ألمانيا واللجوء الكنسي.. خلاف قانوني وموقف وجداني!
٢١ سبتمبر ٢٠١٩
تتحرك الإدارة والعدالة في ألمانيا بأسلوب متشدد ضد اللجوء الكنسي. ولأول مرة مثُل رجل دين أمام المحكمة لأنه منح حق اللجوء الكنسي. والمحاكمة انتهت الآن بدون إصدار حكم نهائي
إعلان
وقف رجل دين مسيحي في ألمانيا في قفص الاتهام بسبب منح اللجوء الكنسي ومعه اللاجئ المعني أيضا، وهو مواطن أفغاني. لكن المحاكمة التي تم متابعتها بنوع من التوتر انتهت الأربعاء بدون إصدار حكم نهائي. القس أولريش غامبيرت وجماعته الكنسية احتضنوا اللاجئ أكثر من عام في إطار ما يسمى باللجوء الكنسي، وبالتالي فإن القضاء اتهمه بالمساعدة على منح الإقامة غير الشرعية.
وحصل غامبيرت في البداية على أمر إداري بغرامة تجاوزت 4000 يورو، لكن بما أنه ااستأنف ضد القرار وصلت القضية على إثرها إلى المحكمة. وحسب تقييم الخبراء فإنه لأول مرة في ألمانيا يتم جلب رجل دين بسبب منح اللجوء الكنسي إلى المحاكمة وتوجيه التهمة إليه. وحتى اللاجئ المعني، رضا جعفري تلقى غرامة واعترض عليها. وحسب قرار المحكمة وجب عليه الآن مزاولة 80 ساعة من العمل ذي النفع العام.
مخالفة بسيطة
واعتبرت القاضية الآن وجود جرم ضعيف وعلقت المحاكمة ضد القسيس البالغ من العمر 64 عاما. لكن وجب على الذي يصفه مقربون بأنه هادئ ومتحفظ دفع غرامة مالية بمبلغ 3000 يورو لمؤسسة اجتماعية تتفق عليها جميع الأطراف. والمثير للاهتمام قانونيا في هذه القضية هو أنه لا يمكن تقديم طعن في الحكم بعد وقفه.
وعبرت الكنيسة البروتستانتية في ولاية بفاريا بعد القرار عن "سعادتها وارتياحها". لكن عضو المجلس الكنسي في إدارة الكنسية المسؤول عن اللجوء، ميشاييل مارتن شدد على "أننا ككنيسة كنا نتمنى الحصول على توضيح مبدئي يكشف ما إذا كان منح اللجوء الكنسي مساعدة على الإقامة غير الشرعية".
وهذا الخلاف يثير حفيظة الكثير من الجماعات الكنسية الناشطة في مجال اللجوء الكنسي، إذ حصلت في نهاية تموز/يوليو في بعض البلدات المجاورة مشاهد غير مسبوقة في ألمانيا في السابق، بحيث أن مئات ممثلي الكنيسة ورجال الدين مشوا في مسيرات صامتة، رافعين لافتات كُتب عليها " اللجوء الكنسي ليس جرما" أو "لكل شخص الحق في الحصول على الحماية من الاضطهاد".
الخلاف يزداد حدة
وفي حالة غامبيرت يحصل خلاف يزداد حدة منذ سنوات حول اللجوء الكنسي على بُعد جديد. فمنذ الثمانينات تمنح مجموعات كنسية في حالات خاصة لأشخاص مهددين بالترحيل الحماية. وبهذا السلوك تتعارض موقف هذه الجماعات مع الوضع القانوني السائد، لكنها تستشهد بحالة الضرورة الإنسانية. لكن المسؤولين السياسيين ينتقدون باستمرار هذا السلوك. وفي سلسلة من الحالات اقتحمت قوات الأمن حرمة أروقة الكنائس وأنهت حماية اللاجئين. وتفيد مصادر كنسية أن مجموعات كنسية في بفاريا منحت مؤخرا في نحو 80 حالة اللجوء الكنسي، 35 بينها كان في مؤسسات بروتستانتية. وليس نادرا أن يكون الأشخاص المعنيون من افغانستان يخشون الترحيل إلى وطنهم أو العودة إلى بلد آخر. وعلى المستوى الاتحادي تشمل هذه العملية مئات الحالات في ألمانيا.
من جانبه، يضغط مكتب الهجرة واللاجئين بقوة على تنفيذ عمليات الترحيل حتى الذين يتمتعون باللجوء الكنسي ويشير إلى حكم صادر في منتصف 2018 ساري المفعول. لكن خبراء كنسيين ينتقدون ذلك بشدة. "من لايزال يحمل رأسه بين كتفيه لا يشكل في أعين مكتب الهجرة واللاجئين حالة اضطرارية"، كما قالت مؤخرا رئيسة مجموعة العمل الاتحادية "اللجوء في الكنيسة"، القسيسة البروتستانتية ديتليند يوخمس التي أوضحت الأربعاء (18أيلول/ سبتمبر) لـDW أن المحاكمة ضد القس غامبيرت تكشف "بشكل مثالي" عن وجود مشكلة ملحة.
وإذا ما سألنا رجال دين آخرين ناشطين في حالات أخرى من اللجوء الكنسي، فإنهم يقتسمون غضب يوخمس حول توجه مكتب الهجرة واللاجئين والمحاكم.
والقسيس غامبيرت كشف بعد المرافعة حول وقف المحاكمة عن ارتياحه، معتبرا أنه من المهم بالنسبة إليه أن يدفع فقط غرامة مالية وأنه "ليس من الناحية المبدئية جرما منح اللجوء الكنسي أو الاستفادة منه".
بين القانون والرحمة
وناشد مؤتمر الأساقفة الألمان في وقت سابق البلديات التأني في التعامل مع تقاليد اللجوء الكنسي بالنسبة للاجئين. وأكد الأساقفة الكاثوليك في بيان أنه يتعين على البلديات دائما معرفة الحالة الشخصية جيدا تماما لكل طالب لجوء على حدة في البداية، وشددوا على أنه يتعين على البلديات أيضا الالتقاء شخصيا في البداية باللاجئ أو اللاجئين. وجاء في البيان أيضا: "يتعلق الأمر في النهاية فيما يخص إصدار قرار لجوء كنسي بتحكيم الضمير".
وأكد الأساقفة أنه من الممكن أن يكون مشروعا أيضا رفض طلب لجوء كنسي، وأوضحوا: "الرفض لا يعني أنه ليس هناك رحمة".
ونشير إلى أن الحكومة الاتحادية اتفقت في عام 2015 مع الكنائس على إجراء منظم للجوء الكنسي، ينص على أن تخطر البلديات السلطات بكل حالة لجوء كنسي وتقوم بجمع ملف لكل حالة، على أن يفحص مكتب الهجرة وشؤون اللاجئين هذه الحالات مرة أخرى بعد ذلك.
وكان مكتب الهجرة واللاجئين قد شدد مسارات الإجراءات خلال العام الماضي، الأمر الذي انتقدته بعض الكنائس.
كريستوف شتراك/ م.أ.م
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش