يزداد الوضع سوءً في إدلب، وأطباء من المنطقة يتحدثون في بروكسيل عن الحياة اليومية القاسية داخل المستشفيات ويطالبون الاتحاد الأوروبي بتقديم مساعدات وإيجاد حل للنزاع السوري.
إعلان
"الأطفال هم الخاسرون الكبار"، تقول الطبيبة نور وتصعد إلى الطابق الثالث في مقر البرلمانيين الأوروبيين. إنها زيارتها الأولى للسياسيين الأوروبيين في بروكسيل. الدكتورة نور هي طبيبة أطفال وتعمل في مستشفى غرب إدلب التي تسيطر عليها المعارضة السورية المسلحة. زوجها، هو أيضا طبيب يتحمل حاليا في المستشفى مهامها، فما دامت الطبيبة السورية في جولة عبر أوروبا، فليس بإمكانها الاهتمام بنفسها بمرضاها الصغار. هنا في بروكسيل ترغب في تحقيق المزيد لمرضاها عوض مجاهدة الحياة من يوم إلى آخر.
حالة الطوارئ في إدلب
"نستخدم دم التبرعات مباشرة دون تصفيته"، كما تصف الطبيبة الوضع الطبي في عين المكان. "قبل الحرب كنا نتوفر على مخزون دم، وكان بإمكاننا بالتالي تنظيف الدم. والآن نوصل أكياس التبرع مباشرة بالأطفال دون التحقق منها". وهذا خطير كما تقول الطبيبة التي تؤكد أنه ليس لديها خيار آخر لإنقاذ حياة الأطفال الصغار.
بصحبة زميلين طبيبين أيضا من إدلب تلتقي الدكتورة نور في بروكسيل إلى جانب دبلوماسيين ببرلمانيين أوروبيين. النائبة البرلمانية الليبرالية، مارييتيه شاكه هي واحدة منهم. من منظورها الوضع الإنساني يزداد تأزما. المعدات الضرورية تنقص. وعدد الأطباء قليل والأدوية شحيحة، كما تفيد السياسية الهولندية من تحالف الليبراليين والديمقراطيين في أوروبا داخل البرلمان الأوروبي.
"خاب أملي لكون الاتحاد الأوروبي لم يتخذ من الناحية السياسية دورا أكبر في إيجاد حل للنزاع السوري. لم نفعل ما يكفي"، تقول شاكه التي أضافت أنه من غير المقبول أن تتخلى أوروبا عن الناس في سوريا ويجب على المدنيين في إدلب وحولها أن يحصلوا على مساعدة أوروبية.
ويتم تمويل رحلة الأطباء السوريين إلى بروكسيل بمساعدة جمعية الأطباء السورية الأمريكية، ومقرها في نيويورك. وهذه المنظمة غير الحكومية تمول حاليا نصف تكاليف المستشفيات في إدلب كالأدوية والأجهزة والرواتب. ومنذ اندلاع النزاع يتلقى الأطباء الثلاثة راتبهم من هذه الجمعية التي تفيد بأن نحو 3.5 مليون نسمة يعيشون حاليا في المنطقة.
المنظمات غير الحكومية تقلص المساعدة
" نحن نحتاج بإلحاح إلى أموال"، يقول جون داوتسينبيرغ، المتحدث باسم المؤسسة السورية الأمريكية. والميزانية في السنة المقبلة ستكون أقل. وجزء من تلك الأموال سيتم تحويله في السنة الجديدة لتغطية انعكاسات نزاعات أخرى مثل اليمن. ووفد الجمعية السورية الأمريكية يريد الآن إقناع الأوروبيين بأن اللحظة الراهنة تحتاج إلى دعم مالي مباشر لتخفيف معاناة الناس هناك.
" الرعاية الطبية كارثية، ولا نعرف من أين سنستمد الأمل"، كما يصف الجراح محمد عبراش الوضع في مستشفيات منطقة إدلب. وهو يعمل منذ 30 عاما في "المستشفى المركزي لإدلب". وهو يستنزف الآن قواه الشخصية.
عبراش ينحدر من إدلب، ونقل منذ مدة عائلته إلى تركيا، لأن الوضع جد خطير في سوريا. لكن هو بقى في سوريا. "أنا الجراح الوحيد في المستشفى، وعدد كبير هاجر، وآخرون أصيبوا أو توفوا"، كما يقول الرجل البالغ من العمر 56 عاما. وطلبة الطب مازالوا موجودين هناك، إلا أن دراسة الطب في الحرب تبقى مستحيلة. ولذلك هو يحاول تعليم الشباب في عين المكان حتى يتمكنوا من إجراء عمليات.
" لا يمكن لنا التخلي عن الأطفال"
الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه وضعت رهن التصرف منذ بداية النزاع مساعدات مالية بمبلغ يتجاوز عشرة مليارات يورو. وهذه الأموال من شأنها مساعدة الفارين داخل سوريا وخارجها. وكرد فعل على الأزمة في سوريا أقام الاتحاد الأوروبي أيضا صندوق ائتمان إقليمي بمبلغ يتجاوز 1.5 مليار يورو.
وبالنسبة إلى النائبة الأوروبية شاكه يجب على الاتحاد الأوروبي أن يعمل بصفة أقوى من السابق من أجل "أفق سلام حقيقي" أي تحقيق نجاحات ملموسة في الاستراتيجية الإقليمية المعلنة: إنهاء الحرب من خلال انتقال سياسي فعلي يشمل جميع الأطراف وإنقاذ حياة البشر من خلال تغطية الحاجيات الإنسانية.
والزمن يضغط، لأن الأطباء مثل الدكتورة نور يصطدمون يوميا بحدود. وعائلتها تعيش في الأثناء في تركيا مباشرة على الحدود السورية. وتسافر أم طفلتين صغيرتين إلى إدلب لمزاولة خدمتها الطبية. وتستمر إجراءات التفتيش في كل مرة على الحدود السورية التركية ست ساعات إذا سافرت إلى العمل. وعندما تصل عند ابنتيها في تركيا، فإن زوجها يسافر مباشرة من أجل العمل إلى سوريا. "كل يوم ينال من قوانا. لكن قلما يوجد أطباء، ولا يمكن لنا التخلي عن الأطفال".
"الحرب تسود عندنا"
ومن منظور الأطباء من إدلب بإمكان الاتحاد الأوروبي بمبادرة طوارئ أن يساعد منطقتهم. وعلى هذا النحو جاء رد فعل أوروبا في 2016 على التدهور الخطير للوضع الإنساني في حلب. وهذه المساعدة المباشرة من الاتحاد الأوروبي مكَنت المنظمات الإنسانية من إنقاذ المدنيين، كما يصف أسامة أبو العز هذا الالتزام. ويعمل هذا الطبيب للجمعية السورية الأمريكية في حلب، وسافر قبل سنتين إلى بروكسيل.
وفي ألمانيا تنتهي في ديسمبر مهلة تمديد وقف الترحيل للاجئين السوريين. ويسود حاليا جدل حاد بين المسؤولين السياسيين الألمان. ومن منظور الأطباء في بروكسيل تمثل إجراءات الترحيل إلى سوريا كارثة إنسانية. "كل يوم وجب علينا رفض المئات، لأنه لا يمكن لنا تقديم الرعاية الطبية لهم. عندنا تسود الحرب".
كاثرين لاورينس مارتينس/ م.أ.م
إدلب الخضراء.. طبول الحرب تقرع في "أرض مملكة إيبلا"
ترتفع الأصوات الدولية التي تحذّر النظام السوري من إعادة استخدام الأسلحة الكيميائية في محافظة إدلب، مع سعي النظام للسيطرة على المعقل الرئيسيّ لفصائل المعارضة. فما هي الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لإدلب؟
صورة من: picture-alliance/AP
أهمية استراتيجية
تعتبر محافظة إدلب في شمال غربي سوريا آخر المعاقل الرئيسية لفصائل المعارضة، وتتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة فهي من جهة محاذية لتركيا الداعمة للمعارضة، ولمحافظة اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد من جهة ثانية. كما أن مدينة إدلب (مركز المحافظة) لا تبعد عن طريق حلب - دمشق الدولي سوى 20 كليومتراً.
صورة من: AP
إدلب الخضراء
قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا كان غالبية سكان إدلب يعتمدون على الزراعة وخصوصاً الزيتون والقطن والقمح. وبسبب اشتهارها بزراعة الزيتون فقد كان يطلق عليها "إدلب الخضراء". كما أنها كانت سوقاً تجارياً واسعاً للمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى كونها أحد مراكز صناعة الصابون في سوريا.
صورة من: Colourbox
أرض مملكة إيبلا
وتعرف محافظة إدلب بكثرة متاحفها ومواقعها الأثرية التي تعود لحقب تاريخية قديمة، ومن أبرزها مدينة إيبلا الأثرية، إحدى أقدم الممالك في سوريا قبل الميلاد. قبل اندلاع النزاع في 2011، كان متحف إدلب يتميز باحتوائه على مجموعة قيمة من الرقم المسمارية، التي تروي عبر نصوص سياسية وأدبية تاريخ مملكة إيبلا. إلا أن المتحف الذي أُعيد افتتاحه هذا الشهر، لم يسلم خلال سنوات الحرب من القصف وأعمال السرقة والنهب.
صورة من: Daniel Leal-Olivas/AFP/Getty Images
معقل للمعارضة
انضمت محافظة إدلب سريعاً إلى ركب الاحتجاجات على النظام السوري التي اندلعت في آذار/ مارس 2011، والتي تحولت لاحقاً الى نزاع مسلح تعددت أطرافه. وفي آذار/ مارس 2015 سيطر "جيش الفتح"، وهو تحالف يضم فصائل إسلامية وجهادية بينها جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة بسوريا) التي تحولت إلى "هيئة تحرير الشام" على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتي الفوعة وكفريا ذات الغالبية الشيعية.
صورة من: dapd
اقتتال داخليّ
بعد اقتتال داخلي بين الفصائل المتعددة في 2017، باتت هيئة تحرير الشام تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب مقابل تواجد محدود لفصائل أخرى أبرزها حركة أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي. وفي 18 شباط/ فبراير 2018، أعلنت الحركتان المذكورتان اندماجهما تحت مسمى "جبهة تحرير سوريا" لتخوضا مجدداً معارك مع جهاديي هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Nusra Front on Twitter
مليونان ونصف المليون
ومنذ سيطرة فصائل المعارضة عليها، وطوال سنوات، شكلت محافظة إدلب هدفاً للطائرات الحربية السورية والروسية، كما استهدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن قياديين جهاديين فيها بشكل دوريّ. ويعيش في إدلب حالياً نحو 2,3 مليون شخص بينهم أكثر من مليون نزحوا من مناطق أخرى، مع أعداد كبيرة من المقاتلين الذين رفضوا إلقاء السلاح ولا سيما من الغوطة الشرقية التي خضعت لحصار طويل وهجمات عنيفة.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Khder
هجمات كيميائية
منذ 2014 تعرضت إدلب إلى عدة هجمات كيميائية، فبعد تأكيد لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن قوات النظام استخدمت الغازات السامة في كل من بلدة تلمنس (21 نيسان/ ابريل 2014) وبلدتي سرمين وقميناس (آذار/ مارس 2015)، تعرضت مدينة خان شيخون لهجوم كيميائي في 2017، أدوى بحياة عشرات الأشخاص بينهم 30 طفلاً. واتهمت الأمم المتحدة النظام السوري بشن الهجوم، رغم نفي الأخير.
صورة من: Reuters/A. Abdullah
تصعيد في منطقة "خفض التصعيد"
تشكل محافظة إدلب مع أجزاء من محافظات محاذية لها إحدى مناطق اتفاق خفض التصعيد التي تم التوصل إليها في أيار/ مايو 2017 في أستانا برعاية روسيا وإيران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة. وبدأ سريان الاتفاق في إدلب في أيلول/ سبتمبر الماضي. لكنها تعرضت نهاية 2017 لهجوم عسكري تمكنت خلاله قوات النظام بدعم روسي من السيطرة على عشرات البلدات والقرى في الريف الجنوبي الشرقي وعلى قاعدة عسكرية استراتيجية.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Sultan
الأسد: هدفنا الآن إدلب
أكد الرئيس السوري بشار الأسد في 26 تموز/ يوليو الماضي أن "هدفنا الآن هو إدلب على الرغم من أنها ليست الهدف الوحيد". وفي 9 آب/ أغسطس الجاري قصفت قوات موالية للنظام السوري مواقع في إدلب قالت بأنها لفصائل معارضة وجهاديين وألقت منشورات تدعو السكان للاستسلام.
صورة من: picture-alliance/abaca
تحذيرات من "حمّام دم"
ودعت الأمم المتحدة إلى التوصل إلى "اتفاقات" لتفادي "حمام دم" في إدلب، وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان ديمستوريا قد قال في أيار/ مايو إنه في حال تكرار سيناريو الغوطة في إدلب فإن حجم الدمار وأعداد الضحايا قد تكون أكبر بست مرات، مشيراً إلى نصف الناس الذين يعيشون في إدلب، البالغ عددهم 2,3 مليون شخص، نازحون و"ليس لديهم مكان آخر يلجؤون إليه".
صورة من: Reuters/K. Ashawi
تمهيد للهجوم؟
وبعد أن اتهمت روسيا فصائل المعارضة بالتحضير لعمل "استفزازي" يتمثل بهجوم كيميائي في إدلب بهدف تحميل دمشق المسؤولية عنه واستخدامه كمبرر للقوى الغربية لضرب أهداف حكومية في سوريا، أبدت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي قلقاً متزايداً على مصير ملايين المدنيين في إدلب، خصوصاً بعد أن عززت روسيا من وجودها العسكري قبالة السواحل السورية، فهل سيتكرر سيناريو الغوطة في إدلب؟
محيي الدين حسين