تحليل: أزمة السكن في ألمانيا.. هل اللاجئون مسؤولون عنها؟
١ سبتمبر ٢٠١٩
يحلو لليمين الشعبوي ومن يقول قوله تحميل المهاجرين واللاجئين مسؤولية أزمة السكن وارتفاع أسعار الإيجارات في ألمانيا. غير أن آراء غالبية الخبراء ونتائج الدراسات تظهر غير ذلك وتكشف أوجه التقصير من جانب الحكومة والولايات.
إعلان
إيجار الشقق في ألمانيا
04:00
This browser does not support the video element.
حتى سنوات ليست ببعيدة كانت مؤسسات السكن في مدن ألمانية مثل برلين تعرض شققها للاستئجار مقابل فترة سماح لمدة تصل إلى ثلاثة أشهر. يومها كانت عشرات آلاف الشقق والبيوت الرخيصة الخاصة بأصحاب الدخل المحدود والمتوسط فارغة لا تجد من يشتري أو يستأجر. أما اليوم فقد أصبح إيجاد السكن المناسب للدخل الشغل الشاغل لعدد كبير من سكان ألمانيا خلال رحلة بحث مضنية عنه. وتفيد دراسة أعدتها جمعية "هانس بوكلر" القريبة من النقابات العمالية أن هناك نقصا بحدود مليوني مسكن في 77 مدينة ألمانية. وتظهر هذه المشكلة بشكل واضح في مدن كبيرة مثل برلين وميونيخ وكولونيا وشتوتغارت. وعلى سبيل المثال أفادت دراسة أعدها المعهد الاقتصادي الألماني أن المساكن المتاحة في هذه المدن لا تسد الطلب سوى بنسب تتراوح بين 50 إلى 73 بالمائة.
ارتفاع الإيجارات: حوت في عالم العقارات يلعب دور المنقذ
04:05
This browser does not support the video element.
تشعب المشكلة
ولا تكمن المشكلة في نقص المساكن فقط، بل في ارتفاع أسعار المتاح منها بالنسبة للغالبية مقارنة مع الأجور والرواتب. ويدل على ذلك وجود عشرات الشقق الفارغة والفارهة التي تنتظر السياح وممثلي الشركات، لأن أصحاب الدخل المحدود لايستطيعون تحمل تكاليفها. وحتى الذين لديهم سكن، فإن ما لا يقل عن 40 بالمائة منهم يشكون حاليا من الارتفاع المتكرر في بدل الإيجار بشكل لا يتناسب وزيادة دخولهم، وهو الأمر الذي يشكل خطرا على استمرارهم في مساكنهم إذا استمر الوضع على ما هو عليه.
اللاجئون كبش فداء
عندما تحصل مشكلة، فإن أسهل شيء لتفسير أسبابها لدى الكثيرين يكمن في إيجاد كبش فداء يتم تحميله المسؤولية عنها. وهذا ما يحصل ولو بشكل جزئي على صعيد أزمة السكن في ألمانيا، فاليمين المتطرف ومن يقول قوله، يحمّلون اللاجئين مسؤولية هذه المشكلة وتبعاتها، فأشخاص أمثال جيورج باتسديرسكي/ رئيس الكتلة البرلمانية لحزب البديل اليميني الشعبوي في ولاية برلين لا يبدون الاهتمام بالفرص التي جاءت مع اللاجئين والمهاجرين إلى ألمانيا في مجال العمل والاستثمار والتخفيف من مشكلة الشيخوخة التي يعاني منها المجتمع الألماني، على العكس من ذلك لايرى باتسديرسكي وأمثاله في المهاجرين واللاجئين الذين تدفقوا منذ عام 2015 أكثر من كونهم يتحملون "قسط كبيرا" في مشاكل سكان برلين مدعيا "أن الإيجارات العالية وأزمة السكن ورياض الأطفال المكتظة الخ، كلها بسبب اللاجئين والمهاجرين".
ترى من هو صاحب الحظ السعيد في الحصول على هذا السكن المعروض للايجار في مدينة دورتمود الألمانية؟صورة من: imago/Friedrich Stark
من يتحمل المسؤولية؟
السؤال المطروح هنا هو إلى أي حد تتحمل موجة اللجوء والهجرة منذ عام 2015 المسؤولية؟ مما لا شك فيه أن هذه الموجة التي جاءت بأكثر من مليون لاجئي وخاصة من سوريا في عام 2015 ساهمت في زيادة الضغط على سوق السكن. غير أن هذه المساهمة بقيت محدودة، لأن القسم الأكبر من اللاجئين، أكثر من الثلثين لم يجد الفرص المناسبة التي تسمح بالخروج من أمكنة إيواء اللاجئين إلى سكن مستقل في شقة أو منزل.
وتكمن هذه الفرص في إيجاد عمل أو إعادة التأهيل أو الحصول على حق اللجوء. وإذا ما تم توزيع الباحثين من اللاجئين عن سكن مستقل على مختلف مناطق ألمانيا ومدنها التي يتجاوز عددها 80 مدينة، فإن أحد الاستنتاجات تفيد بأن نسبتهم في سوق الطلب على السكن قليلة مقارنة بالمهاجرين من الأرياف إلى المدن الألمانية أو مع المهاجرين من دول الاتحاد الأوروبي وشرق أوروبا.
ويؤيد هذا الاستنتاج اتفاق غالبية الخبراء ومعاهد البحث والاتحادات المتخصصة في ألمانيا على أن دور اللاجئين ثانوي في مشكلة السكن، لأنها المشكلة بدأت بالظهور منذ عام 2012، أي قبل التدفق الكبير للاجئين عام 2015. وعندما ظهرت حذرت جهات عدة من تفاقمها بسرعة كبيرة، غير أن الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات لم تقم بالخطوات اللازمة لحلها على حد قول بيرند ميسوفيك، مدير القسم القانوني في منظمة "برو آزول". ومن هذه الخطوات التي كان ينبغي عملها على سبيل المثال بناء مساكن كافية تواكب زيادة الطلب وتوسيع رقعة أراضي البناء في ضواحي المدن وتوفيرها بأسعار مشجعة. وكان من اللازم تقليص الاجراءات البيروقراطية اللازمة للحصول على رخص البناء وإلغاء القوانين العقيمة في هذا الشأن. ويشتكي الكثير من المستثمرين أن فترة انتظارهم للحصول على رخصة البناء تصل سنة ونصف السنة، ما يعني ارتفاع أسعار الأراضي وتراجع الحافز لديهم للبناء.
ابراهيم محمد: غريب أن تحصل أزمة سكن في ألمانيا وأسعار الفوائد متدنية بشكل غير مسبوق في تاريخ البلاد المعاصرصورة من: DW/P.Henriksen
المشكلة والحل الأكثر واقعية
في ظل استمرار حدة الأزمة ترتفع الأصوات المطالبة بحلها. وقد تجاوز الأمر الجدل في طرح الأفكار والاقتراحات إلى مبادرات شعبية تحاول الضغط على السلطات المحلية والاتحادية بدعم حزبي اليسار والخضر المعارضين. وفي العاصمة برلين طالب المبادرون بتأميم شركات الإسكان التي تمتلك أكثر من 3 آلاف شقة تحتكر تأجيرها وترفع أسعارها دون الالتزام بالضوابط والقوانين. وتوجه لهذه الشركات من أمثال شركة "دويتشه فونن" تهمة استغلال الوضع ومخالفة قانون صدر في عام 2015 لمنع ارتفاع الايجارات الجديدة أكثر من 10 بالمائة مقارنة مع متوسط السعر المألوف في منطقة العقار.
ويرى خبراء كثر أن القانون لم يحد من ارتفاع الأسعار ولم يحل المشكلة شأنه شأن زيادة دعم الحكومة الاتحادية للولايات بأكثر من مليار يورو منذ عام 2015. وعلى ضوء الطلب المتزايد على السكن بسبب الهجرة الداخلية من الريف إلى المدن والهجرة الأوروبية ومن الدول العربية والعالم الثالث من الواضح أن المشكلة لن تحل إلا بالاسراع في بناء مساكن كافية من قبل الولايات والدولة والقطاع الخاص يكون من بينها نسبة كافية من المساكن الاجتماعية والادخار الرخيص. وفيما عدا ذلك ستتفاقم المشكلة في ظل ازدهار المضاربات في الأسعار وكثرة الشائعات حول من يتحمل المسؤولية.
ابراهيم محمد
ابتكارات طلابية مختلفة للسكن بأسعار معقولة
يشهد عدد الطلاب في ألمانيا تزايدا، خاصة وأن بعض الولايات ألغت الرسوم الجامعية. وأمام العدد الكبير من الطلاب بدأت مشكلة السكن الجامعي تطفو على السطح. الأمر الذي دفع البعض إلى ابتكار طرق مختلفة لحل هذه الأزمة.
صورة من: picture-alliance/dpa/LandProp SE
بحث مضن عن غرفة للسكن
كثيرا ما يواجه الطلاب مشكلة في إيجاد مسكن ذلك أن الطلب على السكن الجامعي كبير جدا وأكبر من قدرة الاستيعاب. وتعد كل من مدينتي ميونخ وفرانكفورات من أغلى المدن من ناحية الإيجار، حيث يبلغ معدل إيجار غرفة واحدة في شقة جماعية 493 يورو في ميونخ و421 يورو في فرانكفورت. يحاول الطلاب مساعدة بعضهم البعض من خلال إعلانات عن غرف شاغرة في بهو الجامعات.
صورة من: picture-alliance/dpa
السكن لدى الوالدين
يسكن نحو 27 بالمائة من الطلاب لدى آبائهم وأمهاتهم. ويُعتبر هذا النوع من السكن مريحا وأقل تكلفة: ذلك أن الطلاب يوفرون إيجار الغرفة بالإضافة إلى أنهم لا يولون هما لطبخ الطعام أو غسل الملابس. ولكن لكل شيء ثمنه: ذلك أن السكن لدى الوالدين يعني الرضوخ لتعاليمهما وقواعدهما في العيش والقليل من الحرية.
صورة من: Fotolia/Jeanette Dietl
النوم في قاعات الرياضة
لكن أولئك الذي يدرسون في جامعات بعيدة عن مقر سكن والديهم يضطرون للبحث عن سكن جماعي. وفي بعض المدن الكبيرة التي يكثر الطلب على جامعاتها، مثل ميونخ أو كولونيا أو فرانكفورت، فإن إيجاد سكن يمكن دفع إيجاره أصبح أمرا صعب المنال كالفوز في اليانصيب. وحتى لا ينامون في الشارع يضطر البعض إلى النوم بصفة جماعية في قاعات للرياضة تابعة للجامعة إلى أن يجدوا سكنا لهم.
صورة من: picture-alliance/dpa
السكن الجامعي
يقيم نحو 12 بالمائة من الطلاب في ألمانيا بالسكن الجامعي. وفي المبيتات الجامعية الجديدة تبلغ مساحة الغرفة الواحدة 17 مترا مربعا. أما في المبيتات القديمة فإنها أصغر بكثير. وقد أصبح من النادر أن يسكن الطالب لوحده في غرفة لوحده، حيث غالبا ما يسكن ثلاثة أو أربعة طلاب مع بعضهم البعض. ويبلغ معدل الإيجار في السكن الجامعي نحو 230 يورو وهو سعر لا يمكن إيجاده في القطاع الخاص.
صورة من: picture-alliance/dpa
قصدير من الخارج وسجاد في الداخل
الغرف القصديرية ليست بالأمر الجديد، فقد تم استخدامها في الثمانينات في ألمانيا عندما كان الطلب على السكن الجامعي أكبر بكثير من العرض. حينها كانت هذه الغرف حلا مؤقتا للطلاب. وقد تم اعتماد هذه الغرف في مدينة ميونخ الألمانية حيث الأسعار عالية والطلب كبير على السكن. وقد تعتمد مدن أخرى هذا الحل لطلابها في حال لم يتم إيجاد سكن مناسب لهم.
صورة من: Manfred Kovatsch
غرف على شكل مكعبات
في غرف صغيرة جدا على شكل مكعبات لا تتجاوز مساحتها نحو سبعة أمتار مربعة يمكن للطلاب في مدينة ميونخ السكن في قرية "او تو/ O2 Village). توفر الغرفة المرافق الضرورية للحياة كحمام ومطبخ ومكان للجلوس والنوم. ويبلغ إيجار الغرفة الواحدة 150 يورو شهريا.
صورة من: cc-by-nc-sa3.0/Church of emacs
سكن في بيت تاريخي
في مدينة غوتنغن الألمانية قامت مصالح شؤون الطلبة بإعادة ترميم هذا البيت القديم جدا وتحويله إلى سكن جامعي يتهافت عليه الطلاب نظرا لجماليته وكونه يجمع بين التاريخ والعيش المريح في قلب الطبيعة.
صورة من: picture alliance/dpa
سكن للطلاب على شكل ثكنة عسكرية
في هذا السكن الجامعي في مدينة بون، والذي بني على شكل ثكنة عسكرية يتقاسم الطلاب المطبخ والحمام يحاول الطلاب التأقلم مع هذا النوع من السكن. الشيء الذي يتميز به هذا السكن أنه يقدم خدمات في مختلف المجالات للطلاب الأجانب الجدد.
صورة من: picture-alliance / Helga Lade Fotoagentur GmbH, Ger
أجيال مختلفة تحت سقف واحد
تسكن الطالبة سارة لدى السيدة المتقاعدة كلارا فورست. ومقابل الحصول على غرفة للسكن تقوم سارة بمساعدة كلارا في البيت والحديقة وتقوم بالتبضع وغسل الأواني مثلا. ومنذ عام 1992 هناك مكاتب متخصصة في التوسط لهذا النوع من السكن الجماعي الذي يجمع بين أجيال مختلفة. وفي بعض الأحيان يتحول هذا النوع من السكن إلى صداقة حقيقية.
صورة من: picture-alliance/dpa
أعمال الحراسة مقابل السكن
عندما تبقى المصانع القديمة أو المستشفيات أو المدارس فارغة، فإن مالكيها يخشون من أن يتم العبث بها من قبل غرباء أو تتعرض للنهب. ومنذ عام 2010 يمكن للطلاب التقدم لوظيفة حارس لهذه البنايات مقابل السكن فيها. كما أن هناك قواعد تنظم هذا النوع من السكن، حيث لا يحق للحارس التدخين أو أن تكون له حيوانات تعيش معه أو إقامة حفلات لأكثر من عشرة أشخاص.
صورة من: DW/L.Heller
العيش في دير تابع للكنيسة
في دير فارغ بمدينة أولم الألمانية يعيش منذ 2012 سبعة وعشرون طالبا من جنسيات مختلفة. ومن لا يستطيع دفع الإيجار من الطلاب الأجانب، فإن الكنيسة توفر عشر غرف للسكن بدون مقابل. ولكن عقود الإيجار محددة زمنيا كما أن الكنيسة لم تحدد ما الذي ستفعله بالدير مستقبلا.
صورة من: DW/V. Wüst
فكرة مستقبلية لحل أزمة السكن الجامعي
بعض المسامير والبراغي تكفي لإنشاء غرفة – هذا الرسم على شاشة الكمبيوتر يعكس فكرة لإحدى الشركات السويدية إنتر إيكيا حول إمكانية إنجاز غرف وسكن للطلاب في ألمانيا. ولكن ذلك لا يزال حبرا على ورق أو رسما على جهاز الكمبيوتر.