يزيد الرئيس التركي أردوغان ضغطه على البنك المركزي، وبعد قراره تخفيض سعر الفائدة، انهارت الليرة التركية أمام الدولار. رغم ذلك يستمر الرئيس بسياسته ويبشر بنموذج صيني في بلاده، فهل تصح المقارنة؟
إعلان
يعاني الاقتصاد التركي منذ أعوام من تضخم شديد. والزيادة الهائلة في الأسعار تؤثر على حياة السكان. إذ لا يمكن الحصول على الطاقة والسكن والمواد الغذائية الأساسية إلا بأسعار مبالغ فيها وباهظة. من المزعج بشكل خاص بالنسبة لكثير من الأتراك أن الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته في أنقرة لا يفعلون شيئا لوقف هذا التطور الخطير، بل العكس تماما.
وهذا ما جرى فعلا في الأسابيع الماضية، بعد قرار من الرئيس أردوغان بتخفيض سعر الفائدة من 16 إلى 15 بالمئة. ومن المعروف أن تخفيض سعر الفائدة في أوقات ارتفاع التضخم خطوة غير معتادة لتعديل الوضع الاقتصادي.
وبشكل متوقع جاءت النتائج مباشرة بعد التعديل. فقد انخفضت قيمة الليرة التركية أكثر. فمقابل دولار أميركي واحد يجب دفع 14 ليرة تركية. أي نحو خمسين بالمئة من القيمة المدفوعة قبل شهر من اليوم. كما ارتفعت نسبة التضخم إلى أكثر من 21 بالمئة مقارنة بما كانت عليه قبل شهر.
كان من المفترض أن يتراجع أردوغان عن هذه الخطوة التي تسببت بفشل ذريع، لكنه أصر واستمر بإطلاق الوعود القائلة بأنه سيكون للخطوة نتائج مالية واقتصادية إيجابية على المدى البعيد. إذ ستعزز فرص الاستثمار والإنتاج وترفع من الصادرات. وبحسب وسائل إعلام تركية فإن هذه السياسة محاولة لمقاربة النموذج الصيني في الاقتصاد، بحسب ما قاله رئيس حزب العدالة التركية. وبالفعل، عملة نقدية منخفضة لبلد ما تعني زيادة الصادرات، وفي الماضي تم توجيه الاتهام إلى الصين إلى أنها تخفض قيمة عملتها بشكل مصطنع وتقيد تداول عملتها اليوان. فالقيمة المخفضة تمنح الدولة فرصا أفضل في المنافسة على تصدير بضائعها.
ويرى أردوغان أن هناك أوجه تشابه بين تركيا والصين. فكلا الاقتصادين حققا نموا خلال فترة ظهور جائحة كورونا. كما أنهما يعتمدان على الاستثمارات الخارجية بسبب انخفاض الأجور فيهما. رغم ذلك يرى كثير من الساسة المعارضين في تركيا أن مقارنة أردوغان مع الصين سخيفة.
مقارنة تركيا مع الصين
تركيا لا يمكنها مقارنة نفسها مع النموذج الصيني ، لأن الدولة ليس لديها اقتصاد كبير ولا عدد سكان مماثل، يقول اردا تونجا مدير لمزود الخدمات المالية إيكو فاكتوري. ويضيف: "هناك ديناميكية اقتصادية مختلفة تماما بين الصين وتركيا، فالصين لديها اقتصاد عملاق وعدد سكان هائل".
وبالعكس مما يجري في تركيا، لم تهمل الصين تدريب المتخصصين المؤهلين. ولهذا يشكك الخبير الاقتصادي في أن تركيا لديها عدد كاف من العمال المهرة لجعل الإنتاج أكثر ابتكارا. وبدلاً من ذلك، تعتمد الحكومة التركية على العمالة الرخيصة من سوريا وأفغانستان. "من أجل أن تصبح تركيا صناعية، يجب نهج سياسة اقتصادية تزيد من الإنتاجية على المدى الطويل، بدلاً من التلاعب بأسعار الصرف وأسعار الفائدة"، يحذر تونجا.
ويقول مراد بيردل الباحث الاقتصادي في جامعة إسطنبول، إن النموذج الصيني غير مرغوب فيه على الإطلاق في تركيا. فهو نموذج لا يمكن تطبيقه إلا في الأنظمة الاستبدادية، موضحا بالقول إن الثروة في الصين لا توزع بعدالة على فئات الشعب.
أردوغان وناخبوه
أسس أردوغان نجاحه السياسي على الاستفادة التي طالت فئات الشعب من خلال االنمو الاقتصادي في العشرية الأولى من الألفية الثانية، أذ تمكنت حتى الطبقات الضعيفة من السكان في الأناضول من الحصول على جزء من الكعكة. لكن الاتراك من ذوي الدخل المنخفض والذين يشكلون النسبة العظمى من ناخبي أردوغان يعانون اليوم بسبب ارتفاع نسبة التضخم، ما يدفع الرئيس التركي إلى الضغط أكثر على البنك المركزي.
دانيال ديريا بيلوت/ أمرة ايزر/ ع.ح
العلاقة المصرية التركية ـ تجاذبات بين الدفء والقطيعة
عقب سنوات من تأزم العلاقت بين القاهرة وأنقرة أعلنت تركيا عودة الاتصالات الدبلوماسية بين البلدين "دون شروط". عبر التاريخ الحديت تراوحت العلاقات بين البلدين بالتجاذبات بين الدفء والقطيعة. نقدم أبرز هذه المحطات في صور.
عودة الاتصالات الدبلوماسية
أعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو (الجمعة 12 كارس/ آذار)، بدء الاتصالات الدبلوماسية بين بلاده ومصر من أجل إعادة العلاقات إلى طبيعتها، وعدم طرح البلدين أي شروط مسبقة من أجل ذلك. وأضاف:" لا يوجد أي شرط مسبق سواء من قبل المصريين أو من قبلنا حاليا، لكن ليس من السهل التحرك وكأن شيئا لم يكن بين ليلة وضحاها، في ظل انقطاع العلاقات لأعوام طويلة".
صورة من: picture-alliance/Anadolu Agency/F. Aktas
تجاذبات سياسية وتوترات
العلاقات بين تركيا ومصر شهدت تجاذبات سياسية كبيرة منذ زمن، امتازت بين الدفء وبين الفتور والقطيعة، خاصة بعد تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السلطة وانتقاد أردوغان المتكرر له. بيد أن أحدث الإشارات التصالحية كانت على لسان وزير الدفاع التركي خلوصي أكار في (السادس من أذار/ مارس 2021)، الذي ثمن احترام مصر للجرف القاري التركي مؤكدا أن تركيا ومصر لديهما قيم تاريخية وثقافية مشتركة.
التنقيب على الغاز في البحر المتوسط
سمم تنقيب تركيا عن الغاز في مناطق بحرية متنازع عليها مع اليونان وقبرص العلاقات بين هذه الأطراف، إذ عكست التحركات التركية في البحر المتوسط قلق وغضب أنقرة المتصاعدين من الشعور باستبعادها من تقاسم حقول الغاز في شرق المتوسط، وعمليات التنقيب.
صورة من: picture-alliance/dpa/Albatross Aerial Photgraphy
تعزيز العلاقات المصرية اليونانية
وفي أغسطس/آب 2020، وقعت مصر واليونان اتفاقية لترسيم حدودهما البحرية، لكنها حذفت منطقة مثيرة للجدل إلى الجنوب من جزيرة كاستيلوريزو، وهي أبعد موقع يوناني تقول تركيا إنه يقع داخل منطقتها الاقتصادية الخالصة بحسب ما أفادت وكالة بلومبرغ للأنباء. وعقدت قبرص واليونان ومصر وإسرائيل والأردن وإيطاليا والسلطة الفلسطينية „منتدى غاز شرق المتوسط" دون دعوة تركيا.
صورة من: Costas Baltas/Pool via AP/picture alliance
ليبيا ساحة للصراع بين تركيا ومصر
كانت ليبيا، التي تملك أكبر احتياطي من النفط في أفريقيا، ساحة للصراع التركي المصري. فليبيا التي عاشت انقساما بين سلطتين: حكومة الوفاق الوطني ومقرّها طرابلس، والمشير خليفة حفتر ومقره طبرق، شهدت صراعات عسكرية على الأرض بين الفرقاء دعمتها تركيا ومصر بالإضافة لروسيا والإمارات.
صورة من: picture-alliance/AA/H. Turkia
تحذير من تدخل عسكري مصري مباشر
وكان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قد حذّر في(20 حزيران/ يونيو) 2020 من أنّ تقدّم القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني التي تسيطر على طرابلس والمدعومة من تركيا، نحو الشرق سيدفع بلاده إلى التدخّل العسكري المباشر في ليبيا، الأمر الذي اعتبرته تركيا "مغامرة عسكرية خطيرة".
صورة من: Getty Images/AFP/M. Turkia
أردوغان يرفع اشارة "رابعة"
شهدت العلاقات بين أنقرة والقاهرة توترا كبيرا بعد أن عزل الجيش الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، في عام 2013، الأمر الذي واجهته القيادة السياسية التركية بنقد لاذع للغاية. فعقب عزل مرسي، تعمد أردوغان وصف ما حدث بـ"الانقلاب العسكري"، ووجه انتقادات لمن يسانده. كما أن وقوف تركيا لجانب قطر في الخلاف الخليجي ووقوف مصر مع السعودية ساهم في زيادة القطيعة.
صورة من: Stringer/AFP/Getty Images
أردوغان ومرسي ـ علاقات طيبة
وصلت العلاقة الدبلوماسية أوجها مع فوز الرئيس السابق محمد مرسي، في الانتخابات الرئاسية منتصف 2012، حيث شهد البلدان زيارات متبادلة بين مرسي وأردوغان.
صورة من: Reuters
فترة تميزت بالهدوء والاستقرار في العلاقات
تميزت العلاقات بين أنقرة والقاهرة بالهدوء في عصر السادات، وتوطدت خلال سنوات حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك الذي زار تركيا عدة مرات والتقى بالرئيس التركي آنذاك سليمان دميرل أكثر من مرة.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/B. Foley
توتر في عهد عبد الناصر
في عهد عبد الناصر شهدت العلاقات التركية المصرية توترات كبيرة حيث طرد الرئيس المصري السفير التركي عام 1954، كما أن دعم عبد الناصر لليونان في أزمة جزيرة قبرص وترحيب أنقرة بانفصال سوريا عن مصر عام 1961، ساهم في تغذية التوتر. (إعداد: علاء جمعة).