أمازيغ الجزائر يحتفلون بـ"ينَاير" رمزا للهوية والتضامن
١٢ يناير ٢٠١٤للاحتفال برأس السنة الأمازيغية نكهة خاصة، لدى أمازيغ الجزائر والبلدان المغاربية الأخرى، ويتم إحياؤها بطقوس خاصة وعادات تعكس تقاليد وهوية الأمازيغ. وتختلف تسميات الاحتفالات برأس السنة الامازيغية بين "ينَاير" و"املالن"، أو "اقورارن"، بحسب اختلاف اللهجات الأمازيغية في الجزائر.
ويرتبط هذا التاريخ، في المخيال الشعبي ولدى عدد من المؤرخين، بانتصار الملك الأمازيغي شيشناق على فرعون مصر وذلك أربعة قرون قبل الميلاد. وحيكت حول الحدث أساطير تختلف من منطقة إلى أخرى ترسخت في مخيلة سكان المنطقة ككل، فمنهم من يربط العيد الأمازيغي بالعجوز التي سبت شهر يناير ولم تكترث له، وفضلت إخراج قطيع غنمها لترعاها، متحدية قوة الطبيعة، ففوجئت بعاصفة ثلجية جمدتها هي وغنمها، ومن ثمة بات ذلك اليوم يوما يُحتفى به، في تاريخ الأمازيغ، فيما تقول أسطورة ثانية أنه يحتفل به الأمازيغ ليبارك موسمهم الفلاحي لارتباطهم بأرضهم فيما جاء في أسطورة ثالثة وهي الاقرب إلى الحقيقة، حسب عدد من المؤرخين في بلدان المغرب، وهي إنتصار الزعيم الأمازيغي شيشناق على رمسيس الثاني، فرعون مصر .
ورغم إختلاف أساطير يناير، إلا أن المتفق عليه هو الاحتفال في يوم واحد في 13 من يناير(كانون الثاني)، ويحتفل الأمازيغ عادة في بلدان المغرب والجزائر وتونس وليبيا وصولا إلى مناطق الصحراء الكبرى التي يعيش فيها الطوارق رحلا، ويسبق التاريخ الأمازيغي السنة الميلادية بـ 951 سنة. وتقام احتفالات هذا العام بالسنة 2964 .
أطباق تقليدية خاصة بيناير
وقد انطلقت في الجزائر اليوم الأحد 12 يناير أجواء الاحتفالات قبل أسبوع حيث زينت الشوارع بموائد تعرض أنواع مختلفة من الحلويات تعرف بتمسية " التراز" والتي تعنى اليوم الثالث عشر، والألوان تحضر بقوة في منازل العائلات الأمازيغية، التي تعبر عن الفرح فيما يتردد المواطنون على الأسواق لشراء مستلزمات الاحتفال بهذا اليوم.
وحاور موقع DW عربية عددا من المحتفلين الأمازيغ ومن شرائح اجتماعية مختلفة في الشارع الرئيسي للعاصمة الجزائر، لرصد أجواء احتفالاتهم بيناير. أمام طاولات الحلويات التقينا وردية التي تنحدر من أصول أمازيغية من منطقة بجاية، وهي تقول: "يناير هو يومنا نحن الأمازيغ نحتفل بانتصار شيشناق، ومن عاداتنا اليوم تحضير طبق الطعام مشهور وهو الكسكسي، ونذبح الحيوانات من أجل لحومها، عادة ما تكون دجاجة، حيث يقوم كبير العائلة بذبح ديك ونحضره للعشاء الذي يحضره جميع أفراد العائلة والعشيرة ونحتفل في الليل بالأغاني ووضع الحنة للأطفا".
إحتفالية يناير تقيمها بعض قرى ولاية تيزي وزو كبرى منطقة القبائل، الأمازيغية، من خلال ذبح ديك عن كل رجل ودجاجة عن كل امرأة، وديك ودجاجة معا عن كل امرأة حامل من العائلة، وهو ما أكدته لنا إحدى عجائز المنطقة وتدعى الطاوس حيث قالت "نطهي الدجاجات، في قدر طيني واحد، توزع على أفراد العائلة كل بحصته، دجاجة لكل واحد وعليه ان يكملها ولو لفترة تستمر إلى أيام، على ألا يأكل أحد من دجاجة أخرى ليست له".
وتختلف العادات من منطقة لأخرى، ففي وسط العاصمة لا تشترط نوع معين من الذبيحة، فالمهم حسب المعتقدات السائدة في المجتمع القبائلي(نسبة إلى منطقة القبائل)، هو أن يكون هناك لحم، وهذا "لحماية العائلة من الأمراض والعين الحاسدة، كما أنها تقي أفرادها من المخاطر طول أيام السنة".
وتقوم المرأة القبائلية بموازاة ذلك بتحضير مأكولات تقليدية مختلفة ومتنوعة يطلق عليها سكان منطقة القبائل اسم "أمنسي نيناير"، وذلك لما له من تأثير بالغ على العائلة ورزقها طوال أيام السنة الجديدة، حيث أن تنوع أطباق هذه المأكولات يوحي بكثرة الرزق والأرباح وجني محصول وفير خلال السنة الجديدة.
وللأطفال نصيب من الاحتفال
تقوم العائلات التي لديها أطفال صغار كما شرحت لنا أم رضا بوضع أطفالها في داخل قصعة كبيرة ويتم وضع الحلوى فوق رؤوسهم حتى تكون سنة 2964 الأمازيغية سنة خير عليهم، كما تحرص بعض العائلات تضيف أم رضا بقرى ومداشر القبائل الكبرى على عادات جميلة ألفت عليها، على غرار حلق رؤوس الأطفال الصغار الذين لم يمر عليهم العام، في إحتفالية بهيجة يحضرها كافة أفراد العائلة، مع اقتناء كسوة خاصة للطفل المحتفى به، مع تحضير أطباق مميزة بالمناسبة، من طبق الكسكسي إلى طبق بركوكس على ان توزع منها إلى الجيران الذين يتمنون حياتا سعيدة للطفل، وكافة عائلته، كما تحضر عائلات أخرى طبق "البغرير بالعسل" تفاؤلا بعام كله خيرات.
وإلى جانب تحضير الأطباق الشهية والاحتفال مع الأطفال ما يميز يناير في الجزائر توزيع الأكل على الفقراء والمساكين في كل المناطق الجزائرية الذين لا يتمكنون من الاحتفال.
"الوزيعة" من أبرز فعاليات الاحتفالات
ومن بين أهم العادات في الاحتفال بالعيد الأمازيغي لدى العائلات الجزائرية هي التضامن مع العائلات الفقيرة، حيث تقوم العائلات الميسورة من التجمع في بيت واحد وجمع الأموال و تحضير الأطباق التقليدية المتمثلة في "الرشتة، و ثيغريفين"، وأثناء تحضيرها تبدأ النسوة بترديد الاغاني القديمة. وبعد الانتهاء يتم توزيع المأكولات في شكل حصص متساوية على الفقراء ويطلق عليها اسم "الوزيعة"، وتقام الوزيعة في مختلف ارجاء البلاد.
وفي الجنوب الجزائري، يحتفل بربر الطوارق باليوم الأمازيغي في أسبوع كامل و يطلق عليه اسم " الأسبوع الامازيغي"، حيث تجتمع كل قبائل الطوارق في مكان واحد ولمدة أسبوع كامل، وخلاله يتم تحضير الاطباق التقليدية في الفترات الصباحية، وفي المساء يتم توزيعها على كافة القبائل، وفي فترة الليل تقوم الفرق الموسيقية بالتهليل والغناء والرقص حتى الصباح.
وتختلف العادات والتقاليد في الجزائر بين أمازيغ وطوارق إلا أنهم يتفقون ويحتفلون في يوم 13 يناير من كل سنة بعيد الامازيغ دون استثناء، ويتضامنون فيما بينهم لخلق جو من الرحمة والمحبة يلمسها المرء عبر الشوارع بين الناس الذين نجدهم في هذا اليوم يتبادلون الهدايا والتمنيات بقول كلمة "أسقاس أمقاس" و تعني عام سعيد.