1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

أشرف غني.. رئيس مفكر ومثقف محاط بأمراء الحرب

٤ أكتوبر ٢٠١٤

على الرغم من انتهاء النزاع حول نتائج انتخابات الرئاسة الأفغانية بتنصيب أشرف غني أحمد زاي رئيسا، لكن التحديات التي تواجه الأخير لا تختلف عن تلك التي واجهت سلفه حامد كرزاي، فقد حكم محاطا بأمراء حرب مستعدين لاستخدام العنف.

Ashraf Ghani Ahmadzai Kabul Afghanistan Porträt
صورة من: picture alliance/AP Photo/Massoud Hossaini

موقع قنطرة - حوار مع العالم الإسلامي تعتبر أفغانستان بلدًا يعاني من ويلات الحرب. لقد انطبعت في ذاكرة الشعب الأفغاني الجماعية صدمة الغزو السوفييتي وكذلك الحرب الأهلية التي دارت رحاها في فترة التسعينيات. وبينما كان الشعب الأفغاني يتحارب وكان أمراء الحرب يحكمون البلاد، كان الرئيس الجديد أشرف غني يُدَرّس في جامعتي بيركلي وجونز هوبكنز الأمريكيتين. لقد عاش هذا البشتوني النحيل المنحدر من قبيلة أحمد زاي منذ فترة السبعينيات في الولايات المتّحدة الأمريكية. وحصل هناك على درجة الدكتوراه في مجال الأنثروبولوجيا الثقافية. وفي وقت لاحق، بعد أن بدأ التدخّل الأمريكي في أفغانستان، توجّه أشرف غني مرة أخرى إلى وطنه أفغانستان.

في عهد حامد كرزاي تم تعيينه وزيرًا للمالية. وضمن هذا السياق لم تكن التجارب التي خاضها في نهاية التسعينيات لدى البنك الدولي في واشنطن مزعجة بالنسبة له. وبعد ذلك عمل أشرف غني عدة أعوام رئيسًا لجامعة كابول. وهكذا صنع لنفسه أيضًا في وطنه اسمًا كرجل مثقّف - رجل متعلم صاحب رؤية، يتميّز عن الكثيرين من الرجال في أفغانستان. لقد اتّضح ذلك أيضًا عندما اعتبرته مجلة فورين بوليسي الأمريكية الشهيرة في عام 2010 من ضمن أهم مائة مفكّر في العالم (Top 100 Global Thinkers).

التحالف مع الجنرال عبد الرشيد دوستم

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2009 أقدم أشرف غني على القفز إلى المسرح السياسي. ولكن سرعان ما باءت مساعيه الرامية إلى عزل حامد كرزاي بالفشل وذهبت أدراج الرياح. إذ لم يحصل أشرف غني إلاَّ على ما نسبته ثلاثة في المائة فقط من أصوات الناخبين، في حين أنَّ كرزاي فاز في هذه الانتخابات وتكفل بإبراز اتّهامات التزوير في عناوين الصحف الرئيسية. وبعد ذلك بخمسة أعوام، أعاد أشرف غني محاولته من جديد. وفي هذه المرة تكللت محاولته بالنجاح.

سياسي مثير للجدل - أثار الرئيس الأفغاني الجديد أشرف غاني الكثير من الانتقادات ضدّه من خلال اختياره أمير الحرب الأوزبكي عبد الرشيد دوستم نائبًا له. يتم تحميل الجنرال دوستم المسؤولية عن جرائم كثيرة، بيد أنَّه جلب للبشتوني أشرف غاني أصوات الأقلية الأوزبكية في شمال أفغانستان.صورة من: picture-alliance/dpa
لقد عقد الكثيرون من المواطنين الأفغان آمالهم عليه، ذلك لأنَّ أشرف غني - وعلى العكس من المرشّحين الآخرين - كان لا يزال هو نفسه، أي الرجل المثقّف الذي لم تتلطّخ يداه بالدماء قطّ. وبعد ذلك قام أشرف غني بتعزيز قاعدته السياسية، وذلك من خلال استدعائه أمير الحرب الأوزبكي عبد الرشيد دوستم إلى العمل وجعله نائبًا محتملاً له في رئاسة البلاد.

وبسبب هذا العمل انصدم في المقام الأوّل أتباع أشرف غني البشتونيون، وذلك لأنَّ عبد الرشيد دوستم المتعطش للدماء قد اشتهر في الماضي هو وميليشياته قبل كلّ شيء بارتكاب مجازر ضدّ البشتونيين. وبما أنَّ أشرف غني صار يتحالف الآن أيضًا مع مثل هؤلاء الأشخاص الظلاميين، فقد أدّى هذا إلى تبديد آمال الكثيرين من المواطنين الأفغان.

ولكن مع ذلك فقد ذهب في شهر نيسان/ أبريل الماضي 2014 الكثيرون من المواطنين الأفغان إلى مراكز الانتخابات، من أجل الإدلاء بأصواتهم. وتم إلى أبعد حدّ تجاهل تهديدات حركة طالبان، التي كانت تدّعي مرارًا وتكرارًا أنَّ هذه الانتخابات الرئاسية مهزلة من صنع الولايات المتّحدة الأمريكية.

أراد الكثيرون من المواطنين الأفغان تجربة هذه البضاعة الغربية المعروفة باسم "الديمقراطية" وكانوا متحمّسين للمشاركة في الاقتراع. وكذلك أعرب الغرب - الذي أراد تحسين صورته من خلال الانتخابات قبيل سحب قوّاته من أفغانستان - عن رضاه. وتم بنجاح تركيب الواجهة التي تقول "لقد جلبنا الديمقراطية للأفغان" - غير أنَّ هذه الواجهة لم تصمد فترة طويلة تستحق الذكر.

وبعد ظهور نتيجة الانتخابات الأولى لم يكن فوز أشرف غني أمرًا من الممكن التنبؤ به. وفي حين أنَّ أشرف غني تمكّن من الحصول على نسبة 32 في المائة فقط من الأصوات، حصل منافسه عبد الله عبد الله على 45 في المائة من أصوات الناخبين. وفي نهاية المطاف باتت إعادة الانتخابات أمرًا ضروريًا لا مفر منه. أمَّا بقية المرشّحين - ومعظمهم من أمراء الحرب سيئي السمعة، الذين شاركوا في حكومة كرزاي - فقد انضموا بالتتابع إمَّا إلى أشرف غني أو عبد الله عبد الله.

وبعد إجراء جولة إعادة الانتخابات في شهر حزيران/ يونيو 2014 وفوز أشرف غني المفاجئ بنسبة 56 في المائة، بدأ المأزق الحقيقي. ففي حين أكّد أشرف غني أنَّه هو الفائز في الانتخابات، أراد عبد الله عبد الله وأتباعه عدم الاعتراف بهذه النتيجة. وبالتالي ازداد انتشار اتّهامات التزوير المتبادلة من الطرفين.

تحوّل الانتخابات الرئاسية إلى مهزلة

كان الخلاف يهدّد بالتصعيد، في حين أنَّ أمراء الحرب على كلا الجانبين كانوا يشعلون الأوضاع. لذلك كان لا بدّ لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري من السفر شخصيًا مرتين إلى أفغانستان، من أجل مناقشة كلّ من أشرف غني وعبد الله عبد الله واعطائهما درسًا قاسيًا. ولكن في كلّ مرة بعد مغادر جون كيري، كان هذا الخلاف يشتعل من جديد. وفي شوارع كابول كان المواطنون يتبادلون النكات حول زيارة ثالثة لجون كيري. وبذلك تحوّلت الانتخابات الرئاسية الأفغانية إلى مهزلة.

ومن ثم - بعد ثلاثة أشهر كاملة من إجراء جولة إعادة الانتخابات - تم فجأة إيجاد حلّ، تمثّل في إعلان "حكومة الوحدة الوطنية". وهكذا تعانق أشرف غني وعبد الله عبد الله معانقة أخوية أمام الصحافة. وبات من المقرّر أن يصبح الأوّل رئيسًا للبلاد، في حين صار ينبغي إنشاء منصب جديد لهذا الأخير - منصب يشبه منصب رئيس الوزراء؛ الغرض منه تقريبًا هو تزويد عبد الله عبد الله بالسلطة نفسها التي يتمتّع بها أشرف غني. وبناءً على ذلك أعلنت اللجنة الانتخابية المستقلة أنَّ أشرف غني هو الفائز في الانتخابات الرئاسية.

تجاذبات حول التسوية السياسية - بعد أشهر من الخلاف حول نتيجة الانتخابات تم اعتماد الخبير المالي أشرف غاني (على اليمين) كرئيس جديد للبلاد. وقد شارك في حفل تنصيب أشرف غاني في كابول منافسه السياسي عبد الله عبد الله أيضًا (على اليسار)، الذي نافسه في جولة إعادة الانتخابات في شهر حزيران/ يونيو 2014. والآن يشكّل عبد الله عبد الله وأشرف غاني مجتمعين رأس حكومة وحدة وطنية، أجمع الاثنان عليها بعد الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل.صورة من: AFP/Getty Images
وفي حين أنَّ الشعب الأفغاني قد أثبت اختياره الديمقراطية، أظهرت القيادة السياسية في أفغانستان مرة أخرى أنَّها غير مستعدة للديمقراطية. لذلك فإنَّ ما تعرف باسم الحكومة ستتكوّن في المستقبل من أمراء الحرب وأباطرة تجارة المخدّرات وغيرهم من الأطراف الفاعلين الظلاميين، الذين كانوا في السابق، أي في عهد حامد كرزاي، أصحاب الكلمة المسموعة. وهم يعتبرون الآن أيضًا الفائزين الحقيقيين. وذلك لأنَّ المساعدات المالية سوف تستمر على الأرجح في التدفّق إلى جيوبهم، بينما ستبقى مكانة سلطتهم مثلما هي من دون أي مساس أو تغيير.

"من سخريات القدر أنَّ طالبان، الذين حذّروا منذ البداية من هذه الانتخابات، كانوا محقين"، مثلما يقول الصحفي والمحلل السياسي الأفغاني أحمد وحيد مژده، ويضيف: "لا يعرف الكثيرون من الأفغان إطلاقًا لماذا انتخبوا. وعلاوة على ذلك يتبادر السؤال إلى متى سوف تستمر هذه الحكومة الهشة المسماة ’حكومة وحدة وطنية‘. وذلك لأنَّها لم تتشكّل على الإطلاق إلاَّ من خلال اللجوء إلى تأثر من الخارج".

منح الحصانة لجنود حلف الناتو

على الأرجح أنَّ أشرف غني لن تكون لديه - تمامًا مثلما كانت الحال لدى سلفه حامد كرزاي - سوى مساحة سياسية ضئيلة. فمن دون إرادة أمراء الحرب، الذين يفكّرون قبل كلّ شيء بمصالحهم الخاصة، لن يتمكّن في الواقع من اتّخاذ أية قرارات. وبصرف النظر عن ذلك فإنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية أيضًا تريد الاستفادة من أشرف غني.

فقد تم تقرير قيام هذا الرئيس الجديد في اليوم الأوّل بعد أدائه اليمين الدستورية بالتوقيع على "اتّفاقية الشراكة الاستراتيجية" (الاتّفاقية الأمنية الثنائية) مع الولايات المتّحدة الأمريكية. وتصر واشنطن منذ عدة أشهر على توقيع هذه الاتّفاقية، التي تنظم مستقبل القوّات الأمريكية في أفغانستان بعد عام 2014.

وتنص هذه الاتّفاقية على أمور من بينها الاستمرار في منح الحصانة لجنود حلف الناتو في أفغانستان وعدم ملاحقتهم قانونيًا وجنائيًا. ومن خلال توقيع الرئيس أشرف غني على هذه الاتّفاقية سوف تتمتّع في المستقبل الأعمال التي تتعرّض لأشد الانتقادات - مثل المداهمات الليلية وغارات الطائرات المسيّرة بدون طيّار وعمليات خطف "المتّهمين بالإرهاب" والجرائم الأخرى - بوضع قانوني. لقد امتنع حامد كرزاي بشدة عن التوقيع على هذه الاتّفاقية. أمَّا أشرف غني فقد أعلن منذ البداية عن أنَّ توقيع هذه الاتّفاقية سيكون أوَّل إجراء رسمي سوف يتّخذه.

عمران فيروز

ترجمة: رائد الباش

حقوق النشر: قنطرة 2014

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW