إضافة إلى تشديد لوائح الترحيل، يريد وزير الداخلية هورست زيهوفر وضع طالبي اللجوء المزمع ترحيلهم بالسجون العادية مع المجرمين ومرتكبي الجنح. الأمر، الذي لاقى انتقادات شديدة، ولكن أيضاً قبولاً في ألمانيا.
إعلان
أصبح من المألوف في السياسة الألمانية سن قوانين جديدة بعناوين ملفتة براقة. في البداية "قانون تحسين رياض الأطفال" ، والآن قدم وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر "قانون الإعادة المنظم"، والذي وافق عليه مجلس الوزراء الاتحادي. القانون الجديد يهدف إلى تشديد اللوائح الخاصة بترحيل الأشخاص المفروضة طلبات لجوئهم في ألمانيا.
طالبو اللجوء داخل السجون؟
بعد ظهر اليوم الأربعاء (17 أبريل/نيسان)، جلس زيهوفر بعد اجتماع وزاري أمام الصحفيين وتحدث عن تفاصيل المخطط الجديد. ووضح وزير الداخلية أن الأمر يتعلق بعدد قليل من اللاجئين، من الذين تسببوا في مشاكل خاصة. والقانون سيطبقعلى وجه التحديد على طالبي اللجوء، ممن لا يكشفون عن هويتهم، ولا يتعاونون بالقدر الذي يجنبهم الترحيل. وفي المستقبل سيتم إيداعهم في سجون عادية إلى أن يتم ترحيلهم إلى بلدانهم. مشروع القانون الجديد أثار ضجة واسعة في ألمانيا خلال الأيام الأخيرة.
تواري المهددين بالترحيل عن الأنظار
وصل ألمانيا حوالي 180 ألف لاجئ خلال العام الماضي، أي أقل بكثير من عامي 2015 و2016، عندما استقبلت البلاد أكثر من مليون طالب لجوء. قدم زيهوفر في البداية تقريراً عن رحلاته عبر البلاد، ومحادثاته مع السلطات، واللاجئين، وضباط الشرطة، والمتطوعين،: "أسمع باستمرار: الوضع الآن تحت السيطرة إلى حد كبير، ولكن لدينا مشكلة اختفاء الأشخاص المهددين بالترحيل".
الجدير ذكره أنه تم ترحيل 25 ألف شخص العام الماضي، وفقاً لتقارير وزير الداخلية، لكن تم إلغاء ترحيل 31 ألف حالة، لعدم التمكن من العثور على الأشخاص المعنيين.
في حالة رفض طلب اللجوء، وإخفاء الشخص لهويته، وعدم تعاونه، يُفرض عليه دفع غرامات مالية، ويمكن أن تصل العقوبة إلى حد السجن. وفي هذا الصدد تحدث زيهوفر أيضاً عن تجربة شخصية: "في جميع الحالات التي تعاملت معها بشكل شخصي، كان لدى الشخص المعني عدة هويات شخصية".
في واقع الحال يتم فصل مرتكبي الجرائم والجنح عن محتجزي الترحيلات في ألمانيا. ولا ينبغي أن يعطى الانطباع بأن اللاجئين يتم ادعائهم في السجون مع المجرمين. زيهوفر يذهب إلى أنه يوجد في ألمانيا حوالي خمسمائة مكان فقط مخصصة للاحتجاز قبل الترحيل، وهذا العدد سيضاعف الآن إلى الألف. ويضيف زيهوفر: "هناك خمسمائة مكان في جميع الولايات الألمانية الستة عشر لحد الآن"، ومن الواضح أن وزير الداخلية الألماني لا يعتبر العدد كافياً.
مؤيدون ومعارضون
لكن هل يوضع اللاجئون إلى جانب الجناة المدانين؟ هذا الأمر تسبب في ردود أفعال شديدة، خاصة بين وزراء العدل في جميع الولايات الألمانية تقريباً، بما في ذلك ممن ينتمون إلى حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي المحافظ. وهم يعتبرون مشروع القانون الجديد مخالف للدستور.
وتأتي الانتقادات أيضاً من المنظمات المعنية بالدفاع عن اللاجئين. "انعدام الأمن والتجريد من الحقوق والسجن" هو عنوان بيان صحفي من منظمة" برو أزول". ومما جاء فيه: "مثل هذا التحول الصارخ على حساب أولئك الذين لا يحصلون حتى على محام أو محامية، لا يتماشى مع مبدأ أن أي احتجاز يجب أن يستخدم فقط في حال كونه الوسيلة الأخيرة لإنفاذ للقانون". وكذلك يرى الحزب الديموقراطي الحر، الذي قال نائب رئيس كتلته البرلمانية، شتيفان ثومه لصحيفة "آوغسبورغر ألغماينه": "إن احتجاز الأشخاص المعنيين بالترحيل داخل السجون العادية سيكون بمثابة خرق للقانون".
من ناحية أخرى، يلقى القانون قبولاً من المدن والبلديات. وقال الرئيس التنفيذي لاتحاد المدن والبلديات، غيرد لاندسبيرغ، لصحيفة "نويه أوسنابروك تسايتونغ" "إن القانون أداة جيدة لتخفيف العبء الثقيل على البلديات"، مضيفاً أن الكثير من اللاجئين لا يتعرضون للاضطهاد في بلدانهم الأصلية، لكنهم يأتون لأسباب اقتصادية. وتابع غيرد لاندسبيرغ القول: "على الرغم من وجود قواعد قانونية واضحة، لا تنجح عملية إعادة هؤلاء اللاجئين إلى بلدانهم الأصلية بشكل كبير".
مشروع آخر لتعزيز الاندماج
في ظل الجدل الحاد حول مشروع القانون الجديد، والذي يتم مناقشته حالياً، يتم مناقشة مشروع آخر، قدمه وزير العمل الاتحادي هوبرتوس هايل (SPD) يهدف إلى تسهيل قوانين إدماج اللاجئين في دورات اللغة ودورات التأهيل والتطوير المهني. المشروع لاقى بدوره موافقة مفوضة الحكومة الألمانية لشؤون الاندماج، أنيته فيدمان-ماوتس، وهي عضو في حزب الاتحاد المسيحي الديموقراطي. المسؤولة الألمانية قالت يوم الأربعاء (17 أبريل/نيسان) في حديث لإذاعة Deutschlandfunk إن القانون الجديد "مهم لأنه يساعدنا على منح الناس إمكانية الحصول على العمل واللغة والاطلاع على قيمنا، ويعزز التعايش الجيد".
لكن رغم كل شيء يبقى زيهوفر هو من يحتل عناوين الصحف من خلال القانون المثير للجدل. يُذكر أن محكمة العدل الأوروبية كانت قد قضت قبل خمس سنوات بضرورة إيواء الأشخاص المعنيين بالترحيل بمعزل عن المعتقلين العاديين. غير أن العديد من الدول الأوروبية تفتقر إلى أماكن مخصصة للاحتجاز قبل الترحيل. ولهذا ينص القانون على أنه يجوز لكل دولة أن تتخلى عن قاعدة الفصل بين المجرمين وطالبي اللجوء الواجب ترحيلهم مدة ثلاث سنوات، وهذا هو بالضبط ما تفعله ألمانيا الآن. ولكن حتى من داخل الاتحاد المسيحي الديموقراطي هناك أصوات ترى بأن الكثير من تفاصيل مشروع القانون الجديد لا تزال بحاجة إلى مناقشتها قبل البث فيها في البرلمان الألماني.
ينس ثوراو/ إ.م
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش