ترحيل اللاجئين الأفغان يدفعهم للهرب إلى بلدان أوروبية أخرى
٢١ ديسمبر ٢٠١٩
رحلت ألمانيا مجموعة جديدة من طالبي اللجوء الأفغان، المرفوضة طلباتهم إلى وطنهم، حيث وصل 44 رجلاً إلى كابول الأسبوع الماضي. وهذه المجموعة هي رقم ثلاثين التي تم ترحيلها خلال السنوات الثلاث الماضية.
إعلان
الطائرة الألمانية المتجهة إلى كابول، حملت على متنها 44 رجلا من طالبي اللجوء المرفوضين، وبهذا يرتفع مجمل المرحلين الأفغان إلى 800 خلال السنوات الثلاث الماضية.
وقالت وزارة الداخلية الألمانية إن جميع المرحلين من الرجال كانوا من البالغين، ومن بينهم 27 شخصًا ارتكبوا جرائم، بعضها خطيرا، وكانوا يعيشون في مواقع مختلفة في جميع أنحاء ألمانيا.
ولم تقّل الطائرة التي أقلعت من ميونخ جميع المرحلين المدرجة أسمائهم، إذ تمكن بعضهم من الهرب والاختفاء، في حين أخرت إجراءات قانونية ترحيل بعضهم الآخر. كما أوضح شتيفان دونفالد، من مجلس اللاجئين البافاري ، لموقع مهاجر نيوز. وأكد "أن البحث ما زال مستمرا عن اثنين على الأقل من هؤلاء الهاربين".
وتعيد ألمانيا الأشخاص قسراً إلى أفغانستان منذ نهاية عام 2016. في حين أن بعض الدول الأوروبية الأخرى تقوم بترحيل أولئك الذين أدينوا بارتكاب جرائم خطيرة فقط. إلا أنه لا توجد مثل هذه القيود في ولاية بافاريا، حيث يواجه جميع الرجال الأفغان تقريبا الترحيل بمجرد رفض طلب اللجوء.
العودة إلى كابول
حتى قبل بضعة أشهر، كان يتم إيواء العائدين الأفغان الذين يصلون إلى كابول في فندق تديره منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، بيد أن هذا لم يعد هو الحال الآن، حيث يحصل المرحلون على حوالي 130 يورو ويتم ترك الخيار لهم لاختيار مكان إقامتهم. ويوضح دونفالد أن الأمر متروك لأفراد الأسرة والمتطوعين والمجموعات غير الربحية للتأكد من عدم نوم اللاجئين المرفوضين في الشوارع.
وقبل أيام، كانت منظمة تقديم المشورة والدعم للمهاجرين الأفغان (AMASO) تستعد لوصول المرحلين إليها. حيث كانت المنظمة على اتصال مع بعض الذين تم ترحيلهم، وزودتهم بالمأوى المؤقت والمشورة المباشرة والدعم النفسي، كما أعلنت المنظمة على صفحتها على موقع فيسبوك.
استمرار العنف
لا تزال عمليات الترحيل هذه تثير الجدل داخل ألمانيا، وذلك بسبب الوضع الأمني في أفغانستان والصراع المتفاقم بين الحكومة وحركة طالبان وأيضا تنظيم "داعش". يقول المنتقدون إن البلاد ما تزال خطرة جدا، لإعادة اللاجئين المرفوضين إليها. وتحتل أفغانستان مرتبة متقدمة جدا بين الدول الأكثر عنفا في العالم في مؤشر السلام العالمي لعام 2019. ووفقا للأمم المتحدة، قتل أكثر من 1350 مدنيا في النصف الأول من هذا العام. وبالتزامن مع وصول الطائرة التي تقل المرحلين إلى أفغانستان، قتل ستة عمال إغاثة في كمين في شرق أفغانستان.
يواصل الناشطون في ألمانيا معارضة عمليات الترحيل. وكانت هناك احتجاجات في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك في ولاية ساكسونيا، حيث كان يقيم هناك بعض المرحلين الأفغان. ويقول فلو ليند، ناشط من لايبزيغ: "نحن نعارض بشدة هذه الممارسة اللاإنسانية". ويتابع: "الحكومة الألمانية والمسؤولون يقومون بترحيل الناس، بالرغم من معرفتهم أن أفغانستان ليست مكانا آمنا".
من جهتها دعت منظمة برو أزويل، وزراء داخلية ألمانيا إلى وقف عمليات الترحيل إلى أفغانستان، مؤكدة أن الذين تم ترحيلهم من أوروبا إلى أفغانستان يواجهون العديد من المخاطر".
مخاطر العودة
إذ يواجه الذين عادوا إلى أفغانستان خطر العنف الموجه إليهم أو إلى عائلاتهم، وذلك حسب دراسة أجرتها الخبيرة الألمانية فريدريكة شاتلمان. حيث أكد حوالي 10 بالمئة من الذين تم ترحيلهم بين نهاية عام 2016 وأبريل/ نيسان من هذا العام 2019، والبالغ عددهم 55 شخصا، أنهم تعرضوا للعنف المستهدف بعد عودتهم إلى أفغانستان.
في بعض الحالات، تعرض هؤلاء للهجوم من قبل طالبان لمجرد أنهم كانوا في أوروبا. في حين واجه آخرون الرفض من قبل عائلاتهم، الذين ألقوا باللوم عليهم في الترحيل لأنهم خالفوا القانون في ألمانيا وعرضوا بذلك عائلاتهم في أفغانستان للخطر جراء ترحيلهم.
شخص واحد فقط أجاب على الاستطلاع الألماني بأنه يريد البقاء في أفغانستان. وبحلول شهر أكتوبر/ تشرين الأول، كان نصف المستطلعة أراؤهم، قد فروا من أفغانستان بالفعل، على أمل العودة إلى ألمانيا.
تركيا تبدأ بترحيل اللاجئين السوريين
03:28
العودة إلى أوروبا
ويقول شتيفان دونفالد: "في بعض الحالات، لا يملك الناس ما يكفي من المال للمغادرة مرة أخرى على الفور، والعديد من أولئك الذين يريدون العودة إلى أوروبا، يغادرون أولا إلى إيران أو تركيا في غضون أسابيع قليلة من عودتهم إلى أفغانستان."
وكان أحد المرحلين قد توجه بالسؤال من أثينا إلى مجلس اللاجئين البافاري للسؤال عما إذا كانت العودة إلى ألمانيا أو النمسا فكرة جيدة؟" لكن سياسات اللجوء في النمسا وألمانيا مقيدة ومتشددة نسبياً، مما يجعل فرنسا وجهة أفضل، وفقًا لدونفالد الذي يوضح. "في يوليو/ تموز، قابلت شخصين في باريس تم ترحيلهما إلى أفغانستان - أحدهما من بافاريا والآخر من النمسا، وعادا مرة أخرى إلى أوروبا، بيد أنهما قررا الذهاب هذه المرة إلى فرنسا".
وبحسب دونفالد فإن ارتفاع معدل عمليات الترحيل إلى أفغانستان من ألمانيا، وخاصة من ولاية بافاريا، أجبر أعدادا كبيرة من الأفغان على الاختفاء أو الفرار إلى مناطق أكثر ترحيبا في أوروبا، ولا سيما فرنسا. ويوضح: "مقابل كل أفغاني يتم ترحيله من بافاريا إلى أفغانستان، هناك أربعة أو خمسة أو أكثر يغادرون بافاريا ويهربون إلى مكان آخر".
وبهذه الطريقة، تساهم الحكومة الألمانية أيضا في مشكلة "الهجرة الثانوية"، والتي اشتكت منها هي نفسها كثيرا، وفقًا لدونفالد، ويقول "في الواقع، يجب أن تدفع بافاريا بالفعل تكاليف الإقامة لطالبي اللجوء في فرنسا".
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش