ألمانيا "على إستعداد" للمساهمة في إعادة إعمار سوريا بشرط!
١٤ سبتمبر ٢٠١٨
يعوّل وزير الخارجية الألماني على لقاء مقرر الجمعة مع نظيره الروسي في برلين لإقناعه بأن أي هجوم عسكري كبير على إدلب السورية يحتمل أن يسفر عن كارثة إنسانية. برلين أبدت إستعدادها للمساهمة في إعادة إعمار سوريا لكن بشرط.
إعلان
أعلن وزير خارجية ألمانيا هايكو ماس، قبل استقباله (الجمعة 14 سبتمبر/ أيلول 2018) نظيره الروسي سيرغي لافروف، أن المانيا على استعداد "للمساهمة في اعادة عمار" سوريا اذا تم التوصل إلى"حل سياسي" يؤدي إلى"انتخابات حرة" في هذا البلد. وكتب الوزير الألماني في سلسلة تغريدات قبل اجتماعه بنظيره الروسي ببرلين "من مصلحتنا أن تصبح سوريا بلدا مستقرا. وعلينا لذلك أن نعيد إعماره. ولدينا دور مهم نقوم به في هذا الصدد".
وتأتي هذه التصريحات ردا على طلب عبر عنه الرئيس الروسي فلادمير بوتين أثناء زيارة لألمانيا حين دعا الاتحاد الأوروبي إلى المشاركة ماليا في اعادة اعمار سوريا لاتاحة عودة ملايين اللاجئين السوريين.
واستقبلت ألمانيا لوحدها عدة مئات آلاف السوريين منذ 2015 في أوج أزمة الهجرة التي أثرت على تناغم مواقف دول الاتحاد الأوروبي وأضعفت سياسيا المستشارة انغيلا ميركل.
وقال بوتين حينها إن وجود هؤلاء اللاجئين "يشكل على الأرجح عبئا ضخما على أوروبا (..) ولذلك لا بد من بذل كل الجهود من أجل عودة هؤلاء الناس إلى ديارهم" ما يعني عمليا برأيه إعادة الخدمات الاساسية مثل التزويد بالماء أو البنى التحتية الطبية. واضاف وزير الخارجية الألماني "ندرك حجم الرهان في سوريا. والامر يتعلق بتفادي الاسوأ أي حصول كارثة انسانية جديدة" مضيفا "ساقول لزميلي الروسي لافروف اليوم (الجمعة) اننا نأمل الا يكون هناك هجوم واسع النطاق في ادلب" شمال غرب سوريا.
ويمكن ان يؤدي هجوم كبير على محافظة ادلب السورية المحاذية لتركيا الى تدفق جديد للاجئين. ويعيش في ادلب وجيوب للمعارضة المسلحة قربها نحو ثلاثة ملايين نسمة نصفهم من النازحين من مناطق سورية اخرى، بحسب الامم المتحدة.
وقال وزير الخارجية الألماني في مقابلة مع وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) قبيل اجتماعه مع لافروف اليوم "نعلم جميعا أين هي المخاطر"، وأضاف أن الاجتماع "يتعلق بمنع الأسوأ، وتحديدا اندلاع كارثة إنسانية جديدة".
وتستعد الأمم المتحدة لحركة نزوح جماعي لنحو 900 ألف شخص يتوقع أن يفروا إذا شنت الحكومة هجوما واسع النطاق في آخر منطقة يسيطر عليها المتمردون في سوريا، وتضم تلك المنطقة نحو ثلاثة ملايين شخص. وكانت روسيا الداعم الرئيسي للحكومة السورية وسط حربها الأهلية التي بدأت في عام 2011. وفي الأسابيع الأخيرة، ركزت الحكومة قواتها في الشمال الغربي، بقصد طرد 10 آلاف مقاتل متطرف متمركزين في إدلب.
وقال ماس "روسيا تلعب دورا رئيسيا ولدينا توقعات منها ... سنناقش هذا بشكل صريح مع بعضنا البعض." يشار إلى أن ألمانيا لم تلعب دورًا رئيسيًا في الصراع السوري، لكن روسيا تعول عليها وعلى قوى غربية أخرى في توفير تمويل لإعادة إعمار سوريا. ومن هذا المنطلق، يمكن أن تحظى الدول الأوروبية ببعض النفوذ في هذا الملف.
وقال ماس "إذا كان هناك حل سياسي يؤدي إلى انتخابات حرة في نهاية المطاف، فإننا مستعدون لتحمل المسؤولية في إعادة الإعمار". وأضاف "لا الروس ولا الإيرانيون ولا الأتراك سيكونون قادرين على القيام بذلك بمفردهم" في إشارة إلى بعض اللاعبين الرئيسيين الآخرين في هذا الصراع. ومع ذلك، قال ماس إن ألمانيا لن تضع الإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد - الذي يلام على نطاق واسع بسبب السماح بتحول الاحتجاجات المناهضة لحكمه في عام 2011 إلى حرب أهلية شاملة - كشرط للمشاركة.
ح.ز/م.س (د.ب.أ)
إدلب الخضراء.. طبول الحرب تقرع في "أرض مملكة إيبلا"
ترتفع الأصوات الدولية التي تحذّر النظام السوري من إعادة استخدام الأسلحة الكيميائية في محافظة إدلب، مع سعي النظام للسيطرة على المعقل الرئيسيّ لفصائل المعارضة. فما هي الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لإدلب؟
صورة من: picture-alliance/AP
أهمية استراتيجية
تعتبر محافظة إدلب في شمال غربي سوريا آخر المعاقل الرئيسية لفصائل المعارضة، وتتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة فهي من جهة محاذية لتركيا الداعمة للمعارضة، ولمحافظة اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد من جهة ثانية. كما أن مدينة إدلب (مركز المحافظة) لا تبعد عن طريق حلب - دمشق الدولي سوى 20 كليومتراً.
صورة من: AP
إدلب الخضراء
قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا كان غالبية سكان إدلب يعتمدون على الزراعة وخصوصاً الزيتون والقطن والقمح. وبسبب اشتهارها بزراعة الزيتون فقد كان يطلق عليها "إدلب الخضراء". كما أنها كانت سوقاً تجارياً واسعاً للمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى كونها أحد مراكز صناعة الصابون في سوريا.
صورة من: Colourbox
أرض مملكة إيبلا
وتعرف محافظة إدلب بكثرة متاحفها ومواقعها الأثرية التي تعود لحقب تاريخية قديمة، ومن أبرزها مدينة إيبلا الأثرية، إحدى أقدم الممالك في سوريا قبل الميلاد. قبل اندلاع النزاع في 2011، كان متحف إدلب يتميز باحتوائه على مجموعة قيمة من الرقم المسمارية، التي تروي عبر نصوص سياسية وأدبية تاريخ مملكة إيبلا. إلا أن المتحف الذي أُعيد افتتاحه هذا الشهر، لم يسلم خلال سنوات الحرب من القصف وأعمال السرقة والنهب.
صورة من: Daniel Leal-Olivas/AFP/Getty Images
معقل للمعارضة
انضمت محافظة إدلب سريعاً إلى ركب الاحتجاجات على النظام السوري التي اندلعت في آذار/ مارس 2011، والتي تحولت لاحقاً الى نزاع مسلح تعددت أطرافه. وفي آذار/ مارس 2015 سيطر "جيش الفتح"، وهو تحالف يضم فصائل إسلامية وجهادية بينها جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة بسوريا) التي تحولت إلى "هيئة تحرير الشام" على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتي الفوعة وكفريا ذات الغالبية الشيعية.
صورة من: dapd
اقتتال داخليّ
بعد اقتتال داخلي بين الفصائل المتعددة في 2017، باتت هيئة تحرير الشام تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب مقابل تواجد محدود لفصائل أخرى أبرزها حركة أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي. وفي 18 شباط/ فبراير 2018، أعلنت الحركتان المذكورتان اندماجهما تحت مسمى "جبهة تحرير سوريا" لتخوضا مجدداً معارك مع جهاديي هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Nusra Front on Twitter
مليونان ونصف المليون
ومنذ سيطرة فصائل المعارضة عليها، وطوال سنوات، شكلت محافظة إدلب هدفاً للطائرات الحربية السورية والروسية، كما استهدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن قياديين جهاديين فيها بشكل دوريّ. ويعيش في إدلب حالياً نحو 2,3 مليون شخص بينهم أكثر من مليون نزحوا من مناطق أخرى، مع أعداد كبيرة من المقاتلين الذين رفضوا إلقاء السلاح ولا سيما من الغوطة الشرقية التي خضعت لحصار طويل وهجمات عنيفة.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Khder
هجمات كيميائية
منذ 2014 تعرضت إدلب إلى عدة هجمات كيميائية، فبعد تأكيد لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن قوات النظام استخدمت الغازات السامة في كل من بلدة تلمنس (21 نيسان/ ابريل 2014) وبلدتي سرمين وقميناس (آذار/ مارس 2015)، تعرضت مدينة خان شيخون لهجوم كيميائي في 2017، أدوى بحياة عشرات الأشخاص بينهم 30 طفلاً. واتهمت الأمم المتحدة النظام السوري بشن الهجوم، رغم نفي الأخير.
صورة من: Reuters/A. Abdullah
تصعيد في منطقة "خفض التصعيد"
تشكل محافظة إدلب مع أجزاء من محافظات محاذية لها إحدى مناطق اتفاق خفض التصعيد التي تم التوصل إليها في أيار/ مايو 2017 في أستانا برعاية روسيا وإيران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة. وبدأ سريان الاتفاق في إدلب في أيلول/ سبتمبر الماضي. لكنها تعرضت نهاية 2017 لهجوم عسكري تمكنت خلاله قوات النظام بدعم روسي من السيطرة على عشرات البلدات والقرى في الريف الجنوبي الشرقي وعلى قاعدة عسكرية استراتيجية.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Sultan
الأسد: هدفنا الآن إدلب
أكد الرئيس السوري بشار الأسد في 26 تموز/ يوليو الماضي أن "هدفنا الآن هو إدلب على الرغم من أنها ليست الهدف الوحيد". وفي 9 آب/ أغسطس الجاري قصفت قوات موالية للنظام السوري مواقع في إدلب قالت بأنها لفصائل معارضة وجهاديين وألقت منشورات تدعو السكان للاستسلام.
صورة من: picture-alliance/abaca
تحذيرات من "حمّام دم"
ودعت الأمم المتحدة إلى التوصل إلى "اتفاقات" لتفادي "حمام دم" في إدلب، وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان ديمستوريا قد قال في أيار/ مايو إنه في حال تكرار سيناريو الغوطة في إدلب فإن حجم الدمار وأعداد الضحايا قد تكون أكبر بست مرات، مشيراً إلى نصف الناس الذين يعيشون في إدلب، البالغ عددهم 2,3 مليون شخص، نازحون و"ليس لديهم مكان آخر يلجؤون إليه".
صورة من: Reuters/K. Ashawi
تمهيد للهجوم؟
وبعد أن اتهمت روسيا فصائل المعارضة بالتحضير لعمل "استفزازي" يتمثل بهجوم كيميائي في إدلب بهدف تحميل دمشق المسؤولية عنه واستخدامه كمبرر للقوى الغربية لضرب أهداف حكومية في سوريا، أبدت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي قلقاً متزايداً على مصير ملايين المدنيين في إدلب، خصوصاً بعد أن عززت روسيا من وجودها العسكري قبالة السواحل السورية، فهل سيتكرر سيناريو الغوطة في إدلب؟
محيي الدين حسين