أزمة الرهينتين تزعزع دبلوماسية اليابان المسالمة
١ فبراير ٢٠١٥صحيح أن اليابان لا تشارك في التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية"، لكن قتل الرهينة الياباني الثاني أمس السبت (31 يناير/ كانون الثاني) يظهر أنها تشكل أيضاً هدفاً للتنظيمات الإسلامية المتطرفة، ما يضعها أمام تحديات لدبلوماسيتها المسالمة برأي عدد من المحللين.
فقبل هذه الأزمة كانت اليابان، التي تتجنب لزمن طويل الخوض في أتون أزمات الشرق الأوسط، تشعر نسبياً أنها في منأى عن هذا النوع من الأفعال، كما كان التطرف الديني مشكلة بعيدة جداً بالنسبة للعديد من اليابانيين. لكن احتجاز هارونا يوكاوا وإعلان قطع رأس،ه بعد أن اختطف في آب/ أغسطس في سوريا، ثم كينجي غوتو الذي انطلق ليبحث عنه في تشرين الأول/ أكتوبر غيّر فجأة الوضع.
في هذا الصدد أوضح توماكي ايواي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة اليابان: "حتى الآن كان الناس يعتقدون أن اليابان ليس لديها ما يربطها كثيراً بالشرق الأوسط وأن تنظيم الدولة الإسلامية لا يقلقها". لكن "الآن باتوا يدركون أن الإرهابيين في كل مكان ويمكنهم أن يستهدفوا أي شخص".
موقف حازم
ولفت بعض الخبراء إلى أن الصورة المسالمة للأرخبيل لم تعد تحميه وأن سياسة رئيس الوزراء شينزو آبي لا تسهل الأمور. فمنذ عودته إلى الحكم أواخر 2012 وضع هذا المحافظ نصب عينيه إرجاع فخر اليابان وقوتها إلى الساحة الدولية. وقد زار أكثر من خمسين دولة في خلال سنتين وأعاد تفسير الدستور ليجيز للجيش التدخل خارج الحدود في إطار "الدفاع الجماعي" لصالح حلفاء في أوضاع صعبة.
لكن الرأي العام يخشى أن يجر هذا النوع من المبادرات البلاد إلى نزاعات بعيدة ومعقدة مثل الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" بقيادة الولايات المتحدة. وقد تزيد الأحداث المأساوية في الأيام الأخيرة من هذه المخاوف. وفي هذا السياق، يرى تاكيهيكو ياماموتو، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة واسيدا بطوكيو أن "أزمة الرهائن هذه تشكل صدمة كبيرة لليابانيين. ويرى كثيرون أنه على البلاد أن تعتمد موقفاً متحفظاً بدلاً من التدخل في مواضيع دولية قد تعرض حياة المواطنين اليابانيين للخطر".
بيد أن الحكومة مصرة على موقفها، فقد أكد آبي مجدداً على موقفه الحازم الأحد (الأول من شباط/ فبراير 2015) بعد بث الشريط المصور لتنظيم "الدولة الإسلامية". وأكد بتأثر كبير أن "اليابان مصممة بحزم على تحمل مسؤولياتها بالتعاون مع المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب".
دعم إنساني
ولفت ياماموتو إلى أن "رئيس الوزراء سيواصل سياسته 'المسالمة الناشطة، لكن سيتعين عليه ربما تخفيف اللهجة بالتركيز على الجانب غير العسكري للدبلوماسية اليابانية التقليدية، بشكل دعم إنساني للأكثر ضعفاً على سبيل المثال". وقد وقعت المأساة أثناء جولة شينزو آبي في الشرق الأوسط غداة وعد بتقديم مساعدة بمئتي مليون دولار للبلدان التي تواجه هجوم تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي استولى على أجزاء واسعة من أراضي سوريا والعراق.
وكان التنظيم المتطرف قد طالب بفدية بالقيمة نفسها قبل أن يغير تكتيكه ويطالب بالإفراج عن انتحارية عراقية مسجونة في الأردن.
من جانبه، يقول ايواي "إن كان محتجزو الرهينتين تعمدوا استغلال زيارة آبي لإحاطة الأزمة بضجة إعلامية، فذلك قد يشكل مشكلة" في طريقة تحركه إزاء المنطقة، مشيراً إلى "كلفة ومخاطر حضور دبلوماسي أكبر". ويضيف الخبير الياباني متسائلاً عن اختيار الكلمات "عندما أعلن في البداية (المساعدة) أوضح أن المال مخصص لدعم الدول التي تحارب تنظيم الدولة الإسلامية قبل أن يصحح بالتشديد على الجانب الإنساني".
ولفت معلقون آخرون إلى عدم خبرة اليابان وسذاجتها في مجال إدارة الأزمات في هذه المنطقة، التي هي في نزاع دائم. وهكذا قام رئيس الوزراء الياباني بأول مداخلة له حول الموضوع أمام وسائل إعلام يابانية وإسرائيلية. وأشار روبرت دوياريتش، مدير الدراسات الآسيوية في جامعة تمبل بطوكيو، إلى أنه لا يتعين إلقاء المسؤولية على الحكومة اليابانية. ويضيف بالقول: "هذا النوع من المآسي أمر محتم، فتنظيم الدولة الإسلامية يمول نفسه من خلال عمليات الخطف، واليابان ثرية. لذلك فمن المنطقي، أن يهاجم اليابانيين"، بمعزل عن أن "طوكيو لا يمكنها سوى أن تدعم حليفها الأمريكي" المصمم على القضاء على الإسلاميين المتطرفين.
ع.غ/ ش.ع (وكالات)