ألغى البرلمان الألماني برنامجاً لمنح الجنسية بشكل سريع في خطوة يراها كثيرون بأنها تعكس التغير المفاجئ للموقف إزاء الهجرة داخل أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي رغم أزمة نقص العمالة.
كان يتعين على المتقدمين للاستفادة من "التجنيس السريع" إثبات إنجازات مثل اتقان اللغة الألمانية، أو الخدمة التطوعية أو النجاح المهني أو العلميصورة من: Oliver Berg/dpa/picture alliance
إعلان
أقر البرلمان الألماني إلغاء ما يعرف بـ "التجنيس السريع" الذي كانت الحكومة الائتلافية السابقة برئاسة المستشار أولاف شولتس أقرته للأجانب المندمجين بشكل جيد في المجتمع الألماني.
وتعهد المحافظون بزعامة المستشار فريدريش ميرتس خلال الحملة الانتخابية بإلغاء التشريع الذي يتيح "لمن اندمجوا بشكل استثنائي" الحصول على الجنسية الألمانية خلال ثلاثة أعوام بدلاً من خمسة.
ومن بين 300 ألف تقدموا بطلبات الحصول على الجنسية في عام 2024، وهو رقم قياسي، لم يتم قبول سوى بضع مئات عبر مسار التجنيس السريع الذي كان يهدف بالأساس إلى أن يكون حافزاً للعمالة الماهرة لاختيار الاستقرار في ألمانياالتي تعاني من نقص حاد في العمالة.
ويتعين على المرشحين إثبات إنجازات مثل اتقان اللغة الألمانية، أو الخدمة التطوعية أو النجاح المهني أو العلمي.
يهدف مسار التجنيس السريع بالأساس إلى تحفيز العمالة الماهرة لاختيار الاستقرار في ألمانيا التي تعاني من نقص حاد في العمالة.صورة من: Jochen Eckel/picture alliance
"التجنيس نهاية الاندماج"
وجاء إقرار الإلغاء بفضل أصوات الائتلاف الحاكم الجديد المكون من الاتحاد المسيحي برئاسة ميرتس والحزب الاشتراكي الديمقراطي، وبفضل دعم حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي.
ويتكون الاتحاد المسيحي من حزب ميرتس المسيحي الديمقراطي وشقيقه الأصغر الحزب المسيحي الاجتماعي البافاري. يذكر أن حزب البديل يمتلك ثاني أقوى كتلة داخل البرلمان (البوندستاغ).
من جانبه، أوضح وزير الداخلية الألماني أن التجنيس هو نهاية عملية الاندماج، لا بدايتها، مؤكداً أن " جواز السفر الألماني يجب أن يمنح كتقدير لنجاح الاندماج، لا كحافز للهجرة غير الشرعية".
عشر سنوات بعد موجة اللاجئين في ألمانيا
26:03
This browser does not support the video element.
" إشارة خاطئة"
وقالت سونيا آيشفيده، نائبة رئيس الكتلة البرلمانية للحزب الاشتراكي إن عدد الحالات المنخفض يظهر أن التجنيس السريع لم يكن العنصر الأساسي في قانون الجنسية، مشيرة إلى أن الإبقاء على إمكانية ازدواج الجنسية هو الأمر الأكثر أهمية.
بدوره اتهم فرات كوكاك من حزب اليسار حزبي الاتحاد المسيحي بأنهما "من خلال سياستهما في الهجرة، يرسخان في المجتمع كراهية الأجانب التي يروج لها حزب البديل".
ورأي سياسيون من المعارضة وباحثون في مجال الهجرة إن هذا التغيير سيُعطي انطباعاً للمهاجرين ذوي الكفاءات العالية بأن ألمانيا لا ترحب بهم، في وقت تعاني فيه البلاد من تراجع ديموغرافي.
وقالت فيليتس بولات، المديرة البرلمانية لكتلة الخضر، أمام نواب البرلمان إن "ألمانيا في منافسة للحصول على أفضل العقول في العالم، وإذا اختار هؤلاء الأشخاص ألمانيا، فعلينا أن نبذل كل ما في وسعنا للاحتفاظ بهم،" بحسب تقرير لصحيفة "الغارديان".
بدوره، قال رئيس حزب الخضر، فيليكس باناشاك، لموقع Web.de الإخباري إن هذا التراجع "يُرسل إشارة خاطئة في وقت نحن فيه بحاجة إلى كل طاقاتنا، سواء كان الشخص يعيش هنا منذ ثلاث سنوات أو منذ ثلاثة أجيال."
تحرير: عماد حسن
ألمانيا واللاجئون.. كيف تغير الحال منذ الترحيب الكبير في 2015؟
أغلبية الألمان كانت في عام 2015 مع استقبال اللاجئين ومنحهم الحماية. ولكن الأمور لم تستمر كذلك، حيث تراجعت نسبة التأييد للاجئين بشكل متسارع اعتباراً من مطلع عام 2016. نستعرض ذلك في هذه الصور.
صورة من: Odd Andersen/AFP/Getty Images
ميركل وعبارتها الشهيرة
"نحن قادرون على إنجاز ذلك". عبارة قالتها المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في هذا المؤتمر الصحفي للحكومة، الذي عقد بتاريخ 31 أغسطس/آب 2015. لم تكن تعرف حينها أن الجملة ستدخل التاريخ الألماني الحديث، وتسبب استقطاباً في البلاد، ويتحول الرأي العام الألماني من مرحب بنسبة كبيرة باللاجئين، إلى تناقص هذه النسبة بمرور السنوات.
صورة من: Imago/photothek/T. Imo
تأييد كبير لاستقبال اللاجئين
حتى مع ارتفاع أعداد طالبي اللجوء إلى ألمانيا من حوالي 41 ألف طلب لجوء في عام 2010 إلى 173 ألف طلب لجوء في 2014، كانت الأغلبية الساحقة من الألمان، في مطلع عام 2015، مع استقبال اللاجئين وتقديم الحماية لهم.
صورة من: Martin Meissner/AP Photo/picture alliance
أول محطة ترحيب
صيف وخريف 2015 شهد ذروة موجة اللجوء الكبيرة. فبعد أخذ ورد على المستوى السياسي الألماني، ومع الدول الأوروبية المجاورة، سمحت ألمانيا ودول أوروبية أخرى بدخول طالبي اللجوء إليها. مئات الآلاف دخلوا البلاد خلال أسابيع قليل. وظهرت صور التعاطف معهم من جانب السكان الألمان. وكان ذلك واضحاً للعيان في محطات القطارات وفي مآوي اللاجئين.
صورة من: Sven Hoppe/dpa/picture alliance
التأييد حتى على مدرجات الملاعب
وحتى على مدرجات ملاعب كرة القدم، في مباريات الدوري الألماني (بوندسليغا)، شاهد العالم عبارات الترحيب باللاجئين، كما هنا حيث رفعت جماهير بوروسيا دورتموند هذه اللافتة العملاقة بتاريخ 25 أكتوبر/تشرين أول 2015.
وبالمجمل وصل إلى ألمانيا خلال عام 2015 وحده حوالي 890 ألف طالب لجوء.
صورة من: picture-alliance/G. Chai von der Laage
الرافضون لاستبقال اللاجئين أقلية في 2015
بنفس الوقت كان هناك رافضون لسياسة الهجرة والانفتاح على إيواء اللاجئين، وخاصة من أنصار حركة "بيغيدا" (أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب)، الذين كانوا يخرجون في مسيرات، خصوصاً في شرق البلاد، للتعبير عن رفضهم لاستقبال اللاجئين. كما كانت تخرج مظاهرات مضادة لحركة "بيغيدا" وداعمة لاستقبال اللاجئين.
صورة من: Reuters/F. Bensch
ليلة الانعطاف الكبير
وبقي الرأي العام منفتحاً على استقبال اللاجئين حتى ليلة حاسمة، مثلت علامة فارقة في قضية الهجرة واللجوء في ألمانيا. فبينما كان العالم يودع عام 2015 ويستقبل 2016، والاحتفالات السنوية تقام أيضا في المدن الألمانية، وردت أنباء متتالية عن عمليات تحرش بالكثير من الفتيات في موقع احتفال برأس السنة في مدينة كولن (كولونيا). أكثر من 600 فتاة تعرضن للتحرش والمضايقات.
صورة من: DW/D. Regev
تعليق لم الشمل لحملة الحماية المؤقتة
من تلك اللحظة بدأ المزاج العام في التغير وأخذ حجم التأييد لاستقبال اللاجئين يتراجع في الرأي العام الألماني. وبدأ التشديد في قوانين الهجرة واللجوء، كتعليق لم الشمل لمدة عامين للاجئي الحماية الثانوية (المؤقتة)، بموجب القانون الذي صدر في ربيع عام 2016، والذي صدر في عهد وزير الداخلية آنذاك توماس دي ميزير.
صورة من: Getty Images/AFP/J. McDougall
الهجوم على سوق عيد الميلاد في برلين 2016
وقبل أن يودع الألمان عام 2016 بأيام قليلة، أتت كارثة جديدة صدمت الرأي العام: هجوم بشاحنة على سوق لعيد الميلاد في العاصمة برلين، نفذه اللاجئ التونسي سميح عمري. 13 إنسان فقدوا حياتهم في الهجوم، وأصيب 63 آخرون. حصيلة مؤلمة ستترك ندوباً في المجتمع.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
حزب البديل يدخل البرلمان للمرة الأولى
استفاد من هذه الأحداث حزب البديل لأجل ألمانيا اليميني المناهض لسياسة الهجرة واللجوء الحالية والرافض لاستقبال اللاجئين كلياً. ليدخل الحزب البرلمان الألماني لأول مرة في تاريخه، محققاً المركز الثالث في الانتخابات البرلمانية الاتحادية التي أقيمت في سبتمبر/أيلول 2017، بنسبة 12.6 بالمئة.
صورة من: Reuters/W. Rattay
استمرار الاستقطاب
شهدت السنوات اللاحقة استمرار الاستقطاب في المجتمع، خصوصاً مع بعض الهجمات التي نفذها لاجئون، بدوافع إرهابية. أمر قلص الدعم الشعبي للهجرة. إلى أن تراجعت الشعبية، وبات قرابة ثلثي الألمان في استطلاعات الرأي يريدون استقبال أعداداً أقل من اللاجئين أو وقف استقبالهم كلياً.