1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أزمة التعريب في موريتانيا: إشكالية عرقية بثوب لغوي؟

١٨ أبريل ٢٠١٠

أزمة التعريب في موريتانيا بدت ظاهرياً وكأن الأمر خلاف طلابي عارض، لكن المتتبع لتاريخ العلاقة بين القوميتين العربية والزنجية يجد أن الأمر يعكس إشكالية هوية وتعايش عمقها انفصام ثقافي ولغوي عبر تاريخ موريتانيا الحديث.

مظاهرات طلابية في موريتانيا في ظل الجدل حول "تعريب الإدارة"صورة من: DW

ظلت قضية التعريب في موريتانيا مثار جدل سياسي وعرقي منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1960. وبعد سبع سنوات من الاستقلال حاول الرئيس الأسبق المختار ولد داداه إدخال اللغة العربية كمادة تدرس في المدارس النظامية، الأمر الذي أثار حفيظة مثقفي الأقلية الزنجية الذين اعترضوا على عملية التعريب، وأدى الأمر إلى مواجهات عرقية سقط فيها قتلى وجرحى.

ومنذ ذلك التاريخ ظل التعريب مثار قلقل وتشنج في العلاقة بين الأغلبية العربية والأقلية الزنجية، قبل أن يقوم النظام العسكري الذي حكم البلاد، بعد أول انقلاب تعرفه البلاد سنة 1978، بإعتماد نظام تعليمي مزدوج، تم بموجبه فتح مدارس فرنسية وأخرى عربية، فانقسم السكان حسب الأعراق بين تلك المدارس، مما قاد بعد عقدين إلى تخرج جيلين أحدهما عربي تلقى كامل تعليمه باللغة العربية، والآخر زنجي تلقى تعليمه باللغة الفرنسية، وبين الفريقين كان الانفصام واضحا وكانت القطيعة كاملة.

وخلال أواخر ثمانينيات القرن الماضي بدأت الأمور تسير نحو التصعيد، وأعلنت نظام الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع حينها عن إحباط محاولات انقلابية خطط لها ضباط زنوج، وكشف النقاب عن ما أسماه "مخططا جهنميا" كان الزنوج يحضرون له ضد الأغلبية العربية.

تصفيات حسابات ثم مصالحة

جامعة نواكشوط حيث جرت المواجهات بين الطلاب العرب والزنوجصورة من: DW

وبلغ التوتر ذروته وانفجر الوضع عام 1989، وقد تجلى ذلك بداية في خلاف بين موريتانيا وجارتها السنغال، تحول إلى استهداف مواطني كل من البلدين في البلد الآخر، وتطور ذلك بسرعة إلى استهداف متبادل بين العرب والزنوج، قتل فيه عشرات الزنوج الموريتانيين، وأبعد الآلاف إلى السنغال وفر آخرون إلى مالي، وخلال سنتي 1990 و1991 اعتقلت السلطات المئات من العسكريين الزنوج بتهمة التخطيط لانقلاب عسكري، وأعدمت منهم ما يربوا على 500 عسكري ـ حسب إحصائيات بعض المنظمات الحقوقية ـ دون محاكمة، وسرح المئات من وظائفهم.

وبعد انتخابات 2007 أعلن الرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، أن الدولة تتحمل كامل المسؤولية عن تلك المظالم، ووعد بإنصاف الضحايا وإعادة حقوقهم إليهم، وبعد الإطاحة به في انقلاب عسكري قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز (الرئيس الحالي) أعلن هذا الأخيرة مواصلة عملية إعادة حقوق الزنوج، فتواصلت عمليات إعادة المهجرين منهم قسرا إلى مواطنهم الأصلية، وقام عبد العزيز بتوقيع اتفاقية مع بعض المنظمات التي تمثل ذوي الضحايا، تقضي بالتعويض لهم وإعادة الموظفين المسرحين إلى وظائفهم.

تصريحات فجرت الموقف


بيد أن الأسابيع الماضية حملت معها مفاجآت غير سارة لعملية ترميم الوحدة الوطنية التي عرفت في السابق تصدعات كبيرة، وكان العنوان هذه المرة كما كان أول مرة، هو الصراع بين "التفرنس" و"التعريب".

فخلال مؤتمر صحفي عقده رئيس الوزراء ولد محمد الأغظف طلب منه أحد الصحفيين الزنوج ترجمة خطابه إلى الفرنسية، فرد قائلا: "أنت في بلد عربي، عليك أن تفهم لغته، أو تدبر أمرك". كانت تلك العبارات القليلة كافية لإيقاظ حمية اللغة في قالبها العرقي، لدى الطلبة الزنوج في جامعة نواكشوط، فهبوا متظاهرين ومنددين بما أسموه سعي السلطات لتعريب الإدارة على حساب النخبة الزنجية ذات الثقافية الفرانكفونية.

ومع اشتداد المواجهات بين الطلاب الزنوج الرافضين للتعريب وقوات الشرطة، سارع وزير التعليم العالي أحمد ولد باهية إلى جامعة نواكشوط في محاولة لإطفاء الحريق قبل أن يمتد شرره إلى الشارع، لكنه صب الزيت على النار بدلا من الماء، فزاد الوضع سوء والنار تأجيجا. فقد أعلن أمام العشرات من الطلاب الزنوج أن الدولة لا تنوي فرض التعريب ولا تغيير الوضع الحالي، وأن الفرنسية ستبقى هي لغة التواصل في الإدارة الموريتانية، وقدم اعتذار الحكومة للطلبة الزنوج عن تصريحات الوزير الأول، لكن ذلك أثار ثائرة الطلبة من القوميين العرب، ومعهم سياسيون ومثقفون، فخرجوا في مظاهرات منددة ومطالبة بعدم التراجع عن التعريب. ووصفت أحزاب قومية موريتانية تصريحات وزير التعليم العالي بأنها "مارقة على الدستور، واستفزازية للشعب الموريتاني"، وطالبوا بمساءلته أمام البرلمان وإقالته.

وخلال نهاية الأسبوع الماضي شهدت ساحة حرم جامعة نواكشوط احتكاكات بين الطلاب العرب ونظرائهم الزنوج، كان أقواها ما حصل يوم الخميس الماضي، حيث اشتبك الطرفان بالحجارة والعصي، وسقط عشرات الجرحى، قبل أن تتدخل قوات الأمن وتفرق الطرفين.


صمت رسمي.. وتحذير سياسي


الشرطة الموريتانية طوقت جامعة نواكشوط التي شهدت مواجهات طلابيةصورة من: DW

وعلى الصعيد الرسمي التزمت الحكومة حتى الآن الصمت حيال تلك الأحداث، فيما سارعت أحزاب سياسية إلى التحذير من خطورة الوضع، فقد دعا حزب "العهد الديمقراطي" الموالي للرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله إلى تدارك الموقف، وحمل الحزب النظام الحاكم مسؤولية تلك الأحداث، قائلا إن "تصريحات طائشة" صادرة عنه أججت الموقف، وقد تدفع بالبلاد نحو الهاوية.

فيما أعلن حزب "تواصل" الإسلامي إطلاق مبادرة للحفاظ على الوحدة الوطنية، وأعلن عن سلسلة مهرجانات وندوات تهدف إلى محاولة وأد الفتنة قبل أن يخرج الوضع عن السيطرة، ودعا الإسلاميون الحكومة إلى التعامل بصرامة مع تلك الأحداث ومنعها من التفاقم.

كما دعا حزب "التحالف من أجل العدالة والديمقراطية" الذي يقوده الزعيم الزنجي "صار إبراهيما مختار الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز "إلى تحمل مسؤولياته والتدخل بسرعة، لإنهاء حالة الاحتقان السائدة". وحمل الحزب الذي يعتبر أكبر واجهة للأقلية الزنجية في موريتانيا، جهات لم يسميها، المسؤولية عن تلك الأحداث، في إشارة إلى القوميين العرب.

كما دعا حزبا "الصواب" و"حاتم" القوميين إلى تفادي الفتية، والتمسك باللغة العربية كلغة رسمية لا بديل عنها، ورفض الفرنسية باعتبارها لغة المستعمر ولا مكان لها بين الموريتانيين. ويرى المراقبون بقدر كبير من الحذر للتطورات المرتقبة في الأيام القادمة، خصوصا مع بدأ الأسبوع الدراسي القادم، حيث تزداد المخاوف من انفجار الوضع وخروجه عن السيطرة.

محمد محمود أبو المعالي ـ نواكشوط

مراجعة: عبده جميل المخلافي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW