أردوغان وحيداً في "المستنقع السوري"؟
٢٨ فبراير ٢٠٢٠ضربة موجعة تلقتها تركيا بعد مقتل 33 جندياً تركيّاً في تصعيد عسكري شهدته إدلب، خسارة وصفتها روسيا على لسان وزير خارجيتها بـ"المأساة"، والذي لحقه بعد ساعات قليلة مقتل 7 جنود أتراك في قصف في معيتيقة في ليبيا، مما يضع الرئيس التركي طيب رجب أردوغان مرة أخرى أمام ضغوط سياسية داخلية وخارجية قد تؤثر على الوجود التركي في سوريا بشكل خاص، مدفوعاً بتضاؤل خياراته المتاحة إثر فقدان حلفائه؛ خاصة من الدول العربية والأوروبية، وكذلك تغيّر معادلات القوى، بعد أن وجد نفسه وحيداً أمام روسيا والنظام السوري. هذا الأمر يطرح تساؤلاً حول الخيارات التركية قبيل الموعد المقترح لقمة تركية -روسية - إيرانية من المزمع عقدها قبل السادس من مارس/آذار القادم.
هل تخلى العرب عن أردوغان؟
منذ بدء الأزمة في سوريا اتخذت تركيا دور رأس الحربة في تحالف يضم أكثر من 65 دولة في مواجهة نظام الأسد، إذ تمتع بدعم السعودية والإمارات وقطر للتدخل العسكري والسياسي في سوريا، إلا أن الأحداث الأخيرة وضعت أنقرة في موقف محرج، كما يرى المحلل السياسي عبد الباري عطوان في حديث مع DW عربية.
ويرى عطوان أن الدول العربية تخلت عنه لإدراكها أن الوضع في سوريا تغير، لاسيما بعد انسحاب واشنطن من الأزمة السورية، وكذلك تآكل فصائل الثورة لمصلحة جماعات إسلامية متشددة موجودة على قائمة الإرهاب.
من جانب آخر فإن الأزمة أدت إلى استنزاف مالي وبشري بعد أن طال أمدها، في ظل فشل إسقاط النظام السوري الذي يحظى بدعم موسكو وطهران وحزب الله، والذي غيّر ميزان القوى لصالح الأسد كما يرى عطوان، مضيفاً أن هذا قد وضع أردوغان في موقف محرج وتحت دائرة الاتهام بأنه داعم للإرهاب.
بيد أن العلاقات التركية العربية أصبحت شبه منقطعة منذ عملية السلام في اتفاق سوتشي عام 2018، كما يرى المحلل التركي طه عودة أوغلو في حديث له مع DW عربية، وهو الاتفاق الذي تسبب في فقدان تركيا لدعم حلفائها، وعليه فإن التقارب الوحيد هو مع روسيا، والذي كان جلياً من خلال الاتصالات والزيارات بين الطرفين، إلا أن الأحداث الأخيرة في إدلب جعلت هذه العلاقة "على المحك" كما يصفها عودة أوغلو.
كل هذه المتغيرات التي طرأت على علاقة أردوغان مع الدول العربية وحلفائه جعلت الكفة ترجح لصالح الأسد، والذي نجح باستعادة السيطرة على نحو 85% من الأراضي السورية، بعد أن كان نفوذه قد انحسر إلى نحو 20% فقط، إذ أصبح النظام السوري "أكثر قوة" في ظل الوجود الروسي إلى جانب الدعم الإيراني السياسي والعسكري، كما يرى عطوان.
فقد تمكن الأسد من الحفاظ على حلفائه بعكس أردوغان، خاصة بعد قيام بوتين بوضع ثقله العسكري والسياسي لصالح النظام السوري، والذي جعل محاولات أنقرة لمنع تقدم قوات الأسد أمراً مليئاً بالمعيقات والصعوبات.
إدلب.. ملامح أسوأ مأساة إنسانية
لعلّ رهان الإدارة التركية على اتفاق سوتشي عام 2018 بات بعيد المنال، ولكن لا يمنع هذا من أن يساهم قرار أردوغان حول الأزمة في إدلب بتجددملامح أسوأ مأساة إنسانية في هذا القرن، والتي شهدت نزوح الآلاف من السوريين خلال الأشهر الماضية، نصفهم من الأطفال، حسب الأمم المتحدة.
فهناك حوالي ثلاثة مليون مدني في إدلب يرزحون تحت ضغط التدافع السياسي والعسكري بين تركيا والنظام السوري منذ سنوات، ويواجهون أزمة إنسانية كبيرة في ظل القصف المستمر، والتضور جوعاً والتجمد برداً، مما جعلهم يفقدون الأمل من النجاة كما نقلت على لسانهم صحيفة "ديلي تليغراف" البريطانية.
التطورات الأخيرة بين أنقرة ونظام الأسد ضاعفت من المعاناة التي يواجهها النازحون. ويرى عودة أوغلو أن مصائرهم لم تعد ذات أولوية، إذ أن الضجة التي ستحدثها فكرة وجود "موجة جديدة من النزوح" سيكون لها تأثيراً خاصاً على حكومة أردوغان، "فالخسارة الأخيرة التي مني فيها حزب العدالة والتنمية كانت انعكاساً للشارع التركي ورأيه حول القضية السورية، ولهذا لا يوجد متسع كافٍ أمام أردوغان للخطأ مرة أخرى، وعليه فإن أي تحرك متعلق بأهالي إدلب سيكون رهين قرار جميع الأحزاب التركية، حتى لا يتحمل الرئيس التركي المسؤولية لوحده".
ولعلّ طبيعة العلاقة الحدودية بين تركيا وسوريا دفعت أنقره إلى التدخل، ولهذا يعتقد عودة أوغلو أن هذا الدور لا يمكن أن تقوم به دولة أخرى، فروسيا لن تقدم الدعم للنازحين، والنظام يمارس القتل بحجة وجود إرهابين، مضيفاً أن الموقف التركي من اللاجئين ثابت، كما يقول أردوغان.
إلا أن المأساة التي يعاني منها اللاجئون والنازحون في إدلب يمكن حلها، كما يرى عطوان، وذلك من خلال الإبقاء على أهل إدلب في سوريا، وقيام النظام السوري بإصدار عفوٍ عام عن جميع المعارضين، فالإطاحة بالنظام السوري غير ممكنة، على حد تعبيره، مضيفاً أن الوجود التركي على الأراضي السورية "غير مقبول ويتعارض مع القوانين الدولية، وعليه فإن الحل يكمن في عقد مؤتمر سلام بتوافق المجتمع الدولي، يضمن الأمن لعودة اللاجئين، وخروج القوات الأجنبية من سوريا".
خيارات أردوغان
شعور أردوغان بالصدمة من تقدم القوات الروسية في منطقة إدلب السورية، ومخاوفه من مواجهة صراع شامل لوحده دون حلفائه، ساهم في تضييق الخناق على خياراته المتاحة، ويرى عودة أوغلو أن "الخيارات محدودة للغاية، فالضربة التي تلقتها أنقرة كانت موجعة وأي خطأ في الرد؛ له انعكاسات كبيرة على تركيا".
ويعد "العودة إلى اتفاق سوتشي عام 2018" أحد أهم الخيارات التي يطرحها المراقبون، ويرى عطوان أن هذا الخيار يتمثل بضرورة الالتزام بـ "الفصل بين الإرهاب والمعارضة المعتدلة"، والذي يرفض أردوغان حتى اللحظة تنفيذه، بحسب تعبير عطوان. ويضيف أن الخيار الآخر هو اعتماد "اتفاق أضنة 1998"، والذي يضمن التعاون ما بين سوريا وتركيا في مجال الحماية المشتركة ضد أي خطر يهدد أمن البلدين، إذ أن بقاء أردوغان في إدلب قد يفسر على أنه "احتلال وغزو"، ولا يمكن له أن يستمر على المدى البعيد، ولهذا فإن الانسحاب من سوريا هو الحل الأمثل، لأن التورط داخل الأراضي السورية مرفوض من قبل معارضي أردوغان، خاصة بعد موت الجنود الأتراك.
إلا أن شعور تركيا بوقوفها "وحيدة" في الميدان دون حلفائها من الدول العربية والأوروبية، قد يدفعها إلى إيجاد حل وسط مع روسيا كما يؤكد عودة أوغلو، مضيفاً أنها لم تغلق الباب تماما مع موسكو، وتحاول قدر الإمكان التصرف بدقة وحذر.
مرام سالم