أزمة أن تعيش بلا هوية.. اللاجئ الصومالي منصور نموذجا
١٥ ديسمبر ٢٠١٩
بعد نحو عشر سنوات قضاها في ألمانيا، يريد الرياضي والميكانيكي المحترف واللاجئ منصور فرح أن يصبح مواطناً في وطنه الجديد. هناك مشكلة واحدة تعيق ذلك: ليس لديه هوية رسمية تعترف بها ألمانيا.
إعلان
يمارس "منصور فرح" رياضة الجري في ألمانيا منذ سنوات. في سن الخامسة عشر انضم إلى نادي ألعاب القوى المحلي ، TSV Kronshagen / Kieler TB. بعد ثماني سنوات، أصبح واحداً من أبرز اللاعبين في هذه الرياضة.
لكن، وعلى الرغم من كل هذه النجاحات، إلا أن فرح يتطلع إلى شيء آخر - يصفه بأنه "الشعور بالحرية". محطة الإذاعة الألمانية NDR نشرت قصة فرح هذا الأسبوع، والذي قال خلال المقابلة إن أمنيته الكبرى كانت أن يتمكن من الذهاب إلى أي مكان يريده وأن يتنقل بحرية.
كانت ألمانيا موطن فرح منذ ما يقرب من عشر سنوات. ذهب إلى مدارسها وفي الصيف الماضي أنهى تدريباً مهنياً. منذ ذلك الحين كان يعمل ميكانيكيا. يمكنك أن تسميه "مواطن نموذجي"، لكنه ليس مواطنا ألمانياً حتى الآن.
يريد فرح أن يحصل على الجنسية الألمانية، أو على الأقل إقامة دائمة تسمح له بحرية السفر. لكن حتى الآن، وبسبب مفارقة قدرية، رفضت السلطات طلبه لأنه لا يستطيع إثبات هويته.
لا دليل على الهوية
ولد فرح عام 1996 في الصومال، حيث أدت الكوارث الطبيعية والحرب الأهلية خلال العقدين الماضيين إلى نزوح ملايين الأشخاص أو إجبارهم على الفرار. في عام 1991، انهارت الحكومة، ومعها مصداقية مؤسسات البلاد. منذ ذلك الحين، لم تقبل ألمانيا جوازات السفر الصومالية كوثائق صالحة. جاء فرح إلى ألمانيا كلاجئ من الحرب الأهلية، لكن في ألمانيا ليس لديه وسيلة لإثبات هويته.
السياسي المسؤول عن مكتب الهجرة في كيل، عضو مجلس المدينة كريستيان زييرو ، قال لمحطة NDR إن القانون واضح: "نحتاج دائماً إلى حل مسألة الهوية - هوية صادرة بشكل قانوني تثبت من هو هذا الشخص .. هل يمكن إثبات ذلك؟ وبما أن القانون قائم الآن، فإن وثائق الهوية الصادرة من الصومال الصادرة بعد عام 1991 لم يتم الاعتراف بها ".
في أفضل الأحوال، فإن هذا الوضع يمكن فرح من البقاء في ألمانيا تحت وضعية الحماية الفرعية، مما يعني أنه لا يمكن ترحيله إلى الصومال، لكنه في الوقت نفسه لا يتمتع بالاستحقاقات نفسها التي يتمتع بها اللاجئ المعترف به. و هو في هذه الحالة ليس بمفرده، فطالبي اللجوء الآخرين، بما في ذلك كثير من العراقيين والأفغان والأكراد الذين لم يتم الاعتراف بوثائقهم في ألمانيا، يفتقرون أيضًا إلى القدرة على إثبات الهوية.
العقبات البيروقراطية
وبحسب تقرير محطة NDR فإن وزارة الداخلية الألمانية غير راغبة في التورط في هذا الأمر. المتحدث باسم الوزارة، ديرك هوندرتمارك قال: "لقد قدمنا جميع المبادئ التوجيهية القانونية ذات الصلة بشأن اتخاذ القرارات إلى سلطات الهجرة. الأمر متروك لهم لاتخاذ القرار النهائي ".
يقول هوندرتمارك إن مكتب الهجرة يتمتع بسلطات تقديرية لتفسير القضايا والبت فيها. ويقول إلياس إيلسلر من مجلس اللاجئين المحلي "Flüchtlingsrat Schleswig-Holstein"، لكن على الرغم من ذلك فإن هذه السلطات ليست منفذة في كيل.
يضيف إيلسلر: قد تكون هناك طريقة أخرى لحل هذه المعضلة. يمكن للسلطات أن تتبنى "نظرة عامة"، مما يتيح لهؤلاء الأشخاص القدرة على إثبات هوياتهم. وبقدر ما يعني هذا إمكانية حصول هؤلاء الأشخاص على وثائق من أقاربهم، على سبيل المثال شهادات ميلاد الوالدين إلا أن الأمر يمثل تحديًا كبيرًا - لا سيما في حالة الصومال - الأمر الذي قد يفسر السبب في أنه لم يفض حتى الآن إلى منح شخص ما الجنسية الألمانية - بحسب إيلسلر.
آفاق جديدة للاجئين في ألمانيا
04:39
"أفكر في الأمر دائماً"
كان منصور فرح يناضل من أجل قضيته منذ شهور، لكن للنضال تكلفته وآثاره. "أفكر في ذلك في كل وقت. في العمل وعندما أذهب إلى الفراش، يكون الأمر دائمًا في رأسي ".يضيف فرح لمحطة NDR: "يمكن للناس أن يندفعوا لارتكاب الجرائم عندما تزيد الضغوط على عقولهم".
وليس من وجه للتعجب إذا كان فرح قلقًا من أن يصاب بالجنون. في الصيف، أرسله مكتب الهجرة إلى السفارة الصومالية في برلين. عاد فرح ومعه جواز سفر صومالي جديد، لكن السلطات الألمانية لا تزال ترفض الاعتراف به.
على الرغم من تعرض سلطات الهجرة في كيل لضغط هائل، إلا أن المستشار كريستيان زايراو يقول إن السلطات تبذل ما في وسعها لحل قضية فرح. ومؤخراً قالت السلطات إنها "تعتزم إصدار وثيقة سفر للأجانب". ومن غير الواضح ما إذا كان سيتم منح فرح ومن هم في حالته إقامة دائمة أو جواز سفر ألماني.
على الأقل، يبدو أن لدى زايراو بعض الأخبار الإيجابية.. يقول إن سلطات المدينة تجري مناقشات مع وزارة الداخلية حول تقييم جميع الحالات الصومالية المماثلة في كيل.
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش