ألمانيا - "ملكة النبيذ" السورية تطمح لأن تصبح سفيرة للاندماج
نينا نيبرغال/ خ.س٤ أغسطس ٢٠١٦
بعد ثلاث سنوات ونصف من لجوئها إلى ألمانيا تُوجت اللاجئة السورية نينورتا باهنو بلقب "ملكة النبيذ" في مدينة ترير. من تكون هذا الملكة؟ وكيف أصبحت إلى ما صارت عليه اليوم؟ وإلى أين ترنو؟
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Probst
إعلان
الزمان: مساء أمس الأربعاء، الثالث من آب/أغسطس. المكان: منصة في الهواء الطلق في مدينة ترير في جنوب غرب ألمانيا. المكان يعج بالكثير من الناس: ساسة محليون، صحفيون، طلاب، "ملكات نبيذ" سابقات، رجال ونساء، مواطنون ألمان ولاجئون، وغيرهم. الصحفيون يجهزون كاميراتهم ويتأكدون من أنها على ما يرام. العيون مشدودة إلى المنصة تنتظر خروج نجمة الحفل.
أعصاب المنظمين مشدودة ويبدو على وجوهم التوتر، فقد تأخرت الملكة العتيدة. هل فعلتها عمداً لتشعر المنتظرين بقيمتها؟ يشرح أحد المنظمين سبب التأخر: نجمة الحفل لم تفرغ من عملها بعد. وأخيرا تطل اللاجئة السورية، نينورتا باهنو، بقدها المياس وشعرها الأسود المسافر باستمتاع وسرور على كتفيها وعلى القسم العلوي من فستانها البرتقالي الطويل. تسلم ملكة النبيذ للعام السابق، ساندرا روت، نينورتا باهنو تاج "ملكة النبيذ". ومن ثم تلقي نينورتا كلمة مقتضبة. وترفع في ختام الكلمة كأس نبيذ وتطلب من الجمهور شرب نخب العيد الـ68 لمهرجان النبيذ.
من فسيفساء القامشلي إلى ترير
فرت نينورتا، ذات الـ26 ربيعاً، وشقيقتها فاديا من مسقط رأسيهما، مدينة القامشلي في شمال شرق سوريا، قبل ثلاث سنوات ونصف. قبل أن تبدأ الحرب بأكل الأخضر واليابس والبشر والحجر في سوريا، كان يقطن المدينة خليط فسيفسائي من الكرد والعرب والآشوريين والسريان، ومن المسلمين والمسيحيين وأقليات أخرى.
سانرا روت، "ملكة النبيذ" السابقة في مدينة ترير.صورة من: DW/N. Niebergall
درست نينورتا، المسيحية الآرامية، الحقوق في سوريا. غير أنه لم يتم الاعتراف بهذه الدراسة هنا وتوجب عليها أن تبدأ من الصفر. "فقدت كل شيء ويتعين علي البدء من جديد"، تقول نينورتا لـ DW. لكن الحظ لم يتخل عنها كلياً، فقد بدأت منذ فترة قريبة بتدريب مهني في "مركز العمل" في مدينة ترير، التي يزيد عدد سكانها عن 100 ألف بقليل. تشعر نينورتا بالسعادة في المدينة، إذ قالت في كلمتها في حفل تتويجها: "في ترير وجدت وطناً جديداً وأناسا لطيفين مستعدين للمساعدة".
خطاب تتويج بألمانية جيدة
بعد وصولها إلى ألمانيا شرعت نينورتا في تعلم اللغة الألمانية. ونجحت في ذلك بشكل ممتاز، ما مكنها من إلقاء كلمتها في حفل التتويج بلغة ألمانيّة جيدة ومفهومة. بعد إجادتها الألمانية أخذت بمساعدة اللاجئين الواصلين بعدها إلى المدينة بالترجمة وبتدبير شؤونهم. وبينما كانت العام الماضي تُترجم لبعض اللاجئين في مهرجان النبيذ، لفتت نظر أحد المنظمين، بيتر تيرقس. تجرأ بيتر وفاتحها بالسؤال: "ألا تريدين أن تصبحي ملكة للنبيذ؟". ابتسم لها الحظ من جديد وفازت بلقب "ملكة النبيذ". وبات تمثيل المدينة ونبيذها عبئا على كاهل نينورتا. وعن ثقل المسؤولية قالت الملكة السابقة، ساندرا روت في حديث لـDW: "أصبحت ملكة النبيذ عنوانا لمدينة ترير".
ستمثل نينورتا مدينة ترير في "مهرجان النبيذ الألماني" هذا العام، الذي سيقام في نهاية الأسبوع الثاني من شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل. ينظم "معهد النبيذ الألماني" ومقره مدينة ماينس، الحفل السنوي لاختيار "ملكة نبيذ ألمانيا". وقد نُظم المهرجان للمرة الأولى عام 1931. ويتنافس على لقب هذه السنة 13 ملكة يمثلن مناطق زراعة الكرمة وصناعة النبيذ في عموم ألمانيا.
السوري فرحان والألمانية كاترين وبعض الأصدقاءصورة من: DW/N. Niebergall
سفيرة للاندماج
ملف اللاجئين ومسألة إدماجهم في المجتمع الألماني على كل لسان في ألمانيا. الطالب السوري، المنحدر من نفس مدينة نينورتا، القامشلي، فخور بابنة بلده. وعلق الشاب، ذو الـ27 ربيعاً الذي حضر حفل التتويج، على تصرفات بعض اللاجئين السوريين قائلاً في تصريح لـDW: "لا يتصرف السوريون في ألمانيا بشكل جيد دائماً".
ترى الألمانية كاترين التي تحرص على حضور المهرجان منذ سنوات أن وقوع اختيار المنظمين على نينورتا كـ "ملكة للنبيذ" "أمر خارج عن المألوف؛ إذ إنه من المعروف أن المنظمين محافظون جداً. جاء هذا الاختيار مفأجاة سارة للجميع". تعي نينورتا جيداً معنى أن يكون المرء لاجئاً إذ تقول: "كلاجئة، أعرف صعوبة الاندماج في بلد جديد. يتعين على المرء فهم القوانين والعادات والتقاليد قبل كل شيء". وفي كلمة التتويج عبرت نينورتا عن فرحتها وسعادتها بأن تكون "سفيرة للاندماج".
في ألمانيا ـ "ملكات" يفوح منهن عبق النبيذ إحداهن سورية
قد يعد منصب "ملكة النبيذ" فخريا لكنه يحمل دلالات رمزية كثيرة، وبعض "ملكات النبيذ" نجحن في حياتهن في مجالات أخرى بعد نيلهن اللقب، حتى أن إحداهن صارت سياسة بارزة. ولأول مرة تفوز لاجئة سورية بلقب "ملكة النبيذ".
صورة من: picture-alliance/dpa/U. Anspach
نينورتا باهنو (26 عاما) هي أول لاجئة تتوج بلقب "ملكة النبيذ" في ألمانيا، بعد أن حصلت على اللقب في مدينة ترير التاريخية القديمة. وذكرت باهنو السورية المسيحية الآرامية أن "منصبها الملكي" لا يتعلق فقط بالكرم والنبيذ، وقالت: "أريد أن أصبح سفيرة للاندماج والتعايش المشترك في بلدي الجديد". وفرت باهنو مع شقيقتها من سوريا إلى ألمانيا نهاية 2012.
صورة من: picture-alliance/dpa/H. Tittel
يتم نقل احتفال وتتويج "ملكة النبيذ" على الهواء في محطات التلفزة المحلية. الملكة الحالية للنبيذ في ألمانيا لعام2015/ 2016 يوزيفينه شلومبيرغر (22 عاما) منحدرة من منطقة بادن وتنتمي لعائلة تنتج النبيذ.
صورة من: picture-alliance/dpa/U. Anspach
وكانت روت باخروت أول "ملكة للنبيذ" محلية في ألمانيا. واختيرت روت في سنة 1931 "ملكة نبيذ" منطقة فالتس وكانت أول شخص يحصل على هذا اللقب الفخري المرتبط بمنتج في ألمانيا. أما في الوقت الحاضر فهنالك "ملكة الجعة" و"ملكة التفاح" و"ملكة النقانق" والكثير من "الملكات" الفخريات الأخريات.
صورة من: Pfalzwein e.V.
بعد مجيء النازي إلى الحكم في ألمانيا حاول النظام استغلال المنصب الفخري في منطقة فالتس لصالح الدعاية النازية. وكان مصور محلي قريب من النظام يختار بنفسه المرأة المناسبة لحمل هذا اللقب، والتي تحمل مواصفات "المرأة النازية المثالية". (في الصورة غوستل هاوبتمان ملكة النبيذ لعام 1937)
صورة من: Pfalzwein e.V.
يُجرى انتخاب "ملكة النبيذ" على مستوى ألمانيا ككل منذ سنة 1949. وهنالك حاليا 13 "ملكة نبيذ" محلية من المناطق الشهيرة بإنتاج النبيذ. وكان على "الملكة" سابقا أن تكون غير متزوجة وان تنتمي لعائلة تعمل بإنتاج النبيذ. لكن هذه الشروط ألغيت في سنة 2000 وأصبحت "العلاقة الواضحة والوثيقة مع النبيذ الألماني" هي الحاسمة في اختيار "الملكة".
صورة من: Deutsches Weininstitut
في سنة 1950 بدأت مناطق أخرى في ألمانيا مشهورة بإنتاج النبيذ بتتويج "ملكة النبيذ" ولم يقتصر ذلك على منطقة فالتس، ففي منطقة فورتيمبيرغ حصلت مارتا كنوبلوخ ( يسار الصورة) على هذا اللقب، وتجلس بجوار مارتا الفائزة باللقب لسنة 2013 تيريسا أولكوس.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Maurer
يتطلب من "ملكة النبيذ" القيام بالكثير من الأعمال الترويجية للنبيذ. وكان عليها أن ترتدي الملابس التقليدية الألمانية ولغاية عام 1981. في الصورة المايسترو الأمريكي الشهير ليونارد بيرنشتاين في سنة 1968 في مطار مدينة كولونيا وكانت في استقباله ملكة النبيذ في ألمانيا لذلك العام بقدح من النبيذ.
صورة من: picture-alliance/akg-images
بعد اختيار "ملكات النبيذ" المحليات يُرسلن في نهاية شهر أيلول /سبتمبر إلى مدينة ماينتس ويتهيأن هناك للمنافسة على لقب "ملكة النبيذ" في ألمانيا. ويدخلن "الملكات" المحليات هناك دورات سريعة لمعرفة شروط وآداب وعمل "ملكة النبيذ" وتتضمن الدورات أيضا تعلم اللغة الانكليزية ومعرفة أسلوب التعامل والترويج "كملكة نبيذ" خارج ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa
تعد يوليا كلوكنر من أشهر "ملكات النبيذ" في ألمانيا، وتقلدت المنصب سنة 1995. كلوكنر دخلت أيضا عالم السياسة وفازت بعضوية البرلمان الألماني وتقلدت مناصب حزبية مهمة، وتشغل حاليا منصب نائب المستشارة ميركل في الحزب المسيحي الديمقراطي. وقالت كلوكنر:" لم أكن اليوم بكل تأكيد سياسية ناجحة وعضوة في البرلمان لو لم أفز يوما بلقب ملكة النبيذ".
صورة من: Deutsches Weininstitut
تضع جانينا هان ملكة النبيذ في ألمانيا لعام2014&/ 2015 تاجا جديدا على راسها وفي يدها التاج القديم. مؤسسة النبيذ الألمانية، المسؤولة عن تنظيم المسابقة، قدمت التاج الجديد، وهو السادس للمسابقة منذ تأسيسها في سنة 1949.