قد تكون تلك أكبر مواجهة بين الولايات المتحدة وروسيا منذ عقود. الحديث هنا يدور عن حادثة وقعت شرق دير الزور السورية وتقول الرواية أن الكثير من الروس قُتلوا فيها. قصة مثيرة هكذا تبدو حيثياتها وردود الأفعال عليها.
إعلان
ما الذي حصل بالتحديد قبل أسبوع في بلدة خشام شرق سوريا؟ هل قُتل مئات المرتزقة الروس خلال عملية للقوات الأمريكية هناك كما تشير الشائعات المنتشرة في روسيا منذ أيام ؟ أم أن هذه التقارير ليست سوى حملة تضليلية كما تقول موسكو؟ الجواب على هذا السؤال يبقى مرهونا فيما إذا كانت العلاقة المتوترة أصلا بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا ستوضع على محك جديد بتبعات غير منظورة. ويبدو البحث عن الحقيقة في غاية الصعوبة، لأنه لا تتوفر معلومات دقيقة.
روسيا تعلم بالتدخل الأمريكي
طبقا لمعلومات الجيش الأمريكي تقول الرواية أنه في ليلة السابع إلى الثامن من فبراير/ شباط الجاري تعرض مقر رئيسي تابع لـ " قوات سوريا الديمقراطية/ قسد" في خشام بمحافظة دير الزور للهجوم من قبل قوى تقاتل إلى جانب الرئيس بشار الأسد. وهذه القوات هي تحالف تشارك فيه أيضا وحدات حماية الشعب الكردي ويتم دعمها من قبل التحالف المناهض لتنظيم "داعش" وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية. وفي المقر الرئيسي كان يوجد عدد من المستشارين العسكريين الأمريكيين.
وعندما أصبح المهاجمون بعتاد ثقيل، بينه دبابات على بعد حوالي 500 متر من المقر الرئيسي، جاء رد الفعل بدافع "الدفاع عن النفس" بضربات المدفعية والطائرات حسب رواية وزارة الدفاع الأمريكية. والنتيجة كانت مقتل أكثر من 100 مهاجم. وقد حصل اتصال "قبل وخلال وبعد التدخل عبر الهاتف مع ممثلين للجيش الروسي أكدوا فيه عدم المشاركة في الهجوم على مواقع "قوات سوريا الديمقراطية".
ضحايا "بلاكووتر" الروسية
ماذا تعرف عن "بلاك ووتر" الروسية؟
02:04
بعد مرور أيام قليلة على الحادثة ظهرت في مواقع التواصل الاجتماعي الروسية تقارير عن خسائر فادحة مفترضة بين مرتزقة روس في سوريا. وقد أكدت مصادر مختلفة حتى الآن وفاة خمسة روس على الأقل. ويتحدث آخرون عن أكثر من 200 قتيل، كما تروج تسجيلات من مكالمات هاتفية مفترضة لروس نجوا من الهجوم الأمريكي. السؤال المطروح، هل تلك التسجيلات حقيقية، لاسيما أن مصدرها غير واضح؟ بالمقابل تبدو اللغة والأوصاف متطابقة ومنسجمة مع بعض تفاصيل مصادر أخرى. وطبقا لهذه التسجيلات كان الهدف من الهجوم على المقر الرئيسي لقوات سوريا الديمقراطية في خشام هو احتلال مصفاة للنفط.
ويبدو أن غالبية الضحايا على الجانب الروسي مقاتلون تابعون لشركة عسكرية خاصة. الحديث يدور هنا عما يسمى "مجموعة فاغنر" التي تستمد اسمها من الاسم الحركي لقائدها. وتفيد وسائل إعلام روسية أن هذه وحدة مرتزقة من عسكريين روس سابقين تتبع النموذج الأمريكي لشركة "بلاكووتر"، وهي تعمل بصفة غير شرعية. ولا يوجد إلى حد الآن في روسيا قانون ينظم عمل الشركات العسكرية الخاصة.
من الأورال عبر أوكرانيا إلى سوريا
خلال السنوات الماضية صدرت تقارير لوسائل إعلام روسية حول مشاركة "مجموعة فاغنر" في الحرب شرق أوكرانيا إلى جانب الانفصاليين الموالين لروسيا. ويبدو أن عددا من المقاتلين الروس من شرق أوكرانيا انتقلوا إلى سوريا مثل ستانيسلاف ماتفييف البالغ من العمر 38 عاما من بلدة اسبيست في الأورال. وحتى الآن لم اكشف وسائل الإعلام سوى عن عدد قليل من أسماء مرتزقة روس قُتلوا في سوريا. أما أرملة ستانيسلاف فقالت في مقابلة مع موقع "زناك" الإخباري أنها علمت بوفاة زوجها في 9 فبراير/ شباط الجاري. كما أفادت بأن أحد القادة القوزاق المحليين اتصل بها بعد أن حصل على الخبر هو الآخر من شخص في شرق أوكرانيا. وقالت الأرملة إنها حاولت منع زوجها من الذهاب إلى سوريا، وهي ترغب الآن أن " تنتقم الحكومة الروسية" لسقوط المرتزقة الروس.
من جهتها تنفي موسكو من الناحية الرسمية المشاركة في حادثة خشام. وذكرت وكالة انترفاكس للأنباء اليوم الأربعاء (15 فبراير/شباط) عن مصدر لم يحدد اسمه في وزارة الخارجية قوله أن التقارير حول مئات القتلى الروس ليست إلا " تضليلا تقليديا". وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "نحن في الكرملين ليس لدينا معلومات مفصلة للوصول إلى استنتاجات". وأضاف: "لا يمكن استبعاد وجود روس فوق التراب السوري. لكنهم ليسوا جزءا من القوات الروسية".
خسائر متكررة للقوات الروسية
ولكن حتى القوات الروسية التي أعلن بوتين في ديسمبر/ كانون الأول الماضي انسحابها الجزئي من سوريا، كانت في الغالب مجبرة مؤخرا على الإعلان عن تكبد خسائر. على هذا النحو تم قبل أيام من حادثة خشام إسقاط مقاتلة سو 25 روسية غرب سوريا قرب إدلب. وقد قُتل قائدها في الحادثة. وفي ليلة رأس السنة تعرضت قاعدة حميميم العسكرية الروسية في الساحل السوري لهجوم أسفر عن مقتل جنديين روسيين على الأقل.
أطراف عسكرية متعددة في سوريا.. من هي وما أهدافها؟
تميزت الحرب في سوريا بديناميكية سريعة جداً وكثرة اللاعبين فيها، إن بشكل مباشر أو من وراء الكواليس. ماذا ربح أو خسر أهم الفاعلين العسكرييين بعد قرابة سبع سنوات من الصراع الدامي الذي دخلت فيه جماعات إرهابية على الخط؟
صورة من: picture-alliance/Anadolu Agency/A. Al-Bushy
جيش الأسد
خسر الجيش السوري الكثير من مواقعه وقُتل أو انشق الآلاف من جنوده. اليوم تتواجد جيوش وميليشيات تابعة لأكثر من ثمان دول على التراب السوري. بيّد أن جيش الأسد استفاد من الدعمين الروسي والإيراني في استعادة مناطق استراتيجية كان قد خسرها سابقاً كحلب وحمص ودير الزور، مما حدا بعدة أطراف كانت تشترط رحيل الأسد قبل الشروع بأي مفاوضات إلى البدء في تغيير مواقفها.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Syrian Presidency
المقاتلون الأكراد
كسب الأكراد الكثير في السنتين المنصرمتين، وبدأ صوتهم بالارتفاع ونفوذهم بالتزايد، إذ سيطروا على مناطق غنية بالنفط في شمال شرق البلاد. كما يشكّلون ركيزة "قوات سوريا الديمقراطية" التي حرّرت الرقة بدعم التحالف الدولي، فضلاً عن إقامتهم "إدارة ذاتية" في مناطق سيطرتهم. بيدَ أن عملية غصن الزيتون التي أطلقها الجيش التركي في عفرين ضد المقاتلين الأكراد، أدت إلى خسارتهم عدة مساحات، فضلاً عن مقتل المئات بينهم.
صورة من: picture-alliance/dpa/AP/Ronahi TV
المعارضة المسلّحة
ظهرت المعارضة المسلّحة السورية في البداية بديلاً محتملاً لنظام الأسد، إذ سيطرت على مساحة شاسعة من سوريا. غير أنها خسرت لاحقا الكثير منها. تعاني المعارضة من التشتت في المواقف الإيديولوجية، فضلاً عن تعدّد الداعمين وتنوّع أهدافهم. مما حدا بالبعض لإطلاق كلمة "معارضات" سورية عليها، كما تعرضت لضربة كبيرة بعد دخول التنظيمات الإرهابية كـ"داعش" و"النصرة" على الخط واستيلائها أراضٍ كانت تحت سيطرتها.
صورة من: picture alliance/AA/A. Huseyin
الجيش الروسي
قبل أكثر من سنتين بدأ التدخل الجوي الروسي في سوريا. اليوم يتواجد آلاف الجنود الروس في أكثر من قاعدة عسكرية في سوريا، أهمها "قاعدة حميميم". سياسياً استطاعت موسكو فرض نفسها كلاعب سياسي أساسي في المشهد السوري لصالح نظام الأسد؛ فهي عرابة "محادثات أستانا" و"مؤتمر سوتشي" و"مناطق خفض التصعيد" مع كل من تركيا وإيران. كما تدعم تياراً في المعارضة يُدعى "منصة موسكو".
صورة من: picture-alliance/AP Photo/P. Golovkin
الجيش الأمريكي
تعوّدت واشنطن على تحقيق سريع لرهاناتها العسكرية في الشرق الأوسط كما حدث في العراق وأفغانستان، لكن لم يتكرر الأمر في سوريا؛ فالتحالف الذي قادته ضد "داعش" تأخر كثيراً في تحقيق أهدافه، كما أن تسليحها للمقاتلين الأكراد كان من أسباب توتر علاقتها بأنقرة. الرؤية الأمريكية لمستقبل دورها في سوريا غير واضحة، بيّد أن واشنطن ربحت على الأقل قواعد عسكرية لها داخل البلد..
صورة من: picture alliance/AP Images/M. Rourke
القوات الإيرانية
لم تتخلّ إيران عن حليفها الأسد في سوريا طوال سنوات الحرب، وأبدت تصميماً كبيراً على بقاء النظام، موفرة دعماً عسكرياً ومالياً وغيرها من أشكال الدعم، كما تتوّفر على ميليشيات مسلحة داخل البلد، يقودها قاسم سليماني ممّا أثر بشكل كبير في تطورات الحرب. ويبدو أن طهران حصدت ثمار جهودها، فنفوذها تعاظم داخل سوريا بشكل أثار حفيظة خصومها في المنطقة، خاصة تل أبيب والسعودية.
صورة من: picture alliance / AA
الجيش التركي
دعّم أردوغان المعارضة السورية كثيراً، لكن تداعيات الحرب أرهقت نظامه، إذ لم تتحقق رهاناته في سقوط بشار الأسد، كما عانت تركيا من هجمات نفذها "داعش" بترابها. غير أن القوات التركية تدخلت مؤخراً بقوة في شمال سوريا في إطار عملية "غصن الزيتون" الهادفة لقصم ظهر المقاتلين الأكراد، واستفاد أردوغان في العملية من قلق دولي لم يكن كافياً لثنيه عن الاستمرار، ضامناً بذلك توسيع مناطق تسيطر عليها أنقرة داخل سوريا.
صورة من: Getty Images
حزب الله
أحد أقوى الأطراف الشيعية في سوريا، قدم دعماً غير محدود للنظام السوري وشارك مبكراً في الحرب الدائرة منذ سنوات. أثر تدخل حزب الله العسكري لصالح الأسد سلباً على صورته في العالمين العربي والإسلامي. في المقابل، ساهم في الحفاظ على تحالفٍ استراتيجي مع طهران ودمشق وبشكل أقل موسكو، ممّا أكسبه نفوذاً جغرافياً في سوريا، خاصة مع سيطرته على المناطق الحدودية بين سوريا ولبنان.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/H. Malla
القوات الفرنسية
دخلت فرنسا في الأزمة السورية بقوة عبر تحرك ديبلوماسي ضد النظام السوري وعسكري ضد "داعش"، لكنها لم تحصد ثماراً كثيرة، فمواقفها ضد الأسد تبدو جد متذبذة، كما أن ضرباتها العسكرية لم تنجح، ليس فقط في إنهاء "داعش"، بل حتى في تجنب هجماته الإرهابية التي تعدّ فرنسا أكثر المتضررين منها خارج الشرق الأوسط، فضلا عن أنها لم تؤثر كثيرا في إنقاذ الوضع الإنساني داخل سوريا رغم ما تعلنه من جهود في ذلك.
صورة من: Reuters/C. Hartmann
جماعات إرهابية تدخل على الخط
وضع التحالف الدولي الجماعاتَ الإرهابية كهدف رئيسي في استراتيجيته العسكرية بسوريا، وتكبد "داعش" هزائم كبيرة في سوريا كما في العراق، ولاسيما في الرقة (عاصمة "خلافته" المزعومة) لكن خطره لم ينتهِ بعد. كما تراجعت جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا) التي فكت ارتباطها مؤخرا بتنظيم القاعدة، لكنها لا تزال في إدلب وقامت مؤخرا بإسقاط مقاتلة روسية، ممّا جعل موسكو أن هدفها حاليا هو القضاء على هذه الجبهة.