أكراد سوريا.. بين تحديات الوضع الجديد في دمشق وتهديدات أنقرة
٢٠ ديسمبر ٢٠٢٤
بعد سنوات من بناء الإدارة الذاتية، يواجه الأكراد في سوريا تحديات جديدة مع تغيّر موازين القوى السياسية والهجمات المدعومة من أنقرة. هذه التحديات تهدد مكتسباتهم وتعيد رسم المشهد السياسي شمال البلاد.
إعلان
خلال أكثر من عقد من النزاع في سوريا، تمكن الأكراد من تأسيس إدارة ذاتية في شمال وشمال شرق البلاد، حيث أحيوا ثقافتهم وتراثهم، واستفادوا من الدعم الأمريكي في حربهم ضد تنظيم "داعش". ومع سقوط نظام الرئيس بشار الأسد وتبدّل القيادة في دمشق، يواجه الأكراد مرحلة جديدة من التحديات.
هجمات تركية ومخاوف مستمرة
في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، استغلت الفصائل الموالية لأنقرة التحولات السياسية في دمشق لشنّ هجوم على مناطق سيطرة الأكراد. ونجحت هذه الفصائل في السيطرة على تل رفعت ومنبج، مما أثار مخاوف من اتساع رقعة العمليات العسكرية.
ورغم توقيع هدنة بوساطة أمريكية، إلا أن قوات سوريا الديمقراطية تتهم تركيا وحلفاءها بخرق الاتفاقيات واستمرار التهديد لمدينة كوباني "عين العرب"، المعروفة برمزيتها في مقاومة تنظيم "الدولة الإسلامية".
في محاولة لتخفيف التوتر، أعلن قائدقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، عن استعدادهم لإنشاء "منطقة منزوعة السلاح" في كوباني، كجزء من مبادرة تهدف إلى تهدئة المخاوف الأمنية التركية.
التحولات السياسية في دمشق
في خطوة لافتة، أبدت الإدارة الذاتية الكردية استعدادها للتعاون مع القيادة الجديدة في دمشق. وأعلنت عن رفع علم الاستقلال السوري على مقراتها، في محاولة لتعزيز الحوار والبحث عن حل سياسي شامل.
وقال مظلوم عبدي إن "التغيير في القيادة فرصة لبناء سوريا جديدة تضمن حقوق جميع السوريين". إلا أن قادة هيئة تحرير الشام، التي تسيطر الآن على الحكم في دمشق، رفضوا أي شكل من أشكال الفدرالية، مؤكدين أن مناطق سيطرة الأكراد ستُدمج ضمن الدولة الجديدة.
الدور التركي ومخاطر التصعيد
من جهتها،تعزز تركيا وجودها العسكري في شمال سوريا، مع وجود قوة تقدر بين 16 و18 ألف عنصر. وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن بلاده ستساعد القيادة الجديدة في دمشق على إعادة بناء هيكل الدولة وصياغة دستور جديد، مع تأكيده على ضرورة القضاء على "المنظمات الإرهابية"، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني.
أردوغان أشار إلى أن استمرار العمليات العسكرية مرهون بإجراءات القيادة السورية الجديدة، داعياً إلى رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على النظام السابقلتسهيل إعادة الإعمار.
مع استمرار الضغوط التركية وغياب رؤية واضحة من القيادة الجديدة في دمشق، يبقى مستقبل الإدارة الذاتية الكردية معلّقاً.
ويواجه الأكراد خياراً صعباً بين التفاوض مع دمشق تحت ضغط أنقرة أو مواصلة الاعتماد على الدعم الأمريكي، رغم عدم وضوح استراتيجية واشنطن طويلة الأمد.
ع.أ.ج/ ع ج م (أ ف ب، رويترز)
المدنيون يتحملون العبء الأكبر للهجوم التركي في سوريا
يحاول من نزح جراء المعارك في شمال شرق سوريا النجاة بالاحتماء في منازل ومدارس مهجورة. ومع رحيل المنظمات الدولية غير الحكومية، يصطف المواطنون لساعات من أجل كسرة خبز. أما القلة القليلة التي تبقت من الأطباء فغارقة في عملها.
صورة من: DW/K. Zurutuza
المحطة الأولى رأس العين
تشير مصادر أممية إلى وجود أكثر من مائتي ألف نازح داخل شمال شرق سوريا منذ بداية الهجوم التركي، الذي بدأ في التاسع من تشرين الأول / أكتوبر 2019. وكان لمدينة رأس العين الحدودية النصيب الأكبر إثر هجوم مشترك لميليشيات مدعومة من تركيا التركية وقصف جوي. وستبقى المدينة تحت السيطرة التركية وفق اتفاق سوتشي الذي توصلت إليه روسيا وتركيا.
صورة من: DW/K. Zurutuza
"فقدنا كل شيء"
وتفيد تقارير بأن أغلب الفارين ينتمون إلى الأكراد. أما ما تبقى في المدينة من مدنيين فهم غالبًا من العرب الذين لا يزالون على تواصل هاتفي بجيرانهم القدامى. وقال هذا الرجل لـ DW (دويتشه فيله): "لقد أخبروني أمس أن الإسلاميين كانوا ينهبون منزلنا؛ لقد فقدنا كل شيء".
صورة من: DW/K. Zurutuza
كل كَسرة خبز تساعد
قوات النظام السوري تتمركز على مسافة كيلومترات قليلة من تل تمر بمحافظة الحسكة. ومن ثم، فقد فرَّت على مدار الأيام القليلة الماضية منظماتٌ دولية غير حكومية كانت تتخذ المنطقة مركزًا لها في السابق. ويعتمد النازحون داخليًّا من رأس العين والقرى المجاورة على عمل المنظمات غير الحكومية التي تكافح لمواكبة الأزمة.
صورة من: DW/K. Zurutuza
قرى خاوية ومخاطر عديدة
وبخلاف تل تمر، تستقبل قرى متاخمة أخرى مئات النازحين، الذين يعتمدون على منظمات محلية غير حكومية. وأوضح حسن بشير، منسق محلي لمنظمة غير حكومية، في تصريحات لـ DW أنهم "يعيشون في قرى خاوية، يوجد كثيرٌ منها بالقرب من مواقع أخرى خاضعة لسيطرة المليشيات المدعومة من الأتراك أو خلايا نائمة لداعش".
صورة من: DW/K. Zurutuza
وجبة واحدة لكل أسرة
لهذا النازح العربي القادم من رأس العين أربع زوجات وسيكابدون جميعا مشقة الحصول على ما يكفي لإطعام جميع أطفالهم، إذ تقول المنظمات غير الحكومية إنها لا تستطيع توزيع أكثر من وجبة غذائية واحدة لكل أسرة. وقال لـ DW بعد أن حصل على وجبة غذائية واحدة: "ليس ذنبهم أنهم مجرد أطفال".
صورة من: DW/K. Zurutuza
المدارس مغلقة.. إلى الأبد؟
منذ بداية الهجوم في شمال شرق سوريا والمدارس مغلقة، ويستقبل كثيرٌ منها الآن نازحين داخليًّا من رأس العين. وسينتقل من يستطيع تحمل التكلفة إلى مدن مثل الحسكة، التي تقع على بعد 80 كيلومترًا نحو الجنوب، أما البقية فسيتعين عليهم التكيف مع الظروف القاسية في مدينة حدودية تواجه المزيد من الهجمات من الشمال.
صورة من: DW/K. Zurutuza
"استمرار الوضع ينذر بكارثة كبرى"
تعيش حاليًا 50 أسرة كردية من رأس العين في هذه المدرسة المهجورة بتل تمر، وسط غيابٍ للمياه والكهرباء. ومع تدهور الأوضاع الصحية، يخشى أطباءٌ محليون والمستشفى في تل تمر من تفشي الكوليرا وغيرها من الأمراض، إذ أخبر أحد الأطباء المحليين DW: "إذا استمر الوضع هكذا، يجب أن نستعد لكارثة إنسانية كبرى".
صورة من: DW/K. Zurutuza
مرضى تقطعت بهم السبل
على الرغم من أن المشفى في تل تمر يعالج الجرحى، فإنه لا يستطيع مساعدة أولئك الذين يعانون من أمراض مثل السرطان. وأخبر نازحان DW أنهما كانا من المفترض أن يتلقيا علاجًا كيميائيًّا في دمشق قبل بدء الهجوم، إلَّا أن الوضع الأمني الحالي يجعل الوصول إلى هناك مستحيلًا.
صورة من: DW/K. Zurutuza
نوع آخر من أماكن اللعب
منذ سيطرة تنظيم "داعش" على تل نصري، بقيت القرية المسيحية الواقعة على أطراف تل تمر خاوية، إذ رحل أغلب سكانها السابقين خلال حصار داعش عندما دمَّرت المليشيات الكنائس بمتفجرات، قبل سقوط "الخلافة" المزعومة. ومع عدم وجود مكان آخر يذهبون إليه، يعيش العديد من النازحين داخليًّا من رأس العين في تل نصري.
صورة من: DW/K. Zurutuza
العيش على الصلاة
هؤلاء الفِتيانٌ من بين عشرات العالقين في تل نصري، إلَّا أن أوضاع المعيشة القاسية هي أبسط مشكلاتهم. فقبل التقاط الصورة مباشرة، أخبر نازحون DW أنهم تعرضوا لهجوم من قرية مجاورة يُقال إنها واقعة في قبضة إسلاميين، وأوضح مقاتلٌ بقوات سوريا الديمقراطية لـDW: "بدأوا بإطلاق النار علينا واشتبكنا [معهم] لأكثر من ساعة".
كارلوس زوروتوزا (تل تمر) / ج.ا