ألمانيا: تشجيع الرجال للعمل في رياض الأطفال
١٢ أكتوبر ٢٠١٣ إنه منظر غير مألوف: رجل ضخم كالطود يقف وسط مجموعة من الأطفال في إحدى رياض الأطفال في ألمانيا. أطفال من الجنسين يتجمعون حول كارستن روتير، العملاق الذي يقترب طوله من المترين، استعدادا لدرس الرياضة البدنية. الأطفال يعشقون الرياضة لكن وجود رجل في قاعة التريض يثير اهتمامهم بالمقدار نفسه. ويقول كارستن الذي انتهى من دراسة العمل الاجتماعي: "لاحظت أن اهتمام بعض الأطفال يتركز علي، وأنهم يستمتعون بالحركة وممارسة الرياضة بشكل أقوى معي مقارنة بالمربيات."
كارستن روتير لا يزال في مرحلة التأقلم مع مكان عمله الجديد. فقد بدأ العمل في إحدى رياض الأطفال في الحي الجنوبي من مدينة كولونيا الألمانية. ولم يعتد العملاق الذي يبلغ الأربعين من عمره على صغر الكراسي والطاولات ومستوى حوض المغسلة المنخفض، لكنه يستمتع بالعمل مع الأطفال.
لم يتقدم كارستن إلا لوظيفة واحدة بعد انتهائه من الدراسة الجامعية، هي هذه الوظيفة التي قُبل فيها مباشرة. قبوله في هذه الوظيفة يدل على ارتفاع الطلب على المربين في ألمانيا. فقد بقيت نسبة الرجال بين العاملين في رياض الأطفال في ألمانيا ضئيلة ولم تتعد الثلاثة في المائة. الأمر الذي دفع بالمسؤولين إلى التحرك من أجل رفع النسبة إلى النسبة المطلوبة من الاتحاد الأوروبي البالغة 20 في المائة.
13 مليون يورو للمزيد من الرجال
وبهذا الصدد أطلقت وزارة شؤون الأسرة في ألمانيا مبادرة "من أجل المزيد من الرجال في الحضانات ورياض الأطفال"، وقد خصصت الحكومة الألمانية مع الصندوق الاجتماعي الأوروبي مبلغا قدره 13 مليون يورو لتحقيق هذا الهدف. وجرى صرف جزء من الميزانية على حملة دعائية لصالح مهنة المربي، فامتلأت مدينة هامبورغ مثلاً بملصقات تسعى إلى كسب المزيد من الشباب، مادحةً قدرات الرجل المتعددة. ويدعو هذا الإعلان إلى دخول مجال التربية بالكلمات التالية: "كن موسيقياً وساحراً وكاتبا وحارس مرمى وخبًازا – حقق كل هذه الأحلام، كن مربياً".
يقول بابلو أندريا الذي يعمل في إحدى المشاريع الستة عشر التي يجري دعمها من المبادرة "علينا أن نغير سمعة الوظيفة نفسها". ويركز أندريا مساعيه على مرحلة اختيار الوظيفة المستقبلية، فيروج لفكرة العمل كمُربِ.
ويشدد هولغر برانديس على ضرورة تغيير الصورة السائدة عن المهنة، ويقول أستاذ علم النفس المتخصص في مرحلة النمو والتطور المبكرة لدى جامعة دريسدن البروتستانتية: " تكمن المشكلة الرئيسية في الصورة النمطية، حيث يرى الكثيرون أن مهنة المربي غير صالحة للرجل ولا يُعترف بها كوظيفة جدية."
تخوف الكثير من تهمة التحرش بالأطفال
يتسبب انحدار دخل المربيين وانتشار الأفكار المسبقة عن الرجال الذين يريدون العمل مع الأطفال الصغار في عدم إقبال الرجال على المهنة. وقد مر بيورن بروينيغ من مدينة كريفيلد بهذه التجربة. فكثيراً ما واجه بيورن البالغ من العمل ثلاثا وثلاثين عاماً وهو أب لثلاث أطفال وطالب في كلية التربية أفكاراً مسبقة عن المربين الذكور بأن هدفهم من دخول المهنة هو التحرش بالأطفال. ورغم عدم سماعه أي تهم مباشرة فإن بيورن يستشعر هذه الأفكار المسبقة بشكل واضح: "تغضبني هذه الأحكام المسبقة، لكنني لا أدع غضبي يحكمني، فأحاول أن أكون مثالاً جيداً للمربي."
يدعي بعض المعارضين للحملة عدم أهمية الرجال في تربية الأطفال، وفي المقابل يقول البعض الآخر أن ارتفاع نسبة النساء بين المربين يقلل من فرص تطور الذكور بالمقارنة بالبنات في الحضانات ورياض الأطفال والمدارس الابتدائية. ويصعب حسم القضية بشكل علمي، حيث لا يزال عدد الدراسات المعنية بتداعيات تدني نسبة الرجال بين المربيين في مرحلة التربية المبكرة ضئيل.
الرجال يساهمون في التعدد التربوي
ويسعى هولغر برانديس إلى سد هذه الفجوة العلمية، حيث يقوم أستاذ علم النفس بتكليف من وزارة شؤون الأسرة بدراسة تأثير جنس المربي على الطفل، ويقول برانديس لـ DW: "يساهم الرجال في زيادة التعدد بين المربين، الأمر الذي يعود بالفائدة على الأطفال." وينفي برانديس تعلق الأمر بتوزيع الأدوار المسبق، كما يشدد على أهمية تواجد الرجال في هذا المجال.
إن مرح أطفال هذه الحضانة وهم يلعبون مع المربي كارستن روتير دليل كاف لا يحتاج إلى إثباتات علمية. ويقول كارستن: "إن طريقة تعاملي مع الأطفال مختلفة ولذ فإنهم يقبلون علي، ويريدون التقرب إلي أكثر من المربيات". ويضيف ضاحكاً: "ربما بسبب ضخامة جسمي".