ألمانيا.. ما مدى الاستعداد لمواجهة التهديدات الإرهابية؟
١١ ديسمبر ٢٠٢٣تتصدر الجرائم ذات الدوافع السياسية أجندة الأجهزة الأمنية في ألمانيا بعد سلسلة من حوادث منفردة، لكنها كانت بارزة خاصة واقعة مقتل سائح ألماني طعنا فيباريس إثر هجوم نفذه رجل فرنسي بالقرب من برج إيفل. ونقلت وكالة فرانس برس عن مصدر في الشرطة قوله إن المهاجم فرنسي معروف بأنه إسلامي متطرف ويعاني اضطرابات نفسية، فيما قال الإدعاء إن المشتبه به أبدى تعاطفا مع تنظيم داعش.
وأعاد الهجوم إلى الأذهان ذكرى هجوم الدهس الذي نفذه التونسي أنيس العامري بشاحنة مسروقة، مستهدفا سوق عيد الميلاد في ميدان "برايتشايد بلاتس" بالعاصمة برلين عام 2016 وأودى بحياة 13 شخصا، فيما انتهي الأمر بمقتل العامري في تبادل لإطلاق النار بإيطاليا. وقالت المصادر في حينه إن العامري تلقى الأمر بتنفيذ الاعتداء من مسؤول رفيع المستوى في تنظيم داعش.
بدوره، قال رئيس المكتب الاتحادي لحماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الألمانية) توماس هالدنفانغ، في بيان صدر مؤخرا: إن ألمانيا تواجه على وقع مجموعة من العوامل الأجنبية والمحلية، "مستوى معقدا وخطيرا من التهديدات بسبب أزمات متوازية".
الجدير بالذكر أن التهديدات اللامركزية سواء التي مصدرها عناصر إسلاموية متطرفة أو عناصر متعصبة للبيض، ليست بالأمر الجديد في ألمانيا، لكن هالدنفانغ ألقى باللائمة على حماس، وهجومها الإرهابي المباغت على إسرائيل، باعتبارهما حافزا لتشديد الإجراءات الأمنية. وأثار الرد العسكري الإسرائيلي احتجاجات واسعة النطاق وانقسامات سياسية داخل المجتمعات الأوروبية خاصة مع حصيلة قتلى تجاوزت 15 ألفا في غزة بحسب وزارة الصحة التابعة لحماس في القطاع.
ويذكر أن حركة حماس هي مجموعة مسلحة فلسطينية إسلاموية، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
تصنيف التهديد
يقول الخبراء إن الإرهاب يعد نوعا من أنواع الجرائم التي ترتكب بدوافع سياسية، فيما تُجرى تقييمات دقيقة لمستوى التهديدات في البلاد؛ إذ أحصى مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية في البلاد حتى اليوم 4200 جريمة ذات صلة بالصراع في الشرق الأوسط الذي بدأ في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عندما قتلت حماس حوالي 1200 شخص في هجومها المباغت على إسرائيل.
وفي تصريح لـ DW، قال مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية : إن البيانات تستند إلى التقارير اليومية التي تسلط الضوء على الوضع الأمني الراهن في ألمانيا، بيد أن التحليل الأكثر شمولية والذي صدر مؤخرا أشار إلى أن عدد الجرائم ذات الدوافع السياسية تصل إلى ألفين.
بدوره، قال المتحدث باسم مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية إن الرقمين "غير قابلين للمقارنة" بسبب عوامل منهجية، مؤكدا أن "أرقام الجرائم ذات الدوافع السياسية عام 2023 مؤقتة وتخضع للتغيير المستمر".
وقال المكتب إن أقل من نصف الرقمين يعد جرائم دافعها معاداة السامية والتي تتراوح ما بين تهديدات لفظية والإضرار بالممتلكات، فيما لا يزال التعريف المحدد لمعاداة السامية محل خلاف.
وفي تصريح لـ DW، قال الناطق باسم جهاز الاستخبارات الداخلية الألمانية إنه من الصعب الفصل بين المتظاهرين السلميين الذين يمارسون حقوقهم الأصلية في الاحتجاج من جهة، وبين المتطرفين العنيفين الذين قد يشكلون تهديدا فعليا للسلامة العامة من جهة أخرى.
وفي تصريح أكثر وضوحا، قال هالدنفانغ في بيانه إن "كافة أشكال التحريض المعادية لإسرائيل والسامية" كانت عرضة لتدابير أمنية من قبل قوات الأمن الألمانية.
ويقول خبراء إن الكشف عن هذا الرقم يحمل في طياته مؤشرا على ارتفاع معدلات الجرائم ذات الدوافع السياسية التي سجلتها السلطات في الأسابيع القليلة الماضية، لكن التركيز على الإمساك بالمتطرفين الدينيين والمعادين للسامية القادمين من الدول العربية قد يتسبب في تقليل التركيز على مرتكبي الجرائم المحتملين الآخرين.
ففي باريس، تجري السلطات تحقيقا فيما إذا كان رسم غرافتي معادي للسامية مرتبط بالمخابرات الروسية أو الجريمة المنظمة في مولدوفا.
حماية القانون والنظام
الجدير بالذكر أن مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية قد أبلغ عن ما لا يقل عن ألف شخص لهم علاقة بما يُعرف بـ "الإرهاب الإسلاموي" حتى منتصف العام الماضي 2022. كما يراقب المكتب مئات من هؤلاء الأشخاص ممن ينتمون إلى اليمين المتطرف وبضع عشرات من أقصى اليسار حيث تقول السلطات إن هؤلاء الاشخاص يشتبه بأن لديهم القدرة على ارتكاب أو دعم جرائم ذات دوافع سياسية.
لكن المخاوف الأمنية الراهنة تتجاوز فئات التهديد المُشار إليها، وهو ما دفع نقابات الشرطة والأحزاب السياسية إلى الدعوة لزيادة التدابير الأمنية وفرض قوانين أكثر صرامة ربما تؤثر في المقام الأول على المهاجرين والأقليات.
في المقابل، حذر خبراء في الأمن من أن هذه الدعوات ليس لها سند واقعي. ففي مقابلة مع DW، قال ألكسندر بوش، الباحث الأمني في المعهد العالي للاقتصاد والقانون في برلين، إن الإجراءات المطلوبة في الوقت الراهن "ذات بعد رمزي وذات صلة بسياسة شعبوية تهدف إلى تمرير قوانين أكثر صرامة وتنفيذ سياسات عنصرية". وأضاف أن "الحاجة الموضوعية والواقعية لمثل هذه الأمور ليست موجودة، لأن الدولة الألمانية ليست ضعيفة فضلا عن أن ألمانيا دولة آمنة للغاية".
بدوره، قال يوناس غروتزبالك، الخبير في شؤون الأمن الداخلي في منصة (Polizei.Wissen) التي توفر معلومات عن القضايا المرتبطة بإنفاذ القانون، إن فصل التصور الشخصي للسلامة عن التهديد الفعلي يشكل تحديا كبيرا لأجهزة إنفاذ القانو،ن خاصة في ظل الأجواء السياسية الساخنة.
وفي مقابلة مع DW، قال إن الشيء الآخر شديد الأهمية، يتمثل في تحديد الفارق بين "الأقوال والأفعال"، مضيفا أ، "المخابرات الداخلية المحلية من المحتمل أنها ترصد حالة غضب واقعية داخل الأماكن التي تراقبها". وأشار إلى أنه "من الصعب تحديد متى سيظهر هذا الغضب بشكل لفظي ومتى سيصل إلى مستوى ارتكاب أعمال عنف".
وفي المقابل، يقول خبراء إن حسم قضية الفرق بين الغضب اللفظي والفعلي سيحدد ما إذا كانت الشرطة ستشرع في اتخاذ إجراءات أم لا، لكن الأمر يحمل في طياته خطرا، إذ ربما عندما يلزم الأمر تحرك الشرطة، يكون قد فات الأوان.
ويشير الخبراء إلى أن هذه المعضلة تقيد عمل سلطات إنفاذ القانون بغض النظر عن الصلاحيات والموارد التي تحصل عليها من المشرعين. وفي هذا السياق، قال الخبير في الشؤون الأمنية يوناس غروتزبالك "ردع الإرهابيين شيء، لكن منع الأشخاص من أن يصبحوا إرهابيين فهو شيء آخر".
أعده للعربية: محمد فرحان