175 عاما سجنا تتهدد مؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج في حال تسليمه إلى الولايات المتحدة التي تنوي محاكمته كقرصان. خبراء قانونيون دوليون يرون "إنها ليست إلا خطوة صغيرة للانتقال من دولة القانون إلى الطغيان".
إعلان
يوجد في لندن على الأقل ثمانية سجون. ولجوليان أسانج اختارت العدالة البريطانية سجن بيلمارش الذي شُيد في شرق لندن لاحتجاز إرهابيين ومجرمين كبار، في ظروف اعتقال صعبة. وحتى موقع ويكيبيديا يصف بيلمارش بأنه "النسخة البريطانية لغوانتانامو بي".
صباح اليوم الاثنين (السابع من أيلول/ سبتمبر 2020) فتح باب زنزانة جوليان أسانج في بيلمارش، ونقل مؤسس منصة كشف الأسرار ويكيليكس إلى قاعة مرافعات في المحكمة المركزية بلندن، حيث سيتقرر في الأسابيع الثلاثة المقبلة مصيره: فهل سيتم تسليم الناشر البالغ من العمر 49 عاما بسبب الدعوى الموجهة إليه وتشمل 18 نقطة للعدالة الأمريكية؟ وفي حالة إصدار حكم، فإنه يتهدده 175 عاما سجنا. وستتابع الاستماع في قضية التسليم داخل قاعة المحكمة النائبة البرلمانية الألمانية، هايكه هينزيل. فنائبة رئيس الكتلة النيابية لحزب اليسار تعتبر المحاكمة "عملية سياسية ضد صحفي استقصائي". واشتكت من المطاردة الدولية "لصحفي موجود على أرض أوروبية وكان يعمل صحفيا في أوروبا".
أعداء أقوياء
وحقيقة أن أسانج الحاصل على عدة جوائز صحفية بات له أعداء أقوياء صار واضحا على أبعد تقدير عندما وصف مايك بومبيو في يوليو 2017 وكيليكس "كجهاز مخابرات معادي غير حكومي". وكان ذلك خلال ظهوره العلني الأول كرئيس لجهاز المخابرات الأمريكية، عاما قبل أن يصبح بومبيو وزيرا للخارجية. وحتى بالنسبة إلى وزير العدل الأميركي السابق جيف سيشون كان "لاعتقال أسانج أولوية". والسبب هو أن وكيليكس نشرت في 2010 نحو نصف مليون وثيقة أمريكية مصنفة كسرية حول الحروب في العراق وأفغانستان. وفيها تم توثيق جرائم الحرب المرتكبة من قبل الوحدات الأمريكية.
وحتى مير يعتزم الاثنين حضور جلسات الاستماع في لندن لمراقبة سير قضية التسليم. وسبق له أن حضر الجولة الأولى من تلك الجلسات في نهاية فبراير وكان مصدوما لملاحظة أنه "لم يكن هناك اهتمام بتمكين المنظمات غير الحكومية الدولية ولا برلمانيين من المراقبة".
وبالتالي ليس من العجب أن يقوم في منتصف أغسطس أكثر من 160 محاميا ورجال قانون بالمطالبة في رسالة إلى رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لإطلاق سراح أسانج. ففي الولايات المتحدة تهدده "محاكمة صورية"، كما يقول الموقعون على تلك الرسالة التي تُعد واحدة من سلسلة رسائل مفتوحة ونداءات. وفي يوليو دعا 40 اتحادا صحفيا مثل مراسلون بلا حدود واتحاد الصحفيين الدولي الحكومة البريطانية لإطلاق سراح أسانج. وقبلها بقليل وجه أكثر من 200 طبيب من أكثر من 33 بلدا نفس المطلب. وحتى في المانيا وقع منذ فبراير أكثر من 130 شخصية في مجالات السياسة والثقافة على دعوة لإطلاق سراح مؤسس وكيليكس، بينهم ليس فقط نائب رئيس البرلمان الألماني فولفغانغ كوبيكي، بل أيضا وزير الخارجية السابق زيغمار غابرييل ووزيرة العدل السابقة هرتا دويبلير غميلين.
واستراتيجية العدالة الأمريكية تعتمد على أنه يجب متابعة أسانج ليس كناشر، بل كقرصان تمكن من الوثائق السرية بطريقة غير قانونية. وبالنسبة إلى خبير الأمم المتحدة في شؤون التعذيب ميلتسير فإن محاكمة لندن لا تتعلق فقط بشخص أسانج وحده. "في المقام الأول يتعلق الأمر بجرائم مضطهديه، الدول التي تنخر المؤسسات القانونية وترفض تقديم مجرمي الحرب لديها والجلادين للمساءلة وبأنها تريد تكريس مثال على مستوى العالم بأنه يمكن محاكمة أي جاسوس يطلع الرأي العام على جرائم الحرب الحكومية". وإذا ما تحقق هذا، كما يحذر رجل القانون، "فإنها ليست إلا خطوة صغيرة للانتقال من دولة القانون إلى الطغيان".
ماتياس فون هاين/ م.أ.م
في صور ..أسانج يعانق الحرية بعد مسار قضائي طويل
استأثر جوليان أسانج باهتمام الرأي العام العالمي منذ ظهور أولى تسريبات موقعه ويكيليكس. وفيما يعتبره البعض "باحثاً عن الحقيقة"، يراه البعض الآخر "متهورا باحثا عن الشهرة". تعرف على أبرز محطات حياة أسانج وقصته مع ويكيليكس.
صورة من: Edgar Su/REUTERS
الطفولة والزواج
ولد جوليان أسانج في عام 1971 في تاونسفيل بولاية كوينزلاند، شمالي أستراليا، وعاش طفولته في ترحال مع والديه اللذين كانا يديران مسرحاً جوالاً، حسب شبكة «بي بي سي». وتزوج أسانج وهو في سن الخمسين، من شريكته ستيلا موريس التي يرتبط بها منذ فترة طويلة في سجن بيلمارش شديد الحراسة في العاصمة البريطانية لندن.
صورة من: Dominic Lipinski/empics/picture alliance
ويكيليكس يحرج قادة العالم
استطاع جوليان أسانج من خلال موقع "ويكيليكس"، الذي أسسه عام 2006، إحراج العديد من الأنظمة السياسية والحكام والشخصيات العامة، حيث استطاع نشر آلاف الوثائق الحكومية كاشفا للرأي العام حول العالم العديد من الأسرار. ويواجه أسانج تهمة التآمر لاختراق وكشف كلمة سر جهاز كمبيوتر حكومي في الولايات المتحدة الأمريكية.
صورة من: Reuters/P. Nicholls
تسريب وثائق سرية
بدأت الحكاية عام 2010، عندما تعاون أسانج، مع شيلسا ماننج، محللة استخبارات سابقة بوحدة للجيش الأمريكي في العراق، لاختراق جهاز كمبيوتر عسكري والوصول لآلاف الوثائق الأمريكية السرية شديدة الحساسية. وتضمنت التسريبات الأولى مقاطع فيديو للضربات الجوية الأمريكية للعاصمة العراقية، بغداد، والهجوم الأمريكي على أفغانستان، وتقارير عسكرية عن الحرب الأمريكية في الدولتين، وتقارير للبعثات الدبلوماسية الأمريكية.
صورة من: picture-alliance/AP Images/S. Senne
الهروب إلى بريطانيا
بعد بضعة شهور من بدأ نشر الوثائق السرية، لاحقت السويد مواطنها جوليان أسانج بتهم بالتحرش الجنسي والاغتصاب، وهو ما نفاه أسانج معتبرا الاتهام محاولة لإرساله إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سُيحاكم بتهمة نشر أسرار عسكرية ووثائق دبلوماسية حساسة. ثم قرر أسانج في نهاية 2010 التوجه لبريطانيا وتسليم نفسه للشرطة هناك، والتي قامت بدورها بالإفراج عنه بكفالة.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Arrizabalaga
الإكوادور تنقذ أسانج مؤقتا
منحت الإكوادور حق اللجوء لأسانج، فخرق قرار إفراج الشرطة البريطانية عنه بكفاله، محتمياً بمقر سفارة الإكوادور التي لم يغادرها خوفا من الاعتقال والترحيل، وحتى بعد إسقاط السلطات القضائية السويدية تحقيقاتها في قضية التحرش والاغتصاب.
صورة من: picture-alliance/dpa/Kerimokten
لم يغادر مقره لسبع سنوات
ظل أسانج، البالغ من العمر 47 عاما، مقيما في سفارة الإكوادور بلندن منذ عام 2012 حتى قيامها بسحب حق اللجوء منه واستدعائها للشرطة البريطانية لإلقاء القبض عليه في الحادي عشر من أبريل/ نيسان 2019. فنظرا لعدم وجود معاهدة لتسليم المتهمين بين بريطانيا والإكوادور، لم تتمكن الشرطة البريطانية من إلقاء القبض على أسانج داخل مقر السفارة طوال السبع سنوات الماضية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/F. Augstein
أسانج مكبلا بالقيود
خلال حوار تليفزيوني، برر رئيس الإكوادور لينين مورينو قرار بلاده سحب اللجوء من جوليان أسانج بـ "التصريحات العدائية والمُهددة لمؤسسته ضد الإكوادور، وتدخله في الشؤون الداخلية لدول أخرى". وظهر أسانج أمام الكاميرا مكبلا بالقيود بعد إلقاء الشرطة البريطانية القبض عليه.
صورة من: Reuters/P. Nicholls
تحقيق قضائي ضد مجهول
من أشهر وثائق "ويكيليكس" ما نشره حول قيام وكالة الأمن القومي الأميركية بالتجسس على عدة شخصيات أوروبية ومسؤولون ألمان، تأتي في مقدمتهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. ليعلن القضاء الألماني فتح تحقيق "ضد مجهول" يتعلق بوقائع تجسس وأنشطة لصالح جهاز استخبارات أجنبي، إلا أن النيابة العامة الفدرالية أمرت بإغلاق التحقيقات بعد ذلك لأن الاتهامات "يتعذر إثباتها قانونيا".
صورة من: picture-alliance/dpa/O. Berg
التجسس على ميركل
كشف موقع "ويكيليكس" أيضا أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تجسست على اتصالات هاتفية بين المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بشأن التغيرات المناخية. وعلق أسانج حينها بأن "لقاءات الأمين العام للأمم المتحدة حول إنقاذ الكوكب من التغير المناخي تم التجسس عليها من قبل دولة عازمة على حماية أكبر شركاتها النفطية."
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen
اتهامات موجهة نحو روسيا
نشر "ويكيليكس" أيضا رسائل البريد الإلكتروني للحملة الرئاسية لهيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي اُجريت عام 2016، بما يعتبر من العوامل التي أسهمت في عدم فوز كلينتون بالرئاسة الأمريكية. حيث أشارت الرسائل المُسربة حصول الحملة على خُطب مدفوعة الأجر، ولم يشكك فريق الحملة من جانبه في صحة الأمر. واتهمت كلا من الإدارة الأميركية وفريق هيلاري كلينتون الحكومة الروسية بالوقوف وراء الاختراق.
صورة من: Getty Images/M. Horwood
إطلاق سراح أسانج بعيدا عن الأنظار
تم إطلاق سراح أسانج من السجن في لندن يوم الاثنين 2024.06.24 دون أن يلاحظه الجمهور وغادر المملكة المتحدة على متن طائرة مستأجرة. وبعد توقفه في العاصمة التايلاندية بانكوك، توجه إلى جزيرة سايبان الأمريكية، حيث يمثل أمام محكمة بالجزيرة، ضمن اتفاق مع السلطات الأمريكية، قبل أن إطلاق سراحه بشكل كامل.
صورة من: YUICHI YAMAZAKI/AFP/Getty Images
لماذا توقف أسانج في جزيرة سايبان الأمريكية؟
مؤسس ويكيليكس توقف في جزيرة سايبان ليحضر جلسة محاكمته، ضمن اتفاق أبرم مع الولايات المتحدة في النزاع الطويل حول تسليمه. وضمن الاتفاق يقر أسانج في جلسة المحكمة بالتآمر للحصول على وثائق سرية وتوزيعها بشكل غير قانوني كجزء من صفقة مع النظام القضائي الأمريكي ويحكم عليه بالسجن لأكثر من خمس سنوات. ويتوافق الحكم مع طول الفترة الزمنية التي قضاها مسرب المعلومات بالفعل في سجن شديد الحراسة في لندن. 2024.06.26
صورة من: Eugene Hoshiko/AP Photo/picture alliance
أسانج حارج القفص
أعلنت قاضية أمريكية الأربعاء 2024.06.26 أنّ جوليان أسانج أصبح "رجلاً حرّاً" بعدما أبرم صفقة إقرار بالذنب أنهت مسلسلاً قضائياً طويلا. وإثر مثول مؤسّس موقع ويكيليكس أمام المحكمة الفدرالية في سايبان بجزر ماريان الشمالية وإقراره بذنبه بتهمة "التآمر للحصول على معلومات تتعلق بالدفاع الوطني ونشرها" قالت القاضية رامونا في. مانغلونا "بهذا الإقرار، يبدو أنّك ستتمكن من الخروج من هذه القاعة رجلاً حرّاً".
صورة من: DW
أسانج الرجل "السعيد"
رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، قال تعليقا على عودة جوليان أسانج إلى أستراليا، إنه "سعيد" لأن مؤسس موقع ويكيليكس في طريقه "للاجتماع بعائلته". وقال ألبانيز "على مدى العامين الماضيين منذ تولينا منصبنا، شاركت حكومتي ودعت إلى حل هذا الأمر على مستوى القادة." وأضاف ألبانيز "لقد استخدمنا جميع القنوات المناسبة، وكانت هذه النتيجة نتاج عمل دقيق وصبور وحازم. وهو عمل أنا فخور به جدا." 25.06.2024
صورة من: Wikileaks/PA Wire/dpa/picture alliance
أسانج يعود إلى أحضان أستراليا
يوم الإربعاء 26 يونيو حزيران 2024 أصبح جوليان أسانج مؤسس ويكليكس حرا، وعاد إلى وطنة أستراليا. وكانت زوجته ستيلا في مقدمة مستقبليه وتظهر بالصورة في عناق معه. وصل أسانج في طائرة خاصة إلى كانبيرا في ما يشكل الفصل ألأخير من هذه الرحلة التي بدأت بالافراج عنه من سجن بيلمارش في لندن وقادته إلى جزر ماريانا الشمالية الأمريكية حيث مثل أمام القضاء.وبعوداع إلى وطنه يُطوى مسلسل قضائي طويل دام 14 عاما.