ذكرت مصادر رسمية ألمانية أن ارتفاع درجات الحرارة هذا الصيف وقلة هطول الأمطار أدى إلى زيادة انخفاض مستويات المياه في نهر الراين، كما تسود مخاوف من كارثة بيئية بفعل فاعل أدت إلى نفوق الأسماك على الحدود الألمانية البولندية.
إعلان
يواصل منسوب مياه نهر الراين في ألمانيا التراجع، حيث أبلغت السلطات اليوم السبت (13 آب/ أغسطس 2022) عن انخفاض بنحو 6 سنتيمترات خلال الـ 24 ساعة الماضية.
وبحسب بيانات الهيئة المسؤولة عن الممرات المائية والشحن في ألمانيا (جي دي دابليو إس)، فإن مستوى المياه في منطقة كاوب بولاية راينلاند-بفالتس، وهي منطقة مهمة لقطاع الشحن النهري، يبلغ الآن 36 سم، ولا تستبعد الهيئة أن ينخفض المنسوب إلى30 سم بحلول بعد غد الاثنين.
وتعاني سفن الشحن والركاب من انخفاض منسوب المياه في نهر الراين منذ عدة أسابيع. وبحسب بيانات الهيئة، بلغ منسوب المياه في كاوب 42 سم أمس الجمعة، أي أقل بنحو 5 سم مقارنة باليوم السابق.
وكانت السلطات أعلنت مؤخرا أن صنادل المياه الضحلة لا يزال بإمكانها الإبحار في النهر بمستويات مياه تتراوح حوالي 30 إلى 35 سم. وصرح مسؤول في هيئة (جي دي دابليو إس) لصحيفة "فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ" أمس الجمعة أنه ليس من المرجح أن تتأثر بهذا الانخفاض في منسوب المياه سفن الشحن النهرية، وقال: "استمرار الجفاف الشديد يمكن أن يؤثر نظريا على القدرة على الملاحة. لكنني لا أعتقد أن ذلك محتمل".
وقد تضطر السفن إلى حمل حمولة أقل بكثير عندما يكون مستوى المياه منخفضا، ما يعني أنه سيكون من الصعب نقل الفحم والنفط على نهر الراين، وقال المسؤول: "سيتعين في هذه الحالة نقل الكثير عن طريق البر والسكك الحديدية".
ويتجه نهر "الراين" لأن يصبح غير سالك بشكل فعلي، عند نقطة عبور رئيسية في ألمانيا، ، حيث تؤدي المياه الضحلة، على طول النهر إلى تقييد شحنات منتجات الطاقة والسلع الصناعية الأخرى.
وكان ممثل عن المعهد الاتحادي الألماني لعلم المياه قد ذكر في وقت سابق أنه في هذا المستوى من المياه، يصبح من غير الاقتصادي للمراكب التي تنقل كل شيء من الوقود إلى الحديد أن تعبر عند هذه العلامة.
يشار إلى أن بعض أنواع المراكب، التي تنقل بعض السلع على الأقل، ستظل قادرة على المرور عبر بلدة "كاوب" حتى مع هذا المستوى المنخفض للمياه.
وتشهد مدن أوروبية عدة درجات حرارة تزيد على الثلاثين، ما يزيد الطلب على التبريد ويفاقم الأحوال الجوية شديدة الجفاف التي أدت إلى وضع قيود على استخدام المياه.
وتعد موجات الحر المتكررة بشكل متزايد في أوروبا تذكيرا صارخا بأزمة التغير المناخي الآخذة في التكشف، حيث من المتوقع أن تصبح درجات الحرارة المتطرفة أكثر شيوعا فيما يواصل العام حرق الوقود الأحفوري.
وفي سياق منفصل طفت آلاف الأسماك النافقة فوق مياه نهر أودير في ألمانيا وبولندا ما يعزز مخاوف من "كارثة" بيئية في المنطقة حيث دعي السكان لعدم الاقتراب من المياه.
وتنتشر الأسماك النافقة في بحيرات بالقرب من بلدة شفيدت في شرق ألمانيا ومن المتوقع أن تيارات المياه نقلتها من بولندا حيث تم اكتشاف الحالات الأولى من قبل السكان والصيادين في 28 تموز/يوليو الفائت.
واتهم مسؤولون في ألمانيا تفاجؤوا بوصول أعداد كبيرة من الأسماك النافقة، السلطات البولندية بعدم اعلامهم مسبقا بالأمر.
وأعلنت الشرطة البولندية السبت عن مكافأة بقيمة 210 آلاف يورو لمن يتمكن من العثور والابلاغ عن الجهة التي لوّثت النهر.
وتنتقد الحكومة البولندية اليمينية الشعبوية بشدة لكونها لم تتخذ قرارات مبكرة بتطويق موقع الكارثة.
وقال رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافتسكي الجمعة "في البداية اعتقد الجميع بأن المشكلة محلية". وأقر بأن "التلوّث منتشر بشكل كبير، بما يمكننا من القول إن أودير يلزمه سنوات ليسترجع وضعه الطبيعي". كما أوضح "الأرجح ان كميات كبيرة من النفايات الكيميائية تم إلقاؤها في النهر رغم الوعي بالمخاطر وتبعات ذلك".
من جانبها طالبت وزير البيئة الألمانية شتيفي ليمكه بفتح تحقيق شامل لتحديد الأسباب التي ادت إلى هذه "الكارثة البيئية".
ع.أ.ج/ أ.ح (د ب ا، أ ف ب)
يقاوم الجفاف وتغير المناخ.. الراين معلم طبيعي وشريان حياة بقلب أوروبا
ليس نهر الراين مجرد نهر غزيز يمرّ عبر ست دول أوروبية، بل هو أيضاَ معلمة تاريخية ورمز حضاري يؤرخ لتاريخ ممتد، وشريان حياة وخط نقل رئيسي في قلب أوروبا، لكنه يواجه أياما صعبة بسبب التغيّر المناخي، إذ تراجع منسوبه بشكل كبير.
صورة من: Peter Schickert/picture alliance
من سويسرا إلى هولندا
ينبع نهر الراين تحديدا من بحيرة توما في كانتون غراوبوندن شرق سويسرا، لكن عمقه لا يزداد إلا بعد تدخل مصادر أخرى للمياه منها بحيرة توماسي. هو أكبر نهر في سويسرا، ويشكل جزءا من حدودها مع النمسا وألمانيا وفرنسا، ومن أجمل معالمه الطبيعية في سويسرا شلالات الراين.
صورة من: imago/Westend61/W. Dieterich
يقطع ست دول بموقع استراتيجي مهم
اسمه يعود إلى اللغة السلتية، رينوس، وتعني "الجاري"، يتدفق النهر على مسافة 1230 كيلومترا. يمر في سويسرا وألمانيا وفرنسا والنمسا وليختنشتاين وهولندا، حيث يصب في بحر الشمال، ورغم أنه لا يوجد في قائمة خمس أكبر أنهار أوروبا، إلّا أن موقعه الاستراتيجي يجعله ضمن أهمها على الإطلاق.
صورة من: picture-alliance/blickwinkel/S. Ziese
شريان نقل وسط القارة الأوروبية
بفضل هذه الأهمية الاستراتيجية، استُخدم الراين وسيلة مثلى للنقل منذ أيام الحكم الروماني، واليوم هو شريان نقل أساسي للبضائع بين الدول التي يمر عليها، فمثلا ينقل الجزء الأكبر من البضائع التي تصل ألمانيا عبر الأنهار والمقدرة بـ195 مليون طن، ويربط مناطق صناعية ضخمة في ألمانيا وفرنسا وسويسرا وهولندا.
صورة من: H. Blossey/blickwinkel/picture alliance
أهمية كبيرة في التاريخ الألماني
رغم أنه يأتي في المرتبة الثانية داخل ألمانيا بعد نهر الدانوب، إلّا أن الراين كان له دور كبير في تشكيل القومية الوطنية الألمانية. يعود ذلك بسبب مروره عبر دول كانت منافسة لألمانيا منها فرنسا، وما نجح عن ذلك من أزمة بينهما عندما طالبت باريس أن يشكل النهر حدودا طبيعية لفرنسا. تقدم الأغنية الشهيرة " Die Wacht am Rhein" الصادرة عام 1871 لمحة عن هذه المشاعر القومية.
صورة من: picture-alliance/Zoonar/N. Okhitin
يضفي على المدن جمالا ساحرا
شكل هذا النهر مصدر إلهام للكثير من الفنانين، منهم رسام المناظر الطبيعية الإنجليزي ويليام ترنر الذي استلهم لوحاته من رومانسية نهر الراين، وكذلك الشاعر لورد بايرون. كما حضر النهر في العديد من الأفلام السينمائية منها Watch on the Rhine. يمر عبر العديد من المدن الجميلة، خصوصا في ألمانيا حيث يقطع 13 مدينة أشهرها كولونيا (الصورة)، وكذلك في روتردام الهولندية.
صورة من: manfredxy/Zoonar/picture alliance
الجفاف يضرب الراين مرة أخرى
تعرّض النهر لموجات جفاف عبر التاريخ استطاع أن يقاوم آخرها عام 2018. هذه الأيام يعاني مجددا من تراجع منسوبه، إذ تراجع مستواه في كوبلنز الألمانية إلى 48 سنتمتر فقط، وهو أقل ثلاث مرات مما تحتاجه السفن للإبحار. صور متعددة التقطت لتراجع المياه وهناك توقعات بأن تنحسر أكثر خلال الأيام القادمة، لكن الخبراء يثقون في صموده مرة أخرى.
صورة من: Ina Fassbender/AFP
تضرر كبير في المجال الاقتصادي
تداعيات الجفاف كبيرة جدا على المستوى الاقتصادي، سيكون لزاما على العديد من شركات النقل تأجيل أو خفض نقل بضائعها، ومن ذلك النفط والفحم الحجري والغاز. يتحدث خبراء عن أن السفن لن تستطيع نقل أكثر من 600 طن حتى وإن كان قدرتها تتجاوز ألفي طن. يحدث هذا في وقت تتخوف فيه ألمانيا وأوروبا من أزمة طاقة بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، فضلا عن تضرر حركة النقل السياحي.
صورة من: Getty Images/M. Hitij
خطر كبير على البيئة
التداعيات تصل كذلك إلى المجال البيئي. نهر الراين هو موطن الكثير من النباتات والحيوانات والطيور. بسبب انخفاض منسوبه يزداد التلوث وترتفع درجة الحرارة. تعيش في النهر أنواع سمكية متعددة ما يشكل خطرا على التنوع البيئي، كما تتضرر النباتات التي تنبت على ضفاف النهر، ويؤثر الجفاف بشكل كبير على الغطاء الغابوي القريب من النهر.