1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أسرة العامري لـDW: هكذا انقلبت حياتنا بعد اعتداء برلين

إسماعيل عزام
١٨ ديسمبر ٢٠١٧

استقبلت أسرة أنيس العامري، منفذ اعتداء برلين، بسعادة بالغة رسالة وجهتها إليها أم أحد الضحايا التي رغبت بفتح صفحة جديدة ملؤها الاحترام والتعايش السلمي. وأكد الطرفان استعدادهما الكامل للقاءٍ يخفّف القليل من أوجاع الهجوم.

Familie von Anis Amri
صورة تُظهر عدة أفراد من أسرة أنيس العامريصورة من: picture-alliance/dpa/M. Messara

بعد عامٍ على اعتداء برلين الذي أودى بحياة 12 شخصاً فضلاً عن عشرات الجرحى، تعود الكثير من الأسئلة حول دوافع وحيثيات وتداعيات هذا الهجوم الذي نفذه طالب لجوء تونسي، اسمه أنيس العامري، باستخدام شاحنة ضخمة دهس بها تجمعا بشريا في أحد ساحات أعياد الميلاد بالعاصمة الألمانية برلين.

12 شهراً على مأساة خلّفت حزناً كبيراً، تجاوز صداه ألمانيا نظرا لجنسيات الضحايا المتعددة، ونظرا لكونه أعنف هجوم إرهابي تشهده ألمانيا الموّحدة. تطوّرات كثيرة وقعت خلال الأشهر الأخيرة، إذ شدّدت السلطات الألمانية إجراءات المراقبة وباتت أكثر صرامة في التعامل مع المشتبه في تطرّفهم، لكن بعيداً عن الجانب الأمني، يبدو الجُرح الكامن في أفئدة الضحايا أبعد عن الاندمال، فالحياة انقلبت رأساً على عقب بعد الاعتداء.

تعاملوا مع الأوروبيين كإخوانكم

بصوت يملؤه الألم، خنقته بين الفينة والأخرى دموعها، تحدثت والدة أنيس العامري، نور الهدى، لـ DWعربية، عن طريق الهاتف. كان الوصول إليها صعباً للغاية إذ رفضت الأسرة طوال الأسابيع الماضية عدة محاولات من صحفيين للحديث معها، كما وقع مع وكالة الأنباء الألمانية بداية هذا الشهر. تلّقت الأم، القاطنة في مدينة الوسلاتية، بولاية القيروان(وسط تونس)، بفرح كبير الرسالة التي وجهتها لها أم أحد الضحايا، الراغبة في التعرّف عليها: "الله يرحم ابنها والله يصبرها، كما الله يصبرني على رحيل ابني".

أردفت الأم أنها لن ترفض أبداً اللقاء بالأمهات اللائي فقدن أبناءً في الحادث حتى تتعرّف بهن وتبني علاقات معهن، مؤكدة أن باب بيتها في تونس مفتوح لكل أمهات الضحايا، كما أنها لن تمانع أن تزورهن في بيوتهن في ألمانيا أو في أيّ دولة أخرى. بين الحين والآخر كانت تؤكد أنها تحسّ بآلام أمهات القتلى، وأن وجعها على ما وقع لا يمكن تصوّره، فهي كذلك "أم فقدت ابنها، وألمها يكبر عندما تستحضر أن ابنها مسؤول عن مقتل أبناءٍ آخرين".

تحكي لـDW عربية أن ابنها أنيس "غُرّر به ووقع له غسيل دماغ لمّا عاش في إيطاليا"، إذ تحيل على أن أنيس غادر إلى أوروبا وهو في سن 18 عاماً، وأنه لم يعطِ أبداً أيّ إشارات لعائلته على كونه شخصا متطرفاً. وترّجح الأم أن يكون ابنها قد تغيّر عندما سُجن لبضعة سنوات في إيطاليا، حيث تقول إنه من الممكن أن يكون قد التقى بمن لعبوا بدماغه (قالت دمغجوه باللهجة التونسية). لكنها تعود لتشدّد أنها لم تحسّ أبدا في الأشهر الأخيرة من حياته أنه تطرّف: "كان يتصل بنا دائما، واستمر يرسل لي شهريا مساعدات مالية.. لم يحكِ لنا أبدا أنه غيّر أفكاره".

وتضيف نور الهدى أن حياتها تغيرّت كليةً بعد الهجوم:" فقدتُ طعم الفرح. النار لا تزال مشتعلة في قلبي حزناً على ابني وعلى القتلى، ولولا المساندة التي لقيتها من أبنائي الآخرين لكانت الأمور أكثر صعوبة". لأنيس ثماني إخوة: ثلاثة ذكور، وخمس إناث. واحدة منهن هي من لا تزال تعيش مع أمها.

عندما سألنا الأم ما هي الوصية التي ستقدمها لأحد أبنائها لو رغب في الهجرة إلى أوربا، ردّت:" لو كان الأمر بيدي لطلبت منه ألّا يهاجر وأن يعيش معنا في تونس، فهذه الهجرة ستذكرني أكثر بأنيس.. لكن لو كانت الهجرة قدره، فسأوصيه أن يتعامل مع الألمان والأوربيين كإخوانه تماماً".

تُردف الأم: "لو كنت بقرب أنيس في سنواته الأخيرة، فالأكيد أنني كنت سأمنع أيّ غسيل دماغ يحدث له. لكن لم يكن بيدي حيلة وأنا بعيدة عنه". أدت الأسرة ما يصل إلى 11 ألف دينار (حوالي 3.7 ألف يورو) لأجل جلب جثمان أنيس ودفنه في تونس. التكاليف كانت باهظة بالنسبة لأسرة فقيرة حسب ما تؤكده الأم: "هاجر ابني هرباً من الفقر وبحثا عن العمل، فعاد لي في صندوق".

شاحنة الدهسصورة من: Reuters/H. Hanschke

تطلب الأم من أمهات الضحايا عدم لومها على ما حصل: "أتألم منذ ذلك اليوم.. لم تعد عندي أيّ قوة، صرت ضعيفة جداً"، كما تنتقد السلطات التونسية على عدم مساعدة الأسرة بأيّ شيء لتجاوز الظرف الصعب: "قررنا منذ مدة عدم الحديث إلى الإعلام لأننا اكتشفنا أن لا أحد يكترث بنا، تُركنا للألم وحدنا"، تقول نور الهدى.

نطلب الصفح من أمهات الضحايا

لم يخف محمد، شقيق أنيس، فرحه الكبير عندما سمع بوجود رسالة من أم ألمانية ترغب بالتعرّف على والدته حتى تتجاوزان بعض تداعيات الهجوم: "الأسرة كلها فرحت بهذا الخبر.. هذه فرصة حتى نتعرّف على أمهات الضحايا ونطلب منهن السماح ونخفف عليهن"، يقول محمد لـDW عربية، مضيفًا: "الألمان بصفة عامة ناس واعون، وأنا متيقن أنهم لن يُسقطوا ما وقع على كل العائلة. تماماً كأسر الضحايا، لم نعلم بما جرى إلّا عبر الأخبار، ولا مسؤولية لنا أبداً".

يؤكد محمد أن شقيقه ترّبى بشكل عادٍ مثله مثل بقية أشقائه وجميع شباب الحي الذي نشأ فيه، فالهاجس الوحيد لأفراد الأسرة هو تحصيل لقمة العيش والعودة للبيت ليلاً، حسب قول محمد، الذي يؤكد أن الأسرة تعيش في حيرة كبيرة منذ الهجوم، إذ تحاول أن تفهم لماذا نفذ أنيس الهجوم وما هي الأسباب التي دعته لذلك. لكن ما واجهته بعد الهجوم كان مؤلماً وأثر على كل أفرادها نفسانياً: "هناك من وجه إلينا اللوم وسألنا لماذا لم تعرفوا مسبقاً أن أنيس يخطط لهجوم.. الآن يُكتب عني في السجلات الرسمية أنني شقيق الإرهابي".

صورة من: Reuters/H. Hanschke

يتذكر محمد كيف اتصل به أنيس ثلاثة أيام قبل الهجوم: "تكلمنا طويلا، وكان كعادته إنساناُ مرحاُ.. لم تظهر لي أيّ مؤشرات على أنه يخطط لأمر ما، ولو كنت أعلم أن أخي يرغب في الموت، لكنت أوّل من يوقفه. لو علمت أن أخي كان شخصا متطرّفا، لكنت أوّل تونسي يبلغ السلطات عنه". في نهاية حديثه إلى الموقع، يؤكد محمد أن من يعرفون الأسرة جيداً لم يغيّروا نظرتهم إليها، فهم يعلمون أنها "بعيدة تماماً عن التطرّف"، وأن ما جرى مع أنيس، لم يتخيله أحد بمن فيه أقرب الناس إليه.

جدير بالذكر، أنا أماً ألمانية، اسمها فريدريكه هيرليش، وجهت رسالة إلى والدة أنيس العامري جاء فيها: "بكل احترام أكلمك اليوم وأريد بكل سرور التعرف عليك وأريد تبادل الحديث معك. وربما سيُفتح لنا باب يمكننا من خلاله اكتشاف طريق جديد يقودنا إلى التعايش مع بعضنا البعض".

وتحيى ألمانيا غداً الثلاثاء 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 الذكرى الأولى للاعتداء الذي وُجهت فيه التهمة رسمياً لأنيس العامري، الذي كان يبلغ حينها 24 عاماً. ونفذ أنيس هجومه باستخدام شاحنة دهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلن تنظيم "داعش" في وقت لاحق تبنيه للاعتداء الارهابي.

إسماعيل عزام

 

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

المزيد من الموضوعات
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW