كانت السعودية قبل سنوات سبّاقة في الرد على أي استفزاز للمسلمين يصدر في الغرب. فما الذي بدل الأحوال؟ لماذا صمتت السعودية؟ وما علاقة ذلك بالتنافس السعودي التركي؟
إعلان
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تصدر المشهد في تصريحاته المتشددة ضد فرنسا، وضد رئيسها إيمانويل ماكرون، في حرب كلامية استعر أوارها، عقب تفاعلات قضية مقتل المدرس الفرنسي على يد متطرف شيشاني، عقب عرضه رسوما كاريكاتورية للنبي محمد ضمن حصة دراسية.
استمر الصمت الرسمي السعودي أسبوعا كاملا. ولم يصدر أي موقف، إلا عبر هيئة كبار العلماء التي خرجت ببيان، يوم الأحد (25 تشرين الأول/ أكتوبر 2020) علقت فيه على ماجرى بالقول: إن "الإساءة إلى مقامات الأنبياء والرسل لن يضرّ أنبياء الله ورسله شيئا، وإنما يخدم أصحاب الدعوات المتطرفة الذين يريدون نشر أجواء الكراهية بين المجتمعات الإنسانية".
وبينت الهيئة موقفها بأن "الإسلام أمر بالإعراض عن الجاهلين، وسيرة النبي ناطقة بذلك. فمقامه ومقامات إخوانه من الأنبياء والمرسلين محفوظة وسامية، قال الله تعالى: (إنا كفيناك المستهزئين). وقال سبحانه (إن شانئك هو الأبتر)".
ولكن أين فرنسا وما حدث فيها في صلب بيان هيئة كبار العلماء؟ البيان لم يذكر فرنسا ولا رئيسها ماكرون بأي كلمة، وانما دعا فقط للتعقل بقوله: إن "واجب العقلاء في كل أنحاء العالم مؤسسات وأفرادا إدانة هذه الإساءات التي لا تمتّ إلى حرية التعبير والتفكير بصلة، وإنما هي محض تعصب مقيت، وخدمة مجانية لأصحاب الأفكار المتطرفة".
غياب أي إشارة لفرنسا ورئيسها أثار ردود فعل غاضبة ضد بيان هئية كبار العلماء السعودية.
الأمور اختلفت هذه المرة لسببين، كما يرى الباحث لدى مؤسسة العلوم والسياسة في برلين، غيدو شتاينبيرغ: الأول أن "السعودية مهتمة جدا بتحسين سمعتها السيئة في الغرب". وخصوصا عقب اغتيال الصحفي جمال خاشقجي.
والسبب الثاني هو جود جريمة قطع رأس المدرس الفرنسي على يد المتطرف الشيشاني. و"السعوديون لا يريدون دعم ذلك. بينما لا يبالي أردوغان في إمكانية تفسير موقفه على أنه موافقة ضمنية على القتل".
هذا الصوت العالي من تركيا وما قابله من رد سعودي متأخر وخافت، يفرض السؤال: هل سجلت تركيا نقاطا إضافية في صراعها مع السعودية على قيادة العالم الإسلامي؟
السعي التركي تركز خلال السنوات الماضية على دعم التيار الإسلامي والحركات التي تتبع الإسلام السياسي، كالإخوان المسلمين. والموقف التركي الأخير، لا يمكن اعتباره تعزيزا لدورها في قيادة العالم الإسلامي، بحسب غيدو شتاينبيرغ. لأن الإسلاميين في وضع صعب حاليا، "منذ الإطاحة بالرئيس المصري الأسبق محمد مرسي في 2013. فهم في وضع دفاعي حاليا".
لذا فإن تركيا، كما يرى خبير شؤون الشرق الأوسط شتاينبيرغ، هي قائدة لحركات الإسلام السياسي وليس للمسلمين السنة.
ورغم بعض الإدانات الرسمية لتصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون من قبل بعض الدول الإسلامية، إلا أن التحرك التركي لم يلق دعما رسميا علنيا في المواجهة مع فرنسا. حيث بقيت مواجهة فردية.
وبالتوازي مع كل هذا ما زالت الحملة الكبيرة في السعودية ضد تركيا مستمرة، لمقاطعتها اقتصاديا، وسط خطاب متصاعد. وحتى أن الكتاب السعوديين دعوا إلى عدم الانجارار وراء ما يتم تداوله حاليا من أجل مقاطعة فرنسا والتركيز بدلا من ذلك على تركيا. كما فعل الكاتب في صحيفة الجزيرة السعودية، محمد آل الشيخ.
ف.ي/ ع.ج
محطات دموية .. أبرز الاعتداءات التي ضربت فرنسا
ارتفعت مؤخرا حدة الاعتداءات الدامية في فرنسا، لكن هذه الدولة عانت منذ عقود من ضربات ضد المدنيين ورجال الأمن فوق ترابها. نعرض هنا جانبا من أبرز ما عانته فرنسا في مواجهة الاعتداءات الإرهابية خلال العقود الأخيرة.
صورة من: Reuters/V. Kessler
مساء دام في ستراسبورغ
مساء دام عاشته مدينة ستراسبورغ الألمانية. الثلاثاء (12 ديسمبر/ كانون الأول 2018) مٌسلح، موضوع على قائمة المراقبة الأمنية، يطلق النار على مارة بوسط المدينة موقعاً ثلاثة قتلى و 13 جريحا.
صورة من: Reuters/C. Hartmann
إجراءات أمنية استثنائية
بعد اعتداء ستراسبورغ قررت الحكومة الفرنسية رفع حالة التأهب لأعلى مستوياتها وإطلاق عمليات تفتيش مكثفة على الحدود.
وزير الداخلية الفرنسي أعلن أن السلطات المحلية في ستراسبورغ ستمنع المظاهرات من أجل إتاحة المجال لقوات الأمن لمطاردة المشتبه به في عملية إطلاق النار. إعتداء ستراسبورغ يأتي بعد سلسلة إعتداءات دامية شهدتها فرنسا خلال العقود الماضية...
صورة من: picture-alliance/AA/E. Cegarra
هجوم دموي.. والفاعل غير معروف
انفجرت قنبلة شهر تشرين الأول/ أكتوبر1980 في معبد يهودي بباريس مّا أدى إلى مصرع 4 أشخاص وجرح 46. المُثير في القضية أنه لحد الآن، لم تحدّد العدالة الفرنسية منفذي الهجوم. حامت الشكوك حول حسان دياب، الذي يعمل حاليا أستاذا جامعيا في كندا، حيث جرى توقيفه عام 2008، ثم نقله إلى فرنسا. وبعد مسار مطول من التحقيق، أعلنت العدالة الفرنسية بداية 2018 أن الأدلة بحق دياب غير دامغة، وبالتالي أطلق سراحه.
صورة من: AFP/Getty Images
كارلوس.. الثعلب الإرهابي
شكّل الفنزويلي كارلوس، الملقب بالثعلب، كابوسا لفرنسا قبل اعتقاله عام 1994. وجهت له اتهامات بالضلوع في مقتل شرطيين عام 1975 بباريس، ثم هجوم آخر عام 1982 عبر تفجير قنبلة في قطار، ممّا أدى إلى مقتل 5 أشخاص وجرح 27. نهاية العام ذاته اتُهم بقيادة هجومين في محطة قطار مرسيليا وقطار TGV، انتهيا بمصرع 5 أشخاص وجرح 45. من دوافع هجماته رغبته بإطلاق سراح رفيقيه الألمانية ماغدالينا كوب والسويسري برونو بيرغيت.
صورة من: picture-alliance/dpa
GIA تصل إلى فرنسا
خرجت عمليات الجماعة الإسلامية المسلحة GIA من الجزائر إلى فرنسا عام 1995، عندما تعرّضت هذه الأخيرة لثمانية هجمات، استخدمت فيها قنابل وأسلحة تقليدية أدت إلى مصرع 8 أشخاص وجرح 200 آخرين. الهجوم الأسوأ وقع في محطة سان ميشيل نوتردام بباريس، كما اغتيل إمام جزائري ومرافقه بباريس. أدت الهجمات إلى توتر في علاقات فرنسا بالجزائر، خاصة مع اتهامات بتورط أجهزة أمنية جزائرية في عمليات GIA.
صورة من: Getty Images/AFP/J. Guez
حتى الأطفال لم يسلموا من الإرهاب
أجهز محمد مراح على سبعة أشخاص، وثلاثة أطفال، فضلاً عن جرحه ستة آخرين، في ثلاث هجمات مختلفة، بمدينتي تولوز ومونتوبان شهر مارس 2012، أخطرها في مدخل مدرسة يهودية. أعلن "جند الخلافة" المرتبط بالقاعدة مسؤوليته عن الواقعة، غير أن الشرطة الفرنسية نفت أن تكون لمراح علاقة بأيّ تنظيم.
صورة من: Reuters
مجزرة شارلي إيبدو
مثلت بداية عام 2015 صدمة كبيرة للفرنسيين، إثر قيام ثلاثة مسلحين، هما الأخوين كواشي وأميدي كوليبالي، المرتبطين بتنظيم "داعش"، بقتل 27 شخصا. أول الهجمات كانت على مجلة شارلي إيبدو، حيث قتل 12 شخصاً، بينهم ثمانية من طاقم المجلة الساخرة. وبعدها قُتل أربعة في متجر يهودي من لدن كوليبالي، الذي كان يحتجز رهائن قبل تصفيته. قُتلت شرطية في مكان آخر، قبل محاصرة الأخوين كواشي في مطبعة.
صورة من: Reuters/Noble
حمام دم في باريس وسان دوني
نفذ "داعش" أسوأ هجوم إرهابي بفرنسا شهر نوفمبر 2015. مجموعة هجمات نفذها جهاديون في باريس وسان دوني. بدأت في ملعب فرنسا عبر تفجير 3 إرهابيين لأجسادهم، ثم جرى إطلاق النار على زبائن مقاهٍ ومطاعم، وكان الهجوم المروّع في مسرح باتكلان بإطلاق الرصاص على جمع من الناس. وصل عدد القتلى إلى 130 والجرحى إلى 413. تزعم المجموعة المنفذة عبد الحميد أبا عوض، مغربي- بلجيكي، وقد قُتل لاحقاً برفقة شركاء آخرين.
صورة من: picture-alliance/dpa
نيس تنزف دما
يوم صيفي هادئ في نيس عام 2016 ينتهي بمجزرة. محمد لحويج بوهلال يقود شاحنة ثم يدهس جمعا من المدنيين، متسبباً في مقتل 86 شخصا وجرح 458، قبل الإجهاز عليه. تبنى "داعش" العملية، لكن الادعاء العام الفرنسي قال إن الهجوم منفرد. لم يعرف عن بوهلال، التونسي الجنسية، تدينه أو ارتباطه بالإسلام الراديكالي، ولم تعرف دوافعه وراء الهجوم الذي تسبّب باستمرار حالة الطوارئ بفرنسا بعدما كان من المقرر نهايتها.
صورة من: Reuters/E. Gaillard
هجوم إرهابي في تريب
الجمعة 23 آذار/ مارس 2018 أدى حادث إرهابي آخر إلى مقتل ثلاثة أشخاص على الأقل وأصابة أربعة آخرين بجروح في هجمات نفذها مسلح قال إنه من تنظيم "داعش". المسلح احتجز رهائن في بلدة تريب بجنوبي غرب البلاد، قبل أن ترديه قوات الأمن قتيلا. فيما أدعى التنظيم أن الفاعل أحد جنوده. والرئيس الفرنسي ماكرون يصف الهجوم بالـ"إرهابي" نفذه إسلامي متشدد.