ألمانيا واليابان تعززان التعاون العسكري.. رسالة إلى الصين؟
٢٤ أغسطس ٢٠٢٥
عندما يتحدث وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول في قاعدة يوكوسوكا العسكرية اليابانية أمام سفن حربية عن الهيمنة الصينية، فإنه يدرك جيدا أين ستُرى هذه الصور بشكل خاص. ففي الصين لم يُنسَ التحالف الألماني الياباني خلال الحرب العالمية الثانية. لذلك عندما اتهم فاديفول الصين في اليوم السابق بـ"التصرف العدواني" في المنطقة ردّت بكين بغضب وحذرت من "التحريض على المواجهة والتوتر".
لكن فاديفول لم يتراجع عن موقفه، وقال في اليابان: " لا يجوز تغيير الحدود بالقوة، لا في أوروبا ولا في أي مكان آخر في العالم". إنها رسالة واضحة فيما يتعلق بقضية تايوان. في حين أن تايوان لم تعلن استقلالها رسميا فإن البلاد تحكمها حكومة مستقلة فعليا. من ناحية أخرى تعتبر جمهورية الصين الشعبية تايوان مقاطعة منشقة. وتعتبر إعادة التوحيد هدفا للدولة، ولا تستبعد بكين استخدام الوسائل العسكرية لتحقيق ذلك.
ألمانيا تلتزم بسياسة الصين الواحدة. ورغم أنها لا تقيم علاقات دبلوماسية رسمية مع تايوان، إلا أنها تتعاون مع الدولة الجزرية في مجالات الاقتصاد والثقافة والبحوث، وتدعو إلى إعادة التوحيد السلمي على أساس التوافق المتبادل.
ألمانيا تريد تحمل المزيد من المسؤولية
في هذه الأيام التي تكافح فيها أوروبا من أجل مستقبل أوكرانيا يجب إرسال رسائل واضحة إلى بكين، كما يؤكد يورغن هاردت في حديثه مع DW . ويرافق البرلماني وزير الخارجية في رحلته. "لقد سألنا ممثلي الحكومة الصينية مرارا عما إذا كانوا يدعمون روسيا ضد أوكرانيا، ونفوا ذلك. لكننا على يقين من أن هذا غير صحيح". ولذلك من الصواب التحدث بصراحة مع الصين.
وتتمركز القوات المسلحة الألمانية في قاعدة يوكوسوكا حيث تراقب تنفيذ وتنسيق العقوبات البحرية التي فرضها مجلس الأمن الدولي على كوريا الشمالية وذلك في إطار مهمة عسكرية متعددة الجنسيات. ويشارك في هذه المهمة أيضا أمريكيون وفرنسيون وبريطانيون وممثلون عن دول أخرى. ويكرر فاديفول في طوكيو أن "ألمانيا تريد تحمل المزيد من المسؤولية" لأن "الخصومة النظامية تحتل مكانة متزايدة في علاقاتنا".
اليابان أقل اعتمادا على الصين
وصف وزير الخارجية اليابان بأنها "الشريك المتميز" لألمانيا في آسيا. وقال فاديفول : "نرى أنه من الضروري أن نتحمل معا مزيدا من المسؤولية في مجال سياسة الأمن". كما تحدث عن حماية المصالح الاقتصادية.
ويرافق وزير الخارجية في زيارته إلى اليابان ما يقرب من اثني عشر ممثلا عن قطاع الأعمال. "السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف نتعامل مع الاعتماد على المواد الخام والمعادن النادرة؟"، يتساءل أرند فراتس، رئيس مجلس إدارة شركة ماله لتوريد قطع غيار السيارات في شتوتغارت. ويضيف أن عدد الموردين قليل: "تحتل الصين مكانة مهيمنة في هذا المجال وتستغلها". تنتج شركة فرانتس ثمانية ملايين محرك كهربائي سنويا. ويؤكد فرانتس أن "اليابانيين أكثر استعدادا للتعامل مع هذه المسألة بفضل إدارة المخاطر التي يتبعونها ونحن نتعلم منهم في هذا المجال".
لكن الحقيقة هي أن اليابان قد قطعت شوطا أطول بكثير في تحقيق هدفها المتمثل في تقليل اعتمادها الاستراتيجي على الصين. فاليابان لا تستورد سوى 60 في المائة من المعادن النادرة من الصين. أما ألمانيا فتستورد 90 في المائة من الصين، وهو ما يعادل حصة الصين من الإنتاج العالمي لهذه المواد الخام.
اليابان تدعم أوكرانيا، والصين تدعم روسيا
إن مكانة اليابان المرموقة كشريك عالمي لبرلين ترجع أيضا إلى تضامنها مع أوكرانيا. فقد قدمت طوكيو حتى الآن 12 مليار يورو من المساعدات لأوكرانيا وفرضت عقوبات على روسيا بعد غزوها الكامل في عام 2022.
في المقابل تدعم بكين "آلة الحرب الروسية"، كما يقول فاديفول. وستدافع ألمانيا "عن النظام الدولي القائم على القواعد في هذه المنطقة أيضا". ويشير فاديفول بذلك أيضا إلى مضيق تايوان. يمر عبر هذا المضيق شريان حيوي للتجارة البحرية العالمية، وهو ذو أهمية استراتيجية كبيرة لدول تجارية مثل ألمانيا واليابان.
ويحذر وزير الخارجية الألماني من أن "أي تصعيد في مضيق تايوان سيكون له عواقب وخيمة على الأمن والاقتصاد العالميين".
دبلوماسي للمعدات العسكرية
يعود التعاون الوثيق بين ألمانيا واليبان في مجال الأمن إلى الاتفاقية التي وقعها البلدان في عام 2021. ومنذ ذلك الحين تتبادل أجهزة الاستخبارات المعلومات. ومن المقرر تعزيز الالتزام الألماني في منطقة المحيطين الهندي والهادئ من خلال زيارات متقطعة لسفن حربية ألمانية إلى الموانئ اليابانية وطائرات يوروفايتر إلى القواعد العسكرية اليابانية. وعادة ما تتم هذه الزيارات في إطار مناورات عسكرية مشتركة.
كما ترغب صناعات الدفاع في البلدين في تعزيز التعاون. ويقول يورغن هاردت لـ DW :" تتفق ألمانيا واليابان اليوم أكثر بكثير على الدفاع، مما يفتح آفاقا جديدة. وعلى الرغم من أن الشركات في البلدين تتنافس أحيانا كما حدث مؤخرا عندما طلبت أستراليا سفنا يابانية بدلا من ألمانية، فإن التعاون بينهما سيزداد قريبًا".
أخيرا بدأت أكبر شركة ألمانية لتصنيع الأسلحة Rheinmetall في المرحلة التجريبية لعدة مركبات برية ذاتية القيادة والتي من المقرر أن تصنعها لعملاء يابانيين. كما من المقرر أن تقوم شركة يابانية بتطوير عناصر دفع صاروخية لصاروخ Taurus بالإضافة إلى ذلك بدأ دبلوماسي جديد وهو ملحق عسكري العمل مؤخرا في السفارة الألمانية في طوكيو. مجال تخصصه: التسلح والمشتريات.
"لا نكرر أخطاء أوروبا"
تتجه الأنظار اليوم في جنوب شرق آسيا نحو أوروبا. يخشى الكثيرون أن يؤدي فشل المفاوضات بشأن أوكرانيا إلى تشجيع بكين على اتخاذ موقف أكثر عدوانية تجاه تايوان أو في بحر الصين الجنوبي.
"في حالة أوكرانيا اضطررنا إلى تعديل تقييمنا للأوضاع الأمنية في أوروبا"، يقول يورغن هاردت. لم تأخذ السياسة الألمانية في ذلك الوقت على محمل الجد التحذيرات التي وردت من دول أوروبا الشرقية وغيرها بشأن هجوم روسي. "لا ينبغي أن نكرر نفس الخطأ مرتين"، يطالب عضو البوندستاغ.
بعد زيارته إلى اليابان يتوجه وزير الخارجية الألماني إلى جاكرتا. في أندونيسيا أكبر دولة مسلمة في العالم سيسعى إلى استكشاف أسواق جديدة وإمكانيات للتعاون. وهذا أيضا جزء من استراتيجية ألمانياللحد من المخاطر التي أصبحت اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى بالنسبة لبرلين.
أعده للعربية: م.أ.م