1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

ألمانيا تحت قيادة ميرتس .. طموحات أوروبية وتحديات عالمية

٨ مايو ٢٠٢٥

بدأ فريدريش ميرتس مهامه كمستشار لألمانيا بعد انتخابه في الجولة الثانية بالبوندستاغ، في ظل توقعات الحلفاء الأوروبيين بأن تستعيد ألمانيا دورها القيادي. بيد أن ميرتس يواجه تحديات داخلية وخارجية معقدة. فهل ينجح في ترك بصمته؟

ماكرون يساقبل ميرتس صورة من الارشيف  صورة بتاريخ 7 مايو 2025
زيارة باريس: إيمانويل ماكرون (يمين) يستقبل المستشار الألماني فريدريش ميرتس صورة من: Sean Gallup/Getty Images

يتطلع الحلفاء في الخارج، منذ التحول الجذري في السياسة الخارجية الأمريكية بقيادة الرئيس دونالد ترامب، إلى عودة ألمانيا، أقوى اقتصاد في الاتحاد الأوروبي وأكبر دوله سكانيًا، لتكون قوة فاعلة بالكامل. لكن في برلين، واجه فريدريش ميرتس، زعيم الاتحادالديمقراطي المسيحي (CDU)، انتكاسة مبكرة، حيث لم يُنتخب مستشارًا في البوندستاغ إلا في الجولة الثانية، مما يعني أنه يبدأ مهامه في موقف ضعيف. 

لكن هينينغ هوف، من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية، يرى في حديث لـ"DW" أن هذا الإخفاق "لا يلعب دورًا كبيرًا في السياسة الخارجية". وأضاف: "الأولوية الآن هي أن يجد ميرتس النبرة المناسبة على الساحة الدولية، وأن يُظهر أن ألمانيا تسعى للعب دورا أكثر نشاطًا وتأثيرًا."

ومع ذلك، يحذر هوف من أن "الخطر يكمن في أن الحكومة قد لا تكون مستقرة تمامًا، مما سيجبر المستشار على التركيز أكثر على القضايا الداخلية، وبالتالي سيكون لديه وقت أقل لما يبدو هدفه الأساسي، وهو ترك بصمة في السياسة الخارجية والأوروبية."

ويُبرز هوف أهمية العلاقات الألمانية-الفرنسية، مشيرًا إلى أن "العديد من القضايا الجزئية تأخرت في عهد شولتس وماكرون بسبب غياب التناغم الشخصي. ومع ميرتس، قد تتحسن الأمور." كما يُحذر من سياسة الهجرة، قائلاً: "في بولندا، قد تتسبب الضوابط الحدودية المفرطة التي قد تفرضها الحكومة الجديدة في تعقيد العلاقات، وربما تؤثر على الانتخابات الرئاسية البولندية المقبلة." 

إعادة إحياء العلاقات الأوروبية: فرنسا وبولندا

يسعى ميرتس لإنعاش "مثلث فايمار" (ألمانيا، فرنسا، بولندا)، الذي تراجع دوره في السنوات الأخيرة. وبهذا الخصوص يقول شتيفان زايديندورف من المعهد الألماني-الفرنسي: "العلاقة الألمانية-الفرنسية تتجاوز التوافق الشخصي، لكن تحسن العلاقة على أعلى المستويات مع ميرتس قد يُحيي قضايا متعثرة." في بولندا، يُسهل وصول دونالد توسك الموالي لأوروبا العلاقات، لكن خطط ألمانيا لتشديد الضوابط الحدودية قد تُعقد الأمور.  

ويسعى ميرتس لتغيير هذا الواقع، ويخطط لزيارة باريس ووارسو كأولى وجهاته الخارجية. يقول هينينغ هوف: "في العلاقات الألمانية-الفرنسية، هناك العديد من القضايا الجزئية التي تأخرت في عهد شولتس وماكرون بسبب غياب التناغم الشخصي على أعلى المستويات. مع ميرتس، قد تتحسن هذه العلاقة."

وحذر شتيفان زايديندورف، نائب مدير المعهد الألماني-الفرنسي، من التركيز المفرط على العلاقة الشخصية بين القائدين في ألمانيا وفرنسا. وقال في حديث لـ"دويتشه فيله": "ما يميز العلاقة الألمانية-الفرنسية هو أنها تتجاوز بكثير مجرد توافق شخصي بين قائدين أو عدمه. على مر السنين، حاولنا الابتعاد عن الاعتماد على العلاقات الشخصية العَرَضية وتوسيع نطاق التعاون، خاصة على مستوى المجتمع المدني." 

ومع ذلك، لا تزال الاختلافات السياسية بين ألمانيا وفرنسا كبيرة. فبرلين، على سبيل المثال، تركز بشكل أكبر من باريس على التجارة الحرة وتتبنى توجهات مختلفة في سياسة الطاقة. كما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يواجه تحديات داخلية تضعف موقفه السياسي. 

أما بولندا، فبعد سنوات من حكم حزب "القانون والعدالة" القومي اليميني، عادت إلى قيادة موالية لأوروبا بقيادة رئيس الوزراء السابق للمجلس الأوروبي دونالد توسك، مما يُسهل العلاقات مع ألمانيا. لكن المشكلة المحتملة تكمن في خطط ألمانيا لفرض ضوابط حدودية للحد من الهجرة غير النظامية. يقول هينينغ هوف، من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية: "الخطر الكبير يكمن في أن الحكومة الفيدرالية الجديدة قد تتجاوز الحد وتفرض ضوابط مفرطة." ويُضيف أن هذا قد يؤثر على نتيجة الانتخابات الرئاسية البولندية المقبلة، حيث يواجه مرشح توسك صعوبات بالفعل.

يتوقع الحلفاء في خارج ألمانيا أن يسعى ميرتس لتغييرات جوهرية بما يخص سياسة سلفه شولتسصورة من: Fabrizio Bensch/REUTERS

التعاون الدفاعي بين الأوروبيين

وبما أنَّميرتس لديه شكوك فيما إن كانت الولايات المتحدة الأمريكية ما تزال تشعر في عهد ترامب بأنَّها ملزمة بالوفاء بواجباتها في حلف الناتو، فقد قال عشية الانتخابات إنَّ "الأولوية المطلقة" لديه أن "يُحقّق الأوروبيون استقلالهم الحقيقي عن الولايات المتحدة الأمريكية" في أسرع وقت ممكن. وفي هذه الأثناء لم يكتفِ ميرتس فقط بموافقة البرلمان الاتحادي على خطته وفعل "كل ما يلزم" لتسليح الجيش الألماني؛ بل يسعى أيضاً إلى سياسة تعاون وثيق بين الأوروبيين في السياسة الدفاعية.

ولذلك يريد ميرتس فتح باب التفاوض مع القوتين النوويتين الأوروبيتين فرنسا وبريطانيا حول إمكانية وكيفية استفادة ألمانيا وأوروبا من حمايتهما النووية. وهذا لن يكون سهلاً؛ إذ على الأرجح لن تكون لندن وباريس على استعداد لتقاسم ترسانتيهما النوويتين من دون قيد أو شرط. وحتى في داخل الاتحاد الأوروبي توجد تحفظات على زيادة التعاون العسكري. كما أنَّ رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان لديه علاقات جيدة مع فلاديمير بوتين ويرفض دعم أوكرانيا.

كما تقترب رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني سياسيًا من ترامب. بشكل عام، فقد الاتحاد الأوروبي زخمه السابق، مع صعود الشعبويين اليمينيين في معظم أنحاء القارة، مما يجعل التكامل الأوروبي لم يعد أمرًا بديهيًا. 

أزمة الرسوم الجمركية الأمريكية

لا أحد يشكل تحديًا أكبر للسياسة الخارجية الألمانية حاليًا من دونالد ترامب. فإلى جانب الشكوك حول ضمانات الأمن الأمريكية، تُعد الرسوم الجمركية الأمريكية المشكلة الأكثر إلحاحًا بالنسبة لبرلين. ألمانيا، كدولة تعتمد بشدة على التصدير، تتضرر بشكل خاص من هذه الرسوم، خاصة مع استمرار الاقتصاد الألماني في الركود منذ أكثر من عامين. 

لتجنب التصعيد، وبالرغم من الانزعاج من سياسات ترامب، تلتزم الحكومة الفيدرالية بسياسة تهدئة. ينصاتفاق الائتلاف الحكومي على: "نسعى مع الولايات المتحدة إلى إبرام اتفاقية تجارة حرة على المدى المتوسط، بينما نهدف على المدى القصير إلى تجنب نزاع تجاري وتقليل الرسوم الجمركية على جانبي الأطلسي." ومع ذلك، تؤكد الحكومة الفيدرالية والاتحاد الأوروبي أنهما لن يقبلا بكل الإجراءات، مما يبقي خيار الرد بالإجراءات المضادة قائمًا.

شعر ميرتس بالفزع من طريقة تعامل ترامب مع أزمات أوروبا الخارجية صورة من: Saul Loeb/AFP/Getty Images

علاقة متوترة مع ترامب

يُعتبر فريدريش ميرتس من أنصار العلاقات عبر الأطلسي بقوة، فقد ترأس لمدة عشر سنوات "جسر الأطلسي"، وهي منظمة غير حزبية تهدف إلى تعزيز العلاقات الألمانية-الأمريكية. لكن مع بداية الولاية الثانية لدونالد ترامب، اهتز إيمان ميرتس بالشراكة الألمانية-الأمريكية الوثيقة. وقال: "أنا مصدوم من دونالد ترامب"، بعد أن ألقى الأخير باللوم على أوكرانيا في الحرب. 

تفاقم التوتر عبر الأطلسي بعد أن أعرب أعضاء في إدارة ترامب عن دعمهم لحزب "البديل من أجل ألمانيا"، الذي صنّفه جهاز حماية الدستور الألماني الآن كـ"يميني متطرف مؤكد". من المقرر إجراء مكالمة هاتفية بين ميرتس وترامب يوم الخميس. وقال ميرتس في تصريح لشبكة ZDF: "سنتحدث بصراحة"، لكنه رفض أي تدخل في الشؤون الداخلية الألمانية. حتى الآن، لم يتم التخطيط لزيارة المستشار الجديد إلى واشنطن.

هل سترسل ألمانيا صواريخ تاوروس قريبًا؟

جعلت جهود دونالد ترامب للتوصل إلى سلام في أوكرانيا الأوروبيين مجرد متفرجين. تجري الآن مفاوضات مباشرة بين الجانبين الأمريكي والروسي. إذا أُبرم اتفاق سلام يتحول إلى "سلام مفروض" على أوكرانيا، فقد يقتصر دور الألمان وباقي الأوروبيين في الاتحاد الأوروبي على ضمان استدامة هذا السلام. 

تؤكد الحكومة الائتلافية التزامها بدعم أوكرانيا، لكن لا يزال من غير الواضح كيف ستستمر المساعدات العسكرية. غندما كان فريدريش ميرتس،  زعيمًا للمعارضة، كان قد دعم إرسال صواريخ "تاوروس" الألمانية بعيدة المدى إلى أوكرانيا. لكن المستشار الاشتراكي أولاف شولتس رفض ذلك دائمًا، خشية تورط ألمانيا في الحرب مع روسيا. لم يُحسم القرار بعد. 

تقليل المخاطر الأمنية مع الصين

كحل للنزاع التجاري مع ترامب، يقترح بعض السياسيين في برلين وبروكسل التركيز مجددًا على التجارة مع الصين. لكن هذا القطاع لم يعد مزدهرًا كما في السابق، عندما كانت الصادرات الألمانية تحقق نجاحات كبيرة هناك. السيارات الألمانية، التي كانت رائدة في السوق الصينية، أصبحت الآن متراكمة في المخازن، بينما تقدم الصين سيارات كهربائية منخفضة التكلفة وتنجح في تسويقها داخل الاتحاد الأوروبي. 

ردًا على ذلك، يسعى الاتحاد الأوروبي لحماية سوقه من السيارات الكهربائية الصينية. ومع كون ألمانيا دولة تصديرية، فإن لها مصلحة في ألا تكون القيود التجارية مع الصين مفرطة. في الوقت نفسه، ينص اتفاق الائتلاف الحكومي على: "نسعى لمنع الاستثمارات الأجنبية التي تتعارض مع مصالحنا الوطنية في البنية التحتية الحيوية والقطاعات الاستراتيجية بشكل فعال." ويُرجح أن هذا يستهدف الصين بشكل رئيسي. 

هل نتنياهو مرحب به في ألمانيا؟

تواجه الحكومة الفيدرالية موقفًا بالغ التعقيد. نظرًا للتاريخ النازي وجرائم الإبادة ضد ملايين اليهود، يعد أمن إسرائيل أولوية لكل حكومة ألمانية. ومع ذلك، كثيرًا ما انتقد سياسيون ألمان العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد حماس في قطاع غزة، واصفين إياها بأنها "غير متناسبة". 

تزداد الحيرة مع إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة. تدعم ألمانيا المحكمة الجنائية الدولية، مما يعني أنها ملزمة نظريًا بتوقيف نتنياهو إذا زار البلاد. لكن فريدريش ميرتس أكد أن هذا لن يحدث تحت قيادته كمستشار.

السياسة الداخلية لميرتس

يُلخص هينينغ هوف من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية أن البداية المتعثرة للحكومة الفيدرالية الجديدة لن تؤثر كثيرًا على السياسة الخارجية. ومع ذلك، يحذر قائلاً: "الخطر يكمن في أن الحكومة قد لا تكون مستقرة تمامًا، مما سيجبر المستشار على التركيز أكثر على القضايا الداخلية. هذا سيقلل من الوقت المتاح لما يبدو أنه هدفه الأساسي، وهو ترك بصمة في السياسة الخارجية والأوروبية." 

في المقابل، يرى شتيفان زايديندورف من المعهد الألماني-الفرنسي أن السياسة الأوروبية قد تحظى بدفعة جديدة مع ميرتس. ويقول في حديث لـ"دويتشه فيله": "كان ميرتس دائمًا من أنصار العلاقات عبر الأطلسي. إذا كان هناك من يستطيع في الاتحاد الديمقراطي المسيحي إقناع أنصار هذا التوجه بدعم موقف أكثر أوروبية، فهو بالتأكيد ميرتس."

أعده للعربية: علاء جمعة

 

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW

المزيد من الموضوعات من DW