أصناف من الجفاف تضرب قارات العالم..كيف تتعافى منه؟
١٩ سبتمبر ٢٠٢٢
خلافا لكل ظواهر المناخ المتطرفة، التى تأتى سريعة ومدمرة، يتبع الجفاف شكلا مختلفا فى الدمار، تقوم على مدى زمني طويل. فهو يتسلل إلى الحياة اليومية متخفيا و ببطء عبر فترات زمنية طويلة، مخلفا آثارا تدميرية هائلة.
إعلان
بعد صيف شديد الحرارة وأمطار شحيحة أدت إلى جفاف العديد من الغابات والأراضى الزراعية، حذر العلماء من أن أوروبا تشهد أسوأ موجة جفاف فى تاريخها، منذ ما يقرب من 500 عام على الأقل.
ويأتى التحذير، الذي يستند إلى نتائج الأولية نشرتها لجنة العلوم والمعرفة التابعة للمفوضية الأوروبية هذا الأسبوع، في الوقت الذي يعوق فيه تراجع منسوب المياه بالأنهار حول العالم عمليات الشحن وتوليد الطاقة الكهرومائية فى كل مكان.
وأوروبا ليست القارة الوحيدة التى تعانى من آثار الجفاف، إذ أنه وفقا لتقديرات منظمة الأمم المتحدة، يعانى نحو 55 مليون شخص على مستوى العالم بشكل مباشر من الجفاف كل عام .
وبالرغم من أن العلماء يعرفون جيدا أن موجات الجفاف أصبحت مؤخرا متكررة وأكثر عنفا وتمتد لفترات زمنية أطول من ذى قبل بفعل تغير المناخ، يعجزون عن التنبؤ بها أو مراقبتها كباقى الظواهر المناخية.
ما هو الجفاف ؟
يشير مصطلح الجفاف إلى فترة من الزمن تكون فيه الظروف المناخية فى منطقة ما أكثر جفافا من المعتاد، نظرا لتراجع معدل هطول الأمطار بها. وهو أيضا ظاهرة معقدة، مقارنة بغيرها، إذ يمكن أن تستمر لأسابيع أو شهور أو حتى لسنوات، وغالبا ما يكون لها آثار هائلة على الناس والاقتصاد.
إعلان
و بشكل عام، يقسم العلماء الجفاف إلى أربع أصناف رئيسية. الأول يسمى جفاف الطقس، وهو ما يحدث عقب فترة زمنية ممتدة من أانماط جفاف الطقس المختلفة، وانخفاض معدل هطول الأمطار والثلوج. يلى ذلك ما يعرف بالجفاف المائي، وفيه تنخفض مستويات المياه في الجداول والأنهار والخزانات والمياه الجوفية.
أما الصنف الثالث من الجفاف، وهو الجفاف الزراعي، تبدأ فيه النباتات والمحاصيل الزراعية بالتأثر سلبا، نتيجة لتراجع معدلات الرطوبة في التربة. وأخيرا، يكون الجفاف الاجتماعى والاقتصادى، حيث يؤثر نقص المياه على حركة العرض والطلب على السلع،نظرا لتعطيل الشحن أو إنتاج الطاقة، على سبيل المثال.
وفى هذا الصدد، يقول أولدريش راكوفيتش ، العالم في مركز هيلمهولتز للأبحاث البيئية بمدينة لايبزيغ الألمانية،إن تصنيف الجفاف لأربع فئات لا يعنى أنها تتم بمعزل عن بعضها البعض ، بل في كثير من الأحيان ، ولكن ليس دائما ، تحدث جميعها معا، كما هو الحال الآن في أوروبا. ولفت " لكن عادة ما تبدأ بجفاف الطقس أولا ". وأوضح أنه عادة ما يكون تراجع معدلات هطول الأمطار هو أول علامة على الجفاف ، وقد يستغرق الأمر بعض الوقت ، قبل أن يؤدى ذلك إلى انحسار الأنهار و إجهاد النباتات.
في أي مرحلة يصبح جفاف أمرا واقعا؟
يراقب العلماء الجفاف عادة باستخدام مؤشرات مختلفة كمعدلات هطول الأمطار، و مدى صحة النباتات ومستويات الرطوبة في التربة.
وهنا، يوضح راكوفيتش أنه عندما تتجاوز الظروف العامة عتبة ما يعتبر طبيعيا، بناء على بيانات طويلة المدى، يكون الجفاف قد بدأ. وبالتبعية، ينتهي الجفاف عندما تعود الظروف إلى حالتها المعتادة.
ووفقا لجهاز مراقبة الجفاف في ألمانيا التابع لمركز هيلمهولتز للأبحاث البيئية، فإن عملية تقييم الجفاف الزراعي تتم عبر تتبع مستوى الرطوبة في التربة، ليكون الجفاف قد بدأ عندما يتراجع مستوى رطوبة التربة إلى ما تم رصده خلال 20 ٪ فقط من السنوات الماضية، على مدار فترة زمنية طويلة.
وفي تقييم الجفاف، الذي نشرته المفوضية الأوروبية قبل أسبوع، استخدم الباحثون مؤشر الجفاف المشترك الذي يقيس هطول الأمطار ورطوبة التربة ومدى إرهاق النباتات، لاستنتاج أن الوضع الحالي هو الأسوأ فى أوروبا منذ خمسة قرون.
وحذر التقرير من أن ما يقرب من نصف أراضي أوروبا قد وصلت إلى مستوى تحذيرى من الجفاف، مما يعني عجزا واضحا في رطوبة التربة، بينما تعد نسبة 17 ٪ في حالة تأهب، مما يعني أن الغطاء النباتى قد تأثر أيضا.
التعافي والقدرة على الصمود في المستقبل
وتعتمد قدرة المنطقة على التعافي من الجفاف على مدى شدته ومداه الزمنى من جهة، وما إذا كانت كمية كافية من الأمطار ستصل إلى التربة، وتعيد الزخم للمياه الجوفية وتجدد مخزونات المياه من جهة أخرى .
بمعنى آخر، تعود كافة الظروف إلى سيرتها الطبيعية الأولى قبل الوضع الاستثنائية للجفاف.
وهنا، يقول أندريا توريتي، كبير الباحثين في مركز الأبحاث المشترك التابع للمفوضية الأوروبية، إن مواجهة الجفاف سيتطلب تحسين ممارسات إدارة المياه بالتعاون مع المستخدمين المحليين، فضلا عن الحد من الاحترار العالمى، بحيث لا يتجاوز حاجز 1.5 درجة مئوية، مقارنة بالمعدلات التى سبقت الثورة الصناعية.
ويضيف "على المدى المتوسط والبعيد، ما يتعين علينا القيام به هو خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على نطاق عالمي، للتقليل بشكل فعال من مخاطر ارتفاع درجات الحرارة الإضافية".
فى الوقت ذاته، شدد راكوفيتش على ضرورة أن تكون هناك حلول تكنولوجية مبتكرة للتخفيف من آثار الجفاف الشديد".
فعلى المستوى الإقليمي، يمكن أن يساعد إنشاء خزانات مياه كبيرة ، مثل أنظمة التخزين تحت الأرض ، في الاحتفاظ بالمياه لأوقات الحاجة، على حد تعبيره. كما يمكن أن تساهم تقنيات الري الذكية فى التقليل من إهدار المياه، والحفاظ على صحة النباتات.
واعتبر راكوفيتش أن زراعة المزيد من المحاصيل المقاومة للحرارة يمكن أن تحد من الخسائر خلال فترات الجفاف.
كما لفت إلى أن الزراعة المختلطة للمحاصيل أفضل من تلك التى تعتمد على نوع واحد فقط، على اعتبار أنها تحتفظ بالمياه فى التربة بشكل أفضل، ويمكنها البقاء على قيد الحياة خلال فترات الجفاف
نتالي مولر/ م. إ
جفاف وحرائق.. ماذا حل بالوجهات السياحية في أوروبا؟
وصلت درجات الحرارة إلى نحو 40 مئوية في بعض مناطق القارة الأوروبية، ما أدى إلى حرائق في الغابات وجفاف في الأنهار ونقص المياه. وهو ما أثر سلباً على المناطق السياحية في أوروبا.
صورة من: EUROPA PRESS/dpa/picture alliance
ألمانيا
صورة لوادي الراين الأوسط في شهر أغسطس/آب، وهو موقع ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو، ونقطة جذب كبيرة للزوار. يضيق نهر الراين وينخفض مستواه إلى أقل من 40 سم في بعض المناطق. تعمل شركات الشحن فقط بأحمال مخفضة، ولم يعد بإمكان سفن الركاب التوجه إلى جميع المواقع. كما تتوقف العبارات عن العمل ومعها الرحلات النهرية، ويضطر السكان والمصطافون إلى سلوك طرق طويلة للعبور إلى الجهة الأخرى من نهر الراين.
صورة من: Sascha Ditscher/IMAGO
إسبانيا
الأرض جافة جداً، شرارة واحد قد تكفي لبدء الجحيم. تستعر أسوأ حرائق الغابات منذ بدء تسجيل درجات الحرارة العالية في إسبانيا. سواء في مدن كفالنسيا، أليكانتي، مرسيا - فرق مكافحة الحرائق في عمل مستمر. تم إجلاء الآلاف من السكان - بما في ذلك السياح. وتتأثر بشكل خاص مناطق الأندلس السياحية في الجنوب وكاتالونيا وأراغون في الشمال الشرقي.
صورة من: Europa Press/picture alliance
فرنسا
في فرنسا أيضاً، بلغ الجفاف أبعاداً تاريخية. هناك حرائق في جميع أنحاء البلاد. وقعت عدة مرات على ساحل المحيط الأطلسي، الذي يشتهر بمناطقه السياحية، وخاصة في مقاطعة جيروند. وتم إجلاء آلاف السياح وأغلقت الطرق السريعة. ووقعت غابة شهيرة في منطقة دون دي بيلات يبلغ عمرها ألف عام، وتقع قرب آركاشون، ضحية للنيران.
صورة من: Guillaume Bonnaud/Photopqr/MAXPPP/picture alliance
البرتغال
منطقة الغارف هي نقطة جذب سياحي في البرتغال. وفيها مسابح فندقية مملوءة بالسياح الذين يستهلكون الكثير من المياه الحيوية في البلاد. لكن اقتصاد البرتغال يعتمد على السياحة، وهو ما شكل معضلة، لأن البلاد شديدة الجفاف وفيها المياه نادرة. وكان على الفنادق في الغارف أن تقلل من استهلاكها للمياه. وأن تبقى عاملة في نفس الوقت وهو تحد يجب أن تواجهه في الأسابيع والأشهر القادمة.
صورة من: Pedro Fiuza/ Xinhua News Agency/picture alliance
النمسا
يستمتع سياح في فيينا بنوافير المياه بعد أن وصلت درجة الحرارة إلى 39 مئوية. فيينا هي واحدة من أكثر المدن خضرة في أوروبا هي أيضًا نقطة ساخنة لتغير المناخ، لأن الحرارة تتراكم فيها بشكل غير متناسب. لذلك أطلقت المدينة خطة عمل بشأن تخفيض الحرارة - لا تشمل فقط نوافير "الاستحمام بالضباب" في شوارع المدينة، ولكن أيضاً "مناطق التبريد" ونوافير الشرب وزرع المزيد من الأشجار.
صورة من: Georg Hochmuth/APA/picture alliance
اليونان
سواء بالقرب من أثينا أو في الجزر السياحية في كريت أو ليسبوس – تشهد اليونان بأكملها حرائق مستعرة: في ليسبوس، في نهاية شهر يوليو/تموز الماضي، تشق النار طريقها إلى منتجع الاستحمام في فاتيرا، يبحث الناس عن ملجأ على الشاطئ ويتم انقاذهم من قبل خفر السواحل. لا يزال خطر نشوب الحرائق في جميع أنحاء البلاد قائماً.
صورة من: Eurokinissi/ZUMA Wire/picture alliance
كرواتيا
تم حجز جولة إرشادية في مدينة دوبروفنيك وظلت الجولة قائمة رغم وصول درجة الحرارة إلى 43 مئوية. لا أحد يبدو عليه بأنه يشعر بعدم الراحة رغم ارتفاع درجة الحرارة. في كل مكان في مناطق العطلات في أوروبا، تُبذل محاولات لإبقاء السائحين سعداء، وهم، من جانبهم، يبذلون قصارى جهدهم لتجاهل الطقس المتطرف وعواقبه. ويستمتعون بإجازتهم بطرقهم الخاصة.
صورة من: Grgo Jelavic/Pixsell/picture alliance
هولندا
في أمستردام، يفر الناس من الحر إلى البحر - أو إلى نهر أمستل. لكن في هولندا تعاني الأنهار أيضا من الجفاف، وتنخفض المستويات في كل مكان، وتتغلغل مياه البحر المالحة في مجاري المياه. ومع ذلك، فإن الأكثر إثارة للقلق هي السدود التي تحمي 60 بالمئة من أراضي هولندا من الفيضانات، إذ أصبحت غير مستقرة بسبب الجفاف.
صورة من: Ramon van Flymen/ANP/picture alliance
إيطاليا
الطقس القاسي يشوه المناظر الطبيعية. تأثرت بحيرة جاردا، إحدى النقاط السياحية المزدحمة في شمال إيطاليا، بذلك أيضا وسجلت أدنى مستوى للمياه في 15 عاماً. تظهر الصخور العارية حول شبه جزيرة سيرميوني، ولا يتعرف السياح على شواطئهم المعتادة، وتختفي خلجان الاستحمام بأكملها. لا تزال الإجازات ممكنة، حسب كلام المسؤولين. لكن هل يمكن أن تكون الإجازات مع هذا الطقس مريحة؟
صورة من: Antonio Calanni/AP/picture alliance
سويسرا
رغم محاولات حفظ آخر ما تبقى من الجليد من الشتاء المنصرم في ممر زانفلويرون في جبال الألب، إلا أنه ولأول مرة منذ فترة طويلة أصبحت المنطقة خالية تقريباً من الجليد. يتوقع علماء الجليد أن تصبح الصخور عارية بنهاية سبتمبر/ أيلول القادم. في عام 2012، بلغ سمك الجليد هنا 15 متراً. سيتم تكوين بحيرة من المياه الذائبة - كما هو الحال في أماكن أخرى في جبال الألب.
صورة من: Jean-Christophe Bott/KEYSTONE/picture alliance
بريطانيا
هل هذه الصورة حقا للعاصمة البريطانية لندن؟ الحدائق جافة جداً وصفراء بدلاً من اللون الأخضر المميز لها. وفي شوارع وحدائق لندن بالكاد ترى أحداً. الطقس حار جدا ودرجات الحرارة كسرت حاجز 40 درجة مئوية في يوليو. تم إعلان حالة الطوارئ بسبب الطقس، تلتها حالة طوارئ بسبب الجفاف في أجزاء كبيرة من البلاد في أغسطس: وهذا يعني لا يسمح بملء حمامات السباحة ولا سقي العشب ولا يمكن غسل السيارات. آنه تيرميشي/زمن البدري
صورة من: Dominic Lipinski/PA wire/picture alliance