ألمانيا وحماية البيانات الشخصية للسياسيين.. وهم أم واقع؟
٨ يناير ٢٠١٩
هجمات قرصنة وتسريبات في البيانات والتجسس عبر الشبكة العنكبوتية: نسمع الكثير عن هذه الأعمال ويبدو أننا تعودنا عليها. ولكن فيما يخص السطو الأخير على البيانات الشخصية في ألمانيا، فيبدو أنه مختلف. محاولة توضيح.
إعلان
أن تصدر صرخة كبيرة على إثر هجوم قراصنة كومبيوتر في ألمانيا لم يكن متوقعا بهذا الحجم، لأنه في الحقيقة سبق وأن عايشنا أعمالا غير متوقعة. فقبل أسابيع أعلنت سلسلة الفنادق الأمريكية Marriott أن بيانات شخصية لزبائن فندق تمت سرقتها، بينها معلومات حول إجراءات الدفع.
وبالرغم من ذلك فإن هناك ما هو أكبر من هذه العملية، إذ وقعت أكبر قرصنة بيانات إلى حد الآن في عام 2013 عندما تم السطو لدى Yahoo على بيانات أكثر من مليار مستخدم، بينهم أيضا مستخدمون ألمان. كما حصلت في ألمانيا هجمات قرصنة مقلقة للغاية. وعُلم قبل سنوات أن جهاز الاستخبارات الأمريكي تجسس على ما يبدو لسنوات على الهاتف المحمول للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. ثم تعرفنا بعدها على هجوم إلكتروني على البرلمان الألماني على ما يبدو من طرف قراصنة روس ما أدى إلى استبدال التجهيزات الإلكترونية. وهذه الحالات مقلقة، فلماذا هذا الغضب في هذه الفترة بالذات؟ هل ديمقراطيتنا ربما مهددة؟
الحادثة
الحادثة الحالية تتعلق بنشر بيانات سياسيين وشخصيات مرموقة عبر حساب تويتر مغلق في الأثناء، وكان الأمر يشبه تقويم بشارة عيد يُفتح فيه في كل يوم باب أمام الرأي العام يكشف عن بيانات شخصية جديدة. والمستهدفين هم ممثلون معروفون مثل النجم السينمائي والتلفزيوني تيل شفايغر وسياسيون، بينهم الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير والمستشارة أنغيلا ميركل ورئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي أنغريت كرامب كارنباور أو رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي أندريا ناليس. حوالي 1000 شخص سقطوا ضحية سرقة البيانات.
الجانب المثير
والمثير للانتباه في الحالة الراهنة لا يتمثل في أن المستهدفين أشخاص مرموقون ومعروفون، بل كيفية استهدافهم، وذلك خارج حياتهم المهنية. "في العادة شاهدنا في فضائح البيانات أو التجسس الإلكتروني التي حصلت إلى حد الآن في ألمانيا أن بيانات داخلية من الحكومة الألمانية أو من البرلمان الألماني تم سحبها وليست بيانات عن الحياة الشخصية"، كما قال سفين هربيش، مدير مشروع في سياسة الأمن الدولية التابعة لجمعية المسؤولية الجديدة التي تهتم بالتقنية والرقمنة في السياسة والمجتمع، لأن سرقة البيانات الأخيرة لم تستهدف فقط العناوين الإلكترونية أو أرقام الهاتف، بل أيضا بيانات الحسابات البنكية وصورا شخصية. وهذه المرة تم مبدئيا ليس فقط الهجوم على وظيفة الشخص، بل على الشخص نفسه بما في ذلك محيطه الاجتماعي.
الأفكار متحررة
وهذا الهجوم يستهدف بأي شكل من الأشكال الأفكار، لأن الأشخاص المعروفين لدى الرأي العام ينتبهون دوما لما يقولون وفي أي لحظة. وكل شيء يبقى مكتوما. لكن ما الذي يحصل عندما يستحوذ شخص على المدونات الشخصية التي لا يحق لأحد أن يتعرف عليها؟ ويمكن التنبأ بذلك عندما ننظر إلى رد فعل الشخص المعني بالهجوم. فامتعاض الأشخاص الضحايا لهذا الهجوم يعود لكون الهجوم يسرق بيانات تتعلق بالحياة الشخصية لهؤلاء الأفراد وبأفكارهم. ففي الماضي كان القراصنة يصادرون الأسرار المهنية واليوم حتى معلومات من الحياة الشخصية.
من سرقة البيانات إلى سرقة الديمقراطية
وهناك جانب آخر يثير حاليا الكثير من الانتقاد، وهو أن سلطات الأمن تعرفت بشكل متأخر على الحادثة. ويبدو أن مكتب الأمن الرقمي كان يعلم بالحادثة في ديسمبر، واعتقد أن الأمر يتعلق بأشخاص قلائل ولم يطلع السلطات الأخرى على ذلك، وبالتالي فإن الانتقاد ينصب حاليا على السلطات الأمنية. إلا أن بعض الخبراء يرفضون اتهام السلطات الأمنية بحكم أن مهمتها لا تكمن في حماية الحسابات الشخصية للسياسيين، وبالتالي لا يمكن الحديث عن فشل السلطات. كما أن الأحزاب المسؤولة عن أمن حساباتها قلما اهتمت إلى حد الآن بأن تتولى السلطات المعنية حماية حسابات الأحزاب.
ويستبعد هؤلاء الخبراء أن تكون الديمقراطية مهددة بسبب هذا الهجوم الأخير الذي يشكل بالأحرى تحذيرا لأخذ مزيد من الحذر في الأمن الرقمي. ولا يمكن مقارنة هذا الهجوم الإلكتروني في ألمانيا بالتسريبات التي حصلت في الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية في عام 2016 عندما اقتحم قراصنة من جهاز الاستخبارات العسكري الروسي شبكة الحزب الديمقراطي الأمريكي ونشروا وثائق وعناوين إلكترونية لإلحاق الضرر بمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون.
ماركو مولر/ م.أ.م
فيسبوك - من أيادي الطلبة إلى أداة للأنظمة
جعل العالم "قرية صغيرة" لم يعد هدف "فيسبوك" الوحيد. فمع السنين، صار الموقع الأشهر سلاحاً ذا حدين؛ يسمح بحرية التعبير، ولكنه يثير مخاوف خاصة فيما يخص البيانات الشخصية التي بات اختراقها ممكناً وتحويلها إلى أداة قمع وارداً.
صورة من: picture alliance/NurPhoto/J. Arriens
البداية من هارفارد
لم تكن نية مارك زوكربرغ ورفاقه في أول الأمر سوى إطلاق شبكة اجتماعية خاصة بتبادل المعلومات والصور والآراء بين طلاب جامعتهم هارفارد. أطلقوا على تلك الشبكة اسم: فيسبوك. وفي الرابع من فبراير/ شباط 2004 تم تأسيس الشبكة رسمياً، ليتوافد عليها طلبة من جامعات أخرى وتلقى رواجاً ونجاحاً مهمين. هذا النجاح دفع مؤسسي "فيسبوك" إلى فتح باب العضوية للجميع ابتداءً من نهاية عام 2006.
صورة من: Reuters/B. Snyder
إقبال متزايد
كان لـ"فيسبوك" قدرة خارقة على اختصار المسافات والربط بين أطراف العالم بضغطة زر، حيث زاد المقبلون على استخدامه إلى الملايين منذ إنشائه. وقد تجاوز مستخدموه الآن ربع سكان العالم، كان مارك زوكربرغ قد كتب في تدوينة له السنة الماضية (2017) على "فيسبوك" أن عدد المشتركين وصل إلى ملياري شخص، في حين كان عددهم مليون شخص عام تأسيسه (2004).
صورة من: Reuters/D. Ruvic
كوكب مواز
اختراق "فيسبوك" للعالم وحيازته لمساحة مهمة من حياة الناس لم يكن بمحض الصدفة. فقد أتاح لمستخدميه فرصة التواصل مع العالم الخارجي والتعارف كما التعرف على أشخاص وأماكن جديدة، بالإضافة إلى الانفتاح وتبادل المعلومات والإدلاء بالآراء والمواقف الشخصية، سواءً عن طريق نشر تدوينات أو صور أو حتى مقاطع فيديو. هذه الميزات والتقدم الذي عرفه الموقع جعل كثيرين يطلقون عليه "الكوكب الموازي".
صورة من: picture-alliance/dpa/J.W.Alker
"استحواذ" وشراكات
استطاع "فيسبوك" أن يكتسب شهرة عالمية ويعقد بذلك شراكات مع مؤسسات معروفة. كما مكنته الأموال التي حصل عليها عن طريق الإعلانات من "الاستحواذ" على برامج أخرى. وتعتبر شركة "مايكروسوفت" من بين الذين قدموا عرضاً لشراء "فيسبوك" عام 2007 بشراء حوالي خمسة في المائة من أسهم "فيسبوك". أما بالنسبة للمواقع التي ضمها إليه، فقد كان تطبيق "إنستغرام" أولها عام 2012، تلاها "واتساب" عام 2014.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Becker
"نافذة للرقابة والقمع"
اعترفت بعض المحاكم بـ"فيسبوك" منذ 2008. كما عوقب كثيرون بسبب نشرهم لمحتوى "لم يرق" لدولهم أو جهات أخرى. وكانت وزارة الداخلية المصرية عام 2014، مثلاً، قد ألقت القبض على سبعة أشخاص يستخدمون موقع "فيسبوك" "للتحريض" ضد قوات الأمن، حسب ما نقلت رويترز آنذاك. كما حُظر الموقع في بعض الدول كسوريا وإيران. لكن سرعان ما رُفع هذا الحظر. المنع لا يخص الدول، بل يشمل بعض الإدارات التي منعت موظفيها من استعماله.
صورة من: picture-alliance/empics/D. Lipinski
أفيون الثورات؟
شكل "فيسبوك" مساحة للإدلاء بوجهات النظر دون أي قيد قد يواجه المستخدم على أرض الواقع. الثورة في مصر عرفت طريقها نحو الواقع من "فيسبوك"، الذي لعب دوراً مهماً في تحويل قضية الشاب خالد سعيد إلى شرارة لإطلاق ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، وهو ما أشار إليه الناشط المصري وائل غانم في كتابه "ثورة 2.0". لكن الحرية بدأت تتراجع حين اعترفت المحاكم بالموقع وصارت الجرائم الإلكترونية ضمن ما تعاقب عليه هناك.
صورة من: picture alliance/AP Photo/M. Deghati
منصة للجيوش الإلكترونية
خلق "فيسبوك" أرضاً خصبة لمجموعة من الأنظمة التي سخرته لخدمة مصالحها السياسية. وكان الجيش السوري الإلكتروني، الذي ظهر إبان الثورة السورية (2011-2012) واحداً من أبرز هؤلاء، حسب ما ذكر بعض المراقبين. فقد شن انطلاقاً من الموقع حرباً إلكترونية، وذلك باختراقات أو إغراق الصفحات بتعليقات مؤيدة لنظام الأسد أو اتهامات بالخيانة للمعارضين. بالإضافة إلى إرسال بلاغات لـ"فيسبوك" بإغلاق حسابات لمعارضين.
صورة من: Vernon Manlapaz
انتقادات متكررة!
"انتهاكات خصوصية المستخدمين، تسريب البيانات وإمكانية استغلالها من طرف الاستخبارات، فضلاً عن نشر مواد تدعو إلى العنف والكراهية والتمييز..." كلها انتقادات وجهت لـ"فيسبوك". لكن كريس هيوز، المتحدث الرسمي باسم الشركة سابقاً، رد على هذه الانتقادات بقوله: "لم نقم من قبل مطلقاً بتزويد أطراف آخرين بالبيانات الخاصة بمستخدمي الموقع، ولا نعتزم القيام بذلك على الإطلاق"، حسب ما تناقلته عدة مواقع إلكترونية.
صورة من: picture alliance/dpa/epa/R. Khan
دعاوى قضائية متعددة
رفعت العديد من الدعاوى القضائية ضد "فيسبوك"، كما رفع هو الآخر ضد مستخدمين. كان أول الدعاوى ضد الشبكة عام 2004، إذ اتهمت شركة "كونكت يو" مارك زوكربرغ بسرقة الأفكار التي وضعوها حول الموقع واستخدام الكود الرئيسي الخاص بهم. كما رفع الموقع هو الآخر دعوة ضد ضد آدم جوربوز، وحصل على تعويض قيمته 873 مليون دولار.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Reinhardt
"إخفاق كارثي"
مسألة الحصول على بيانات المستخدمين جعلت "فيسبوك" محط محاسبة في مرات كثيرة؛ آخرها يوم 20 مارس/ آذار 2018. فقد دعت لجنة من المشرعين البريطانيين من مختلف الأحزاب رئيس "فيسبوك" إلى تقديم تفسير بخصوص "إخفاق شركته الكارثي" في حفظ البيانات الشخصية. كما قررت السلطات البريطانية التحقيق بشأن شركة "كامبريدج أناليتيكا" البريطانية، التي اتهمت بحيازة غير قانونية لمعطيات مستخدمي الشبكة. إعداد: مريم مرغيش