ألمانيا تكثّف جهودها لإعادة "لاجئي دبلن" رغم العقبات
محي الدين حسين
٧ سبتمبر ٢٠١٨
حتى قبل الاتفاقين مع إسبانيا واليونان، والاتفاق "الوشيك" مع إيطاليا، زادت ألمانيا من جهودها لإعادة "لاجئي دبلن" إلى أول دولة أوروبية مسجلين فيها. ويعمل أكثر من 300 موظف في المكتب الاتحادي للهجرة على "حالات دبلن".
إعلان
مع اقتراب ألمانيا من التوصل إلى اتفاق مع إيطاليا لإعادة طالبي اللجوء المسجلين فيها إليها، بعد اتفاقها مع كل من إسبانيا واليونان حول هذا الموضوع، تزداد في ألمانيا حالات إرجاع طالبي اللجوء الذين يخضعون لـ"إجراءات دبلن" إلى أوّل دولة أوروبية مسجلين فيها، غالبيتهم إلى إيطاليا.
ففي الربع الثاني من العام الحالي، كان عدد الأشخاص الذين تم إرجاعهم من ألمانيا إلى دول أوروبية أخرى أكثر من اللاجئين الذين تم استقبالهم، بفارق 450 شخصاً، حسبما كشفت صحف مجموعة "فونكه" الإعلامية نقلاً عن طلب إحاطة من حزب اليسار.
ووفقاً للتقرير الذي نشرته صحف "فونكه"، فإن غالبية الأشخاص الذين تمّ إرجاعهم من ألمانيا إلى دول أوروبية أخرى كانوا من نيجيريا بنسبة (14.2%). وقد تمّت إعادة غالبية طالبي اللجوء أولئك إلى إيطاليا.
ورغم أن إيطاليا احتلت الصدارة في قائمة الدول الأوروبية التي تمّت إعادة طالبي اللجوء إليها، إلا أن التقرير كشف أن ربع حالات الإعادة من ألمانيا إلى إيطاليا تمّ توقيفها.
أكثر من 300 موظف لإجراءات دبلن
وفي العام الماضي كان طالبو اللجوء المشمولون بـ"إجراءات دبلن" يشكّلون حوالي ثلث العدد الكلي لطالبي اللجوء، وقد تمّ التعرف على ثلثي أولئك اللاجئين من خلال مقارنة بصماتهم بالبصمات الموجودة في النظام الأوروبي لتخزين بصمات طالبي اللجوء (يوروداك).
وبحسب التقرير فإن "إجراءات دبلن" لطالبي اللجوء المسجلين في دولة أوروبية أخرى استغرقت وسطياً شهراً ونصف في النصف الأول من العام الجاري، بشكل أسرع من العام الماضي.
ويعمل 313 موظفاً في المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين في ألمانيا على البت بـ"إجراءات دبلن"، حسبما أفاد التقرير.
عقبات لإعادة "لاجئي دبلن"
كما أشار التقرير إلى توقيف حوالي ثلثي الحالات التي يجب فيها ترحيل طالبي اللجوء إلى بلغاريا وفقاً لقواعد دبلن. ويعود سبب إيقاف الإعادة إلى بلغاريا بشكل نسبي إلى أنها لا تلتزم بالقواعد الأوروبية في التعامل مع اللاجئين. ولأسباب مماثلة فقد تم إيقاف إعادة اللاجئين إلى المجر منذ أيار/مايو 2017.
ويتم تعليق إعادة طالبي اللجوء من ألمانيا إلى أول دولة أوروبية مسجلين فيها لعدة أسباب، منها أسباب قانونية تتعلق بتقديم طعون قضائية أو عدم توافر الوثائق الكافية لإعادتهم، أو أسباب صحية. وفي كل الأحوال يجب أن تكون الإعادة "متوافقة مع القانون".
وفي حال عدم توافق القرار مع القانون أو لأسباب صحية، فإن الدائرة الاتحادية للجوء يمكن أن تمنح تصريح إقامة مؤقت. ويعيش في ألمانيا حالياً نحو 200 ألف شخص منحوا تصاريح إقامة أو ما يسمى بـ"منع الترحيل المؤقت".
ورحلت ألمانيا العام الماضي 23.966 شخصاً، أي أقل من عام 2016. وأُعيد معظمهم إلى ألبانيا وكوسوفو وصربيا. وأرسل نحو 2300 إلى إيطاليا.
اتفاق "وشيك" مع إيطاليا
وتحرز المفاوضات بين ألمانيا وإيطالياً تقدّماً حول مسألة إعادة طالبي اللجوء، كما قال وزير الداخلية الإيطالي ماتيو سالفيني، لكن رئيس حزب رابطة الشمال اليميني الشعبوي أكّد على أنّ بلاده تحرص خلال الاتفاقية المزمعة مع ألمانيا على ألا تأوي مهاجرين أكثر مما لديها بالفعل.
وكان وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر قد قال في وقت سابق إن إيطاليا لن تقبل طالبي لجوء أكثر من اللاجئين الذين تقبلهم ألمانيا من الموانئ الإيطالية. وأشار زيهوفر، رئيس الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، إلى أن سالفيني يتوقع من ألمانيا مقابل ذلك أن تشارك برلين في إنقاذ اللاجئين في عرض البحر بالقدر الذي يليق بألمانيا الاتحادية.
اتفاق "مبدئيّ" مع اليونان
وقد توصّلت ألمانيا في منتصف الشهر الماضي إلى "اتفاق من حيث المبدأ" مع اليونان بخصوص إعادة اللاجئين، حسبما كشفت متحدثة باسم وزارة الداخلية، إلا أن الأمر "متوقف فقط على مراسلات" على حدّ تعبيرها.
ويتيح هذا الاتفاق لألمانيا إعادة اللاجئين الموجودين على الحدود النمساوية الألمانية إلى اليونان، لتصبح اليونان ثاني دولة أوروبية توصلت ألمانيا معها إلى اتفاق خاص بإعادة اللاجئين إليها بعد إسبانيا.
ومن ضمن هذا الاتفاق هو تعهّد ألمانيا لليونان باستقبال 2000 لاجئ حتى نهاية العام في إطار برنامج لم شمل عوائل اللاجئين.
اتفاق مع إسبانيا
وكانت ألمانيا قد توصلت إلى اتفاق مع إسبانيا، دخل حيز التنفيذ في الشهر الماضي حول إرجاع طالبي اللجوء المسجلين فيها إليها. وينصّ الاتفاق على أنه يمكن لألمانيا إرسال بعض اللاجئين الذين يصلون إليها إلى إسبانيا مباشرة. والمشمولون بهذا الاتفاق هم طالبو اللجوء الذين كانوا قد تقدموا بطلبات لجوء في إسبانيا ووصلوا ألمانيا عبر الحدود النمساوية، عبر المعابر الحدودية الثلاثة التي يتم فيها حاليا إجراءات فحص المسافرين. وتنص الاتفاقية على أنه يمكن إعادتهم في غضون 48 ساعة إلى إسبانيا.
ألا تكفي قواعد دبلن؟
ورغم أن اتفاقية دبلن تنظم مسألة إعادة طالبي اللجوء المسجلين أولاً في دولة أوروبية معينة إليها، إلا أن الكثير من دول الاتحاد الأوروبي ترى صعوبات في تطبيق قواعد دبلن، لأن نقل الأشخاص من بلد ما إلى آخر يعد مسألة معقدة ومكلفة. بالإضافة إلى ذلك، فإن العديد من طالبي اللجوء لا يتمّ تسجيلهم عند دخولهم الأراضي الأوروبية. وحتى المستشارة ميركل كانت قد وصفت قواعد دبلن في زيارتها الأخيرة إلى إسبانيا بأنها "غير فعالة".
وذكرت المستشارة أنه من الناحية النظرية "لا يُسمح بأن يصل أي مهاجر أو لاجئ إلى ألمانيا". لكن وبسبب أن القواعد القانونية لا تتطابق مع الواقع، فيجب أن يكون هناك "نظام توزيع عادل"، بحسب ميركل.
ويتم التحقق من القادمين إلى ألمانيا عبر قاعدة بيانات "يوروداك" لبصمات الأصابع في أوروبا، التي تضم بصمات أصابع كل لاجئ يسجل عند وصوله إلى أوروبا.
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش