ألمانيا: القانون يفصل في جوازات معارضي الأسد وترحيل مؤيديه
١٨ ديسمبر ٢٠١٨
برلين تعلن عن تمسكها بإلزامية حصول اللاجئين السوريين على جواز سفر للحصول على تصريح الإقامة ووزير داخلية بافاريا يصرح أنه يمكن "إرجاع مؤيدي" الأسد إلى سوريا. "مهاجر نيوز" تسلط الضوء على القضيتين من الناحية القانونية.
إعلان
حالة الاستقطاب الشديد بين السوريين لم ينجُ منها بطبيعة الحال اللاجئين منهم إلى ألمانيا. مؤيد ومعارض ورمادي هي فقط بعض التصنيفات التي يعرّف السوريون بها أنفسهم أو يعرّفون بعضهم بها البعض. يبقى أحد القواسم المشتركة بينهم هو وضعهم القانوني كلاجئين، وإن اختلفت أحياناً همومهم وتطلعاتهم.
أمس الاثنين (17 ديسمبر/ كانون الأول 2018) قالت وزارة الداخلية الألمانية إنها متمسكة بشرط جواز السفر للاجئ "الحماية الثانوية" (المؤقتة) وقالت بأن "الحديث مع سلطات وطنهم الأم من أجل الحصول على جواز سفر هو مسألة تبقى مطلوبة من حيث المبدأ" في المستقبل أيضاً، وفق ما نقلت "شبكة التحرير الصحفي في ألمانيا (RND)".
"لا مفر" ولكن!
وكانت الكتلة البرلمانية لحزب الخضر بالبرلمان الألماني (بوندستاغ) قد قدمت استفساراً للحكومة مطالبة بعدم إجبار اللاجئين السوريين على الذهاب إلى سفارة بلادهم (سوريا). وتشترط سلطات الأجانب وجود جواز سفر ساري المفعول من أجل تمديد الإقامة.
الخبير القانوني الدكتور، ناصيف نعيم، يعلق على الأمر: "من الناحية القانونية الدولية، الحكومة الموجودة حالياً في سوريا وبكل سلطاتها هي الحكومة المعترف بها من وجهة نظر القانون الدولي، مهما حاول المرء القول عكس ذلك من الناحية السياسية". ويعتقد ناصيف نعيم أن إصرار الدولة الألمانية على إلزام اللاجئين من حاملي الحماية المؤقتة على مراجعة السفارة يعود إلى أمرين: "أولا، إثبات الشخصية، أي الحاجة إلى الوثائق التي تقول من هو هذا الشخص الذي يقف أمام السلطات. والوثائق تصدر من الحكومة السورية ممثلة بقنصليتها في برلين. الأمر الثاني، لا تستطيع الحكومة الألمانية منح وثائق قانونية لحاملي الحماية المؤقتة لأن وضعهم غير مبتوت فيه نهائياً".
المحامي السابق في سوريا والاستشاري القانوني في جمعية Yekmal e. V. في برلين، جلال محمد أمين، يؤكد أنه "لا يوجد ما يلزم الحكومة الألمانية منح وثائق سفر لحاملي الحماية المؤقتة". ولكنه يعود ويستدرك أن هناك خطورة في مراجعة السفارة و"تتمثل في معرفة السلطات لدى مراجعتهم السفارة بتقديمهم اللجوء وتتخذ إجراءات ضد أهلهم. ويضاف إليه التكلفة المادية التي قد تصل لعائلة من خمسة أفراد إلى 2500 يورو، والجوب سنتر لا يعوض المبلغ المدفوع".
ومن جهتها قالت لويزا أمتسبرغ، المتحدثة باسم اللاجئين لدى حزب الخضر في البوندستاغ، لصحف شبكة التحرير الصحفي بألمانيا: "من غير المقبول أن تعرض السلطات الألمانية سلامة الباحث عن الحماية للخطر بدون داع، وأن تقبل زيادة في المدخول المادي لنظام إرهابي".
وبحسب وزارة الخارجية الألمانية، فان السفير السوري ومعه أربعة من أعضاء الهيئة الديبلوماسية السورية طلب منهم المغادرة منذ عام 2012. وتقتصر العلاقات مع السفارة السورية ببرلين في "مسائل قنصلية ضرورية جداً". ومنذ عام 2012 أغلقت السفارة الألمانية في دمشق أبوابها، بينما استمرت السفارة السورية ببرلين وعلى رأسها قائم بأعمال بفتح أبوابها للشؤون القنصلية.
ترحيل "مؤيدي" الأسد؟
على جبهة "المؤيدين"، خرج وزير داخلية ولاية بافاريا يواخيم هيرمان بتصريح في مطلع الشهر الجاري أثار بعض التوجس. الوزير المنتمي للحزب المسيحي الاجتماعي أشار إلى ضرورة "التفريق بين اللاجئين المؤيدين للأسد والمهددين من نظامه"، مضيفاً أنه لا يمكن توقع تعرض مناصري الأسد للتعذيب ومطالباً بترحيلهم. ويرى السيد جلال أمين أن "القانون لا يفرق بين مؤيد ومعارض، بل يتم اتخاذ القرار بناء على حالة كل شخص وفيما إذا كان ملاحقاً من جهة ما أم لا".
أما ناصيف نعيم الرئيس البحثي لـZenith Council، وهو مركز بحثي مقره برلين ويركز على القضايا المتعلقة بالقانون ودولة القانون في الشرق الأوسط والعالم العربي، فيذهب في نفس الاتجاه ويعدد المعيقات في وجه أي عملية ترحيل في الوقت الحالي: "عدم وجود خط طيران مباشر إلى دمشق. والمسألة الثانية عدم وجود اتفاقات دولية بين الحكومة الألمانية والحكومة السورية الحالية تنظم عملية الترحيل. ونحن نذكر كم من الوقت يستغرق النقاش بين ألمانيا وحكومات شمال أفريقيا لعقد مثل تلك الاتفاقات".
"جس" لنبض الشارع
عشية مؤتمر وزراء داخلية الولايات الألمانية ووزير الداخلية الاتحادي في نهاية تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي في مدينة ماغديبورغ، رسم تقرير جديد للخارجية الألمانية صورة لا تزال قاتمة عن الوضع الأمني في سوريا. وفي المؤتمر المذكور أقر الوزراء تمديد قرار وقف الترحيل لسوريا حتى نهاية حزيران/ يونيو القادم.
وحسب التقرير فإن اللاجئين الذين يتم ترحيلهم من ألمانيا لسوريا يتعرضون للقمع والانتقام والعنف، حسبما ذكرت مصادر إعلامية في ألمانيا ناقلة عن التقرير مثل صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" وقناة NDR وقناة WDR بالإضافة لمجموعة صحف RND الألمانية. وجاء في التقرير أنه "ليس هناك جزء من الأراضي السورية يتمتع بحماية شاملة وبعيدة المدى وموثوق بها للأشخاص الملاحقين".
يعتبر هذا التقرير مرجعاً استشارياً للهيئات الداخلية والمحاكم في ألمانيا، كأحد الأسس التي يتم اتخاذ القرارات على أساسها عند البت في قضايا اللجوء. وحيث إن التقرير يصنف على أنه سري فإن الخارجية الألمانية لا تصدر تصريحات بشأنه.
جلال أمين يقول إن تصريحات يواخيم هيرمن تهدف لـ"جس نبض الشارع وكسب أوراق في اللعبة السياسية".
إلى جانب الدور الإنساني، لعبت ألمانيا أدوارا أمنية وسياسية في الأزمة السورية. وعلى مدى سبع سنوات، لم تتخلف برلين عن تسجيل حضورها في ملفات الأزمة داعية دائماً إلى وقف الحرب و"الجرائم ضد الإنسانية" في سوريا.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Kumm
منفذ اللاجئين
منذ بداية الأزمة في سوريا سنة 2011، يبحث السوريون عن منافذ لمغادرة بلدهم نحو بلدان أكثر أمانا. وكانت ألمانيا واحدة من المنافذ التي فتحت الباب أمامهم منذ 2015، كما أتاحت لهم فرصة النفاذ من ويلات الحرب حتى صار عدد السوريين من غير الحاملين للجنسية الألمانية، عام 2017، يقدر بحوالي 699 ألف شخص، في ألمانيا، أي ثالث أكبر جالية أجنبية في البلاد، حسب ما أفاد "مكتب الإحصاء الاتحادي".
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Pförtner
"ماما ميركل" محبوبة اللاجئين السوريين
لعبت قرارات ميركل في ملف اللاجئين دورا رياديا. وكان قرارها الشهير عام 2015، بفتح الحدود الألمانية أمام اللاجئين السوريين خاصة وقد وصلوا أوروبا عبر البحر المتوسط، محط أنظار العالم بأسره، إذ لم تقف عند "اتفاقية دبلن" و"فضاء شينغن" والهدنة مع دول أوروبا الشرقية. وتمسكت بشعارها "نستطيع أن ننجز ذلك"، في إشارة منها إلى تفاؤلها بالتغلب على أزمة اللاجئين. قرارات ميركل جعلتها تُنعت بـ"ماما ميركل".
صورة من: Reuters/F. Bensch
إدماج وإندماج
تعمل ألمانيا بشكل مكثف على إدماج اللاجئين في الحياة العامة. وتخصص ميزانيات مهمة من أجل تعليم اللغة وتوفير دورات للاندماج ، فضلا عن دورات التأهيل للعمل لصالح اللاجئين. علاوة على ذلك، يحظى الأطفال باهتمام خاص، إذ يذهبون، بعد وصولهم بفترة بسيطة إلى ألمانيا، إلى المدارس أو إلى دور الحضانة وذلك بهدف الانفتاح على العالم الجديد والتأقلم معه.
صورة من: picture-alliance/W. Rothermel
إنقاذ وتطبيب ومليارات اليورو للدعم
قدمت ألمانيا مساعدات كثيرة للسورين خلال الحرب. فبالإضافة إلى التطبيب، رصدت عام (2017) للمساعدات الإنسانية في سوريا 720 مليون يورو. فضلا عن 2.2 مليار يورو، قدمتها لسوريا منذ بداية الحرب الأهلية هناك في عام 2012، وكان وزير الخارجية الألمانية زيغمار غابرييل، قد تعهد بعشرة ملايين يورو إضافية للمساعدات المقدمة لسوريا في ظل الوضع المأساوي في الغوطة الشرقية.
صورة من: Ärzte ohne Grenzen
مساعدات إنسانية في الداخل والخارج
لا تنحصر المساعدات الإنسانية الألمانية على المحتاجين اليها في سوريا فحسب، بل تشملهم في ألمانيا أيضا، حيث تتظافر جهود الدولة والمجتمع المدني لمد اللاجئين بالمعونة الضرورية، خاصة في الأيام الأولى من التحاقهم. وتعتبر موائد "تافل" من بين الجهات التي يتوجه إليها اللاجئون بهدف الحصول على الطعام.
صورة من: DW/B. Knight
حضور ألماني أنساني حتى في مخيمات اللجوء عبر العالم
تقديم ألمانيا لمساعداتها الإنسانية لصالح اللاجئين لا يقتصر على سوريا أو ألمانيا، وإنما يتجاوزه وصولاً الى مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان، مثلا. وقد مولت الحكومة الألمانية مشاريع مهمة في المخيمات، كمشروع الكهرباء الذي استفاد منه مخيم الزعتري والذي بلغت طاقته 12.9 ميغاوات. وبالإضافة إلى توفير الكهرباء، فقد أتاحت المحطة بيئة أكثر أماناً للأطفال والبالغين في هذا المخيم.
صورة من: picture-alliance/dpa/B.v. Jutrczenka
إنقاذ من الجوع والعطش
عانى الدمشقيون من ندرة المياه وانقطاعها المتواصل بسبب الحرب واستمرار المعارك، خاصة في منطقة وادي بردى، قرب دمشق. وكانت الحكومة الألمانية أول من بادر لحل هذا المشكل، إذ قالت وزارة الخارجية الألمانية، في يناير/ كانون الثاني 2017، إن دبلوماسيين ألمانا ساعدوا في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة السورية وقوات المعارضة في وادي بردى، بهدف إعادة إمدادات المياه إلى دمشق.
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Badawi
محاربة داعش
شارك الجيش الألماني في الحملة العسكرية الدولية ضد تنظيم داعش في سوريا. وقد شارك في العملية ما يناهز 1200 جندي ألماني. المهمة العسكرية الألمانية في سوريا، شملت عناصر المشاة، إضافة إلى طائرات استطلاع من نوع "تورنادو" وطائرة للتزود بالوقود وسفينة حربية لدعم حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" في البحر المتوسط، فضلا عن عمليات استطلاعية عبرالأقمار الصناعية.
صورة من: Getty Images/Hulton Archive/USAF
اتفاق مع تركيا ساهم في إنقاذ أرواح آلاف من طالبي اللجوء
في بدايات عام 2016، وقع الاتحاد الأوربي وأنقرة اتفاقية للحد من تدفق اللاجئين من السواحل التركية إلى أراضي الاتحاد. هذا الاتفاق الذي تعرض لانتقادات، وتبعه توتر كبير بين الطرفين التركي والأوروبي، كانت ألمانيا من بين مناصريه. فقد اعتبرته اتفاقا ناجحا ما دام قد حقق هدفه، و"ساهم في مكافحة أعمال التهريب المميتة للاجئين عبر بحر إيجة بشكل فعال"، حسب تصريح المتحدث باسم الحكومة الألمانية.
صورة من: Reuters/Yves Herman
محاربة الأسلحة الكيماوية
لعبت ألمانيا دورا بارزا في محاربة الأسلحة الكيماوية في سوريا، وكانت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، قد أعلنت دعمها للضربة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على أهداف منتخبة في سوريا يوم 14 أبريل/ نيسان2018، كما رأتها "ضرورية وملائمة للحفاظ على فعالية الحظر الدولي لاستخدام الأسلحة الكيماوية ولتحذير النظام السوري من ارتكاب انتهاكات أخرى".
صورة من: picture alliance/AP Photo/H. Ammar
ألمانيا وسيط محايد محتمل و"رسول سلام"
تساءل البعض عن سبب عدم مشاركة ألمانيا في الضربة العسكرية على النظام السوري، فيما أعتبر آخرون إمكانية لعب ألمانيا دور الوسيط المحايد للبحث عن حل للنزاع. وتشير معطيات إلى إمكانية تأثير ألمانيا في إيجاد حل للأزمة السورية، خاصة بعد تصريح وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس، الذي أكد أن الصراع السوري بحاجة إلى حل يتم التوصل إليه عبر التفاوض وتشارك فيه كل القوى في المنطقة. مريم مرغيش.