ألمانيا - اللاجئون بين الجدل الأمني ومواقف الترحيب
فابيان فون دير مارك/ م.أ.م٢٣ أغسطس ٢٠١٦
قبل عام ظهرت ألمانيا كبلد مضياف للاجئين، دون أخذ الجوانب الأمنية بعين الإعتبار، وهي التي باتت تهيمن حاليا على الجدل السياسي القائم، خصوصا منذ وقوع هجمات إرهابية في البلاد وتورط لاجئين فيها.
إعلان
ليس هناك أدنى علاقة بين الاعتداءات الإرهابية التي وقعت في تموز/يوليو الماضي بألمانيا وتوافد العديد من اللاجئين في خريف عام 2015. فالمتورطان في تلك الأعمال قدما في وقت سابق إلى ولاية بفاريا. ولكن الشيء الحقيقي هو أنهما حصلا على إيواء في ألمانيا منحهما إمكانية القيام بفعلتيهما بسلاح أبيض وبقنبلة ضد من قدم لهما المساعدة. إن ذلك هو ما أثار الانتباه إلى الجانب السلبي للهجرة. الكثيرون يتساءلون الآن: هل توجد عناصر خطيرة مختفية بين اللاجئين؟ وما الذي قد يحصل مستقبلا؟
في الخريف الماضي جاء رد ممثلي الحكومة على مثل هذه التساؤلات مطمئنا، إذ اعتبروا أنه لا جدوى للإرهابيين في الاندساس في صفوف المهاجرين لدخول ألمانيا، حيث بدت رحلة هؤلاء أولا عبر البحر المتوسط ثم البلقان للقيام بعملية أمرا مستبعدا.
واقع يتجاوز التصورات
واليوم نعرف بأن هذه التقديرات كانت خاطئة. فخلال عرض مضمون تقرير الاستخبارات الداخلية الألمانية في حزيران يونيو الماضي أعلن رئيس الجهاز هانس غيورغ ماسن اعتمادا على أدلة أن 17 إرهابيا عبروا إلى أوروبا عن طريق البلقان. وتفيد شرطة الجنايات الألمانية أن سلطات الأمن تتوفر على أكثر من 400 معلومة تتحدث عن وجود مقاتلين وداعمين أو أنصار لتنظيمات إرهابية في صفوف اللاجئين. وفي بداية آب/أغسطس بدأ التحقيق في 62 حالة.
غيدو شتاينبيرغ من مؤسسة العلوم والسياسة اعتبر في مقابلة مع DW أنه: "قبل خريف 2015 كان القدوم إلى أوروبا أمرا سهلا. وكان بإمكان إرهابيين استخدام جوازات مزورة، لكن تلك الجوازات باهظة الثمن. وفي 2015 كان الإرهابي المحتمل يعبر طريق اليونان فقط. بعدها فتحت حدود عبور إخرى على نطاق واسع، وقد يكون المرور عبرها بدون مراقبة للهويات، مما قد يعبد الطريق لتنظيم داعش وانتهاز الفرصة".
المخربون تعرفوا على ما يسمى بطريق البلقان فاستخدموها. وهذا ما تكشفه حالة بلال الذي رفع النائب العام الألماني ضده شكاية في يونيو/ حزيران الماضي. واعتبر المحققون أن هذا المواطن الجزائري كانت له اتصالات مع عبد الحميد أباعود أحد المخططين المفترضين والمنفذين لاعتداءات باريس في 13 نوفمبر 2015 حيث إنه نصحه باستخدام طريق البلقان لتفادي إجراءات المراقبة
شرطة يوروبول تحذر
المواطنان السوريان صالح وحمزة دخلا إلى ألمانيا صيف 2015 عبر تركيا واليونان. ويبدو أنهما خططا مع سوريين آخرين لتنفيذ اعتداء كبير في المدينة القديمة لدوسلدورف. وقد تم إلقاء القبض على عنصر مفترض في "داعش" داخل غرفته في شرق ألمانيا، الذي كان يستعد للذهاب إلى صندوق الدعم المالي الحكومي. مشاهد تدخل الشرطة الألمانية هذه تكررت في جنوب ألمانيا بمدينتي فورتسبورغ وأنسباخ.
الغالبية الكبرى من اللاجئين عبرت عن غضبها من احتمالية اندساس جلادين بينهم. في هذه الأثناءتحذر شرطة يوروبول من تأثر لاجئين بأفكار راديكالية يروج لها إرهابيون. وتتحدث الشرطة الأوروبية عن وجود "خطر حقيقي ومحدق" قد يدفع بلاجئين سوريين للإستقطاب والقيام ب"أعمال تجنيد متطرفة".
الاستخبارات الألمانية أيضا ترى في ذلك وجود مخاطر، حيث يحذر رئيسها بما يسمى ب"مساجد البهو الخلفي". وتعاين أجهزة الاستخبارات أن جماعات متطرفة تقيم تواصلا مع لاجئين وكسبهم لإيديولوجيتهم من خلال تقديم المساعدة لهم في حياتهم اليومية. وحتى توماس موكه من شبكة الوقاية من العنف يدعو إلى حماية اللاجئين الصغار وتقديم الدعم لتحقيق اندماجهم، ويضيف: "يجب علينا الاعتناء بهؤلاء الشباب. وإذا لم نقم بذلك فإن المتطرفين مستعدون للإستحواذ عليهم.
اللاجئون يمكن أن يحموا ألمانيا
وفي الوقت الذي تتحدث فيه جهات عديدة عن المخاطر الأمنية، أثار خبراء جدلا بشأن فرصة تحقيق مزيد من الأمن في إطار سياسة اللجوء الألمانية. فالبريطاني روبيرت فيركيك اعتبر أن إيواء ألمانيا لمئات آلاف اللاجئين العرب سيحمي على المدى البعيد ألمانيا من حدوث اعتداءات إرهابية. وكتب في صحيفة "اندبيندت" : حكومة أنغيلا ميركل والسكان الألمان برهنوا من خلال تضامنهم مع اللاجئين أن ألمانيا ليست في حرب مع الإسلام. إذ أنه يمكن للمسلمين في البلاد المشاركة في عمل الأجهزة الأمنية كدليل على رفضهم للمتطرفين. نفس الموقف عبر عنه خبراء آخرون اعتبروا أن السوريين الفارين قد يصبحوا مصادر قيمة لأجهزة الاستخبارات.
وزير الداخلية الألماني أبرز من جهته إمكانيات التعاون مع اللاجئين ضمن إجراءاته الأخيرة. ويعول الوزير في الحرب ضد التطرف والإرهاب على إقامة مركز اتصال يقصده اللاجئون للإبلاغ عن إرهابيين مشتبه بهم.
صدمة وحزن وخوف وإرهاب... أسبوع دام في ألمانيا
شهدت ألمانيا خلال أسبوع واحد فقط عمليات قتل وترهيب وهجمات إرهابية، ثلاثة منها نفذها لاجئون قدموا إليها حديثا، واثنان منهما تبناهما تنظيم "داعش". جولة مصورة توثق أسبوعا من الإرهاب والحزن والخوف في عدة مدن ألمانية.
صورة من: Getty Images/J. Simon
لا يزال الحزن يخيم على مدينة ميونيخ الألمانية، حيث تضع امرأة وردة في المكان الذي شهد يوم الجمعة الماضي عملية قتل عشوائية مروعة، راح ضحيتها تسعة أشخاص، أغلبهم في مقتبل العمر. العملية التي نفذها شاب ألماني-إيراني، قيل إنه يعاني من اضطرابات نفسية، راح ضحيتها فتيان وشباب، غالبيتهم من أصول مهاجرة (ثلاثة أتراك وثلاثة ألبان كوسوفو ويوناني). ذنبهم الوحيد أنهم كانوا في المكان والوقت غير المناسبين!
صورة من: GGetty Images/AFP/C. Stache
بحر من الورود أمام مركز أولمبيا التجاري في ميونيخ، حيث مسرح عملية القتل الجماعي العشوائي، حداداً على أرواح الضحايا وسط تساؤلات عمّا دفع الجاني، الذي لم يتجاوز عمره 18 عاما، إلى هذه الجريمة؟ التحريات تشير إلى حد الآن أن الشاب، الذي ولد في ألمانيا لأبوين قدما من إيران في التسعينات كطالبي لجوء، قد خطط لعمليته طويلاً و"جيداً".
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير اضطر في غضون ثلاثة أيام إلى قطع عطلته كان يقضيها مع زوجته في الولايات المتحدة الأمريكية. المرة الأولى كانت مطلع الأسبوع عقب عملية إرهابية نفذها لاجئ في 17 من عمره في قطار في مدينة فورتسبورغ، والمرة الثانية عقب عملية القتل الجماعي العشوائي في ميونيخ. الوزير قرر بعدها التخلي نهائيا عن إجازته والبقاء في ألمانيا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
في غضون ذلك، لا تزال صور دماء تغطي أرضية عربة في القطار الذي شهد عملية إرهابية في مدينة فورتسبورغ الألمانية عالقة في أذهان الكثيرين في ألمانيا. العملية، التي نفذها فتى لاجئ في 17 من عمره، أسفرت عن إصابة أسرة قدمت من هونغ كونغ سائحة في ألمانيا بجروح بليغة وامرأة ألمانية ذنبها الوحيد أنها كانت في طريق الإرهابي عند محاولته الفرار من القطار. العملية تبناها فيما بعد تنظيم "داعش".
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Hildenbrand
وفيما تزداد المخاوف من ألمانيا من عمليات دامية كتلك التي شهدتها باريس ونيس وبروكسل واسطنبول وأنقرة وغيرها، تبقى التساؤلات قائمة عما دفع بفتى قدم فاراً من أفغانستان (أو باكستان) ليجد ملجأ وأسرة تحتضنه في ألمانيا إلى القتل؟ الكثيرون صدموا لكم الكراهية التي يكنها هذا الشباب خاصة بعدما نشر "داعش" فيديو يظهر فيه الفتى وهو يهدد ويتوعد فيه الألمان بالقتل والانتقام.
صورة من: picture-alliance/dpa/Amak
وما لبث الناس يتنفسون الصعداء بعد عملية ميونيخ التي بثت الذعر في القلوب خوفا من عمليات إرهابية منسقة كتلك التي شهدتها باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وأسفرت عن مصرع 130 شخصا وجرح المئات، هاهي ألمانيا تشهد بعد يوم فقط جريمة أخرى اهتزت لها مدينة رويتلينغن، حيث قام لاجئ سوري في مقتل العمر بقتل مقتل امرأة وجرح خمسة آخرين بسكين كبير.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
حالة من الذعر تسود رويتلينغن، المدينة الصغيرة الهادئة في جنوب ألمانيا، بعد الجريمة البشعة. وفيما تتواصل التحقيقات مع الجاني لمعرفة دوافعه، تؤكد السلطات الألمانية على عدم الاشتباه بالإرهاب والعنف بشكل عام في طالبي اللجوء، لافتة إلى أن أغلب العمليات الإرهابية التي شهدتها أوروبا في الآونة الأخيرة لم تكن من فعل لاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/C. Schmidt
لكن تحذيرات السلطات الألمانية من عدم وضع اللاجئين في قفص الاتهام قد لا تجد آذانا صاغية، على الأقل لدى البعض، بعد هجوم أنسباخ الانتحاري الذي شُن مساء يوم الأحد، أي في نفس اليوم الذي شهدت فيه روتلينغن عملية القتل بسكين، والذي نفذه لاجئ سوري آخر (27 عاما). العملية الإرهابية التي أسفرت عن مقتل المنفذ وجرح 15 شخصا، أربعة منهم في حالة خطيرة، كان هدفها الانتقام من ألمانيا وتبنتها داعش.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
وفيما تشير التحريات الأولى إلى ضلوع "داعش" في العملية التي نفذها اللاجئ السوري الذي فجر نفسه ليل الأحد الاثنين في بلدة أنسباخ الألمانية، يبقى من المؤكد أنه أراد قتل أكبر عدد ممكن من الناس، إذ أنه تحول إلى مهرجان للموسيقى جاءه زوار من كل حدب وصوب. ولولا أن رجال الأمن منعوه من الدخول، ويقوم بتفجير نفسه عندها، لكانت الحصيلة أثقل بكثير.
صورة من: DW/N.Niebergall
يواخيم هيرمان، وزير داخلية ولاية بافاريا الألمانية - التي شهدت ثلاث عمليات قتل وترهيب من إجمالي أربع عمليات خلال أسبوع واحد - يقول إن الهجمات الأخيرة أثارت تساؤلات بشأن قانون اللجوء الألماني والأمن في مختلف أرجاء البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
وإن لم يصدر أي تعليق بعد عن المستشارة الألمانية أو وزير داخليتها بشأن عزمهما تشديد قانون اللجوء الذي قدم بموجبه العام الماضي أكثر من مليون لاجئ، أغلبيتهم من السوريين، إلا أن المخاوف الأمنية تبقى قائمة، حيث كثفت الشرطة من تواجدها في كل المرافق العامة الحساسة. ولكن الأكيد أن ما حدث في ألمانيا خلال أسبوع، لن يمّحي من ذاكرة العديد من الناس.. أملا في ألاّ يستغلها اليمنيون المتطرفون لصالحهم!