ألمانيا وإعادة إعمار سوريا ـ لا مشاركة دون عملية سياسية
٢١ ديسمبر ٢٠١٨
إعادة إعمار سوريا ستكلف مئات المليارات، والأسد وحلفاؤه لا يريدون تحمل التكاليف لوحدهم. الرئيس الروسي يطالب الغرب، وتحديدا ألمانيا، بالمشاركة في إعادة الإعمار. مسؤولون ألمان يردون: لا مشاركة دون عملية سياسية تنهي الحرب.
إعلان
الحرب لم تنته بعد في سوريا، لكن شيئا يبدو منذ الآن واضحا وهو أن الدكتاتور بشار الأسد سيبقى في السلطة. وأن تسقط إدلب، المعقل الأخير لبعض المتمردين والمتطرفين لا يمثل إلا قضية وقت. لكن الكثير من المدن في سوريا باتت ركاما من الأنقاض، وإعادة إعمار البلاد ستكون مكلفة. ويرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن على الدول الغربية أن تمول إعادة إعمار سوريا، لأنه لا النظام السوري ولا إيران أو روسيا تريد تحمل التكاليف لوحدها ـ فالحرب كلفتهم الكثير. وهذه هي المناسبة لألمانيا لطرح طلبات سياسية وشروط على سوريا لتقديم المساعدة في إعادة الإعمار، كما يقول المتحدث باسم الشؤون الخارجية لحزب الخضر المعارض، أوميد نوريبور في حديث مع DW.
والمعطيات حول تكاليف إعادة الإعمار متباينة جدا، ففي الوقت الذي يتحدث فيه مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا المنتهية ولايته ستافان دي ميستورا عن نحو 250 مليار دولار، يتحدث النظام السوري عن مبلغ 400 مليار دولار. وينطلق الخبراء من أن إزالة خسائر الحرب ستدوم عقدا من الزمن على الأقل. وسبق للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أن شددت على المسؤولية المشتركة لألمانيا وروسيا في إيجاد حل لأزمة سوريا. لكن برلين تتجنب إعطاء جواب واضح على السؤال حول المشاركة الألمانية الممكنة في إعادة بناء سوريا وتربطها بشروط.
وقالت وزيرة الدفاع الألمانية أورزولا فون دير لاين خلال مؤتمر أمني في البحرين: "لن تحصل استثمارات في سوريا إلا مع وجود عملية سياسية تأتي بالسلم تشارك فيها جميع الأحزاب". واعتبرت أنه من المستبعد تصور استكمال إعادة إعمار تستفيد منها نظام الرئيس بشار الأسد. لكن لا أحد يعرف كيف سيكون نظام ما بعد الحرب.
وأوضح خبير الشؤون الخارجية من الحزب المسيحي الديمقراطي، رودريش كيزفيتر أنه يجب على ألمانيا والاتحاد الأوروبي المساهمة في إعادة إعمار سوريا: "لكن فقط إذا وُجدت الشروط الضرورية لعملية سلمية تضمنها روسيا وإيران وتركيا".
كما يجب على دمشق أن توفر ممرات إنسانية واسعة والحماية من الاضطهاد وضمان الملكية للعائدين. وفي حال لبَت سوريا شروط ألمانيا في الحصول على المساعدة في إعادة الإعمار، فلا يتعلق الأمر بتحويل الأموال، كما يقول أوميد نوريبور، إذ يجب التعاون في عين المكان وخدمة المشاريع وليس تقديم مساعدة مالية: "الأموال التي نعطيها للأسد تُحول لصالح جهاز القمع. وهذا ليس هو الهدف المنشود".
الأسد يريد سوريا "متجانسة"
أوضح الأسد أن البلاد خسرت الكثير من الرجال والبنية التحتية، لكنها حصلت بموجب ذلك على مجتمع سليم ومتجانس أكثر. أما خبير شؤون الشرق الأوسط، غيدو شتاينبيرغ من المعهد الألماني للسياسة الدولية والأمن في برلين فقد قال:" من وجهة نظري النظام اتبع دوما استراتيجية تقضي من خلال المحاربة العنيفة للمتمردين بطرد السكان".
وهذا ما يؤكده المرسوم رقم 10 الذي يسمح للحكومة بالسطو على ملكية السوريين الهاربين إلى الخارج في حال عدم تقديم طلباتهم على الممتلكات في غضون عام في سوريا. وقد يؤدي ذلك إلى أن بعض المناطق بمجموعات سكانية أخرى في صالح النظام وليس في صالح اللاجئين العائدين يتم إعادة بنائها. لكن في حال قدوم اللاجئين الهاربين من مناطق المعارضة أو معروفين كخصوم للأسد، "فيجب عليهم توقع أن يتعرضوا للاعتقال والتعذيب والقتل"، كما قال شتاينبيرغ.
عودة اللاجئين؟
ويربط فلاديمير بوتين مبادرته من أجل إعادة الإعمار المشتركة لسوريا بآفاق عودة اللاجئين من أوروبا. وهو يعرف كيف أن هذا الموضوع يتسبب في انقسام في ألمانيا وأيضا الاتحاد الأوروبي. "نحن غير قابلين للابتزاز في قضية اللاجئين"، يقول أوميد نوريبور الذي أوضح أنه يجب على ألمانيا طرح شروط لإعادة الإعمار، معتبرا أن الأسد وحلفاءه يعتقدون أن ألمانيا ستفعل كلما في وسعها لترحيل الناس. "وهذا يجب ببساطة نفيه"، كما يطالب نوريبور من حزب الخضر.
ويعتبر غيدو شتاينبيرغ أنه من الممكن أن تشارك ألمانيا عاجلا أم آجلا في إعادة إعمار سوريا، وينطلق من فرضية أن نظام الأسد سيحاول الوصول إلى الأموال دون استقبال لاجئين. والعودة لا سيما إلى المناطق التي هُجر منها أشخاص غير مطروحة حاليا في النقاش. كما أن الحرب بعد العملية العسكرية في إدلب لم تنته بعد، ولا يستبعد شتاينبيرغ أن تحصل في النهاية مواجهات مع الأكراد.
السياسة والأخلاق
وفي حال تفكير سياسيين ألمان في الترحيل إلى سوريا، فإن هذا ليس ممكنا لأسباب عملية، كما يحذر المتحدث باسم جمعية "برو أزول" المدافعة عن اللاجئين، بيرند ميزوفيتش. فأسباب الهرب لم يتم تدوينها بشكل انفرادي كتابيا في الملفات.
وحوالي نصف مليون سوري لقوا حتفهم جراء قنابل الأسد وحلفائه في السنوات السبع الماضية في الحرب. وبناء على ذلك أفلا تشكل المشاركة المالية في إعادة الإعمار دعما للنظام السوري؟ خبير الشرق الأوسط، غيدو شتاينبيرغ، يرد قائلا: إن أي مشاركة ألمانية في إعادة إعمار سوريا، كيفما كانت الظروف، ستكون إشارة خاطئة.
ديانا هودالي/ ريشارد فوخ/ م.أ.م
محطات في الدور الألماني خلال الأزمة السورية
إلى جانب الدور الإنساني، لعبت ألمانيا أدوارا أمنية وسياسية في الأزمة السورية. وعلى مدى سبع سنوات، لم تتخلف برلين عن تسجيل حضورها في ملفات الأزمة داعية دائماً إلى وقف الحرب و"الجرائم ضد الإنسانية" في سوريا.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Kumm
منفذ اللاجئين
منذ بداية الأزمة في سوريا سنة 2011، يبحث السوريون عن منافذ لمغادرة بلدهم نحو بلدان أكثر أمانا. وكانت ألمانيا واحدة من المنافذ التي فتحت الباب أمامهم منذ 2015، كما أتاحت لهم فرصة النفاذ من ويلات الحرب حتى صار عدد السوريين من غير الحاملين للجنسية الألمانية، عام 2017، يقدر بحوالي 699 ألف شخص، في ألمانيا، أي ثالث أكبر جالية أجنبية في البلاد، حسب ما أفاد "مكتب الإحصاء الاتحادي".
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Pförtner
"ماما ميركل" محبوبة اللاجئين السوريين
لعبت قرارات ميركل في ملف اللاجئين دورا رياديا. وكان قرارها الشهير عام 2015، بفتح الحدود الألمانية أمام اللاجئين السوريين خاصة وقد وصلوا أوروبا عبر البحر المتوسط، محط أنظار العالم بأسره، إذ لم تقف عند "اتفاقية دبلن" و"فضاء شينغن" والهدنة مع دول أوروبا الشرقية. وتمسكت بشعارها "نستطيع أن ننجز ذلك"، في إشارة منها إلى تفاؤلها بالتغلب على أزمة اللاجئين. قرارات ميركل جعلتها تُنعت بـ"ماما ميركل".
صورة من: Reuters/F. Bensch
إدماج وإندماج
تعمل ألمانيا بشكل مكثف على إدماج اللاجئين في الحياة العامة. وتخصص ميزانيات مهمة من أجل تعليم اللغة وتوفير دورات للاندماج ، فضلا عن دورات التأهيل للعمل لصالح اللاجئين. علاوة على ذلك، يحظى الأطفال باهتمام خاص، إذ يذهبون، بعد وصولهم بفترة بسيطة إلى ألمانيا، إلى المدارس أو إلى دور الحضانة وذلك بهدف الانفتاح على العالم الجديد والتأقلم معه.
صورة من: picture-alliance/W. Rothermel
إنقاذ وتطبيب ومليارات اليورو للدعم
قدمت ألمانيا مساعدات كثيرة للسورين خلال الحرب. فبالإضافة إلى التطبيب، رصدت عام (2017) للمساعدات الإنسانية في سوريا 720 مليون يورو. فضلا عن 2.2 مليار يورو، قدمتها لسوريا منذ بداية الحرب الأهلية هناك في عام 2012، وكان وزير الخارجية الألمانية زيغمار غابرييل، قد تعهد بعشرة ملايين يورو إضافية للمساعدات المقدمة لسوريا في ظل الوضع المأساوي في الغوطة الشرقية.
صورة من: Ärzte ohne Grenzen
مساعدات إنسانية في الداخل والخارج
لا تنحصر المساعدات الإنسانية الألمانية على المحتاجين اليها في سوريا فحسب، بل تشملهم في ألمانيا أيضا، حيث تتظافر جهود الدولة والمجتمع المدني لمد اللاجئين بالمعونة الضرورية، خاصة في الأيام الأولى من التحاقهم. وتعتبر موائد "تافل" من بين الجهات التي يتوجه إليها اللاجئون بهدف الحصول على الطعام.
صورة من: DW/B. Knight
حضور ألماني أنساني حتى في مخيمات اللجوء عبر العالم
تقديم ألمانيا لمساعداتها الإنسانية لصالح اللاجئين لا يقتصر على سوريا أو ألمانيا، وإنما يتجاوزه وصولاً الى مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان، مثلا. وقد مولت الحكومة الألمانية مشاريع مهمة في المخيمات، كمشروع الكهرباء الذي استفاد منه مخيم الزعتري والذي بلغت طاقته 12.9 ميغاوات. وبالإضافة إلى توفير الكهرباء، فقد أتاحت المحطة بيئة أكثر أماناً للأطفال والبالغين في هذا المخيم.
صورة من: picture-alliance/dpa/B.v. Jutrczenka
إنقاذ من الجوع والعطش
عانى الدمشقيون من ندرة المياه وانقطاعها المتواصل بسبب الحرب واستمرار المعارك، خاصة في منطقة وادي بردى، قرب دمشق. وكانت الحكومة الألمانية أول من بادر لحل هذا المشكل، إذ قالت وزارة الخارجية الألمانية، في يناير/ كانون الثاني 2017، إن دبلوماسيين ألمانا ساعدوا في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة السورية وقوات المعارضة في وادي بردى، بهدف إعادة إمدادات المياه إلى دمشق.
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Badawi
محاربة داعش
شارك الجيش الألماني في الحملة العسكرية الدولية ضد تنظيم داعش في سوريا. وقد شارك في العملية ما يناهز 1200 جندي ألماني. المهمة العسكرية الألمانية في سوريا، شملت عناصر المشاة، إضافة إلى طائرات استطلاع من نوع "تورنادو" وطائرة للتزود بالوقود وسفينة حربية لدعم حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" في البحر المتوسط، فضلا عن عمليات استطلاعية عبرالأقمار الصناعية.
صورة من: Getty Images/Hulton Archive/USAF
اتفاق مع تركيا ساهم في إنقاذ أرواح آلاف من طالبي اللجوء
في بدايات عام 2016، وقع الاتحاد الأوربي وأنقرة اتفاقية للحد من تدفق اللاجئين من السواحل التركية إلى أراضي الاتحاد. هذا الاتفاق الذي تعرض لانتقادات، وتبعه توتر كبير بين الطرفين التركي والأوروبي، كانت ألمانيا من بين مناصريه. فقد اعتبرته اتفاقا ناجحا ما دام قد حقق هدفه، و"ساهم في مكافحة أعمال التهريب المميتة للاجئين عبر بحر إيجة بشكل فعال"، حسب تصريح المتحدث باسم الحكومة الألمانية.
صورة من: Reuters/Yves Herman
محاربة الأسلحة الكيماوية
لعبت ألمانيا دورا بارزا في محاربة الأسلحة الكيماوية في سوريا، وكانت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، قد أعلنت دعمها للضربة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على أهداف منتخبة في سوريا يوم 14 أبريل/ نيسان2018، كما رأتها "ضرورية وملائمة للحفاظ على فعالية الحظر الدولي لاستخدام الأسلحة الكيماوية ولتحذير النظام السوري من ارتكاب انتهاكات أخرى".
صورة من: picture alliance/AP Photo/H. Ammar
ألمانيا وسيط محايد محتمل و"رسول سلام"
تساءل البعض عن سبب عدم مشاركة ألمانيا في الضربة العسكرية على النظام السوري، فيما أعتبر آخرون إمكانية لعب ألمانيا دور الوسيط المحايد للبحث عن حل للنزاع. وتشير معطيات إلى إمكانية تأثير ألمانيا في إيجاد حل للأزمة السورية، خاصة بعد تصريح وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس، الذي أكد أن الصراع السوري بحاجة إلى حل يتم التوصل إليه عبر التفاوض وتشارك فيه كل القوى في المنطقة. مريم مرغيش.