ألمانيا.. لاجئون يقعون في فخ شبكات التهريب للمّ شمل عائلاتهم
٢٠ مايو ٢٠١٨
في الوقت الذي لا تزال الأبواب موصدة أمام الكثير من السوريين الراغبين في لم شمل عائلاتهم فضل البعض منهم اتباع طرق غير قانونية مكلفة محفوفة بالمخاطر. DW عربية التقت في برلين بأحد أعضاء شبكة تهريب وبشخص لجأ لهذه الطريقة.
إعلان
يعيش سامر (اسم مستعار) وزوجته وطفلاهما منذ قدومهم إلى ألمانيا قبل حوالي سنتين ونصف في الحاضرة الألمانية برلين، حيث يتمتع بالأمن والاستقرار، اللذين عبر عنهما في حوار خاص بـDW عربية: "أشعر منذ قدومي إلى برلين بالراحة والطمأنينة بعيداً عن الحرب الطاحنة في وطني".
ولكن ثمة ما كان ينغص على سامر حياته؛ ففي الوقت الذي نعم فيه بحياة مستقرة في شقة يتقاسمها مع أفراد عائلته، كان يعيش أخوه الأصغر، سعد (اسم مستعار)، لوحده في شوارع العاصمة اليونانية أثينا دون مكان يأوي إليه. وحول الحالة الصعبة التي عاشها سعد في شوارع أثينا قال لنا هذا الأخير واصفاً ما عاشه من صعوبات: "كنت أنام في الساحات العمومية في العراء، وكنا نفر كلما قدم رجال الشرطة الذين كانوا شديد القسوة نحو اللاجئين. لولا الحوالات المادية التي كانت تصلني من أخي سامر لمت جوعاً". لقد كان سامر يتابع أخبار أخيه العالق في اليونان لحظة بلحظة كما كان يرسل له ما تيسر من المال حتى لا يعود إلى تركيا.
ضرب القانون عرض الحائط
كثيراً ما حاول سامر عبر محام تأمين طريقة شرعية لسفر أخيه إلى ألمانيا، إلا أن مساعيه باتت بالفشل. لم يكن سامر يثق في كلام الساسة بخصوص لم شمل الوافدين الجدد من السوريين، هذا ما جعله ينتهج طريقاً غير قانوني غير عابىء بالقوانين الألمانية الصارمة في هذا الشأن ويقول سامر في هذا الصدد: "أعلمني أخي أن هنالك مجموعات في أثينا تقوم بتهريب اللاجئين إلى ألمانيا وأن كثر منهم تمكن من الوصول إلى الأراضي الألمانية حيث التحقوا بأهاليهم".
عقد الأخوان، اللذان فرقتهما الحرب، العزم على اللقاء من جديد والتغلب على التحديات القانونية وتحمل مخاطر المغامرة. وحول عملية تنسيق مغادرة اليونان نحو ألمانيا أفادنا سامر قائلاً: "جمعت المبلغ المالي المطلوب وأرسلته له حتى يتمكن هناك من خوض المغامرة التي كلفتني خمسة آلاف يورو". كما علمنا من سامر أن التنسيق كان مع شخص عربي هنا في برلين التقاه وقدم له مبلغاً مالياً حتى تنطلق العملية في اليونان.
أثينا "تعج" بعصابات التهريب
يعتبر سعد نفسه من المحظوظين من بين السوريين، الذين أفلحوا في الفرار من الوضع المزري في اليونان والوصول إلى ألمانيا: "غالبية السوريين العالقين في اليونان لا يملكون المال وليس بمقدورهم دفع مثل هذه المبالغ الخيالية". لولا تكفل سامر بهذه المهمة ووقوف بعض الأصدقاء الذين أقرضوه البعض من المال والنذر القليل مما إدخره لما تمكن سعد من الدخول في هذه المغامرة التي تكللت بالنجاح. وفي حديث خاص بـDW عربية يقول سعد حول مجموعات تهريب اللاجئين: "تعج مدينة أثينا بمجموعات التسفير نحو الدول الغربية، وغالبيتها مخادعة تأخذ الأموال ومن ثم تختفي عن الأنظار".
لقد كان سامر يتابع تحركات أخيه الأصغر في غابات اليونان وجبال البلقان الوعرة التي كانوا يعبرونها في ظلمة الليل الحالكة. ويقول سعد الشاب اليافع: "لقد كان الخوف ينتابني في كل مراحل السفرة التي دامت حوالي ستة أسابيع. لقد كنت ضمن مجموعة تتكون من ١٢ شخصاً بيننا عائلة ذات أطفال صغار ورضع، وكانت الغالبية من السوريين". أما عن فرحة اللقاء بأخيه فيقول الشاب الوسيم والابتسامة مرتسمة على محياه: "لقد كانت فرحتي كبيرة حينما وصلنا في ظلمة الليل الدامس إلى برلين واجتمع شملي وأخي من جديد".
من لاجئ إلى مهرب للاجئين
لم يكن لقاء نبيل (اسم مستعار) الشاب الثلاثيني بالأمر الهين. بعد أخذ ورد تمكنت DW عربية من فعلها وقابلت الشاب العربي اللبناني الأصل في إحدى المقاهي العربية في أحد أحياء العاصمة: "جئت إلى برلين طفلاً صغيراً مع عائلتي من لبنان إلى برلين حيث أقيم حتى الساعة". اليوم تحول الشاب إلى مهرب للراغبين في القدوم إلى ألمانيا. وحول المهمة غير الشرعية التي يقوم بها قال نبيل هو يحتسي القهوة: "أقوم بهذا العمل منذ حوالي خمس سنوات. أنه عمل يدر علي أموال طائلة لا سيما خلال السنوات الأخيرة".
يشهد هذا المجال، كما يقول لنا نبيل، ازدهاراً كبيراً نظراً لكثرة الطلب من قبل اللاجئين السوريين الراغبين في جلب أهلهم وأطفالهم إلى ألمانيا. "أعمل مع مجموعة من المهربين تنشط بالدرجة الأولى في اليونان ودول البلقان، نقوم سوية بتنظيم وتنسيق الأمر لضمان نجاح العملية." كما علمنا من الشاب العربي أن مبلغ عملية التهريب يتراوح بين أربعة آلاف وستة آلاف يورو للشخص الواحد. كما فهمنا من نبيل أن شبكة التهريب تتكون من مجموعات صغيرة متحركة تعمل سيراً وأخرى تستعمل شاحنات البضائع. لقد كان يتحدث إلينا بكل حذر دون أن يتعمق في خفايا وتفاصيل عمله غير القانوني.
اللجوء للطرق غير القانونية "سيزداد"
"بلغ عدد القادمين بطريقة غير شرعية من السوريين إلى ألمانيا ٦ آلاف لاجئ خلال الأشهر الأربعة الماضية على المستوى الاتحادي ويأتي السوريون في المرتبة الثانية بعد الأفغان"، هكذا أجاب السيد شتيفان شميت من "المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين" في تصريح خاص بـDW عربية، مضيفاً أن عدد المهاجرين غير الشرعيين سيزداد في بحر هذه السنة. ويمضي السيد شميد في مجرى كلامه قائلاً إن "الإجراءات القانونية المتعلقة بلم الشمل صارمة ولم يتم الوصول إلى حلها، وهذا ما جعل اللاجئين يتبعون طرقاً غير قانونية لجلب أهلهم".
ويقول السيد شميد أن طريق البلقان يمثل الطريق "الأكثر استعمالاً" من قبل جماعات التهريب وإن الشرطة الاتحادية تتعاون بشكل وثيق مع الدول المجاورة للحد من هذه الظاهرة. إلا أن الموظف "المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين" يردف خاتماً كلامه: "سيلجئ الكثيرون للطرق غير القانونية طالما لم تتفق الأحزاب على حل يخدم الوافدين الجدد".
شكري الشابي- برلين
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش