تتهيأ قوات الأسد لشن معركة الحسم ضد الثوار في إدلب. وبرفض تركيا إبداء أي رد فعل، يتساءل الجميع أين سيذهب 3 ملايين شخص يسكنون المدينة؟ الصحفي أنشال فورا كان هناك، وتكلم إلى المدنيين وقادة المسلحين وعاد بالتحقيق التالي.
إعلان
المدنيون في إدلب.. كيف يستعدون للمجهول والأسوأ؟
01:35
يُراكم محمد طارق (وهو اسم مستعار لحماية المتحدث) بمنطقة إدلب العتاد والمؤن بانتظار يوم الهجوم المرتقب. علبتا كارتون من الخبز المجفف، علب جبنة، قوارير طرشي، أكياس رمل ملئت بالرز. وبعناية رتب محمد المواد الأساسية على رفوف في قبو المبنى الذي بني خصيصاً للاحتماء والتخفي، على أمل النجاة من هجوم القوات الحكومية السورية الوشيك.
"ماذا بوسعي أن افعل أكثر من هذا؟ لقد خزنت أطعمة وألعاب أطفال أيضا في القبو" يقول محمد متحدثا مع DW من بيته في إحدى قرى المنطقة .
ملايين المدنيين حالهم حل محمد طارق، فهم يبذلون قصارى جهودهم لإنقاذ عائلاتهم وإيوائهم بمناطق آمنة خلال الهجوم. أما محمد، فيحتفظ مع مؤونته بسيارة لعبة لابنه البالغ 4 أعوام من العمر، وبحجلة أطفال تعلم المشي لابنته البالغة من العمر 10 أشهر، محاولا بذلك أن يحافظ على هدوئهم إبان صخب المعركة المنتظرة.
مدينة إدلب تأوي اليوم مليوني نسمة أجبرتهم المعارك والتوافقات وحملات الباصات على النزوح إليها. وشهد سكان إدلب خلال الأسبوع المنصرم، تحشيدا عسكريا كبيرا حول المنطقة. إذ تتحرك أرتال الجيش السوري إلى خطوط المواجهة لاستعادة آخر معقل يأوي المسلحين. روسيا من جانبها ، نشرت قطعاً بحرية في البحر المتوسط لتقوية القوات السورية. أما مراصد تركيا الإثنا عشر، فباقية في الإنذار بما يؤهلها حماية مصالح مجاميع مقاتلي المعارضة الذين طالما دعمتهم هذه المراصد في عملياتهم القتالية.
ادلب في قبضة "الجهاديين"
المجموعة" الجهادية" المتشددة هيئة تحرير الشام، والمعروفة اختصارا "هتش" التي سبق أن اعلنت ولاءها لتنظيم القاعدة تسيطر على 60 بالمائة من منطقة إدلب.
وفي خضم غارات جوية روسية يقول الكرملين إنه يشنها على جبهة النصرة ، حذرت روسيا أن القوات المسلحة السورية تتهيأ لحل "مشكلة الإرهابيين" في إدلب. يشار إلى أن القواعد الروسية في سوريا تعرضت مرارا إلى هجمات شنتها طائرات بدون طيار أطلقتها هيئة أحرار الشام، وهو أمر يزيد من إصرار روسيا على دعم الهجوم السوري المرتقب على إدلب.
وفيما تبدو المعركة حتمية الوقوع، فإنّ حجمها وشدتها ما زالت غير أكيدة، فيما لازالت روسيا وتركيا تبحثان عن حلول دبلوماسية للأزمة. يأتي ذلك على اعتاب اجتماع مرتقب يضم الدولتين إلى بشار الأسد وحليفته إيران يؤمل أن يُعقد الجمعة في طهران.
بلال زكريا رئيس المجلس البلدي لمدينة معرة النعمان في حديث مع DW أكد بالقول" كليّ ثقة أنّ الحل السياسي سيمهد الطريق إلى إدلب. الجانب التركي أعاد تأكيد التزامه لقادة المجاميع المسلحة خلال اجتماعهم الأخير في اسطنبول، وقد أصدروا رسالة بهذا الخصوص لنا".
وتحدثت DW إلى عنصر قيادي في جبهة التحرير الوطنية، وهو تحالف يضم مجاميع معتدلة واسلامية تدعمه تركيا، فقال رافضاً الإفصاح عن اسمه لأسباب تتعلق بسلامته " هيئة أحرار الشام هي ذريعة تستخدمها روسيا لتبرير الهجوم. وعلى كل حال، فقد حاولنا من جانبنا إقناع الهيئة بحل نفسها والانضمام لنا لحرمان روسيا من هذه الذريعة، ولكنهم حتى الآن رافضون لهذا الخيار".
وفي الحقيقة، سارعت هيئة أحرار الشام إلى ضخ التقويات إلى شمال حماه في محاولة لمباغتة الجيش السوري. بل إن الهيئة تقضي على كل من يُظهر النية لعقد سلام مع الحكومة.
"روسيا وسوريا طلبتا من إدلب الاستسلام، والمرور بعملية مصالحة تشبه ما جرى في منطقة درعا سابقا، إلا أنّ هيئة أحرار الشام رفضت العروض مؤكدة أنها ستقطع رؤوس الخونة الذين يتفاوضون مع النظام السوري" ، كما كشف جوشوا لانديز مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما في حديث مع DW .
المدنيون بين زحف النظام وقبضة "الجهاديين"
كان محمد طارق قبل الحرب معلماً للغة الإنكليزية في المدارس الريفية. خلال الأزمة، بدأ يحمل كلاشنكوف لحماية أسرته من الجيش السوري. وباتت البندقية اليوم تمنحه نوعا من الإحساس بالأمن من الأخطار اليومية التي يفرضها عناصر هيئة أحرار الشام والذين يصفهم طارق ببساطة بالقول "رجال القاعدة".
"جعلنا النظام (السوري) متطرفين بقتله أهلنا، جعلنا نمقت الشيعة والعلويين. لم نكن نمقتهم قبل الحرب" ، يقول طارق ويستمر بالقول "جاء هؤلاء القاعديون فجعلوا الوضع أسوأ. لقد كسروا اركيلتي" شيشتي" قبل أيام، وأحرقوا محلات كثيرة في إدلب ووضعوا تشريعات صارمة. نحن لا نريدهم (كما لا نريد النظام). إنهم يلوثون سمعة المعارضة".
تقع قرية طارق اليوم تحت سلطة فصيل اسمه فيلق الشام، يعود إلى جبهة التحرير الوطنية. ويعترف الفصيل بانهم إسلاميون، لكنه يصر على أنهم ليسوا جهاديين.
ويمضي طارق إلى القول: "الحل الأمثل لإدلب هو أن تخضع للسيطرة التركية، سأكون مواطنا تركيا (في هذه الحالة) منذ يوم غد، فأنا لا أريد أن اخضع لحكم الأسد، ولا أريد أن أكون مع هؤلاء "الجهاديين"، تركيا تدعم الثوار الإسلاميين ونحن كذلك".
أكثر ما يخشاه محمد طارق هجوماً بالأسلحة الكيماوية، كما جرى في شباط/ فبراير الماضي على مدينة سراقب، والذي أكدته فيما بعد منظمة تحريم استخدام الأسلحة الكيماوية الدولية". ويقول في هذا السياق " نحن واثقون أنّ النظام سيمارس نفس التكتيكات ويقصفنا بالأسلحة الكيماوية، ما الذي يمنعه عن ذلك؟ ربما أهرب إلى مدينة عفرين، فالانتقال إلى هناك قد يضمن الأمان لعائلتي".
أنشال فورا / م.م
إدلب الخضراء.. طبول الحرب تقرع في "أرض مملكة إيبلا"
ترتفع الأصوات الدولية التي تحذّر النظام السوري من إعادة استخدام الأسلحة الكيميائية في محافظة إدلب، مع سعي النظام للسيطرة على المعقل الرئيسيّ لفصائل المعارضة. فما هي الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لإدلب؟
صورة من: picture-alliance/AP
أهمية استراتيجية
تعتبر محافظة إدلب في شمال غربي سوريا آخر المعاقل الرئيسية لفصائل المعارضة، وتتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة فهي من جهة محاذية لتركيا الداعمة للمعارضة، ولمحافظة اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد من جهة ثانية. كما أن مدينة إدلب (مركز المحافظة) لا تبعد عن طريق حلب - دمشق الدولي سوى 20 كليومتراً.
صورة من: AP
إدلب الخضراء
قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا كان غالبية سكان إدلب يعتمدون على الزراعة وخصوصاً الزيتون والقطن والقمح. وبسبب اشتهارها بزراعة الزيتون فقد كان يطلق عليها "إدلب الخضراء". كما أنها كانت سوقاً تجارياً واسعاً للمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى كونها أحد مراكز صناعة الصابون في سوريا.
صورة من: Colourbox
أرض مملكة إيبلا
وتعرف محافظة إدلب بكثرة متاحفها ومواقعها الأثرية التي تعود لحقب تاريخية قديمة، ومن أبرزها مدينة إيبلا الأثرية، إحدى أقدم الممالك في سوريا قبل الميلاد. قبل اندلاع النزاع في 2011، كان متحف إدلب يتميز باحتوائه على مجموعة قيمة من الرقم المسمارية، التي تروي عبر نصوص سياسية وأدبية تاريخ مملكة إيبلا. إلا أن المتحف الذي أُعيد افتتاحه هذا الشهر، لم يسلم خلال سنوات الحرب من القصف وأعمال السرقة والنهب.
صورة من: Daniel Leal-Olivas/AFP/Getty Images
معقل للمعارضة
انضمت محافظة إدلب سريعاً إلى ركب الاحتجاجات على النظام السوري التي اندلعت في آذار/ مارس 2011، والتي تحولت لاحقاً الى نزاع مسلح تعددت أطرافه. وفي آذار/ مارس 2015 سيطر "جيش الفتح"، وهو تحالف يضم فصائل إسلامية وجهادية بينها جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة بسوريا) التي تحولت إلى "هيئة تحرير الشام" على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتي الفوعة وكفريا ذات الغالبية الشيعية.
صورة من: dapd
اقتتال داخليّ
بعد اقتتال داخلي بين الفصائل المتعددة في 2017، باتت هيئة تحرير الشام تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب مقابل تواجد محدود لفصائل أخرى أبرزها حركة أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي. وفي 18 شباط/ فبراير 2018، أعلنت الحركتان المذكورتان اندماجهما تحت مسمى "جبهة تحرير سوريا" لتخوضا مجدداً معارك مع جهاديي هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Nusra Front on Twitter
مليونان ونصف المليون
ومنذ سيطرة فصائل المعارضة عليها، وطوال سنوات، شكلت محافظة إدلب هدفاً للطائرات الحربية السورية والروسية، كما استهدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن قياديين جهاديين فيها بشكل دوريّ. ويعيش في إدلب حالياً نحو 2,3 مليون شخص بينهم أكثر من مليون نزحوا من مناطق أخرى، مع أعداد كبيرة من المقاتلين الذين رفضوا إلقاء السلاح ولا سيما من الغوطة الشرقية التي خضعت لحصار طويل وهجمات عنيفة.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Khder
هجمات كيميائية
منذ 2014 تعرضت إدلب إلى عدة هجمات كيميائية، فبعد تأكيد لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن قوات النظام استخدمت الغازات السامة في كل من بلدة تلمنس (21 نيسان/ ابريل 2014) وبلدتي سرمين وقميناس (آذار/ مارس 2015)، تعرضت مدينة خان شيخون لهجوم كيميائي في 2017، أدوى بحياة عشرات الأشخاص بينهم 30 طفلاً. واتهمت الأمم المتحدة النظام السوري بشن الهجوم، رغم نفي الأخير.
صورة من: Reuters/A. Abdullah
تصعيد في منطقة "خفض التصعيد"
تشكل محافظة إدلب مع أجزاء من محافظات محاذية لها إحدى مناطق اتفاق خفض التصعيد التي تم التوصل إليها في أيار/ مايو 2017 في أستانا برعاية روسيا وإيران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة. وبدأ سريان الاتفاق في إدلب في أيلول/ سبتمبر الماضي. لكنها تعرضت نهاية 2017 لهجوم عسكري تمكنت خلاله قوات النظام بدعم روسي من السيطرة على عشرات البلدات والقرى في الريف الجنوبي الشرقي وعلى قاعدة عسكرية استراتيجية.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Sultan
الأسد: هدفنا الآن إدلب
أكد الرئيس السوري بشار الأسد في 26 تموز/ يوليو الماضي أن "هدفنا الآن هو إدلب على الرغم من أنها ليست الهدف الوحيد". وفي 9 آب/ أغسطس الجاري قصفت قوات موالية للنظام السوري مواقع في إدلب قالت بأنها لفصائل معارضة وجهاديين وألقت منشورات تدعو السكان للاستسلام.
صورة من: picture-alliance/abaca
تحذيرات من "حمّام دم"
ودعت الأمم المتحدة إلى التوصل إلى "اتفاقات" لتفادي "حمام دم" في إدلب، وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان ديمستوريا قد قال في أيار/ مايو إنه في حال تكرار سيناريو الغوطة في إدلب فإن حجم الدمار وأعداد الضحايا قد تكون أكبر بست مرات، مشيراً إلى نصف الناس الذين يعيشون في إدلب، البالغ عددهم 2,3 مليون شخص، نازحون و"ليس لديهم مكان آخر يلجؤون إليه".
صورة من: Reuters/K. Ashawi
تمهيد للهجوم؟
وبعد أن اتهمت روسيا فصائل المعارضة بالتحضير لعمل "استفزازي" يتمثل بهجوم كيميائي في إدلب بهدف تحميل دمشق المسؤولية عنه واستخدامه كمبرر للقوى الغربية لضرب أهداف حكومية في سوريا، أبدت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي قلقاً متزايداً على مصير ملايين المدنيين في إدلب، خصوصاً بعد أن عززت روسيا من وجودها العسكري قبالة السواحل السورية، فهل سيتكرر سيناريو الغوطة في إدلب؟
محيي الدين حسين