قال "إن الله قد قرر معاقبة الزمرة الحاكمة في تركيا فأفقدها صوابها". وبالإضافة إلى ذلك، اتهمت موسكو القيادة التركية بالمشاركة في صفقات نفطية مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الإرهابي، وقام التلفزيون الروسي الرسمي يوميا تقريبا بمهاجمة أردوغان. بل إنه حتى كان هناك نائب يميني متطرف معروف في البرلمان اقترح إسقاط قنبلة نووية على مضيق البوسفور، لكي "تمحو" مدينة إسطنبول التركية من الوجود.
لكن الغضب الروسي هو ما تم محوه على ما يبدو منذ عدة أسابيع. فبعد أيام فقط من رسالته إلى بوتين اتصل أردوغان هاتفيا مرة أخرى بالرئيس الروسي. واتفقا على أن يلتقيا شخصيا، وهو ما سيحدث الآن. وبالإضافة إلى ذلك، رفع بوتين الحظر المفروض على الرحلات الجوية "تشارتر" إلى تركيا. ومنذ نهاية يوليو/ تموز يتدفق السياح الروس من جديد على الشواطئ التركية. وبعد محاولة الانقلاب الفاشلة، كانت هناك مكالمة أخرى، وهذه المرة بمبادرة من موسكو، في أقوى دعم روسي للرئيس التركي.
أنقرة تلبي شروط موسكو
هذا "التقلب في العلاقات الروسية التركية" يمكن أن يبلبل أفكار حتى المراقبين ذوي الخبرة، حسب ما كتب خبير السياسة الخارجية الروسي فيودور لوكيانوف، في مقال صحفي. وقال رئيس تحرير مجلة روسيا في السياسة العالمية: "إذا لزم الأمر، فإن أشد الكلمات يمكن نسيانها بسهولة".
ويقول مراقبون روس إن هذا التحول في العلاقة أصبح ممكنا لأسباب من بينها تقديم الجانب التركي اعتذاراً رسمياً، إضافة إلى تلبية شرطين آخرين من شروط موسكو بشكل جزئي على الأقل، وهما أن العسكريين الأتراك المسؤولين عن إسقاط المقاتلة الروسية قابعون في السجن. علاوة على ذلك، فإن أنقرة أظهرت وبشكل واضح استعدادها للحديث عن تقديم تعويضات عن إسقاط الطائرة.
تقارب يواجه عقبات
ويعتقد خبراء روس أن التطورات الحالية في تركيا تدفع البلاد الآن بقوة في اتجاه موسكو. والمقصود هنا هي الانتقادات من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والغرب كلية لكبح أردوغان للديمقراطية بعد الانقلاب الفاشل. بل إن روسيا يمكن أن تصبح داعما جديدا لتركيا، يقول فيكتور ناديين- رايفسكي، من المعهد الروسي للدراسات السياسية والاجتماعية في منطقة البحر الأسود ومنطقة بحر قزوين. "في الآونة الأخيرة، كان هناك حديث عن عضوية تركيا في منظمة شنغهاي للتعاون والاتحاد الاقتصادية الأوروبي الآسيوي وفي كلتا المنظمتين فإن روسيا هي القوة الدافعة"، حسب ما قال ناديين- رايفسكي لـ DW.
ويعتقد ناديين- رايفسكي أن العلاقات الاقتصادية الروسية- التركية يمكن أن تعود بشكل "سريع نسبيا" إلى سابق عهدها. وفي المقابل فإن التقارب السياسي سيكون أكثر صعوبة. وأكد الخبير الروسي أن "المشكلة الرئيسية هي سوريا". فتركيا تريد تغيير النظام في دمشق، في حين تدعم روسيا الرئيس السوري بشار الأسد عسكريا أيضا.
بعد صداقة حميمة.. توتر وعداء بين "القيصر" و"السلطان"
تشهد العلاقات الروسية التركية أسوأ أزمة دبلوماسية منذ الحرب الباردة إثر إسقاط تركيا للمقاتلة الروسية. ويدور اختبار قوة عنيف بين رئيسي البلدين رغم روابط الصداقة السابقة، وهو ما بات يعتبر مواجهة بين "السلطان" و"القيصر".
صورة من: Reuters/Umit Bektas
يدور حاليا خلاف بين تركيا وروسيا بعد أن أسقطت أنقرة مقاتلة روسية على الحدود السورية في 24 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015. ويدور اختبار قوة عنيف بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان رغم روابط الصداقة التي كانت تجمع بينهما، وهو ما يهدد العلاقات بين البلدين التي باتت توصَف كمواجهة بين "السلطان" و"القيصر". تاريخ الصورة: 15/ 11/ 2015 في قمة مجموعة العشرين بأنطاليا التركية.
صورة من: picture alliance/ZUMA Press
أنقرة تقول إن المقاتلة الروسية انتهكت المجال الجوي التركي وتم تحذيرها مرارا. وتقول موسكو إن الطائرة كانت فوق سوريا حيث تقوم روسيا بحملة جوية لدعم الرئيس الأسد في الحرب المستمرة منذ نحو خمس سنوات. وتقول روسيا إنها تستهدف تنظيم "داعش"، في حين يقول مسؤولون غربيون إن عددا قليلا جدا من الغارات الجوية الروسية تستهدف التنظيم وإن معظمها تضرب جماعات المعارضة السورية التي يدعمها الغرب.
صورة من: picture-alliance/dpa/Anadolu Agency
وشن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هجوما شديدا على تركيا محذرا إياها من أنها "ستندم على ما فعلته" ومؤكدا أن قيامها بإسقاط المقاتلة الروسية على الحدود السورية عملية غدر لن تنساها روسيا أبدا. واتهم الجيشُ الروسي الرئيسَ التركي رجب طيب أردوغان وعائلته بـ"الضلوع" في شراء النفط من تنظيم "داعش".
صورة من: Reuters
ولم يتأخر الرئيس التركي بالرد على ما وصفه بأنها اتهامات "غير أخلاقية" من جانب روسيا إليه والى أفراد عائلته بأنهم يستفيدون من المتاجرة بالنفط مع تنظيم "داعش"، متهما بدوره موسكو بالضلوع في هذه التجارة. وقال أردوغان: "لدينا إثباتات بأن روسيا متورطة في تجارة النفط مع داعش".
صورة من: Reuters/U. Bektas
استدعت تركيا السفير الروسي لدى أنقرة بعد نشر صور لعسكري روسي يحمل قاذفة إطلاق صواريخ على سفينة عسكرية روسية أثناء مرورها في مضيق البوسفور. ووصفت أنقرة صور العسكري الروسي بـ "الاستفزاز" في أوج الأزمة الدبلوماسية بين موسكو وأنقرة منذ إسقاط سلاح الجو التركي الطائرة الروسية. ونشرت عدة وسائل إعلام تركية صورة الجندي الروسي وهو يحمل قاذفة إطلاق صواريخ على كتفه على بارجة روسية.
صورة من: Youtube/komik videolar
فرضت روسيا الغاضبة عقوبات على تركيا ومنها إعادة العمل بنظام التأشيرة للمواطنين الأتراك ابتداءً من أول عام 2016، وحظر استيراد الخضر والفواكه التركية. وقالت أنقرة إنها ستفرض عقوبات على روسيا إذا اقتضت الضرورة لكنها لا تزال مستعدة لإجراء محادثات مع موسكو.
صورة من: picture-alliance/dpa
يتوقع البنك الأوروبي للإعمار والتنمية أن أثر العقوبات على تركيا سيكون "ملحوظاً لكن ليس بشكل كبير على إجمالي الناتج المحلي التركي"، أما بالنسبة لروسيا فسيبقى التأثير "محدودا" إلا إذا تأثرت صادرات الطاقة فعندها سيكون سلبيا، لأن تركيا ثاني سوق لصادرات الغاز الروسية. إردوغان قال إن بلاده يمكنها إيجاد مزودي طاقة آخرين غير روسيا. ويرتبط اقتصادا البلدين بشدة خصوصا في مجالات الطاقة والسياحة والبناء.
صورة من: picture-alliance/dpa
البنوك التركية ستُستثنى من العقوبات الروسية لتتفادى بذلك حملة تشنها موسكو قد تسبب خسائر لتركيا تصل إلى تسعة مليارات دولار انتقاما من إسقاط الطائرة الروسية.
صورة من: picture-alliance/epa/S. Suna
وأعلنت روسيا أنها انتهت من برنامج لإعادة نحو 9 آلاف مواطن كانوا في رحلات سياحية في تركيا، وذلك في أعقاب التوترات التي أثارها إسقاط تركيا للطائرة العسكرية روسية. وبحلول يوم الإثنين 07 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، لم يبقَ سوى نحو 10 سائحين في تركيا من إجمالي 9 آلاف روسي.
صورة من: AP
من ناحية أخرى اتهم العراق تركيا بانتهاك سيادته بنشر قوات مدججة بالسلاح في معسكر قرب خط الجبهة في شمال العراق. لكن أنقرة قالت إن وجود تركيا في الموصل يهدف إلى المساهمة في قتال العراق ضد تنظيم "داعش" وإنه سيستمر بالتنسيق مع العراق. ومن غير الواضح ما إذا كانت روسيا تنوي إثارة الشكاوى العراقية في مجلس الأمن أو ما إذا كان الوفد الروسي يريد من المجلس أن يتخذ إجراءات.
صورة من: picture-alliance/dpa/Sirnak
قالت وسائل إعلام تركية إن أنقرة أوقفت بارجة روسية في ميناء سامسون (شمال) على البحر الأسود بسبب نقص في الوثائق في حين سمح لثلاث بوارج أخرى بمغادرة الميناء. (الصورة رمزية).
صورة من: AFP/Getty Images
وفي ظل حرب الاتهامات بين روسيا وتركيا عقد وزير الخارجية الروسي لافروف اجتماعا مع نظيره التركي تشاووش أوغلو استغرق 45 دقيقة في بلغراد. وبعد اللقاء قال تشاووش أوغلو: "عبرنا عن حزننا وقدمنا تعازينا في مقتل الطيار الروسي". من جانبه، قال لافروف إنه لم يسمع منه شيئا جديدا بخصوص إسقاط مقاتلة تركية للطائرة الحربية الروسية.
صورة من: Reuters
لافروف: "لن نحارب تركيا لكن سنرد على إسقاط الطائرة". وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف جدّد التأكيد على أن تركيا استهدفت الطائرة الروسية وهي داخل المجال الجوي السوري. ووصف إسقاط الطائرة بأنه "أقرب ما يكون إلى استفزاز متعمد".
صورة من: Reuters/D. Balibouse
أوغلو: لن نعتذر عن إسقاط المقاتلة الروسية. فيما أعلن الرئيس أردوغان أنه حزين لإسقاط الطائرة الروسية، رفض رئيس وزرائه تقديم أي اعتذار لروسيا. وتطالب موسكو باعتذار رسمي من أنقرة عن إسقاط مقاتلتها الذي أدى لمقتل أحد طياريها إلى جانب عسكري روسي شارك في عملية خاصة لإنقاذ الطيار الثاني. لكن تركيا رفضت الاعتذار قائلة إنها تصرفت دفاعا عن حدودها. من جهته وصف أوغلو الاتهامات الروسية بأنها "دعاية سوفييتية".