إثر الهجمات الأخيرة في ألمانيا ارتفع مستوى الشعور بالخوف وانعدام الأمان لدى الناس، إلا أن الإحصاءات الرسمية تنطلق من أرقام لا تعكس ذلك، حيث أظهرت أن عدد جرائم أعمال العنف في ألمانيا تراجع في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ.
إعلان
الاعتداء في ميونخ والهجمات الإرهابية في أنسباخ وفورتسبورغ، والاعتداء بالسكين في رويتلنغن، فضلا عما حصل ليلة رأس السنة في كولونيا وما رافق ذلك من تحرشات جماعية، أدى إلى تزايد عدم الشعور بالأمان لدى الناس في ألمانيا. وقد طرحت هذه الاعتداءات تساؤلا مهما داخل المجتمع، عما إذا كان استقبال ألمانيا لأكثر من مليون لاجئ يشير أيضا إلى استقدام مزيد من العنف والجريمة.
وبالرغم من حالة عدم الشعور بالأمان التي أصابت العديد من المواطنين، يؤكد رئيس معهد البحوث الجنائية في ولاية سكسونيا السفلى كريستيان فايفر في مقابلة مع DW أن "ألمانيا أصبحت أكثر أمنا على مر السنين". فايفر والذي يترأس معهد البحوث لسنوات طويلة، يستند في أقواله إلى إحصائيات الشرطة بخصوص مستوى انتشار الجريمة، إذ طبقا لهذه الأرقام فان معدلات حالات القتل والضرب المميت على سبيل المثال تراجعت منذ عام 2000 بنسبة 40 بالمئة، كما تراجعت حالات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية عن معدلاتها السابقة. ويؤكد رئيس معهد البحوث الجنائية أنه "بالرغم من استقبال ألمانيا لأعداد كبيرة من المهاجرين – حيث تشكل نسبة عدد الشباب الذكور من بينهم جزءا كبيرا - فإن ألمانيا لم تشهد أي ارتفاع في معدلات الجرائم بمستوياتها المختلفة".
مغالاة في التهديد
الخبير في مجال الإجرام كريستيان فالبورغ من مدينة مونستر كتب في تقرير "الهجرة وجنوح الأحداث" أنه عند نشر الأخبار المتعلقة بالجرائم، يكون تركيز وسائل الإعلام عادة على الجرائم التي تحتوي على عنصر الإثارة، خاصة عندما يتعلق الأمر بأعمال العنف والمخاطر المنطلقة من بعض الشباب، إلا أن هؤلاء يمثلون في الواقع عددا صغيرا بالمقارنة مع معدلات إحصاءات الجريمة بشكل عام. لكن التكرار يؤدي إلى تحميل الموضوع أكبر من حجمه، ويؤدي إلى خلق شعور خاطئ بعدم الشعور بالأمان.
ويؤكد فالبورغ في لقاء مع DW أن بعض مجالات الجريمة شهدت بالفعل ارتفاعا في معدلاتها ويضيف: "على وجه التحديد، لدينا منذ عدة سنوات زيادة في عمليات السطو على البيوت، كما شهدت معدلات النشل ارتفاعا أيضا، مقارنة بالسنوات السابقة"، مؤكدا أن هذه الزيادة في معدلات السطو والنشل لا علاقة لها باستقبال اللاجئين، وأن هذه الزيادة بدأت منذ سنوات مضت.
مخالفات بسيطة
بالطبع، ليس كل الناس ملائكة، حتى من بين المهاجرين واللاجئين ومنهم أيضا من يقوم بأعمال إجرامية أيضا. ووفقا لأرقام مكتب مكافحة الجريمة الاتحادي في العام الماضي تم تسجيل 84 ألف حالة شبه انتهاك لقانون الهجرة من بين طالبي اللجوء، إلا أنه وبالتدقيق في السنوات الماضية نجد أن عدد الانتهاكات ارتفع بوتيرة أضعف بالمقارنة مع الأعداد الكبيرة لللاجئين الذين تدفقوا على ألمانيا، كما أنه مقارنة بعام 1993 على سبيل المثال، فإن عدد المشتبه فيهم بانتهاك قوانين الهجرة من بين اللاجئين كان آنذاك بمستوى حوالي 160 ألف حالة، أي بمعدل ضعف العدد الحالي.
وتظهر الأرقام الرسمية إرتفاعا في معدلات الجريمة في مجال السرقات الصغيرة وذلك بنسبة 39 بالمائة، والسفر بدون تذاكر بنسبة 18 بالمائة. فيما شهدت معدلات حالات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية ارتفاعا بنسبة 0.5 بالمئة فقط مقارنة بالسنوات الماضية.
ولا يود الخبير في علم الإجرام فايفر التقليل من مخاطرالحقائق والأرقام الحالية. وعبر عن اعتقاده أنها قد تشكل نقاشا في المجتمع، لإعادة تشكيل الرأي العام. ويعترف فايفر أن الشباب القادمين من سوريا والعراق قد نموا في ثقافة الهيمنة الذكورية، وتطبعوا بها، مشيرا إلى أن مثل هذا الوضع كان أيضا في الماضي مع الأتراك واليوغوسلاف ولو نسبيا.
ويراهن فايفر على أهمية ضرورة تعلم ثقافة الغير في سبيل التغيير، لكن ذلك ، حسب فايفر، رهن بعدم بقاء هؤلاء القادمين منعزلين، وبضرورة إدماجهم في المجتمع، وتقوية شعور انتمائهم للمجتمع الألماني. ويشير الخبير إلى المخاطر المترتبة عن قدوم شباب من المنطقة العربية، مثلا من شمال أفريقيا، دون أمل البقاء في ألمانيا. معتبرا أنه يجب الحد من أعداد هؤلاء والعمل على ضمان عودتهم طوعا إلى أوطانهم أو من خلال تطبيق إجراءات الترحيل القانونية.
الحبس الاحتياطي
أولف كوش بدوره يؤكد في حوار معDW على أهمية تأمين الأمن في المجتمع، ويرى أن ذلك أمر مهم. وبصفته رئيسا لمباحث براونشفايغ الجنائية فإنه يتعامل يوميا مع هذا القطاع الذي يشمل الأجانب وخاصة من اللاجئين. ويصنف كوش اللاجئين ضمن مجموعتين: الأولى تشمل أولئك الذين يأتون من أوروبا الشرقية، وثانيا القادمين من المغرب العربي وهم لا ينتمون إلى الذين قدموا خلال التدفق الأخير للاجئين. ويقول كوش أنه من الناحية العملية يجب أن تكون هنالك إجراءات رادعة وعقوبات، إلا أن إجراءات المتابعة القضائية تأخذ وقتا طويلا جدا في بعض الأحيان، وهناك توافق بين النيابة العامة والمحاكم، لتطبيق ما يسمى بالحبس الاحتياطي في حق المشتبه بهم إلى حين موعد المحاكمة.
ويضيف المتحدث أن قاضي التحقيق يبحث عادة في طلب النيابة العامة بتطبيق الحبس الاحتياطي، ويمكن للقاضي أن يصدر أمرا بهذا الشأن، حيث يتم حجز المتهم ليومين أو ثلاثة أيام قبل صدور حكم عليه من طرف المحكمة، وبفضل هذه الإجراءات فانه يمكن تسريع إجراءات المحاكمة، فيتم البت في القضية خلال أسبوع واحد فقط. وقد يشكل ذلك وضعا غير مريح لمقدم طلب اللجوء حيث إن إدانته في المحكمة قد تؤدي إلى وقف عملية طلب اللجوء بشكل كامل.
صدمة وحزن وخوف وإرهاب... أسبوع دام في ألمانيا
شهدت ألمانيا خلال أسبوع واحد فقط عمليات قتل وترهيب وهجمات إرهابية، ثلاثة منها نفذها لاجئون قدموا إليها حديثا، واثنان منهما تبناهما تنظيم "داعش". جولة مصورة توثق أسبوعا من الإرهاب والحزن والخوف في عدة مدن ألمانية.
صورة من: Getty Images/J. Simon
لا يزال الحزن يخيم على مدينة ميونيخ الألمانية، حيث تضع امرأة وردة في المكان الذي شهد يوم الجمعة الماضي عملية قتل عشوائية مروعة، راح ضحيتها تسعة أشخاص، أغلبهم في مقتبل العمر. العملية التي نفذها شاب ألماني-إيراني، قيل إنه يعاني من اضطرابات نفسية، راح ضحيتها فتيان وشباب، غالبيتهم من أصول مهاجرة (ثلاثة أتراك وثلاثة ألبان كوسوفو ويوناني). ذنبهم الوحيد أنهم كانوا في المكان والوقت غير المناسبين!
صورة من: GGetty Images/AFP/C. Stache
بحر من الورود أمام مركز أولمبيا التجاري في ميونيخ، حيث مسرح عملية القتل الجماعي العشوائي، حداداً على أرواح الضحايا وسط تساؤلات عمّا دفع الجاني، الذي لم يتجاوز عمره 18 عاما، إلى هذه الجريمة؟ التحريات تشير إلى حد الآن أن الشاب، الذي ولد في ألمانيا لأبوين قدما من إيران في التسعينات كطالبي لجوء، قد خطط لعمليته طويلاً و"جيداً".
صورة من: picture-alliance/AP Photo/J. Meyer
وزير الداخلية الألماني توماس دي ميزيير اضطر في غضون ثلاثة أيام إلى قطع عطلته كان يقضيها مع زوجته في الولايات المتحدة الأمريكية. المرة الأولى كانت مطلع الأسبوع عقب عملية إرهابية نفذها لاجئ في 17 من عمره في قطار في مدينة فورتسبورغ، والمرة الثانية عقب عملية القتل الجماعي العشوائي في ميونيخ. الوزير قرر بعدها التخلي نهائيا عن إجازته والبقاء في ألمانيا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
في غضون ذلك، لا تزال صور دماء تغطي أرضية عربة في القطار الذي شهد عملية إرهابية في مدينة فورتسبورغ الألمانية عالقة في أذهان الكثيرين في ألمانيا. العملية، التي نفذها فتى لاجئ في 17 من عمره، أسفرت عن إصابة أسرة قدمت من هونغ كونغ سائحة في ألمانيا بجروح بليغة وامرأة ألمانية ذنبها الوحيد أنها كانت في طريق الإرهابي عند محاولته الفرار من القطار. العملية تبناها فيما بعد تنظيم "داعش".
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Hildenbrand
وفيما تزداد المخاوف من ألمانيا من عمليات دامية كتلك التي شهدتها باريس ونيس وبروكسل واسطنبول وأنقرة وغيرها، تبقى التساؤلات قائمة عما دفع بفتى قدم فاراً من أفغانستان (أو باكستان) ليجد ملجأ وأسرة تحتضنه في ألمانيا إلى القتل؟ الكثيرون صدموا لكم الكراهية التي يكنها هذا الشباب خاصة بعدما نشر "داعش" فيديو يظهر فيه الفتى وهو يهدد ويتوعد فيه الألمان بالقتل والانتقام.
صورة من: picture-alliance/dpa/Amak
وما لبث الناس يتنفسون الصعداء بعد عملية ميونيخ التي بثت الذعر في القلوب خوفا من عمليات إرهابية منسقة كتلك التي شهدتها باريس في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي وأسفرت عن مصرع 130 شخصا وجرح المئات، هاهي ألمانيا تشهد بعد يوم فقط جريمة أخرى اهتزت لها مدينة رويتلينغن، حيث قام لاجئ سوري في مقتل العمر بقتل مقتل امرأة وجرح خمسة آخرين بسكين كبير.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
حالة من الذعر تسود رويتلينغن، المدينة الصغيرة الهادئة في جنوب ألمانيا، بعد الجريمة البشعة. وفيما تتواصل التحقيقات مع الجاني لمعرفة دوافعه، تؤكد السلطات الألمانية على عدم الاشتباه بالإرهاب والعنف بشكل عام في طالبي اللجوء، لافتة إلى أن أغلب العمليات الإرهابية التي شهدتها أوروبا في الآونة الأخيرة لم تكن من فعل لاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/C. Schmidt
لكن تحذيرات السلطات الألمانية من عدم وضع اللاجئين في قفص الاتهام قد لا تجد آذانا صاغية، على الأقل لدى البعض، بعد هجوم أنسباخ الانتحاري الذي شُن مساء يوم الأحد، أي في نفس اليوم الذي شهدت فيه روتلينغن عملية القتل بسكين، والذي نفذه لاجئ سوري آخر (27 عاما). العملية الإرهابية التي أسفرت عن مقتل المنفذ وجرح 15 شخصا، أربعة منهم في حالة خطيرة، كان هدفها الانتقام من ألمانيا وتبنتها داعش.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
وفيما تشير التحريات الأولى إلى ضلوع "داعش" في العملية التي نفذها اللاجئ السوري الذي فجر نفسه ليل الأحد الاثنين في بلدة أنسباخ الألمانية، يبقى من المؤكد أنه أراد قتل أكبر عدد ممكن من الناس، إذ أنه تحول إلى مهرجان للموسيقى جاءه زوار من كل حدب وصوب. ولولا أن رجال الأمن منعوه من الدخول، ويقوم بتفجير نفسه عندها، لكانت الحصيلة أثقل بكثير.
صورة من: DW/N.Niebergall
يواخيم هيرمان، وزير داخلية ولاية بافاريا الألمانية - التي شهدت ثلاث عمليات قتل وترهيب من إجمالي أربع عمليات خلال أسبوع واحد - يقول إن الهجمات الأخيرة أثارت تساؤلات بشأن قانون اللجوء الألماني والأمن في مختلف أرجاء البلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
وإن لم يصدر أي تعليق بعد عن المستشارة الألمانية أو وزير داخليتها بشأن عزمهما تشديد قانون اللجوء الذي قدم بموجبه العام الماضي أكثر من مليون لاجئ، أغلبيتهم من السوريين، إلا أن المخاوف الأمنية تبقى قائمة، حيث كثفت الشرطة من تواجدها في كل المرافق العامة الحساسة. ولكن الأكيد أن ما حدث في ألمانيا خلال أسبوع، لن يمّحي من ذاكرة العديد من الناس.. أملا في ألاّ يستغلها اليمنيون المتطرفون لصالحهم!