ألمانيا: كيف يعرف القضاة أن طالب اللجوء "يكذب" في المقابلة؟
محي الدين حسين
١٣ أغسطس ٢٠١٨
يقدم بعض طالبي اللجوء في ألمانيا معلومات خاطئة أثناء مقابلة اللجوء. ولذلك أسباب عديدة، ولكن كيف يعرف القضاة أن طالب اللجوء يكذب؟
إعلان
أحد المواضيع التي مازالت تثير جدلاً في ألمانيا هي إدلاء طالبي اللجوء بمعلومات خاطئة للسلطات طمعاً بالحصول على بعض الميزات أثناء البت بطلباتهم. لا يوجد إحصائيات دقيقة حول هذا الموضوع. لكن تقارير إعلامية ألمانية، كشفت أن حوالي 43% من اللاجئين القاصرين غير المصحوبين بذويهم في ألمانيا يقدمون معلومات خاطئة حول أعمارهم للحصول على معاملة أسهل في البت بطلب اللجوء، والحصول على حقوق أهمها الرعاية، والتدريب، أو التعليم.
وقد سبق لمتحدث من وزارة العدل في ولاية شمال الراين ويستفاليا أن قال لموقع فوكوس الألماني: "إن طالبي اللجوء لا يكذبون اليوم من الخوف، بل من أجل الحصول على امتيازات في عملية اللجوء أو تغطية الجرائم". وهناك عدة طرق تستطيع من خلالها السلطات الألمانية معرفة فيما إذا كان طالب اللجوء يكذب أم لا، وهي:
التناقضات الموجودة في كلام طالب اللجوء
الخبير الألماني بقانون اللجوء الأوروبي يان بيرغمان، والذي يقوم بإجراء مقابلات مع طالبي اللجوء في ألمانيا، قال لصحيفة "شبيغل بلاس" إنه يعرف أن طالب اللجوء يكذب عندما يجد تناقضات في كلامه، مشيراً إلى أنه يقضي الليل كله، أحياناً، وهو يفكر بما قاله طالب اللجوء قبل أن يقرر منحه حق اللجوء أو الحماية أم لا، مؤكداً أنهم يبذلون جهودهم في للبت بالقرار بسرعة دون التأثير على جودة القرار.
تكرار قصص سابقة
ومن الدلائل الأخرى على أن طالب اللجوء يكذب، هو أن يقوم بتكرار قصص سبق أن رواها طالبو لجوء آخرون بنفس التفاصيل، حسب بيرغمان. ويضيف القاضي إنه حدث معه ذات يوم أن أحد طالبي اللجوء روى له نفس قصة طالب لجوء آخر بتفاصيلها الدقيقة.
تقديم بيانات خاطئة حول البلد أو العمر
بعض طالبي اللجوء لا يقدمون وثائقهم الشخصية ويقدمون معلومات خاطئة حول البلد الذي جاؤوا منه أو حول أعمارهم.
لكن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين قام الآن باتخاذ تدابير إضافية للتحقق من هوية طالبي اللجوء الذين لا يقدمون وثائق إثبات هوية سارية، بما في ذلك الحق في التحقيق في البيانات التي يتضمنها الهاتف النقال والأجهزة الإلكترونية الأخرى الخاصة بطالب اللجوء. كما يحق للمكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين إحالة البيانات الشخصية لطالبي اللجوء إلى الشرطة.
ومن أجل التحقق مما يقوله طالب اللجوء، يشير الخبير في قانون اللجوء الأوروبي يان بيرغمان إلى ضرورة أن يكون القضاة منتبهين إلى أخطاء بعض المترجمين أيضاً، مشيراً إلى أن بعضهم يقول بعض الكلمات التي لم يذكرها طالبو اللجوء أثناء المقابلة.
كما يضيف الخبير الألماني أنه لا يسمح للقاضي أن يغضب أو يسخط من كلام طالب اللجوء، بالرغم من أنه معرض دائماً أن يكون طالب اللجوء يكذب عليه.
ويدرك بيرغمان المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتق القضاة الذين يقومون بإجراء المقابلات مع طالبي اللجوء، مشيراً إلى أن ذلك قد يعني "الحياة أو الموت" بالنسبة لطالبي اللجوء.
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش