يعتبر وزير الخارجية الألمانية، يوهان فاديفول، الترحيل إلى سوريا أمرا مشكوكا فيه حاليا. لكن الحكومة تزيد بشكل أساسي الضغط على الأشخاص المطالبين بمغادرة البلاد وترحيلهم بغض النظر عن بلدهم الأصلي. لكن هل يمكن تحقيق ذلك؟
تسعى الحكومة الألمانية إلى زيادة الضغوط والتشديد لزيادة عملية الترحيلصورة من: Boris Roessler/dpa/picture alliance
إعلان
تحت شعار "حملة الإعادة" يريد الائتلاف الحاكم منذ مايو/ أيار 2025 والمكون من أحزاب الاتحاد المسيحي والاشتراكيين الديمقراطيين زيادة عدد الأشخاص الملزمين بمغادرة البلاد بشكل كبير. لكن في النقاش السياسي والإعلامي غالبا ما يطغى مصطلح آخر على النقاش: الترحيل.
يُظهر الجدل حول الترحيل إلى سوريا التي دمرتها حرب أهلية طويلة مدى صعوبة هذا المشروع ومدى الاختلاف في الآراء حتى داخل الأحزاب المسيحية. فوزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول زار سوريا مؤخرا وأبدى بعد ذلك تحفظا في تصريحاته بالقول "في الوقت الحالي هذا الأمر ممكن بشكل محدود للغاية" كان هذا تقييمه بشأن الترحيل القسري.
وزير الداخلية يعارض وزير الخارجية
ويعتبر فاديفول أن ترحيل المجرمين السوريين ممكن فقط في "حالات استثنائية قليلة جدا". من ناحية أخرى أكد وزير الداخلية ألكسندر دوبرينت أنه يريد التمسك بمبدأ الترحيل. لكنه يواجه صعوبات عملية في ذلك بسبب تعقيد الإطار القانوني. وأشارت إلى ذلك خدمة الإعلام Integration ،التي تتخذ من برلين مقرا لها، في تحليلها الذي قدمته يوم الاثنين حول الترحيل وجاء فيه بأن العملية "تتأثر بقانون الإقامة والإجراءات الوطنية والقانون الدستوري والتوجيهات واللوائح الأوروبية والالتزامات بموجب القانون الدولي"، حسبما جاء في التقرير حولحملة الترحيل، وقد شاركت في إعداد التقرير الباحثة القانونية هانا فرانتس من جامعة هامبورغ.
هل هناك نقص في أماكن الاحتجاز؟
من المقرر إنشاء أماكن إضافية في سجون خاصة أو مناطق منفصلة مخصصة لاحتجاز الذين سيتم ترحيلهم. يوجد حاليا حوالي 800 مكان في جميع أنحاء البلاد. وحسب الباحثة القانونوية فرانتس، فإن عدد المحتجزين في ارتفاع منذ سنوات عديدة وبلغ حوالي 6 آلاف في عام 2024. وهناك فرق كبير بين الجنسين: أكثر من 90 في المائة من المحتجزين هم من الرجال. "فقط في حالات نادرة جدا تكون مرافق الاحتجاز مجهزة لاحتجاز النساء أيضا"، تقول فرانتس مشيرة إلى مشكلة تتعلق بإيواء المعتقلين بانتظار الترحيل.
فرانكا رول، المسؤولة عن مثل هذه الحالات في مجلس حكومة كارلسروه تعرف من هم هؤلاء الأشخاص عادة. وحسب رأيها فإن السلطات تركز بشكل أساسي على الأشخاص الذين ارتكبوا جرائم، ولكن أيضا على أشخاص آخرين: "إذا كان هناك شخص يتصرف بعدوانية في مكتب الأجانب أو يثير الشغب في مكان إقامته. وكذلك الأشخاص الذين أبدوا عنادا وممانعة عند فشل ترحيلهم".
إعلان
كيف يمكن تحديد هوية الأشخاص الذين لا يحملون جواز سفر؟
المشكلة: فقط عشرة من أصل 16 ولاية اتحادية لديها أماكن خاصة بها لاحتجاز الواجب ترحيلهم. لذلك يجب إيواؤهم في أماكن أخرى. مدير مكتب الهجرة في برلين، إنغلهارد مازانكي يضطر إلى البحث باستمرار عن حلول لهذه المشكلة.
يضاف إلى ذلك العقبات الكبيرة التي تعترض عمليات الترحيل التي لا يمكن الطعن فيها قانونيا. غالبا ما يتعلق الأمر بأصل الأشخاص المعنيين غير الواضح. إذا لم يتمكنوا من تقديم جواز سفر أو لم يرغبوا في ذلك يصبح الأمر صعبا، كما يلاحظ مازانكي مرارا خلال أكثر من 30 عاما من الخبرة في مجال الهجرة.
تتم جميع عمليات الترحيل من ألمانيا تقريبا عن طريق الجو، كما هو الحال هنا في يوليو 2025 إلى أفغانستان.صورة من: EHL Media/IMAGO
هل ينحدر الكردي من تركيا أم إيران أم سوريا؟
"لدينا العديد من المناطق التي لا تتمتع فيها الدول القومية بتجانس إثني". ويضرب مثالا على ذلك الأكراد الذين قد يكونون من تركيا ولكنهم قد يكونون أيضا من إيران أو سوريا أو ربما العراق. "هذا يعني أنه في بعض الأحيان لا يكون هناك أي وضوح بشأن البلد الذي ينتمي إليه الشخص". في هذه الحالة من المفيد وجود نقاط ارتباط للهوية المحتملة: يمكن أن تكون هذه الوثائق مثل بطاقة التجنيد أو رخصة القيادة، ولكن أيضا شهادات الشهود في إطار الإجراءات أمام المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين.
في مثل هذه الحالات يتم أحيانا تنظيم عروض في سفارات البلدان الأصلية المفترضة. "لكن في النهاية هناك حاجة دائما إلى بلد أصل يعلن استعداده لاستقبال الشخص المعني"، يشير مازانكي إلى هذه النقطة الحاسمة.
عدد أكبر من الأشخاص الذين لا توجد لديهم آفاق للبقاء يغادرون طواعية
من وجهة نظر رئيس مصلحة الهجرةفي برلين فإن المفتاح يكمن في المقام الأول في المغادرة الطوعية وليس في الترحيل. ويثبت الخبير ذلك بالأرقام: في عام 2019 وهو آخر عام قبل بدء جائحة كورونا غادر حوالي 6000 شخص لا يحق لهم البقاء العاصمة الألمانية. في الوقت نفسه تم ترحيل 1000 شخص فقط.
وبالتالي كانت النسبة بين المغادرة الطوعية لبرلين والإعادة القسرية إلى بلد المنشأ ستة إلى واحد. بحلول نهاية عام 2025 يتوقع مازانكي 15 ألف عائد طوعي و1700 حالة ترحيل. وهذا من شأنه أن يرفع النسبة إلى أحد عشر إلى واحد أي ما يقرب من الضعف.
الترحيل كحل أخير فقط؟
تدرك الحكومة الاتحادية أيضا أين يجب أن تبدأ إذا أرادت أن يغادر المزيد من الأشخاص الذين ليس لديهم فرص واقعية للبقاء في ألمانيا. "نريد أن ندعم العودة الطوعية بشكل أفضل من خلال تعزيز الحوافز وتقديم المشورة بشأن العودة"، كما ورد في اتفاقية التحالف. وتابع: "إذا لم يحدث ذلك طوعا يجب على الدولة فرض واجب المغادرة". وهذا يعني الترحيل.
أعده للعربية: م.أ.م
تحرير: عارف جابو
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش