نزوح وفظائع.. تساؤلات مفتوحة بشأن مستقبل السودان
٨ ديسمبر ٢٠٢٣أفادت منظمات حقوقية بوقوع جرائم حرب ومذابح وعمليات نزوح جماعية خلال الصراع الممتد منذ ثمانية أشهر في السودان. وقد أدى هذا الصراع إلى تفاقم الأزمة الإنسانية ما أثار تساؤلات بين المراقبين فيما إذا كان مصير هذا البلد منحصرا بين أن يصبح دولة فاشلة أو مقسمة؟
ققبل أيام، أنهى مجلس الأمن الدولي مهام بعثة الأمم المتحدة السياسية في البلاد بناء على طلب الحكومة السودانية إذ صوت 14 من أعضاء المجلس الخمسة عشر لصالح القرار الذي دعا إلى الإنهاء "الفوري" لبعثة الأمم المتحدة لدعم عملية الانتقال المعروفة اختصارا بـ "يونيتامس" بينما امتنعت روسيا عن التصويت. وقالت الحكومة السودانية إن البعثة الأممية "فشلت في تلبية التوقعات".
الجدير بالذكر أنه جرى إنشاء بعثة "يونيتامس" عام 2020 لدعم انتقال السودان نحو الديمقراطية بعد أن نجح المكونين العسكري والمدني والاحتجاجات السلمية في إنهاء حكم عمر البشير، بيد أن مسار السودان لم يكن صوب الديمقراطية، وإنما صوب المزيد من الاضطرابات وأعمال العنف. وهنا يُشار إلى أن البعثات الأممية تعمل بناء على طلب الحكومات، فيما واجهت معارضة في العديد من الدول الأفريقية لاسيما في مالي والغابون وهي دول شهدت انقلابات. ورغم إنهاء مهمة "يونيتامس"، إلا أن الأمم المتحدة مازلت تمتلك وكالات أخرى عاملة في السودان.
وضع "غير مسبوق"
ومنذ أبريل / نيسان الماضي، انزلق السودان إلى صراع سياسي وعسكري بين الجيش بقيادة عبد الفتاح البرهان من جهة وبين قوات الدعم السريع بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو.
ويقدر امتلاك الجيش السوداني بحوالي 200 ألف عنصر، فيما يقدر عدد قوات الدعم السريع بما بين 70 ألف إلى 100 ألف فرد، لكنها على النقيض من الجيش تعمل على غرار جماعات حرب عصابات.
وفيما يتعلق بالعتاد العسكري، يمتلك الجيش السوداني الكثير من المعدات العسكرية مثل الدبابات والمروحيات وقوات جوية، لكنه غير بارع في القتال مقارنة بقوات الدعم السريع.
ورغم التفاوت بين العتاد العسكري، إلا أن كلا الطرفين متساويان نسبيا من حيث القدرة وهو الأمر الذي نجم عنه عدم تمكن أي طرف على تحقيق انتصار في سيناريو وصفه المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية بـ "الجمود الاستراتيجي".
ويعزو الخبراء حالة التساوي في القوة بين الطرفين إلى جذور تشكليهما في الأساس إذ أنشأ الرئيس المخلوع البشير قوات الدعم السريع عام 2013 لتكون بمثابة قوة موازية للجيش من أجل ضمان عدم تعزيز قوة الجيش بشكل يمهد الطريق أمام قيامه بانقلاب ضد حكمه.
وبمرور الوقت، تشكلت قوات الدعم السريع من ميليشيات الجنجويد سيئة السمعة في دارفور التي شكلها زعماء قبائل عربية وتواجه اتهامات باستهداف السكان غير العرب في الإقليم.
وفي وضع هذه المعطيات، اعتبرت هاجر علي، الباحثة في "المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية" (GIGA) ومقره هامبورغ، الوضع الحالي بأنه "غير مسبوق".
وفي مقابلة مع DW، أضافت "هناك منظمتان عسكريتان متطابقتان إلى حد ما، لكنهما تفتقران إلى وجود واجهة أو كيان ينخرط في مفاوضات. فعندما يتعلق الأمر ببناء السلام والانخراط في مفاوضات، لا توجد قواعد تنظم اللعبة السياسية في هذا الحالة".
صراع ممتد منذ أشهر
بعد سقوط نظام البشير وافق الجيش السوداني على تقاسم السلطة مع المكون المدني حتى إجراء انتخابات عامة كان من المقرر إقامتها في أغسطس / آب عام 2019.
لكن في أواخر عام 2021، انتهى حلم تحقيق أي انتقال صوب الديمقراطية في السودان عندما قام الجيش السوداني بمشاركة قوات الدعم السريع بانقلاب. ورغم ذلك، استمرت مفاوضات تقاسم السلطة بين كافة الأطراف بما في ذلك المكون المدني، فيما قالت هاجر علي إن الجيش وقوات الدعم السريع تمكنا بشكل فعال وتدريجي من استبعاد المجتمع المدني من الغمار السياسي.
وفي مارس/آذار الماضي، أدى الاقتراح الذي كان يرمي إلى استيعاب قوات الدعم السريع داخل قوات الجيش إلى تفاقم التوترات بين الطرفين خاصة في ظل طموحات دقلو السياسية. وقد سبق ذلك أن جرى أواخر العام الماضي التوقيع على اتفاق إطاري لحل الأزمة السياسية في البلاد وقيادة السودان نحو التحول الديمقراطي بين المكون العسكري وقوى مدنية بارزة في مقدمتها إعلان الحرية والتغيير. وكان من المفترض أن يؤسس الاتفاق لمرحلة انتقالية مدتها 24 شهرا، لكن القتال بدأ بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع في أبريل / نيسان الماضي
تفاقم الوضع الإنساني في السودان
تزامن اتساع القتال مع تقارير صدرت عن منظمات حقوقية عن وقوع سلسلة جرائم خطيرة ارتكبتها قوات الدعم السريع منذ مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، بما في ذلك أعمال قتل وجرائم الاغتصاب وأعمال سرقة، فيما أفاد بعض الناجين بأنهم شاهدوا تجميع بعض الرجال ثم جرى إطلاق النار عليهم بشكل جماعي، فضلا عن أعمال قتل بالفؤوس والمناجل.
كذلك استهدفت قوات الدعم السريع بعض السكان غير العرب في دارفور خاصة أفراد من مجتمع المساليت في الإقليم. وفي السياق ذاته، قال ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمم المتحدة في منتصف الشهر الماضي إن تقارير تفيد بأن أعمال العنف يُزعم أنها ارتُكبت من جماعات ميليشيا عربية بتواطؤ محتمل من قبل قوات الدعم السريع في الفترة ما بين 4 و6 تشرين الثاني / نوفمبر، وفقا بيان نشر على موقع الأمم المتحدة.
وأضاف أن تلك الأعمال تضمنت "القتل المستهدف لرجال ونساء من المساليت، والمعاملة اللاإنسانية والمهينة، والطرد القسري لمجتمعات المساليت الذين كانوا يلتمسون الأمان سابقا داخل حي أردمتا بالجنينة والمناطق المحيطة". وأشار دوجاريك أيضا إلى التقارير التي تفيد بأن "أعضاء في ميليشيات المساليت استهدفوا بعض أفراد المجتمع العربي في الجنينة،" مشددا على أن هذه التطورات "تشير للأسف إلى تصاعد التوترات العرقية والصراعات القبلية في السودان".
وفي السياق ذاته، قالت منظمة "أكليد" إن الحرب بين الجيش وقوات الدعم أدت إلى مقتل أكثر من 10 آلاف شخص معظمهم من المدنيين. كذلك، أعلنت المنظمة الدولية للهجرة في سبتمبر / أيلول الماضي أن ما يقرب من 7.1 مليون شخص نزحوا داخليا في السودان، وأن أكثر من نصفهم نزحوا حديثاً نتيجة الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع.
وخلال مؤتمر افتراضي الأسبوع الماضي عقده مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية ومقره واشنطن، قال مدير المجلس النرويجي للاجئين بالسودان وليام كارتر إن الأزمة في السودان"أضحت أكبر أزمة نزوح في القارة الأفريقية وربما في العالم بأسره".
وقال كارتر "إن الوضع قاتم. وحتى أكون صادقا، نحن نستعد لتفاقم الوضع خلال العام المقبل مع عدم استبعاد حدوث مجاعة في ضوء أن بعض أسوأ أشكال الفظائع يتم ارتكابها ولا يوجد عوامل - سوى ضئيلة جدا - لاحتوائها والدولة باتت منهارة. وهو وضع يجعل الرعاية الصحية والتعليم والخدمات المصرفية الأساسية بعيدة المنال". وخلص كارتر إلى أن "الأعداد ضخمة والأموال منخفضة والقدرة التشغيلية [لمقدمي المساعدات] منخفضة".
يشار إلى أن الصراع في السودان أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني فيما تقول منظمات إغاثة أن عدد الأشخاص الذين باتوا في حاجة إلى مساعدات إنسانية ارتفع من قرابة 15.8 مليون شخص إلى 25 مليونا في الوقت الراهن.
وفي مقابلة مع DW، قال مالتي لييرل، الباحث في المعهد الألماني للدراسات العالمية والمناطقية، إن مصدر القلق الرئيسي يتمثل في "التداعيات الإنسانية"، مضيفا "سوف تلقى هذا الأمر بظلاله على دول مثل تشاد والمنطقة بأسرها".
شبح التقسيم
وأشار بعض المراقبين إلى أن القتال الحالي قد يسفر عن تقسيم السودان بما ينذر بقيام دولتين منفصلتين، فيما يعتقد آخرون أن القتال قد يستمر ويتطور إلى وضع يشبه ما آلت إليه الأزمة في ليبيا.
وفي ذلك، قالت هاجر علي إن كلا الطرفين، الجيش وقوات الدعم السريع يرفضان تقديم أي تنازلات لإنهاء القتال الحالي ما يبعد إي إمكانية للوصول إلى اتفاق سلام، مضيفة بأن "العامل الحاسم سيكون مدى قدرة كلاهما على الحكم وتعبئة السودانيين إلى جانبه".
وأشارت إلى أن الاقتصاد قد يلعب أيضا دورا في تغليب طرف على الآخر بما في القدرة على الوصول لأهم أهم موارد السودان، مشيرة إلى أن قوات الدعم السريع تسيطر على مناطق مهمة.
وقالت "لا أحد يعرف حقا ماذا سيحدث؟ العودة إلى اتفاق السلام السابق لتقاسم السلطة سيناريو غير مرجح الحدوث لأنه سيجبر قادة قوات الدعم السريع والقوات المسلحة على تقديم الكثير من التنازلات ما يعني فقدان النفوذ السياسي والمال. الجانبان يتآمران على تقسيم السلطة والموارد على حساب الشعب السوداني".
أعده للعربية: محمد فرحان