أظهر رئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي في خطابه حول الأزمة بشأن استقلال إقليم كاتالونيا أنه ثابت في موقفه الرافض للانفصال. والمعارضة تفكر في حلول وسط في إطار الدستور، بحيث أن عدة إمكانيات تظل مفتوحة.
إعلان
كيفما كانت مساهمة رئيس إقليم كاتالونيا كارليس بوتشيمون في الشرخ الحاصل في الحياة السياسية بإسبانيا، فإنه تمكن من توحيد السكان في قضية واحدة وهي أنه موهوب في الفكر الجدلي. فحتى في الصحف الكاتالونية أثار إعلان بوتشيمون عبارات السخرية. فصحيفة "إلبيريوديكو" تهكمت بسبب التأرجح في موقف بوتشيمون الذي يقول نعم ولا في آن واحد لتطلعات الاستقلال. فالصحيفة لم تتمكن من استنتاج رسالة واضحة من الخطاب: ليس هناك نعم ولا نفي ولكن لا وجود للعكس.
كذلك صحيفة "فانغارديا" الكاتالونية تفتقد تفكيرا منطقيا في تصريحات بوتشيمون الذي تحدث بإسهاب مساء الثلاثاء في خطابه في البرلمان الكاتالوني عن نتيجة الاستفتاء أي التفويض لتنفيذ الاستقلال ـ لكنه اقترح باسم حكومته تعليق هذا التفويض مؤقتا. وفي الوقت نفسه تفادى في كل حرص إعلان استقلال كاتالونيا. واعتبرت صحيفة "فانغارديا" أن "من الصعب تعليق شيء لم يتم الإعلان عنه".
"بوتشيمون يتحول إلى خائن"
وجاءت تعليقات الصحف الإسبانية الأخرى أكثر تشددا، معلنة أن بوتشيمون تخلى في خطابه عن مشروع الاستقلال الكاتالوني، إذ ورد في صحيفة "إلباييس" أن "طلبه تعليق التنفيذ يجعله بالنسبة إلى النسبة الكبيرة من الانفصاليين خائنا". وتستنتج صحيفة "إلموندو" بالتالي أن اللعبة تتواصل: "بوتشيمون يستفز الدولة. والتحالف اليساري الراديكالي المساند للاستقلال يستفز بوتشيمون".
وقد يجد رئيس الحكومة الكاتالونية في الأيام والأسابيع المقبلة نفسه وكأنه مطارد من كل الأطراف. فهو، من جهة، لم يضع في الحسبان، على ما يبدو رد فعل الاتحاد الأوروبي والاقتصاد الإسباني والدولي إضافة إلى مقاومة دوائر عريضة في كاتالونيا، ومن جهة أخرى أخذ يفقد الدعم في صفوف المؤيدين للاستقلال.
ثلاثة بدائل ـ وانتحار سياسي
وتبقى كل الاحتمالات واردة. بيد أن صحيفة "إلبيريوديكو" ترى ثلاثة بدائل ممكنة: فقد تُنظم انتخابات جديدة في كاتالونيا سيلتحم فيها الانفصاليون ويباشرون محاولة انفصال إضافية أو يجب تنظيم إصلاح دستوري أو استفتاء عادي كما حصل في أسكوتلندا أو كيبيك. كما يوجد بديل رابع يتمثل، حسب الصحيفة في "الانتحار السياسي".
هكذا يظهر المستقبل السياسي على الأقل من زاوية كاتالونية. وهذا المستقبل يظهر أكثر وضوحا على الأقل بالنسبة إلى الأيام المقبلة من زاوية رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي الذي حث الحكومة الإسبانية على وقف "البلبلة". كما طالب الحكومة الكاتالونية في برشلونة بتقديم توضيح حول ما إذا أعلنت استقلال المنطقة أم لا، معلنا أن هذا التوضيح يجب أن يتم في غضون خمسة أيام. وبهذا يكون رئيس الحكومة قد باشر إجراء لسحب حقوق الحكم الذاتي الكاتالوني طبقا للفصل 155 في الدستور. وعلى هذا الأساس يمكن له تجريد الحكومة الإقليمية من صلاحيات الحكم وإلغاء الحكم الذاتي لكاتالونيا أو إعلان حالة الطوارئ.
"حان الوقت لإصلاح دستوري"
ومن غير المؤكد أن تصل الأمور إلى هذا الحد. فزعيم المعارضة الاشتراكية بيدرو سانشيس انضم إلى جانب راخوي وأعلن في آن واحد عن حل من وجهة نظره: "حان الوقت لمباشرة تعديل دستوري". وهذا لن يشمل انفصال كاتالونيا، لكن سيعني توزيعا جديدا للصلاحيات.
ويروج نائب رئيس الحكومة الكاتالونية أوريول جونكيراس لنهج متشدد تجاه مدريد. ففي حال عدم قبول مدريد لعرض الحوار، فإنه يجب التشبث بنتيجة الاستفتاء حول الاستقلال المنظم في الأول من أكتوبر لإعلان الاستقلال بصفة نهائية. ويرفض إجراء انتخابات مبكرة. لكن جونكيراس يواجه مشكلة أن الاستفتاء لا يمكن أن يطالب بشرعية سياسية. فنسبة الذين صوتوا وصلت فقط إلى 40 في المائة من السكان ـ وجميعهم تقريبا من أوساط المؤيدين للاستقلال.
استعدادات الجيش
لكن يمكن أن تؤدي محادثات الأيام والأسابيع المقبلة إلى حل وسط في إطار الدستور. وربما إلى إصلاح دستوري صغير. وما يبقى ممكنا يعبر عنه حاليا الجيش. فبأمر من الحكومة هو يستعد لتدخل محتمل في كاتالونيا. ويقتصر التدخل لاسيما على حماية البنية التحتية للبلاد.
وماذا يعني ذلك يظهر واضحا للعيان: فالحكومة المركزية في مدريد لا تستبعد على ما يبدو في المستقبل القريب استخدام العنف السياسي." إذا وصل الوضع إلى تصعيد للعنف يتجاوز قوى الأمن الحكومية، فإنه يجب على الجيش تأكيد تفوقه"، أعلن قائد للجيش الإسباني أكد على الحفاظ على نكران هويته أمام صحيفة "إلباييس". ويقول عسكريون كبار آخرون بأنهم سيقومون بتحرك فقط تبعا لأوامر الحكومة في مدريد. والواضح أن الإجماع الوطني مازال على المحك.
كيرستن كنيب/ م.أ.م
مدريد واستقلال كاتالونيا - تاريخ من العلاقات المضطربة
يستمر الشد والجذب بين كاتالونيا ومدريد، فقد فاز الانفصاليون بأغلبية مقاعد برلمان الإقليم. بين مدريد وكاتالونيا تاريخ طويل من العلاقات المضطربة وصلت ذروتها بعد محاولة الإقليم الاستقلال وهروب رئيس وزرائه إلى بلجيكا.
صورة من: picture-alliance/Zumapress/M. Oesterle
حصد الانفصاليون في انتخابات كاتالونيا إغلبية المقاعد في البرلمان الإقليمي، وحصلت الأحزاب الانفصالية في الإقليم الإسباني معا على 70 مقعدا من أصل 135، وبوسعها حكم الإقليم إذا شكلت ائتلافا فيما بينها.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/E. Morenatti
حصول الانفصاليين على الأغلبية المطلقة من مقاعد البرلمان لا يعني أنهم حصلوا على الأكثرية المطلقة من أصوات الناخبين، لا بل إنهم لم يحصلوا حتى الأغلبية البسيطة، والسبب في ذلك عائد إلى النظام الانتخابي المتّبع. فالقانون الانتخابي في كاتالونيا يتضمن نظام ترجيح للأصوات يعطي أفضلية للمناطق الريفية التي يتجذر فيها الانفصاليون، ما منحهم الفوز من حيث عدد المقاعد.
صورة من: Reuters/E. Gaillard
المفوضية الأوروبية أعلنت أن الانتخابات التي جرت في كاتالونيا وفاز فيها الانفصاليون بالأغلبية المطلقة "لن تغيّر" موقف الاتحاد من المسألة الكاتالونية.
صورة من: Reuters/Y. Herman
وللمفارقة فإن أكثرية الكاتالونيين صوّتت ضد المعسكر الانفصالي، وهو ما حدا بزعيمة حزب سيودادانوس المناهض للانفصال إينيس اريماداس للقول إنه بعد هذه النتيجة "هناك أمر ازداد وضوحا، وهو أن الغالبية الاجتماعية تؤيد الوحدة مع باقي الإسبان والأوروبيين، ولن يكون بوسع الأحزاب القومية بعد اليوم التحدث باسم كاتالونيا ككل، لأن كاتالونيا هي نحن جميعا".
صورة من: Getty Images/AFP/J. Lago
وكان رئيس الحكومة السابق بوتشيمون قد عمل على استقلال الإقليم ثم علق إجراءات الاستقلال عن مدريد، التي عزلته واصدر المدعي العام الإسباني بحقه أمر ألقاء قبض. فغادر إلى بلجيكا مع أربعة من وزرائه المعزولين.
صورة من: Reuters/A.Gea
1932
وللصراع بين كاتالونيا ومدريد قصة طويلة، فبعد عام على تأسيس الجمهورية الإسبانية الثانية تم تثبيت وضع إقليم كاتالونيا القانوني عام 1932 بمنحها استقلالاً مؤقتاً.
صورة من: picture-alliance/Prisma Archiv
1939-1975
لكن الدكتاتور الإسباني الجنرال فرانسيسكو فرانكو (1892- 1975)، الذي حكم إسبانيا بالنار والحديد حتى عام 1975، ألغى استقلال كاتالونيا وقمع نظامه أي نوع من الأنشطة العامة المرتبطة بالقومية واللغة الكاتالونيين، بعد أن خرج منتصراً من الحرب الأهلية التي مزقت البلاد.
صورة من: picture alliance/AP Photo
1979
بعد وفاة الجنرال فرانكو عام 1975، منح دستور إسبانيا الديمقراطي الجديد عام 1978 كاتالونيا حكماً ذاتياً، مؤكداً على أن الأمة الإسبانية لا يمكن أن تتجزأ، غير أنها تعترف بحقوق الأقاليم بالإدارة الذاتية.
صورة من: AP
2006
مفاوضات طويلة قادت الحكومة الإسبانية إلى الموافقة على رغبة الكاتالونيين بإعادة إصلاح وضع الحكم الذاتي لإقليمهم، إذ أقر البرلمان الإسباني ميثاق حكم ذاتي لكاتالونيا يعزز سلطات الإقليم المالية والقضائية ويصفه بـ"الأمة".
صورة من: AP
2010
قضت المحكمة الدستورية الإسبانية العليا بإلغاء أجزاء من ميثاق 2006، معتبرة أن استخدام مصطلح "أمة" لوصف الإقليم لا ينطوي على أي "قيمة قانونية" ورافضة الاستخدام "التفضيلي" للغة الكتالونية في خدمات البلدية.
صورة من: picture-alliance/Zumapress/M. Oesterle
2012
تظاهر نحو 1.5 مليون شخص في عاصمة الإقليم برشلونة من أجل استقلال كاتالونيا وهتفوا "نحن أمة والقرار لنا"، وقادت تداعياتها إلى انتخابات مبكرة في الإقليم فاز فيها مؤيدو الانفصال عن إسبانيا.
صورة من: AFP/Getty Images
2014
في تحد لمدريد، أجرت كاتالونيا اقتراعاً رمزياً على الاستقلال، صوت فيه أكثر من 80 بالمئة، أي ما يعادل 1,8 ملايين شخص، لصالح انفصال الإقليم، إلا أن نسبة المشاركة بلغت 37 بالمئة فقط. حكومة مدريد لم تعترف بالاستفتاء ولم تكن له أي تبعات مباشرة.
صورة من: Getty Images/AFP/J. Lago
يقع إقليم كاتالونيا في شمال شرق إسبانيا، و تبلغ مساحته نحو 32106 كلم مربع، ويعتبر سادس أكبر منطقة من حيث المساحة في إسبانيا.
صورة من: Imago/Nature Picture Library
العديد من نجوم نادي برشلونة لكرة القدم مثل بيكيه وتشافي ومدرب النادي السابق بيب غوارديولا يدعمون الاستفتاء الإقليم، لكن إدارة النادي لم تؤيد الاستفتاء صراحة، مؤكدة على حق الكاتالونيين بحرية التصويت.