1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أزمة قطاع الزراعة والماشية تجعل الأعياد متشابهة في تونس

طارق القيزاني
١٣ يونيو ٢٠٢٤

مع إطلالة كل عيد أضحى، تعود المشاكل القديمة ذاتها في تونس لتنغص عيد التونسيين بسبب نقص الأضاحي وأزمة الإنتاج والارتفاع المُشِطّ للأسعار في بلد عرف بمساحاته الخضراء ووفرة المنتجات الزراعية منذ القدم. فما القصة؟

نقص الماشية وارتفاع الأسعار قبل عيد الأضحى في تونس (8 يونيو/ حزيران 2024)
يرى البعض أن أزمة الأضاحي في تونس قد تكون مفتعلة ويلقي باللائمة على "السوشيال ميديا" التي تروج، حسب اعتقاده، لحقائق غير مطابقة للواقع من حيث الأسعار ومن حيث وضع قطاع الماشية برمته.صورة من: Tarek Guizani/DW

يحتاج مُنصِف إلى الكثير من الصبر والحظ ليضمن هامشا من الربح هذا العام في بيع ما تبقى له من ماشية، سواء بمناسبة عيد الأضحى أو الحفلات الخاصة المرتبطة بالزيجات ونهاية الموسم الدراسي مع بداية الصيف.

وبحساب كلفة الإنتاج وأسعار السوق فإن أقصى أمانيه هي أن ينجح في نهاية المطاف في تغطية المصاريف التي تكبدها طيلة موسم 2023 الصعب، لكن الأمر ليس مضمونا في ظل الارتفاع الكبير للأسعار والأزمة الاقتصادية التي أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للتونسيين.

ومُنصِف العياري هو أحد المزارعين القلائل الذين استمروا في الاستثمار بقطاع تربية المواشي بجانب نشاطه في زراعة الحبوب في جهته الريفية بمدينة ماطر، التي تتبع ولاية بنزرت أقصى شمال تونس.

ومع أن موسم حصاد الحبوب بالنسبة لمنصف وغالبية المزارعين، يبدو أفضل حالا هذا العام مقارنة بالموسم السابق مع تحسن الوضع المناخي، إلا أن قطاع الماشية لا يزال تحت وطأة تداعايات الجفاف لعام 2023، الذي شهد درجات حرارة قياسية لم تعرفها البلاد من قبل وأزمة في مخزونها المائي لا تزال مستمرة حتى 2024.

ويقول مُنصِف بقلق كبير لـDW عربية: "أسعار الأعلاف ارتفعت بشكل لا يطاق. وهذا يجعنا أمام خسارة مؤكدة. يتساءل الناس بشأن الأسعار المرتفعة لقطيع المواشي لكنهم لا يعرفون كلفة الأعلاف على امتداد عام كامل للقطيع".

وبسبب كلفة الأعلاف كما يقول مُنصِف، فإنأسعار الأضاحي التي تقدر بنحو 800 دينار (حوالي 258 دولار) قفزت إلى قرابة الضعف وهذا الأمر لا يضمن هامشا معقولا للربح. والحل بالنسبة للمزارعين هو أن تتحمل الدولة نسبة من تكاليف الأعلاف لدعم المزارعين من أجل ديمومة القطاع.

وبخلاف ذلك فإن مُنصِف وكثيرين غيره في ولايات أخرى باتوا يلوحون بوضع حد لنشاطهم في تربية المواشي بسبب استحواذ التغذية الحيوانية وحدها تقريبا على قرابة 70 بالمئة من كلفة الإنتاج.

"بسبب كلفة الأعلاف قفزت أسعار الأضاحي إلى قرابة الضعف وهذا الأمر لا يضمن هامشا معقولا للربح"، كما يقول مُنصِف. صورة من: Tarek Guizani/DW

السوشيال ميديا في قفص الاتهام!

في سوق بيع الخرفان وسط حي "ابن خلدون" الشعبي غرب العاصمة، كان الإقبال باهتا من سكان الحي لشراء أضاحي العيد بينما غلب التردد على القلة الباقية في مناقشة الأسعار. ويقول أحد الباعة الذي عرف نفسه باسم عماد، لـDW عربية، إن فارق الأسعار في 2024 لا يقل عن الموسم السابق، أي لا يقل عن 300 دينار (حوالي 100 دولار) وهذا يجعل المزارعين وحتى الباعة التجار والوسطاء في ورطة وخوف من الكساد بسبب حالة العزوف تحت وطأة الغلاء.

لكن من زاوية أخرى يرى عماد أن أزمة الأضاحي قد تكون مفتعلة. ويلقي في ذلك باللائمة على "السوشيال ميديا" التي تروج، حسب اعتقاده، لحقائق غير مطابقة للواقع من حيث الأسعار ومن حيث وضع قطاع الماشية برمته، وهذا في تقديره يساهم بشكل مباشر إما في تضخيم الأسعار لدى الباعة أو لدى المزارعين المنتجين على السواء، أو في إحداث حالة من الإرباك والبلبلة وعدم الفهم لدى المواطنين.

ويشير عماد في تحليله لوجهة نظره لـDW عربية: "تصل أسعار مغلوطة من المدن إلى المزارعين في الأرياف عبر السوشيال ميديا فيعمدون هم بدورهم إلى الزيادة في الأسعار، وهذا أحدث تضخيما غير واقعي في الأرقام".

وأوضح عماد: "كان الأمر أقل حدة عند ظهور الهواتف الخلوية لكن الآن هناك ما يشبه فرقعة. وينسحب الأمر ذاته في كثير من الأحيان على باقي المنتجات الزراعية فالأسعار أصبحت متقاربة بين سوق البيع بالجملة والأسواق العادية".

وفي كل الحالات فإن أسعار الخرفان على أرض الواقع تبدو مُشِطّة في سوق "ابن خلدون" كغيرها من الأسواق المنتشرة في الأحياء، إذ تترواح بين 1300 و1500 دينار في بلد يبلغ فيه الأجر الأدنى المضمون للفرد حوالي 500 دينار (170 دولارا).

سعار الأضاحي في تونس

02:37

This browser does not support the video element.

أزمة شاملة

وخلف تلك الأسعار فإن النقاش والإلقاء بالمسؤولية، مستمر بين اتحاد الفلاحة والدولة، في وقت يعرف فيه قطاع الزراعة بتونس مشاكل متراكمة، زادت حدتها مع تواتر مواسم الجفاف لعدة سنوات، آخرها في 2023 الملتهب.

وكان من نتائج ذلك، تقلص المساحات السقوية، حيث اتخذت الدولة قرارا بمنع الزراعات السقوية على نطاق واسع بهدف التحكم في الموارد المائية في ظل ندرة الأمطار، علما بأن حجم المخزون في السدود ظل يراوح في معدل الثلث تقريبا من إجمالي طاقة استيعابها ومعظم الكميات المخزنة في سدود الشمال.

وتلخصت أكبر مظاهر الأزمة المائية، في هبوط إنتاج الحبوب في 2023 بنسبة 60 بالمئة وأثر ذلك بالتالي على إنتاج الأعلاف، فزادت أسعار الأعلاف الخشنة والمركبة والتبن بنحو ثلاثة أضعاف في 2024، بحسب اتحاد الفلاحة. وفي حين تخضع السوق في الغالب لقانون العرض والطلب فإن هذا يزيد من التهاب الأسعار وعمليات المضاربة والاحتكار.

ويشير عضو منظمة المزارعين المكلف بالزراعات الكبرى محمد رجايبية إلى أن الأزمة مستمرة منذ سنوات بسبب نقص المياه وغياب استراتيجية حكومية لتوفير الأعلاف المستوردة، مضيفا أن هذا الواقع "تسبب في خسارة أكثر من ربع قطيع الماشية، حيث يضطر المربون لبيع قطعانهم هربا من جحيم أسعار العلف".

ويبلغ معدل مساحات الزراعات العلفية والرعوية في تونس قرابة 330 ألف هكتار، تساهم بحوالي 30 بالمئة من تغطية احتياجات مربي المواشي. وأمام تفاقم أزمة الأعلاف، يضطر المربون إلى التفريط في قطعانهم دون سعر الكلفة أو عرضها للبيع على المناطق الحدودية الغربية والجنوبية مع الجزائر.

وبحسب بيانات وزارة الفلاحة في تونس، يقدر تعداد قطيع الماشية بنحو 4ر5 ملايين رأس من أنثى الأغنام والماعز والأبقار. وتقول منظمة المزارعين إن القطيع تراجع بنسبة تفوق 30 بالمئة خلال العامين الماضيين. وأحدث هذا وفق تفسير اتحاد الفلاحة، تغير في طبيعة النشاط نفسه لتربية الماشية ليتحول من نشاط اقتصادي إلى نشاط اجتماعي، يحاول من خلاله صغار المزارعين الإبقاء على الحد الأدنى من نشاطهم.

ولم تستثن الأزمة تربية الأبقار وانتاج الحليب، فقطيع الأبقار وحده عرف تقلصا بين عامي 2016 و2022 بسبب التغير المناخي الحاد والجفاف المتسمر لأكثر من خمس سنوات متتالية، ليهبط من حوالي 685 ألف رأس إلى 445 ألف رأس، وفق بيانات رسمية لمعهد الإحصاء الحكومي.

أزمة قطاع الفلاحة والثروة الحيوانية في تونس. انخفاض إنتاج الحبوب بسبب الجفاف. الصورة 8 يونيو/ حزيران 2024صورة من: Khaled Nasraoui/DW

قطاع ذو مخاطر

ويقول فتحي بن خليفة المستشار الاقتصاد لاتحاد الفلاحة والصيد البحري وتربية الماشية، لـDW عربية إن الانتاج تضرر كثيرا بسبب تقلص مساحات المراعي في 2023 نظرا لشح الأمطار، ما يجعل العرض في السوق في 2024 أقل بكثير من الطلب.

ومن جهته، أوضح رئيس غرفة القصابين أحمد العميري لـDW عربية، أن المشكلة مترابطة وتتمثل أولا في نقص الإنتاج وهو ما يؤدي تلقائيا إلى ارتفاع الأسعار. وتابع المعيري: "يعد المزارع الركيزة الأولى في الإنتاج ودوره يتضاءل بشدة. حتى الآن الدولة وجدت الحل في توريد اللحوم في محالة لتعديل الأسعار وكان مرجحا أن يكون الوضع أسوأ".

ولكن لم تحدث الكميات الموردة أثرا حقيقيا في الأسواق، بينما اعترفت وزيرة التجارة بوجود أزمة مالية بشركة اللحوم المملوكة للدولة تحول دون استيراد الأضاحي لسد النقص في الأسواق.

وتوقع بن خليفة أن تكون هناك انفراجة نسبيا، انطلاقا من الربع الأخير من عام 2024 بسبب تحسن الوضع المناخي في شتاء هذا العام، وهو ما سينعكس على الإنتاج والأسعار في قطاع اللحوم.

غير أن تلك الانفراجة قد تكون ظرفية بحسب المستشار، في ظل المشاكل التي يعاني منها القطاع ومن بينها تهرم العاملين في تربية الماشية وزيادة الهجرة من الأرياف إلى المدن وافتقاد القطاع إلى مستثمرين وإلى التمويلات الكافية من البنوك بسبب ارتفاع المخاطر في القطاع الزراعي.

تونس- طارق القيزاني

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW