ألمانيا تبحث عن شهود لـ"جرائم حرب روسية" محتملة في أوكرانيا
١٢ سبتمبر ٢٠٢٢
بنرة يعتصرها الآسى، تتذكر تيتيانا الأيام الأولى للغزو الروسي لبلادها أوكرانيا والذي بدأ في الرابع والعشرين في فبراير / شباط الماضي، مستدعية ذاكرتها قائلة: "قمنا بتحصين النوافذ بالطوب بعد أن سمعنا القصف في مكان قريب".
وبعد مرور ستة أشهر على الحرب، أصبحت تيتيانا ذات الـ 65 عاما لاجئة في العاصمة الألمانية برلين فيما تروي أيضا وهي تبكي وقائع احتلال القوات الروسية لمدينة بوتشا قرب العاصمة الأوكرانية.
وفي ذلك، قالت "ذات يوم ربما كان العاشر من مارس / آذار، شاهدت من خلال فتحة ضيقة في النافذة قافلة من السيارات تسير في الشارع وتحمل راية بيضاء ولافتة كتب عليها (أطفال)".
وأضافت أنها في اليوم التالي على هذه الواقعة، خرجت إلى الخارج لأول مرة منذ أسابيع رغم خطورة ذلك، لكن كان يحدوها الأمل في أن تتمكن من مغادرة المدينة.
بيد أن ما رأته السيدة كان واقعه صادما عليها، قائلا "جرى إطلاق النار على القافلة التي رأيتها في اليوم السابق وتحولت إلى قطع متناثرة".
وتتذكر أيضا رؤية سيارات منقلبة ومحركات وإطارات محترقة وحتى وسائد وملابس أطفال مليئة بالثقوب وحقائب الظهر وحقائب السفر منتشرة في كل مكان، مضيفة "كانت السيارات ملطخة بالدماء".
وقالت إن جنديا روسيا كان يتمركز عند حاجز على الطريق اقترب منها، لكنها بادرته بالسؤال عما حدث للقافلة، مضيفة أن الجندي أجابها بأنهم أطلقوا النار على القافلة "لأنهم لم يعرفوا من على متن السيارات".
المئات من شهود العيان
وقبل تمكنها من الهروب من بوتشا في التاسع عشر من مارس / آذار، كانت تيتيانا شاهدة على العديد من الجرائم التي ارتكبها الجنود الروس الذين احتلوا المدينة والتي هزت العالم بعد استعادة القوات الأوكرانية بوتشا في مطلع أبريل / نيسان الماضي.
وفي ذلك، حثت جوليا غينوس، المحامية والباحثة في قسم القانون الجنائي والإجراءات الجنائية بجامعة بوتسدام الألمانية، السيدة الأوكرانية على ضرورة تقديم شهادتها للمسؤولين الألمان.
وفي مقابلة مع DW، أضافت أن "التحقيقات المتعلقة بجرائم الحرب في أوكرانيا تعد بمثابة إجراءات تحقيق هيكلية ما يعني جمع أكبر قدر من المعلومات في البداية لمعرفة كافة التفاصيل والوقوف على ما حدث".
الجدير بالذكر أن البرلمان الألماني قد وافق في يونيو / حزيران على تقديم تمويل للتحقيق في مزاعم جرائم حرب ارتكبها الجيش الروسي في أوكرانيا بإشراف مكتب المدعي العام الذي قال إنه "سيجمع كل الأدلة على وقوع جرائم الحرب".
وأضاف المكتب أن هيئات إنفاذ القانون تلقت بالفعل مئات البيانات من لاجئين أوكرانيين بشأن ارتكاب جرائم حرب.
الخطوة التالية؟
وعلى وقع استضافة ألمانيا أكثر من مليون لاجئ أوكراني، فإنه من الصعب القول بأن النجاح سيحالف مئات الإفادات إذ أنه في واقعة تيتيانا، لم تدل السيدة بعد بشهادتها أمام السلطات الألمانية. وفي ذلك، قالت "لا أعرف إلى من سأتوجه؟ وكيف سأدلي بشهادتي؟ ولا أعرف أيضا اللغة التي سأقدم بها شهادتي؟"
في المقابل، يسعى الجانب الألماني إلى تقديم تسهيلات حيث وزع المكتب الفيدرالي للشرطة الجنائية على اللاجئين منشورات أو كتيبات توضح إمكانية الإدلاء بشهاداتهم في أي مركز شرطة في ألمانيا وملء استبيانات باللغة الأوكرانية.
وبناء على نتائج ذلك، سوف تقرر السلطات ما إذا كان ستتحدث إلى الشاهد أم لا من خلال مترجم فوري.
الجدير بالذكر أن ألمانيا قد أدرجت مبادئ القانون الدولي الإنساني إلى تشريعاتها قبل عشرين عاما ما يعني أن أي محكمة ألمانيا قد تنظر في أي جريمة حرب بغض النظر عن مكان ارتكابها.
وتشمل جرائم الحرب هجمات الجنود على السكان المدنيين والبنية التحتية المدنية مثل المناطق السكنية والمستشفيات ومحطات القطارات والمدارس وأيضا جرائم القتل والتعذيب بحق المدنيين والأسرى وتنفيذ إعدامات خارج نطاق القضاء وارتكاب جرائم اغتصاب فضلا عن استخدام أسلحة محظورة بموجب الاتفاقيات الدولية مثل القنابل العنقودية والأسلحة الكيماوية.
ورغم ذلك، لا ينص القانون الألماني على إجراء محاكمات غيابية ما يعني حتمية وجود المتهم على الأراضي الألمانية وهو سيناريو غير محتمل فيما يتعلق بمزاعم ارتكاب فظائع في بوتشا.
وإزاء ذلك، يطرح خبراء تساؤلات عن جدوى التحقيقات التي يجريها الجانب الألماني.
وفي هذا السياق، تؤكد غينوس على أن السلطات الألمانية لا ترغب في أن تكون ألمانيا ملاذا آمنا لمجرمي القانون الدولي، مضيفة أنه في حالة إلقاء أي دولة أوروبية القبض على مشتبه به في ارتكاب جرائم ضد القانون الدولي يمكن للسلطات الألمانية تقديم شهادات الشهود التي بحوزتها للمساعدة في الإدانة.
قتل جماعي وأعمال نهب
وبالعودة إلى ما عاصرته السيدة الأوكرانية تيتيانا في بوتشا، قالت إن جنودا روس ومسلحين أقدموا على تهديد وسرقة سكان المدينة.
وأضافت "بمجرد توغل دبابة في وسط المدينة، نزل الجنود وبدأوا في إطلاق النار في اتجاهات مختلفة فيما جمع جنود آخرون المسروقات، لقد أطلقوا النار على النوافذ المحيطة ربما للتأكد من عدم قيام أي شخص بالتصوير".
بيد أن ما أدمى قلبها لم تكن مشاهد السرقة والنهب بل كان ما رأته في شارع يابلونسكا في منطقة على الأطراف الجنوبية للمدينة كانت مسقط رأسها حيث قضت طفولتها.
وقالت إنها رأت عائلات بأكملها قد قٌتلت بالرصاص في حدائقهم الخاصة، مضيفة "لم تكن جثث ملقاة في الشوارع فحسب، بل كانت هناك أيضا كلاب ميتة، لقد أطلقوا النار على الكلاب".
يشار إلى أن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي اتهم القوات الروسية بارتكاب إبادة جماعية لقتلها مدنيين بمدينة بوتشا الأوكرانية حيث قال "هذه بالفعل إبادة جماعية. نحن مواطنون أوكرانيون ولا نريد أن نخضع لسياسة الاتحاد الروسي. وهذا هو السبب في تدميرنا ومحونا."
أويغن تايزه